مدعو إلى الألم والفرح: لكي نربح المسيح

فيلبي ٣: 114

١أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ. كِتَابَةُ هذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ. ٢اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ. ٣لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ. ٤مَعَ أَنَّ لِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ أَيْضًا. إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ فَأَنَا بِالأَوْلَى. ٥مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. ٦مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. ٧لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. ٨بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، ٩وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. ١٠لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، ١١لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. ١٢لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. ١٣أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، ١٤أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

الكتاب المقدّس يعد بالألم لشعب الله:

إننا نركز في هذه الأسابيع على ضرورة الاستعداد للألم. والسبب في ذلك هو ليس فقط شعوري بأن الأيام شريرة وطريق البر مكلفا، ولكن الوعد في الكتاب المقدس أن شعب الله سيتألمون.

على سبيل المثال، يقول أعمال ١٤: ٢٢ أن بولس أخبر كل كنائسه الصغيرة “أَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ.” وقال المسيح: “إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ” (يوحنا ١٥: ٢٠). وقال بطرس: “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ” (1 بطرس 4: 12). وبعبارة أخرى فإنه ليس غريبا، بل هو متوقعا. وقال بولس (في ٢ تيموثاوس ٣: ١٢)، “وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.”

لذا فإنني أعتبر الأمر حقيقة كتابيّة أنه كلما أصبحنا أكثر جديّة بشأن كوننا ملح الأرض ونور العالم، والوصول لشعوب لم يتم الوصول إليها برسالة الإنجيل في العالم، وفضح أعمال الظلمة، وفك قيود الخطية والشيطان، كلما تألمنا. هذا هو السبب في أننا يجب أن نستعد. وهذا هو السبب في أنني أعظ في هذه الأسابيع من نصوص سوف تساعدنا في الاستعداد.

وتقدم العظات أربعة أهداف لله لآلامنا في خدمته. أولا: هدف أخلاقيّ أو روحيّ: في الألم يكون رجائنا في الله بشكل أكبر وتقل الثقة في الأشياء التي في العالم. ثانيا، هناك هدف حميميّ: نأتي لمعرفة المسيح بشكل أفضل عندما نشترك في آلامه. هذا هو تركيزنا اليوم.

هدف زيادة الحميميّة مع المسيح:

يساعدنا الله على الاستعداد للألم من خلال تعليمنا وتوضيح أنه من خلال الألم يراد لنا أن نتعمّق في علاقتنا مع المسيح. يمكنك أن تعرفه بشكل أفضل عندما تشترك في آلامه. الناس الذين يكتبون بعمق وبراعة كبيرة عن عظمة سمو المسيح هم الناس الذين تألموا معه بعمق.

الألم في حياة جيري بريدجز:

على سبيل المثال، كتاب جيري بريدجز “الثقة بالله، حتى عندما تكون الحياة مؤذية” هو كتاب عميق ومفيد عن الألم والتعمق مع الله من خلال الضيق. لذلك فإنه ليس من الغريب أن نعرف أنه عندما كان عمره ١٤ سنة، سمع أمه تصرخ في الغرفة المجاورة، بشكل غير متوقع تماما، ووصل ليرى أنها تتلفظ أنفاسها الأخيرة. وهو أيضا كان لديه ظروف بدنية منعته ​​من الرياضة العاديّة. وقبل سنوات قليلة توفيت زوجته بمرض السرطان. خدمة الله مع هيئة النافيجيتور لم تنجيه من الألم. يكتب بعمق عن آلامه لأنه قد ذهب للعمق مع المسيح في الألم.

الألم في حياة هوراتس بونار:

أكثر من مائة سنة مضت كتب هوراتس بونار، القس الاسكتلندي وكاتب الترانيم، كتابا صغيرا يسمى “ليلة البكاء، أو عندما يتألم أولاد الله.” وقال فيه إن هدفه كان “أن يخدم  القديسين… وأن يسعى لحمل أثقالهم، وتضميد جراحهم، ومسح على الأقل بعض من دموعهم الكثيرة.” إنه كتاب عميق ورقيق وحكيم. لذلك فإنه ليس من الغريب أن نسمعنه يقول:

إنه مكتوب من قبل شخص يطلب لنفسه أن يربح من خلال التجربة، ويرتجف خوفا خشية أن تمر مثل الرياح فوق الصخور، مما تتركها صلبا كما كانت، من قبل شخص يقترب من الله في كل حزن لكي يعرفه بشكل أكثر، وهو ليس غير راغب في الاعتراف بأنه لم يعرف إلا القليل.

بريدجز وبونار يظهرون لنا أن الألم هو طريقا عميقا لقلب الله. لدي الله إعلانات خاصة عن مجده لأبنائه المتألمين.

كلمات أيوب، واستفانوس، وبطرس:

بعد أشهر من الألم، في النهاية قال أيوب لله: “بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي” (أيوب ٤٢: ٥). كان أيوب رجل تقي ومستقيم، يرضي الله، ولكن الفرق بين ما كان يعرفه عن الله في الرخاء، وما عرفه عنه من خلال المحن كان الفرق بين السماع والرؤية.

عندما تم القبض على استفانوس وقدموه للمحاكمة لأجل إيمانه، وأُعطي الفرصة للوعظ، كانت النتيجة أن القادة الدينيين حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. كانوا على وشك أن يجروه  خارج المدينة ويقتلوه. في تلك اللحظة عينها، يقول لوقا لنا “وَأَمَّا هُوَ [استفانوس] فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ” (أعمال ٧: ٥٥). هناك إعلانا خاصة، وعلاقة حميمة خاصة، أُعدت للذين يتألمون مع المسيح.

ذكر بطرس الأمر بهذه الطريقة: “إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ” (١ بطرس ٤: ١٤). وبعبارة أخرى، يحتفظ الله بقدوم وسكنى خاصة لروحه ومجده على أولاده الذين يتألمون لأجل اسمه.

ثلاث ملاحظات من النص:

لذلك فإن تركيز رسالة اليوم هو على عامل الحميمية هذا في الألم. إن إحدى مقاصد آلام القديسين هو أن تصبح علاقتهم مع الله أقل رسمية وأقل اصطناعية وأقل بعدا، وتصبح أكثر شخصيّة وأكثر واقعيّة وأكثر حميميّة وقريبة وعميقة.

في نصنا (فيلبي ٣: ٥-١١) أريد لنا أن نرى على الأقل ثلاثة أشياء:

١. أولا، استعداد بولس أن يتألم عن طريق عكس قيمه؛

٢. ثانيا، تجربة بولس مع الألم والخسارة كتكلفة طاعته للمسيح؛

٣. ثالثا، هدف بولس في كل هذا، وهو ربح المسيح: أن يعرفه ويوجد فيه، ويكون له شركة مع حميمية وواقع أكثر مما عرفه مع أفضل أصدقائه برنابا وسيلا.

استعداد بولس للألم:

في الآيات 5 و6 يسرد بولس مميزات كان يتمتع بها قبل أن يصبح مسيحيّا. يذكر نسبه العرقيّ كابن أصيل لإبراهيم، وعبرانيّ من العبرانيين. جلبت له هذا مكسب عظيم، وشعور كبير من الأهمية والاطمئنان. كان إسرائيليّ. ثم ذكر ثلاثة أشياء تخترق قلب حياة بولس قبل أن يكون مسيحيّا (في نهاية الآية 5): “مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ.”

قيم بولس قبل أن يتقابل مع المسيح:

هذه كانت حياة بولس. هذا ما أعطاه معنى وأهمية. كان هذا ربحه، وثروته، وفرحه. مزايا مختلفة لأشخاص مختلفين، ولبولس كانت مزاياه أنه كان ينتمي للطبقة العليا من حافظي الناموس، أي الفريسيين، وبينهم كان غيورا لدرجة أنه قاد حملة اضطهاد لأعداء الله، أي كنيسة المسيح، وقد حفظ الناموس بتدقيق. حصل على امتيازات من الانتماء، وحصل على امتيازات من التفوق، وحصل على امتيازات من الله – أو هكذا كان يظن – بسبب حفظه للناموس بلا لوم.

ثم تقابل مع المسيح، ابن الله الحي، في طريق إلى دمشق. وقال له المسيح كم ينبغي أن يتألم (أعمال ٩: ١٦). وأعدّ بولس نفسه.

حَسِبَ بولس قِيَمه السابقة خسارة:

الطريقة التي أعد بها نفسه موصوفة في الآية ٧. “لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً.” ينظر بولس إلى مكانته بين الطبقة العليا في المجتمع الديني، والفريسيين، ينظر إلى مجد كونه في قمة هذه الطبقة بكل امتيازاتها واستحساناتها، ينظر إلى دقة حفظه للناموس والشعور بالافتخار الأخلاقي الذي تمتع به، ثم يستعد للألم عن طريق أخذ عالمه كله وقلبه رأسا على عقب، من خلال عكس قيمه: “لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا [الموجود في الآيات ٥-٦]، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً.”

قبل أن يصبح مسيحيّا كان لديه دفتر بعمودين: واحد مكوتب فيه: المكاسب، والآخر مكتوب فيه: الخسائر. على جانب الربح كان هناك المجد البشري في الآيات 5-6. على جانب الخسارة كانت هناك آفاق رهيبة أن حركة يسوع هذا قد تخرج عن إطار السيطرة ويثبت أن يسوع حقيقي ويفوز في نهاية المطاف. عندما تقابل مع المسيح الحي في طريق إلى دمشق، أخذ بولس قلم أحمر كبير، وكتب “خسارة” بحروف كبيرة حمراء فوق عموده للمكاسب. ثم كتب “ربح” بحروف كبيرة فوق عمود الخسارة الذي كان فيه اسم واحد فقط: المسيح.

وليس ذلك فقط، كلما فكر بولس في القيم النسبية للحياة في العالم، وعظمة المسيح، تحرك إلى ما هو أبعد من الأمور القليلة المذكورة في الآيات ٥-٦، حيث وضع كل شيء دون المسيح في العمود الأول هذا: الآية ٨: “بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي.” ثم بدأ يحسب إنجازاته الثمينة خسارة، وانتهى به الأمر بحسبان كل شيء خسارة، دون المسيح.

المسيحيّة الطبيعيّة:

هذا ما يعني لبولس أن يصبح مسيحيّا. وخشية أن يظن أحد منا أنه كان فريدا من نوعه أو مميزا، لاحظ أنه في الآية ١٧ يقول بكامل سلطانه الرسوليّ “كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ.” هذه هي المسيحية الطبيعيّة.

ما يعمله بولس هنا هو إظهار كيف يمكن لتعليم المسيح أن يُعاش بشكل عمليّ. على سبيل المثال، قال المسيح: “أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مُخْفىً فِي حَقْل، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ” (متى ١٣: ٤٤). أن تصبح مسيحيّا يعني اكتشاف أن المسيح (الملك) هو صندق كنز من الفرح المقدّس وكتابة “خسارة” على كل شيء آخر في العالم من أجل ربحه. “بَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ.”

مرة أخرى قال المسيح في لوقا 14: 33 “فَكَذلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.” وبعبارة أخرى، أن تصبح تلميذا للمسيح يعني كتابة “خسارة” بحروف حمراء كبيرة على كل ما ممتلكاتك، وكل شيء آخر يقدمه هذا العالم.

ماذا يعني هذا عمليّا:

الآن ماذا يعني ذلك عمليّا؟ أعتقد أنه يعني أربعة أمور:

١. يعني أنه كلما دُعيت للاختيار بين أي شيء في هذا العالم والمسيح، اختار المسيح.

٢. يعني أن أتعامل مع الأشياء في هذا العالم بطرق تجذبني أقرب للمسيح حتى يتسنى لي ربح المسيح أكثر والتمتع به أكثر من خلال الطريقة التي استخدم بها العالم.

3٣. يعني أن أتعامل دائما مع الأشياء في هذا العالم بطرق تظهر أنها ليست كنزي، بل بالحري تظهر أن المسيح هو كنزي.

٤. يعني أنه إذا خسرت جزء أو كل الأشياء التي يقدمها هذا العالم، فلن أخسر فرحي أو كنزي أو حياتي، لأن المسيح هو كل شيء.

الآن هذا كان الحساب الذي حسبه بولس في نفسه (آية ٨): “إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي.”

المسيح هو كل شيء وكل شيء آخر هو خسارة.

لماذا كانت هذه طريقة الاستعداد للألم؟

الآن دعونا نقف مرة أخرى لمدة دقيقة لكي نفحص اتجاهاتنا. إنني ما زلت أتعامل مع النقطة الأولى: وهي أن هذه هي طريقة بولس للاستعداد للألم. لماذا أقول هذا؟ لماذا لكي تصبح مسيحيّا، وكتابة “خسارة” في كل فوق كل شيء في حياتك دون المسيح هو وسيلة للاستعداد للألم؟

الإجابة هي أن الألم ليس أكثر من مجرد عزل الأشياء السيئة أو الأشياء الجيدة التي يقدمها في العالم لمتعتنا، وسمعتنا، واحترامنا بين الأقران، والعمل، والمال، والزوج، والحياة الجنسية، والأطفال، والأصدقاء، والصحة، والقوة، والبصر، والسماع، والنجاح، وما إلى ذلك. عندما تختفي هذه الأشياء بعيدا (سواء بالقوة أو بالظرف أو عن طريق الاختيار)، نحن نتألم. ولكن إذا كنا نتبع ببولس وتعاليم المسيح وبالفعل قد حسبناها خسارة لأجل تفوق قيمة تفوق ربح المسيح، فإننا مستعدون للألم.

إن كنت عندما تصبح مسيحيّا تكتب بخط أحمر كبير “خسارة” فوق جميع الأشياء في العالم دون المسيح، إذا عندما يدعوك المسيح أن تتنازل عن بعض من هذه الأشياء، لن يكون الأمر غريبا أو غير متوقع. ربما يكون الألم والحزن كبير. قد تكون الدموع كثيرة، كما كانت للمسيح في بستان جَثْسَيْمَانِي. ولكننا سنكون مستعدين. سنعلم أن قيمة المسيح تفوق كل الأشياء التي يمكن أن يقدمها العالم وأنه في خسارتها نربح المزيد من المسيح.

٢. اختبار بولس للألم:

ذلك في النصف الثاني من الآية ٨  يتجه بولس من الاستعداد للألم إلى واقع الألم. ينتقل من احتساب كل الأشياء خسارة في النصف الأول من الآية 8 إلى الألم الفعليّ لخسارة كل الأشياء في النصف الثاني من الآية. “الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ [أي المسيح] خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ.” سنرى هذا الأسبوع المقبل: كان بولس قد اختبر خسارة فعلية كثيرة لامتيازات عادية ووسائل الراحة في العالم لدرجة أنه يقول أنه لم يكن مجرد يحسب الأشياء خسارة، لكنه كان يتألم من الخسارة. كان قد استعد من خلال قلب قيمه رأسا على عقب، والآن يتم اختباره. هل قدّر المسيح قبل كل شيء؟

٣. هدف بولس (وقصد الله) في الألم:

لذلك اسمحوا لي أن أختتم بجذب انتباهنا إلى هدف بولس وقصد الله في هذا الألم. لماذا عيّن الله وتقبّل بولس الخسائر التي تعني بالنسبة له أن يكون مسيحيّا؟

يعطي بولس الإجابة مرة تلو الأخرى في هذه الآيات حتى أنه لا يمكن أن تغيب عنا هذه النقطة. هو ليس سلبيّا في خسارة الألم هذه. بل هو هادف. وهدفه هو ربح المسيح.

  • الآية ٧: “فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً.”
  • الآية ٨أ: “بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي.”
  • الآية ٨ب: “الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ.”
  • الآية ٨ت: “وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ.”
  • الآية ٩: “وَأُوجَدَ فِيهِ [حتى يكون لي بر الله، وليس بري]…”
  • الآية ١٠أ: (لا يزال يعلن هدفه في قبول خسارة كل الأشياء) “لأَعْرِفَهُ”
  • آيات ١٠ب-١١: (يتبعها بأربعة تفاصيل ما يعنيه بأن يعرف المسيح)”،

١. [لأعرف] قُوَّةَ قِيَامَتِهِ”

٢. “شَرِكَةَ آلاَمِهِ”؛

٣. “مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ”؛

٤. “لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ.”

وبعبارة أخرى، ما يساند بولس في الألم وخسارة كل الأشياء هو الثقة أن في خسارته للأشياء الثمينة في العالم هو يربح شيئا أثمن جدا، أي المسيح.

ومرتين يدعى هذ الربح معرفة الآية ٨أ: “مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي” الآية ١٠: “لأَعْرِفَهُ.” هذا هو عامل الحميميّة في الألم. هل نريد أن نعرفه؟ هل نريد أن تكون علاقتنا معه شخصيّة أكثر وعميقة أكثر وحقيقيّة أكثر وحميمة أكثر، لدرجة أن نحسب كل شيء خسارة لربح هذا الأعظم من كل الكنوز؟

إذا أردنا ذلك، سنكون على استعداد أن نتألم. إن لم نرد ذلك، فسوف يفاجئنا الأمر، وسوف نتمرد. ليفتح الرب أعيننا على تفوق قيمة معرفة المسيح!

شارك مع أصدقائك

جون بايبر

جون بايبر (دكتوراه في اللاهوت DTheol، جامعة ميونيخ) هو مؤسس ومعلم في هيئة desiringGod.org وعميد جامعة وكلية لاهوت بيت لحم. وقد خدم لمدة ٣٣ عامًا كالراعي الرئيسي لكنيسة بيت لحم المعمدانية في مدينة مينيابوليس، بولاية مينيسوتا، وهو مؤلف لأكثر من ٥٠ كتابًا، بما في ذلك "الاشتياق إلى الله"، "لا تضيع حياتك"، "هذا الزواج السريع"، و"هل يرغب الله أن يخلص الجميع؟"