المبادئ الكتابية للعبادة وتطبيقها على خدمة الكنيسة المحلّية

مقدمة:

الخبر السار فيما يتعلّق بالعبادة في عصرنا هذا هو أنه موضوع يتلّقى اهتماماً وتوكيداً مستحَقّين تماماً على الرغم من أنه تعرّض لإهمال عام لمدة طويلة جداً. (أطلق أ. و. توزر على العبادة تسمية “الجوهرة المفقودة للكنيسة الإنجيلية”). والخبر السيئ هو أن العبادة صارت مسألة يدور حولها صراع وانقسام كبيران في كنائسنا.

يشكّل البحث التالي محاولة لبلورة بعض المبادئ الإرشادية في العبادة من الكتاب المقدّس (في غياب وصفات أو صيغ مفصّلة للعبادة من صفحات العهد الجديد). تتضمن العبادة مواقف أو نظرات وأعمال تسبيح ومحد استجابة لله من أجل عظمته وصلاحه ونعمته – بما في ذلك الصلاة والوعظ والترنيم والعطاء وما إلى ذلك – بناءً على دعوة من كلمة الله وسلطتها.

نريد أن نقف على أرض كتابية صلبة في تنظيم حياة العبادة ككنائس محلية، مع السماح بالتنوُّع والحرية التي يوفّرها العهد الجديد وتجنُّب “تعليم مبادئ الناس على أنها عقائد”. ونريد أولاً وقبل كل شيء أن نمجّد في عبادتنا ذاك المستحق لكل تسبيح.

١- يجب أن يكون مجد الله والاحتفاء الفرح به في العبادة نقطة التركيز والهدف لكل حياتنا وخدمتنا.

“فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ” (١ كورنثوس ١٠: ٣١).

العبادة غاية في حد ذاتها. وتتضمن أنواع أخرى من الخدمة بالضرورة حسب تعريفها من جوانب تركيز أفقية مرتبطة بالبشر. لكن العبادة تأخذ في تركيزها بعداً عمودياً محضاً. فهي الغرض الرئيسي الذي خلقنا الله من أجله، وهي لهذا أسمى جهودنا وأعظم اكتفاء يمكننا أن نحققه (إشعياء ٤٣: ٦-٧؛ مزمور ١٦: ١١؛ متى ٢٢: ٣٥- ٣٨؛ ١ بطرس ٤: ١١).

ولهذا سنوْلي العبادة تركيزاً واهتماماً خاصين في حياة هذه الكنيسة. وسنربط كل أنشطتنا بها وبهدف تعظيم مجد الله. وسنجعل من مجد الله بشكل صريح أهم مساعينا وأهدافنا ومشغوليّاتنا.

٢- العبادة هي أولاً وقبل كل شيء لله.

“اسْجُدْ ِللهِ” (رؤيا ١٩: ١٠؛ ٢٢: ٩).

الله هو موضوع العبادة وجوهرها.  فالعبادة هي عنه ومن أجله.  فهو فريد بصفته الله وهو لهذا الوحيد الجدير بتسبيحنا؛ وهو، بصفته الخالق، الوحيد الذي يستحق عبادة مخلوقاته وخليفته (رومية ١١: ٣٦؛ مزمور ١٤٨: ١-١٣).

ولهذا سوف نركّز على تمجيد الرب في عبادتنا وعلى تقديم ذبيحة حمد وتسبيح ملائمة لاسمه. وسيكون دافعنا الأسمى إلى العبادة هو تلذُّذه بدلاً من أن يكون شبعنا أو اكتفاءنا أو استمتاعنا. وسنتعلّم أن نعطي أكثر مما نأخذ، مع إدراكنا أنه ليس لدينا ما نعطيه إلا بسب إنعام الرب السابق علينا وكرمه معنا.

٣- يجب أن تأخذ الكلمة مكاناً مركزياً في عبادتنا.

“سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ” (مزمور ١٥٠: ٢).

العبادة هي استجابة المخلوق لإعلان الخالق عن ذاته. ونحن مسؤولون عن أن نسبّحه كما هو حقاً، لا كما يمكن أن نفترضه أو كما نأمل أن يكون. وقد أعلن الله عن ذاته ومجده من خلال المخلوقات المُلهَمة (مزمور ٥٦: ٤؛ ١٣٨: ٢).

ولهذا سوف نقرأ الكلمة، ونصلّي الكلمة، ونعظ بالكلمة، ونرنّم الكلمة في عبادتنا الجماعية والخاصّة. وسنسمح للكلمة بأن تدعونا إلى العبادة، وأن تقدّم سياق عبادتنا والدافع لها، وأن تنير وتثري وتشحن عبادتنا. وسنتجنب مجرد ترنيم أفكار الناس عن الله في غياب ما قاله لنا عن نفسه في كلمته المقدّسة.

٤- العبادة هي مسؤولية كل شعب الله.

“أَمَّا نَحْنُ شَعْبُكَ وَغَنَمُ رِعَايَتِكَ نَحْمَدُكَ إِلَى الدَّهْرِ” (مزمور ٧٩: ١٣).

العبادة فعل. هي شيء نفعله لا شيء نراقبه أو نتفرج عليه. فمن التعابير والمفاهيم المهمّة لكهنوت جميع المؤمنين هو أن لكل فرد دوراً حيوياً يلعبه في العبادة الجماعية للكنيسة (مزمور ١٠٧: ٣٢؛ رومية ١٥: ٥- ٦).

ولهذا سنعزز المشاركة القلبية الخالصة في العبادة بكل طريقة ممكنة من خلال تشجيع العبادة على مدى الأسبوع والاستعداد الروحي للعبادة الجماعية، ومن خلال تعزيز البيئة المادية للعبادة، ومن خلال الاختيار المتأنّي للموسيقى الملائمة ومن خلال إتاحة الفرصة للصلاة الجماعية وقراءة الكلمة، وما إلى ذلك.

٥- تكون عبادتنا مقبولة في المسيح ومن خلال المسيح الذي هو كاهننا الأعلى.

“فِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ” (عبرانيين ٢: ١٢)

يسوع المسيح هو قائد عبادتنا. فنحن نأتي منه وباستحقاقه إلى محضر الله، وهو يجمع عبادتنا المتواضعة في قربانه الخاص الكامل (عبرانيين ٨: ١-٢؛ ١٠: ١٩-٢٢).

ولهذا سنجتهد في تحقيق التفوُّق والتميُّز في عبادتنا، لكن دون أن ننظر إلى الخبرة الفنية أو الجدارة الفنيّة كغايتين في حد ذاتهما، أو كوسيلة للحصول على رضى الله أو قبوله. وسنعمل على تشجيع عقلية الخدمة بدلاً من عقلية الأداء بين قادة العبادة، مدركين أن عبادتنا في نهاية المطاف لا تكون مرضية لله إلاّ لأننا نأتي إليه من خلال المسيح.

٦- العبادة هي استجابة حياتنا بأكملها لله.

“فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ” (رومية ١٢: ١).

ليست العبادة مجرد حدث أسبوعي، لكنها طريقة حياة معتمدة على الرب المنعم والعرفان له. ومع أن العبادة تعبير مهم عن مسيرة العبادة تلك، إلاّ أنه يتوجب أن تكون مشحونة بحياة من التكريس الشخصي الخاص والأمانة. (يوحنا ٤: ٢١-٢٤؛ ١ كورنثوس ١٠: ٣١).

ولهذا سنعلّم أهمية أسلوب حياة العبادة ونعزّزه. وسنعظّم مجد الله بصفته نقطة تركيز الحياة وهدفها. وسنتعامل مع العبادة الجماعية لا كشيء يقطع مسار الحياة اليومية العادية، وإنما كاحتفاء مكثّف بالإله الذي يجعل الحياة تستحق العيش.

٧- الله أكثر اهتماماً بقلوبنا من شكل عبادتنا.

“إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً” (أُسَرُّ بالولاء أكثر من الذبيحة) (هوشع ٦: ٦).

العهد الجديد (بالمفارقة مع العهد القديم) غير وصفي بشكل ملحوظ في المسائل المتعلّقة بشكل أو صيغة خدمات العبادة الجماعية. فلا يمكننا إلاّ أن نفترض أن الله قصد أن يسمح بحرية كبيرة في هذه النواحي. غير أن كلا العهدين واضح تماماً في التأكيد على أن الله يأخذ على محمل الجِد موقف القلب السليم والدافع وراء عبادة المرء.  ولهذا سنؤكد على الحقيقة الداخلية للعبادة ونبقى مرنين في تعاملنا مع الشكل (٢ أخبار ٣٠: ٨-٢٠؛ مرقس ١٢: ٣٣).

٨- يجب أن تعزّز العبادة وحدة الجسد وبناءه.

“وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ” (رومية ١٥: ٥-٦).

ليس جسد المسيح جماعة من أشخاص متجانسين، لكنه مجموعة من الأشخاص المختلفين من خطاة مخلّصين لا يستطيع أن يوحّدهم إلا روح الله. ويتوجب علينا أن نحارب الفردية المتفشّية في عصرنا وغير المكبوحة في طبائعنا ونشجّع بكل اجتهاد بناء الجسد (أفسس ٤: ١-٦، ١٥-١٦؛ ٥: ١٩-21؛ كولوسي ٣: ٢-١٧؛ عبرانيين ١٠: ٢٣-٢٥).

ولهذا سنبتهج في تنوُّعنا ونسعى إلى التعلُّم أحدنا من الآخر أشكالاً متنوعة من العبادة (أفسس ٥: ١٩؛ كولوسي ٣: ١٦).  غير أننا سنتجنب البِدْع (الشيء الجديد غير المألوف) الذي يؤتى به لغرض البِدعْ فقط، وسنسعى على الدوام إلى الحفاظ على صحة كل الجسد في الفكر عندما يتعلّق الأمر بالابتكار والتجديد في العبادة. ولن نسعى إلى تعزيز برامجنا الشخصية أو أذواقنا الخاصّة في العبادة، بل علينا أن نطلب بروح الصلاة وبتعمُّد مصلحة الجسد ككل.  وسيشجع بعضنا بعضاً على وضع احتياجات الآخر قبل احتياجاتنا (رومية ١٢: ١٠؛ فيلبي ٢: ٢-٣)، وعلى النظر إلى خارج أنفسنا إلى هويتنا الجماعية في المسيح.

٩- يحتاج الصغار والكبار بعضهم بعضاً في جسد المسيح.

“الأَحْدَاث وَالْعَذَارَى أَيْضًا، الشُّيُوخُ مَعَ الْفِتْيَانِ، لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ” (مزمور ١٤٨: ١٢-١٣).

يشمل تنوُّع جسد المسيح بالضرورة وبشكل كبير اختلاط الأجيال. وينبغي أن يحترم الشباب ثبات شيوخهم وميراثهم وأن يتعلّموا منهم، في الوقت الذي يستطيعون فيه أن يضيفوا طاقة جديدة وتعابير جديدة للعبادة (مزمور ٧٩: ١٣؛ ١٤٩: ١؛ تيطس ٢: ٢-٨).

ولهذا لا بدّ لنا من احترام المساهمات الخاصّة للشباب والكبار والسعي إلى إشراك كل المجموعات في خدماتنا دون أن نفضّل إحداها على الأخرى. ولا بد لنا من السعي إلى استخدام حُسن التمييز التقي في تقييمنا لكل المواد المستخدمة في عباداتنا الجماعية.

١٠- يتوجب أن نعلّم هذه الأمور مرة بعد أخرى.

“فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ” (١ تسالونيكي ٤: ١).

الحقائق السابقة الذكر عناصر مهمة من الفهم المسيحي للتلمذة، لكن يتوجب أن تعلّم بشكل ثابت ومستمر إذا أردنا لها أن تسكن القلوب وتغيّر المواقف والنظرات والسلوك (٢بطرس ١: ١٢-١٣).

ولهذا سنعلّم هذه المبادئ ونشجع بعضنا بعضاً على النمو في هذه النواحي. وسنسعى إلى تقديم نموذج لهذه الحقائق أحدنا أمام الآخر في كنائسنا، وينبغي أن نكون في هذا مثالاً في مجتمعنا الصغير وفي جسد المسيح الأوسع في أماكن أخرى.

شارك مع أصدقائك