الاكتئاب والخِدمة [3]: إجازة مِن الخِدمة

هل يُمكن أن تبتعِد عن الخِدمة بشكلٍ مؤقت، إذا كنت تُعاني مِن الاكتئاب؟ سأحاول في هذا المقال الإجابة على هذا السؤال، رغم شعوري بالقلق والمسؤولية من كتابة مقال عن الاكتئاب. فإن الشيء الأخير الذي يحتاجه الشخص المُكتَئِب هو تقديم ردود تبدو مُبتَذِلة أو سطحيّة أو غير واقعيّة.

كما أنه لا توجد إجابة واحدة لهذا السؤال مُناسِبة لكُل الناس. ومع ذَلِك، ثَمّة ثمانية أسباب على الأقل يكون من الحِكمة أن يطلب القائد أو القِس فيها إجازة من الخِدمة لفترة من الوقت، إذا كان يُعاني مِن اكتئاب شَديد ومستمر.

1. لإجراء فحص طبيّ شامل

مؤخرًا، كان يُعاني أحد طلاب كليّة اللاهوت التي أعمل بها مِن أعراض غير معتادة. في بداية الأمر، لم يَشعُر الطبيب المُعالِج بقلق شَديد حيال الأمر، ولكنه في النهاية طلب منه تحديد موعد لإجراء بعض الفحوصات الإضافية. وبالفعل قد كشف الفحص بالرنين المغناطيسي عن وجود ورم كبير في المخ وضرورة إجراء جراحة فورية.

هل يُمكِن أن يكون الاكتئاب العادي الذي يَمُر به الشخص وراءه سبب بيولوجيّ واضح؟ على الأرجح لا. ولكن بصورة خاصة إذا كانت الأعراض غير طبيعية أو قد ظهرت بشكلٍ مفاجئ، فمن الأفضل إجراء فحص شامل لاستبعاد هذا النوع من المشاكل.

2. لأن الرَب أمَرَ شعبه بالراحة

لقد استراح الله ليكون مثالًا لنا جميعًا لنتبعه (خروج 11:20). ودعا يَسوع تلاميذه للراحة بقوله “تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلًا” (مرقس 31:6). كثيرًا ما اندهشت من مدى اختلاف نظرتي وشعوري تجاه مشكلة قبل وبعد فترة طويلة مِن الراحة.

3. للصلاة والتأمل

إن رئيس كهنتنا العظيم الذي يرثي لضعفاتنا يدعونا أن “نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ”(عبرانيين 16:4). فيسوع شخصياً يَعلم أهمية قضاء أوقات طويلة في الصلاة مع أبينا السماويّ (متى 23:14). لذلك، سيكون مِن الحكمة أن يحذو خدام الرب حذو المسيح.

4. لأن الألم يتطلّب مراحل من العِلاج

يُقَدِم لنا الكِتاب المُقَدّس تعليم عميق بشأن الألم في حياة رجال ونساء تألموا وصرخوا بصِدق إلى الرَب. وهذا يُشَجعنا أن نتعامل مع آلامنا بطريقة تُقَربنا أكثر من مُخَلصنا. ولكن يعتقد البعض أن “الوقت يداوي الجراح” أو أن “الرجال لا يبكون”. في الواقع، يسمح تخصيص وقت إجازة للقائد الذي يُعاني من الاكتئاب بأن يكون صادقًا بشأن ما يحدث له، وبداخله، ومن حوله. فإن هذا النوع من الصراحة الروحيّة والعاطفيّة ضروريّ مِن أجل النمو والإخلاص على المدى الطويل.

5. لوضع المشاكل في نِطاقها الصحيح

أُصيب إيليا النبي باكتئاب شديد عندما هددته إيزابل الشريرة لدرجة أن قال: “قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنَّنِي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي” (ملوك الأول 4:19). ومِن المفارقان أن الرَب اعطي إيليا في الاصحاح السابق لهذا انتصارًا مُذهلًا على 450 نبيّ مِن أنبياء البعل. قد يُساعد الابتعاد لفترة عن الخَدمة القائد بأن ينظر لتحدياته الحالية في ضوء البركات العديدة التي دائمًا ما تُصاحِب الخِدمة.

6. للاهتمام وفحص قلوبنا

“فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ” (أمثال 23:4). كما ذكرت أعلاه، فإن الاكتئاب موضوع مُعَقد، ويمكن أن يكون ناتج عن العديد مِن الأسباب الدَفينة. ولكن في الكثير من الأحيان، يكون مَصدر الاكتئاب سِلسلة مِن الأفكار والرغبات التي لا تتوافق مع خطة المسيح لحياتنا.

كخدام وقادة، كثيرًا ما نقول لأنفسنا: “أُريد أن أكون مَحبوبًا ومُقَدرًا. أُريد أن تنمو كنيستي. أُريد المزيد من المال. أُريد الاحترام. أريد قاعة أكبر. أريد أن يتم دعوتي لِأعِظ في تلك الكنيسة. أريد أن أكون مشهوراً.”

وغالبًا ما تصطدم رغباتنا – أجرؤ على القول، أصنامنا – بواقع خِدمتنا اليومية: “لقد وَعَظت بكل اجتهاد ومن كل قَلبي ولم يُعلّق أحد. كيف لي أن أتعامل مع هذه المشكلة؟ شيوخ الكنيسة صوتوا ضدي. لقد تركت ثلاث عائلات الكنيسة مع فريق التسبيح.”

ضغوط الخِدمة وإحباطاتها ليست أسباب الاكتئاب الرئيسيّة. فالتَجارب هي ببساطة الاختبار الذي ينكشف من خلاله رغبات قلبنا الوثنيّ. إن كانت هذه هي حالتنا، يجب التوقف قليلًا للتعامل مع الدوافع الخاطئة التي أدت إلى الإحباطات والاكتئاب في المقام الأول.

7. لإعادة التَركيز على فَرح الإنجيل

خِدمة بلا فرح لا تستقيم! أخبر يسوع راعي كنيسته التي في أفسس: “أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ …. وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ. لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى.” (رؤيا 2:2-4).

لقد خَدمت في نفس الكنيسة لأكثر من 24 عامًا. أعرف الكثير عن آلام وضغوط الخِدمة. لكني أعرف أيضًا أن يسوع أحبني، ويحبني، وسيحبني دائمًا. يُمكِن للإنجيل أن يرسم ابتسامة على قلبي المُتعب والمَكسور.

8. لاستقبال مَشورة إلهية

“يَسْمَعُهَا الْحَكِيمُ فَيَزْدَادُ عِلْمًا، وَالْفَهِيمُ يَكْتَسِبُ تَدْبِيرًا” (أمثال 5:1). خلال فترة إجازتك من الخِدمة، يجب أن تُحَدد وقتًا تتقابل فيه مع مؤمنين آخرين تُشاركهم ما تجتاز فيه، وتُنصِت للحكمة التي يمنحك الرَب إياها مِن خلالهم.

ختام القول

أحيانًا ما يُلقي الخادم بالمِنشفة في نفس اللحظة التي يوّسِع فيها الرَب من قدراته هو ورعيّته، ليَحضِرَهُم إلى مكان أعمق من النمو والبركة. فلا تَتَخِذ قرارات مصيرية عندما تكون مُكتئبًا. وإن أردت الابتعاد، فلتبتعد عن خِدمتك لفترة قصيرة، وتعامل مع تجاربك ومشاعرك بطريقة كتابيّة دقيقة. وعندئذ فقط، ستصبح مشيئة الرَب لخطواتك القادمة أكثر وضوحًا.


تم نشر هذا المقال أولًا على موقع TGC: U.S Edition

شارك مع أصدقائك

خَدم كراعٍ لخمس وعشرين عامًا في كنيسة الإيمان المعمدانية وخَدمات الإيمان للمشورة الكِتابيّة في مدينة لافاييت، بولاية إنديانا الأمريكيّة.