كتير ما يتردد على مسامعنا الجزء ده المقتطع من كلام المسيح للفريسيين في متى٧:١٢: “لَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى ٱلْأَبْرِيَاءِ!”. وفي مقالنا هنحاول نشوف المعنى الأصلي للنص في سياق رد المسيح على اعتراض الفريسيين. ومين اللي قصدهم السيد المسيح بالأبرياء.
بداية الحكاية: السبت
في نهاية الأصحاح الـ ١١من إنجيل متى يقدم السيد المسيح دعوة لكل المتعبين: “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ” (متى٢٨:١١-٣٠).
وفي بداية الأصحاح الـ١٢ بنلاقي نفسنا كقراء قصاد مجموعة من المواقف اللي بتدور في يوم السبت: يوم العبادة ويوم الراحة اللي حدده الله في العهد القديم لشعبه بارتباطه بالخليقة الجميلة الرائعة اللي الله أكمل خلقها في اليوم السادس، وأعلن في اليوم السابع اللي هو السبت رضاه وارتياحه عن كل اللي خلقه. وبالتالي خصص الله في الشريعة الموسوية يوم السبت عشان يكون يوم العبادة والراحة لما يفتكر الإنسان إن راحته الحقيقية في الله وفي عبادته والانسجام مع مشيئته.
لكن كمان فيه اللي أكثر من كده: في العبادة بيفكر السبت الإنسان إنه حياته مش هتفضل تدور في دواير ملهاش نهاية للأبد.. التعب والمشقة الباطلة والفارغة هيجيلها يوم تنتهي بنهاية الخطية وانتهاء اللعنة من العالم.
صحيح إن الأرض اتلعنت بسبب خطية الإنسان واتحولت لمكان التعب والضيق يوم ما قال الله لآدم: “مَلْعُونَةٌ ٱلْأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ ٱلْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تكوين١٧:٣-١٩).
لكن الله وعد الإنسان في الشريعة براحة روحية ومصالحة وسلام في الوقت اللي فيه هيعالج الله مشكلة الشر والخطية. وعشان كده كان اليوم السابع هو علامة العهد الموسوي واللي كان بيجسد ويصور فكرة الرجوع للحالة المثالية اللي خلق الله فيها الإنسان والأرض وقت ما أعلن رضاه عن خليقته البكر قبل لعنة الخطية (خروج ٣١:١٣-٣٢).
السيد المسيح والسبت
لو فاكر كلامنا في بداية الفقرة اللي فاتت، هتفهم ليه رجعنا (فلاش باك) للخليقة وتقديس يوم السبت في الشريعة.
ببساطة إعلان المسيح عن نفسه كمصدر الراحة من التعب في (متى٢٨:١١-٣٠) كان بشارة سارة لكل المنتظرين خلاص من التعب الباطل في العالم، ورحمة وتحرير من قيود الخطية والشر. وده السبب اللي كان المسيح عشانه حريص إنه يقدم رحمة وشفاء وتحرير يوم السبت.
غلطانين لو افتكرنا إن هدف المسيح الأساسي كان الاصطدام مع الفريسيين مفسري الشريعة، الموضوع الرئيسي كان إعلان عن تتميم الله لوعوده بالخلاص من خلال السيد المسيح، عمانوئيل الله معنا، اللي جاي يخلص شعبه من خطاياهم (متى٢١:١-٢٣).
بوصولنا للصدام مع الفريسيين نفهم معنى عبارة “رحمة لا ذبيحة”
رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً
في يوم سبت، كان المسيح وتلاميذه ماشيين في حقل من الحقول وقطف التلاميذ الحبوب لإشباع جوعهم (آية ١). وبالرغم إن الفريسيين اعترضوا على عمل التلاميذ، إلا إن تركيز النص هنا علي الرب يسوع، لما سأله الفريسيين عن سبب اللي عمله التلاميذ بأمر – في نظرهم ضد شريعة السبت (آية ٢) – وهنا بدأ الصدام!
افتكر الفريسيين في نفسهم إنهم فاهمين طرق الله أكثر من غيرهم، وبالفعل اهتموا بالتفاصيل الدقيقة لأبسط التشريعات المرتبطة بالهيكل والنذور والعشور، وطبعًأ بالذبائح اللي العهد القديم بيعلم عنها في توقع للذبيح الفادي العظيم. الرب يسوع نفسه!
لكن المصيبة إنهم فشلوا في قبول تعاليم وأعمال المسيح اللي أعلن عن الله بالكامل لإنه هو هو الله الظاهر في الجسد، وبالتالي فشله في قبول الشخص اللي الذبائح نفسها كانت بتشاور عليه باعتبار إن الذبيحة بتعلن عن رحمة الله في موت الحيوان بدلًا من الإنسان مرتكب المعصية واللي مستحق الموت. تخيل المأساة إنك تغرق في تفاصيل هامشية وتنسى جوهر التعليم عن الذبيحة. وهو الرحمة والخلاص اللي جسده المسيح!
مَعْرِفَةَ ٱللّٰهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ
في الجزء الأول من الآية اللي اقتبسها الرب يسوع من هوشع ٦:٦ عبارة إني أريد رحمة، لاذبيحة. لكن الجزء الثاني فيه درس مهم جدً وبيقول “مَعْرِفَةَ ٱللّٰهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ”. وده معناه إيه؟
معناه إن الفريسيين محتاجين يتعلموا معرفة الله. والكلام ده صادم جدًا لإنهم في العصر ده كانوا معلمي الشريعة.
عشان كده وجههم الرب يسوع للشريعة مرة تانية لما احتكم للي عمله داود النبي في صموئيل الأول ٢١، لما أكل داود ورجاله خبز الوجوه المخصص بس للكهنة (خروج٢٣:٢٥-٣٠).
مثال تاني احتكم له الرب يسوع عن الكهنة نفسهم. اللي يوم السبت بالنسبة لهم يوم خدمة وعمل نشيط نيابة عن الآخرين. واللي بيعملوه مش خطأ بكل تأكيد. وبالتالي فهمهم للشريعة كان قاصر.
الأهم من المثالين الأول والثاني هو إعلان المسيح عن نفسه إن مجيئه أعلن عن أمر أعظم من الهيكل اللي أكل داود ورجاله من الخبز المخصص أكله من الكهنة اللي بيعموا فيه (لاحظ الآية ٦).
رفضهم لشخص المسيح هو النقطة المحورية اللي لو فهموهما وآمنوا بيه هيعرفوا أمور الله اللي بتحصل بينهم وهيقدروا أنه هو نفسه أعظم من الهيكل. وبالتالي هيتوقفوا عن دينونة الأبرياء…. اللي هما في القرينة دي التلاميذ. والمقصود بتسميتهم أبرياء هو إنهم معملوش خطية لما أكلوا من الحقل يوم السبت، مش إنهم أبرياء في المطلق بكل تأكيد.
كلمة ختامية
الجزء الثاني في هوشع ٦:٦ بيعلمنا إن القضية عمرها ما كانت إن الله ألغى النظام الخاص بالذبائح في المطلق. لكن بالتوازي مع الجزء الأول، نفهم من الجزء الثاني إن المقصود هو التفاوت بين الأصلي والفرعي: الأهم فالمهم. بيقول معرفة الله أكثر من المحرقات. وبالتالي الرحمة هي جوهر الرسالة اللي بتعلمها الذبائح. لو عرفت كل تفاصيل الذبيحة وفشلت في درس الرحمة، فالنتيجة هتكون صفر.
واحنا بنتعلم عن أمور الله، لازم نفهم المعنى الأساسي عشان نقدر نفهم التطبيقات.