التأديب الكنسي

التعريف

التأديب الكنسي هو عملية تقويم الخطية في حياة الكنيسة وحياة أعضائها.

المُوجز

يبدأ التأديب الكنسي في المعتاد بصورة فردية وغير رسمية، ثم يمتد ليشمل الكنيسة بأكملها فقط عند الضرورة. وفي المرحلة الأخيرة، والرسمية، والعلنية من التأديب الكنسي، يشمل الأمر عزل أحدهم من عضويته في الكنيسة، ومن اشتراكه في مائدة الرب. والهدف من التأديب يكون دائمًا الاسترداد والعلاج (1كورنثوس 5: 4)، وحماية الخراف الأخر (1كورنثوس 5: 6)، وإكرام اسم المسيح (1كورنثوس 5: 1).


“ألا تدرك جيدًا أن الكتاب المُقدَّس واضح تمامًا في هذا الأمر؟ فإنه من الخطأ أن تترك زوجتك لأجل امرأة أخرى”.

“أفهم جيدًا ما تقول، لكني لا أظن أنك تفهم مدى صعوبة زواجي. أنا متيقِّن من أنها ستُفضِّل الزواج من شخص آخر. فكلُّ ما تفعله هو أنها تنتقدني. وهي لا تريد البتة أن تمارس معي العلاقة الحميميَّة. ونحن لم نَعُد واقعين أحدنا في حب الآخر منذ زمان طويل، هذا إذا كنا قد أحبننا بعضًا من الأساس. كذلك، هذه السيدة الأخرى هي توأم روحي. ولا أستطيع أن أتصور أن يكون قصد الله هو أن نخسر هذه العلاقة فقط لأن توقيت لقاء أحدنا بالآخر تأخر بضع سنوات”.

“يؤسفني أنك تعاني في زواجك. ومع ذلك، ألستَ تقول إنك من أتباع يسوع؟ ويسوع لا يمكن أن يترك عروسه البتة. هل يمكن أن تقول عن نفسك الآن إنك تتبع يسوع؟ وإنك مؤمن حقيقي؟”

“بالطبع أنا مؤمن حقيقي! لكنني لستُ تابعًا مثاليًّا للمسيح. فهل أنت تتبعه تبعية كاملة؟ أنت الذي لطالما علَّمتني بأننا نخلُّص بالنعمة، وليس بالأعمال. لكنني الآن أشعر بأنك تحكم علي. ألم يقل يسوع: “من كان بلا خطية فليرمها أولًا بحجر”؟”

*****

ربما خضتَ أنت أيضًا حديثًا كهذا. بدأت تجربتي الأولى مع التأديب الكنسي العلني بحديث فردي وشخصي كهذا. كنت أعرف عضو الكنيسة هذا لبعض الوقت. وكنا نذهب سويًّا للركض، ومن آن لآخر كنا نتناول الطعام معًا. ثم يومًا ما، أعلمني ونحن نتناول طعام الغداء معًا بأنه قرر الاستسلام لخطيته المحبَّبة لديه. ثم ناقشنا معًا ما يقوله الكتاب المُقدَّس عن هذه الخطية، واتفق معي على أن الكتاب المُقدَّس يعارض هذه الخطية بصورة صريحة، لكنه بعد ذلك قال لي: “لكن الله كلمني وقال لي إنه لا بأس بذلك”. فأجبتُه: “كلا، لم يقل لك الله ذلك”. لكنه كان قد عقد العزم.

ثم بعد بضعة أيام، ذهبت إليه مع صديق آخر. وقمنا معًا بخوض مناقشة معه. لكن رده لم يتغير، وقال إن الله أخبره بأن هذه الخطية لا بأس بها.

بعد ذلك، قمنا بالاستعانة بشيوخ كنيستنا، لكنهم تلقوا منه الرد نفسه.

وبعد ذلك ببضعة أسابيع، أخبر الشيوخ أعضاء الكنيسة بما يحدث، وأعطوهم مهلة شهرين للصلاة لأجل هذا العضو، وتشجيعه على التوبة. لكنه لم يتب قط.

وللأسف، بعد ذلك بشهرين، قاد الشيوخ أعضاء الكنيسة في إجراء تصويت على عزل هذا الرجل من عضويَّة الكنيسة، ومائدة الرب، كفعل تأديب. وقد تعرض لعزل كنسي، أو لعزل من الشركة.

ما هو التأديب الكنسي؟

هذه العملية بأكملها تسمَّى بالتأديب الكنسي. فما هو التأديب الكنسي؟ هو تقويم الخطية.

في بعض الأحيان، تبدأ عملية التأديب صاخبة وعلنية، كما عندما ينمو إلى علم الكنيسة ارتكاب أحد أعضائها الخطية، لأن الأمر نُشِر في الصحف. لكن في المعتاد، يبدأ الأمر بصورة فردية وغير رسمية، ثم يمتد ليشمل الكنيسة بأكملها فقط عند الضرورة. وفي المرحلة الأخيرة، والرسمية، والعلنية من التأديب الكنسي، يشمل الأمر عزل عضو الكنيسة من عضويته في الكنيسة، ومن اشتراكه في مائدة الرب. في كثير من الأحيان، يدعو الناس هذه الخطوة الأخيرة باسم “العزل الكنسي”، أو “العزل من الشركة”.

هذه الخطوة الأخيرة من التأديب، أو خطوة العزل الكنسي، لا تعني أن الكنيسة تُسلِّم الشخص للجحيم. فهي لا تتمتع بهذه السلطة. بل ولا تعني هذه الخطوة الأخيرة أن الكنيسة تصرِّح في يقين بأن هذا الشخص غير مؤمن. فليست لدى الكنيسة هذه النظرة الثاقبة التي يتمتع بها الروح القدس، لترى ما بداخل نفس الشخص. بل إن هذه الخطوة الأخيرة معناها أن الكنيسة لم تعد تصادق على اعتراف إيمان هذا الشخص.

ففي النهاية، إن قبول أحدهم عضوًا في الكنيسة، بالمعمودية، معناه المُصادقة على اعتراف إيمانه، كما لو أن الكنيسة تقول: “أجل، نحن نرى أن مارك مؤمنٌ حقيقيٌّ، ولهذا فإننا سنصادق على كونه عضوًا في جسد المسيح من خلال عشاء الرب” (1كورنثوس 10: 17). ولذلك، فإن خطوة التأديب الأخيرة تعني النقيض تمامًا، كما لو أن الكنيسة تقول: “نحن لم نعد نصادق على اعتراف إيمان مارك، وبالتالي فإننا نعزله من عضويَّة الكنيسة”.

يعني ذلك أن التأديب الكنسي لا يستلزم منع الكنيسة الشخص من حضور خدماتها الأسبوعية، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية، مثل وجود تهديد بحدوث ضرر فعلي. فإن الاجتماع الأسبوعي يكون مفتوحًا في المعتاد للجميع، بما في ذلك المسيحيين الاسميين، وغير المؤمنين أيضًا (انظر 1كورنثوس 14). وبالتالي، فإن رعاة كنيستي سيوضحون لأعضاء الكنيسة أننا نتمنى أن يواصل الشخص الواقع تحت التأديب المجيء إلى الكنيسة، والاستماع إلى الوعظ بالكلمة. لكننا نوضح لهم أيضًا أنه يجب ألا يشترك هذا الشخص في عشاء الرب، ويجب ألا يُعامَل على أنه واحد منا. يعني ذلك أن شكل العلاقات الشخصية مع هذا الشخص يجب أن يتغير. فلم يعد بإمكاننا أن نقضي وقتًا ترفيهيًّا مع هذا الشخص، مثلًا لمشاهدة مباراة لكرة القدم. بل في المقابل، كل وقت نقضيه معه يجب أن يُستَغَل في دعوته إلى التوبة.

والتأديب الكنسي يكون منطقيًّا فقط في الكنائس التي تؤكد أن يسوع ليس فقط مُخلِّصًا، لكنه رب أيضًا، وأنه يدعونا ليس فقط إلى الإيمان بالإنجيل، بل إلى التوبة والإيمان بالإنجيل. وينجح هذا التأديب بأكبر درجة في ثقافة من التلمذة، حيث يشجع أعضاء الكنيسة بعضهم بعضًا، في محبة وبانتظام، على الأمانة التي تليق بالإنجيل.

الخطوة الأولى

ذكرتُ فيما سبق أن التأديب الكنسي يبدأ اولًا بصورة فردية وغير رسمية. يوصينا يسوع بأن نفعل ذلك على النحو التالي: “وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ” (متى 18: 15). في بعض الأحيان، قد تكون بحاجة إلى نصيحة من راعي كنيسة، قبل أن تواجه أخًا أو أختًا لك بسبب خطية ارتكبها. وفي أحيان أخرى، قد تحتاج إلى شخص يواجه الخطية نيابة عن شخص آخر، كما في حالة خوف امرأة من مواجهة رجل قام بالتودد إليها بطريقة غير لائقة. لكن في المعتاد، يريد منا يسوع أن نمتنع عن الاغتياب، وأن نواجه الخطية بصورة فردية، وهادئة، ومباشرة، ومُحِبة.

لنفترض أنك ترى أن مايك، عضو كنيستك، قد كذب عليك. فإن أفضل تصرف تفعله هو أن تسأل مايك نفسه بصورة مباشرة عن هذه الكذبة. لا تتهمه، بل اعطه الفرصة أن يدافع عن نفسه، واطرح عليه أسئلة، موضحًا له أنك تواجه صعوبة في توفيق ما قاله مع الحقائق. ثم أعطه الفرصة ليوضح موقفه. فربما أنت قد أسأتَ فهمه.

بالطبع، يجب أن يكون دافعك دائمًا، عندما تواجه أحدهم بخطيته، هو المحبة، ليس فقط تجاه الشخص الذي تقوم بمواجهته، بل تجاه أعضاء الكنيسة الآخرين، والمحيطين بك من غير المؤمنين، وقطعًا تجاه المسيح نفسه.

فإنك تحب الشخص الواقع في الخطية، وتريد أن ينجو منها. كذلك، أنت تحب أعضاء الكنيسة الآخرين، ولا تريد أن يضلوا طريقهم. كما أنك تحب المحيطين بك من غير المؤمنين، وتريد أن تقدم الكنيسة لهم شهادة مُقدَّسة. وفي النهاية، أنت تحب المسيح، وتريد ان يعكس شعبه صورته.

لكن هل تستلزم كل إساءة هذا النوع من المواجهة؟ ليس بالضرورة. ففي النهاية، “الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا” (1بطرس 4: 8). لكن الكثير من الإساءات تتطلب ذلك. ولهذا، فإننا نحتاج إلى الحكمة، حتى في هذه المرحلة المبكرة.

الخطوة الثانية

إذا لم تجر المحادثة الأولى بشكل جيد، وظللت مقتنعًا بأن صديقك يرتكب هذه الخطية، يمكنك إذن إجراء محادثة أخرى أو محادثتين. لكن بعد قليل، سيتحتم أن تنتقل بالمسألة إلى الخطوة الثانية. صاغ يسوع الأمر على النحو التالي: “وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ” (متى 18: 16).

هنا استحضر يسوع مبدأ يخص المحاكمات في إسرائيل القديمة (انظر تثنية 19). فعلى التأديب الكنسي ألا يذعن للعدالة الغوغائية، بل يستلزم الأمر عدلًا. فينبغي أن نفترض براءة مايك حتى تثبت إدانته. فربما لا يتفق الشخصان اللذان أخذتهما معك على كون مايك قد كذب، وربما يقولان إنك بالغتَ في حكمك عليه.

الخطوة الثالثة

لكن لنفترض أنهما اتفقا معك على أن مايك كَذَّب، ومع ذلك ظل مايك معاندًا. يقودنا هذا إلى الخطوة الثالثة. أوضح يسوع هذا قائلًا: ” وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ” (متى 18: 17أ). لا داعي أن تُتخَذ هذه الخطوة بعد الخطوة الثانية مباشرة. ففي بعض الأحيان، قد يقضي مجموعة من رعاة الكنيسة وأعضاء الكنيسة المعنيين بالأمر أشهرًا في السعي إلى حث أحدهم على التوبة قبل إبلاغ الكنيسة. فهذه الخطوة الثالثة هي بمثابة ملاذ أخير، يُجرى اللجوء إليه فقط عند استنزاف كل الأحاديث، ورفض الشخص الواقع في الخطية رغم ذلك أن يتوب.

في المعتاد، الرعاة أو الشيوخ الذين يتولون مهمة الإشراف على الرعية هم الأنسب لقيادة هذه العملية. وعليهم هم أيضًا أن ينتبهوا جيدًا إلى وصية يسوع بشأن الشاهدين أو الثلاثة. يعني ذلك أنهم يجب ألا يقفوا البتة أمام أعضاء كنيستهم متسلحين فقط بأشياء مثل “تخمينات”، أو تفسيراتهم الخاصة لما بداخل قلب أحدهم. بل بالأحرى، عليهم فقط أن يقدِّموا الحقائق التي يتفق عليها الجميع، عدا ربما عضو الكنيسة غير التائب.

ليس قادة الكنيسة بحاجة إلى فضح كافة تفاصيل كل خطية، ولا سيما إذا كان ذلك قد يسبب حرجًا للأعضاء الآخرين، أو عندما ينطوي الأمر على معلومات جنسية قد تُعثِر آخرين. ليست الكنيسة بأكملها عبارة عن هيئة محلفين، يُدعون لفحص الحقائق، ومناقشة القضية معًا حتى وقت متأخر من الليل، بل ينبغي في المعتاد أن يثق أعضاء الكنيسة في توصيات الشيوخ. ومع ذلك، ينبغي أن تقدَّم لهم معلومات كافية، حتى يتاح لهم أن يتخذوا القرار بصبر ونزاهة. وسنقول المزيد عن ذلك أدناه.

أحد الأمثلة الكتابيَّة الواضحة لهذه العلاقة بين الشيوخ وأعضاء الكنيسة يرد في 1كورنثوس 5. كان بولس هو الذي أثار الموضوع في هذا النص. فإن أحد أعضاء الكنيسة كان يزني مع زوجة والده. ثم أوصى بولس الكنيسة بأن يعزلوه (1كورنثوس 5: 2، 5)، بعد قوله إنه قد أصدر عليه “حُكمه” بالفعل (1كورنثوس 5: 3).

لكن لاحظ الآتي: لا يعني ذلك أن هذا الفعل قد تمَّ. فقد أراد بولس من الكنيسة أن تقتدي به. ففي النهاية، هو لن يكون موجودًا معهم طوال الوقت، وقد أراد أن يعرفوا كيف يتعاملون بمفردهم في مواقف كهذه. وبالتالي، دعاهم بولس إلى أن يصدروا “الحُكم” نفسه على هذا الرجل (1كورنثوس 5: 12)، وأن يفعلوا ذلك وهم “بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ … مُجْتَمِعُونَ مَعَ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (1كورنثوس 5: 4).

الخطوة الرابعة

يقودنا هذا إلى الخطوة الرابعة. فما أن تكون الكنيسة قد خصصت وقتًا كافيًا للصلاة لأجل الشخص، وتشجيعه على التوبة، يصير على الكنيسة أن تثير المسألة مرة أخرى. فبافتراض أن مايك لم يتب، وأنه مستمر في الكذب، على الشيوخ أن يلعبوا حينئذ دور بولس، أي أن يصدروا حكمهم على الأمر، ويدعوا الكنيسة إلى فعل الأمر ذاته.

في كنيستي، يبدو الأمر كالتالي: “يوصي الشيوخ الكنيسة بعزل مايك من عضويته، بسبب عدم توبته عن الكذب، كفعل تأديب. يحدث هذا كخطوة أولى من الشيوخ”. ثم تتاح للكنيسة الفرصة لمناقشة المسألة، وطرح الأسئلة. وأخيرًا، يُجرَى تصويت. وإذا تم التصويت –بحيث يوافق ثُلثا أو ثلاثة أرباع أعضاء الكنيسة، وهذا بحسب اختلاف دساتير الكنائس– تتعامل الكنيسة مع الشخص على أنه غريب عنها. ومرة أخرى، أوضح يسوع الأمر كالتالي: “وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَٱلْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ” (متى 18: 17ب).

وفي حال بدت كلمة “تصويت” كما لو كانت تنتمي إلى الفكر الديمقراطي الحديث بشكل زائد عن الحد، يجب أن نضع في حُسباننا أن العمليات الديمقراطية كانت مستخدمة بصورة معتادة في العالم القديم، من اليونان القديمة، إلى الجمهورية الرومانية، إلى الجماعات اليهودية في قمران.[1] ذكر بولس أيضًا استخدام رأي الأغلبية في كنيسة كورنثوس في مسألة تأديبية. قال بولس، ربما في إشارة إلى الرجل المشار إليه في 1كورنثوس 5، الكلمات التالية: “مِثْلُ هَذَا يَكْفِيهِ هَذَا الْقِصَاصُ الَّذِي مِنَ الْأَكْثَرِينَ”.

فقد علمت الكنيسة بطريقة ما أن “الأكثرين” أيدوا تأديب أحدهم، مما يوحي ضمنًا بأن أقلية لم يؤيِّدوا ذلك. فهل أجري تصويت؟ ربما. أو ربما توصل أغلبية ببساطة إلى إجماع بعد خوضهم حديثًا معًا.

ما الخطايا التي تستلزم تأديبًا علنيًّا؟

ليست كلُّ الخطايا تستلزم تأديبًا علنيًّا. وكما ذكرتُ في موضع آخر، ربما توبخني زوجتي بصورة شخصية بسبب أنانيتي، لأنني أكلت كل المثلجات. وربما أستمر في فعل ذلك دون توبة. لكن على الأرجح، ليس هذا هو نوع الخطية الذي قد يسمح بتطبيق تأديب علني. في المقابل، على الكنائس أن تواجه علانية تلك الخطايا التي تكون ظاهرة، وضخمة، وبلا توبة في الوقت نفسه.

وإن وصف خطية بأنها ظاهرة معناه أنه يمكن رؤيتها بالعين، أو الاستماع إليها بالأذن. على قادة الكنائس ألا يتكهنوا بحالة قلوب الآخرين، كما لو كانوا يقولون إنهم يتهمون قلوبهم بأنها “متكبرة”، أو “جشعة”، بينما ليس لديهم أي دليل على ذلك. تذكر جيدًا أن يسوع طالب بوجود شاهدين أو ثلاثة.

ووصف الخطية بأنها خطية ضخمة معناه أنها خطية كبيرة بما يكفي لتشعر الكنيسة بأنها لا يمكن بسببها أن تواصل المُصادقة على اعتراف إيمان الشخص. فالأنانية في تناول المثلجات هي خطية لا ترتقي على الأرجح إلى هذا المستوى، لكن التخلي عن زوجة لأجل امرأة أخرى يرتقي إليه. وبين هذين المثالين، يوجد عدد كبير من الخطايا المتنوِّعة، يتطلب الكثير من الحكمة.

أما وصف الخطية بأنها بلا توبة، فمعناه أن الشخص خضع لمواجهةٍ، لكنه رفض بالأفعال أن يتخلَّى عن خطيته، حتى وإن كان قد وعد بالكلام بغير ذلك.

ما مدى السرعة أو البطء الذي يجب أن تُجرَى بها هذه العملية؟ يتوقف الأمر بالكامل على تقديم الشخص توبة. ففي النهاية، لا يحدث التأديب العلني بسبب ارتكاب خطية، بل بسبب عدم تقديم توبة عن الخطية. فالمؤمنون يخطئون، والمؤمنون يتوبون أيضًا. وبالتالي، فإن سرعة تطبيق التأديب تتوقف على استعداد الشخص أن يحارب الخطية. وفي بعض الأحيان، يسير الأمر ببطء، كما في حالة الإدمان، حيث يتخذ الشخص خطوات نحو التغيير، حتى وإن لم ينجح في ذلك تمامًا. وفي بعض الأحيان، تسير العملية بسرعة كبيرة جدًا، كما في حالة صديقي الذي أشرت إليه أعلاه، الذي كان عازمًا على الاستمرار في خطيته لأن “الله قال لي إنه لا بأس بذلك”.

ومتى يحدث الاسترداد؟ عندما تقدَّم توبة. في بعض الأحيان، تكون التوبة واضحة تمامًا، كما عندما يرجع زوج إلى زوجته التي هجرها. وفي أحيان أخرى، يكون من الصعب تمييز التوبة، كما عندما يشن أحدهم حربًا ضد إدمان للمواد المخدرة، لكنه يعود خطوة للوراء، مع كل خطوة يتخذها للأمام. ومن الرائع أن كنيستي شهدت العديد من حالات الاسترداد بعد التأديب. فإن زوجًا في كنيستنا عاد إلى زوجته، كما أن مدمنًا ولصًّا اعترفا أمام الكنيسة. وشخص كاذب اعترف بكل شيء.

لأجل المحبة

كان التأديب الكنسي في الماضي شائعًا في الكنائس البروتستانتيَّة. لكن قرب نهاية القرن التاسع عشر، ودخول القرن العشرين، بدا أن سأم الكنائس من محاسبة أعضائها قد تزايد. فقد صارت الكنائس مهتمة بأمور أخرى، مثل اجتذاب “غير مرتادي الكنائس” إليها.

لكن، كما قال أحد علماء لاهوت القرن التاسع عشر، عندما يغادر التأديب الكنسي كنسيةً ما، يمضي معه المسيح. فالكنائس التي لا تمارس التأديب الكنسي تُضعِف من كرازتها. على سبيل المثال، قد تدين الكنائس الزنا من فوق المنبر، لكنها إذا لم تعزل زانيًا انكشف أمره من عضويتها، فإنها بهذا تقول للكنيسة بأن الزنا ليس بالأمر الجلل إلى هذا الحد في نهاية المطاف. فيمكن ليسوع والزنا أن يتواجدا معًا. كذلك، سرعان ما ستجد هذه الكنيسة أنها صارت شبيهة تمامًا بالعالم. فإن شهادتها الكرازية ستقوَّض، إذ قد يقول الذين من خارج عنها: “لمَ قد أنضم إلى تلك الكنيسة وهي تشبهني تمامًا، لكنها فقط تمارس الرياء؟”

من المؤكد أن التأديب الكنسي يمكن أن يمارس بطريقة خاطئة، بل ويمكن أن يساء استخدامه. يحدث ذلك عندما تطالب الكنائس بما لا يطالب به الكتاب المقدس، وعندما لا تمارس حساسية رعوية تجاه كلِّ حالة فردية على حدة. فإن التأديب الكنسي المسيء هو شر عظيم يجب أن نحفظ أنفسنا منه، تمامًا مثل الأزواج المسيئين، أو الآباء المسيئين، أو رجال الشرطة المسيئين.

ومع ذلك، يجب ألا نشجب الأمر برمته بسبب سوء استعمال البعض له. ذكرتُ منذ قليل أن التأديب الكنسي يجب أن يمارس دائمًا لأجل المحبة: “لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ” (عبرانيين 12: 69. فالتخلي عن التأديب عندما يكون مبرَّرًا هو عدم إظهار للمحبة، بل هو كراهية (انظر أمثال 13: 24).

إن الهدف من التأديب هو دائمًا الإصلاح والاسترداد (1كورنثوس 5: 5)، وحماية الخراف الأخر (1كورنثوس 5: 6)، وإكرام اسم المسيح (1كورنثوس 5: 1).

فهل تريدون كنيسة صحيحة وسليمة، ومُحِبة، ونابضة بالحياة كرازيًّا؟ مارسوا إذن التأديب الكنسي.


[1] See Jonathan Leeman, Don’t Fire Your Church Members: The Case for Congregationalism (B&H, 2016), 91–96.

شارك مع أصدقائك

جوناثان ليمان

شيخ في كنيسة شيفرلي المعمدانية في واشنطن العاصمة ، ومدير تحرير 9 ماركس، وله العديد من المؤلفات باللغة الإنجليزيّة.