كولوسي ١: ٩–٢٠
٩مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ ١٠لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، ١١مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، ١٢شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، ١٣الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، ١٤الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. ١٥الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. ١٦فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. ١٧الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ ١٨وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. ١٩لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، ٢٠وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.
السيادة على الخطية في سفر أخبار الأيام الثاني
أولا ، كنت أقرأ على الشرفة في مدينة أشفيل بولاية نورث كارولينا، خلال النصف الأخير من شهر يوليو، سفر أخبار الأيام الثاني في العهد القديم. كما في كل عام عندما أصل إلى هذا الجزء من الكتاب المقدس، أصاب باندهش من القصص المتكررة عن خطايا الإنسان المصيريّة التي تتم تحت سيادة الله. على سبيل المثال:
• رحبعام رفض حكمة الشيوخ، وقال للشعب: “أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ” (٢ أخبار ١٠: ١٤).
- ثم يأتي أغواء الملك أخآب بواسطة الأنبياء الكذبة لقتال الأراميين، لكن ميخا، النبي الحقيقي من الرب، يقول: “وَالآن هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي ٢٢).
- ثم أعطى يوآش، ملك إسرائيل، مشورة حكيمة لأمصيا، ملك يهوذا، ألا يخرج إلى المعركة ضد شعبه. لكنه رفض الاستماع إلى أمصيا، ويقول الكاتب بوحي من الله “فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ، لأَنَّهُمْ طَلَبُوا آلِهَةَ أَدُومَ.” (٢ أخبار ٢٥: ٢٠).
لماذا يعتقد الله أنه أمر جيد بالنسبة لنا أن نعرف ذلك؟ لماذا يقول لنا الله مرارا وتكرارا في الكتاب المقدس أنه، وبطريقة يصعب فهمها، يتحكم في أفعال البشر الخاطئة دون أن يرتكب هو نفسه أي أثم أو أن يفعل أي أمر شرير أو غير مقدس؟ هذا هو الحافز الأول وراء هذه السلسلة من العظات. الله يريدنا أن نعرف هذا، وهناك أسباب للأمر.
ما علاقة كل المصائب التي تحدث بيسوع المسيح؟
الحافز الثاني وراء هذه السلسلة هو أنه في أية شهر من العام تختاره، تملء مصائب تدمي لها القلب صفحات الأخبار من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي وحول العالم. في نيويورك، بولاية نيو جيرسي، يصل معدل جرائم القتل ما خمسين في المئة منذ عام ١٩٩٨، وفي الاسبوع الماضي حدثت جريمة قتل باسلوب الاعدام لاربعة مراهقين. في ولاية يوتا، حوصر ستة من عمال المناجم تحت الأرض بعمق ١٨٠٠ قدم منذ يوم الاثنين بدون أي علامات على الحياة. وفي قلب ولاية مينيسوتا، ينمو يوما بعد يوم المدى الاكبر لانهيار جسر ٣٥. وبينما نحن نئن من خسائرنا هنا، على الجانب الآخر من العالم، ونادرا ما نسمع في الأخبار، قد تشرد ٢٠ مليون شخص في الاسبوعين الماضيين في الهند وبنغلاديش ونيبال بسبب اسوأ فيضانات حدثت منذ سنوات. هل أي شيء من هذا له علاقة بالمسيح يسوع المقام من الأموات الذي قال: “دُفِع إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى لأَرْضِ” (متى ٢٨: ١٨)؟ هذا هو الحافز الثاني وراء هذه السلسلة.
قسوة الأيام الأخيرة
ثالثا، يخبرنا الكتاب المقدس نفسه أنه في الأيام الأخيرة ستكون الأمور صعبة وقاسية. في ٢ تيموثاوس ٣ :١-٥ ، يقول بولس، “وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، 3بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا.” وكراعي، أنا لا أعتقد أنه من وظيفتي أن أقدم لك تسلية في مثل هذه الأيام أو أن أساعدك ليكون لديك مشاعر بهجة سطحية. بل وظيفتي هي أن أضع نوع من الثقل في بطن القارب الخاص بك حتى عندما تصطدم هذه الأنواع من الموجات بحياتك، لا تنقلب، وإنما تصل بسلام إلى ميناء السماء ممتلأ بالإيمان والفرح.
مجد يسوع المسيح
الحافز الرابع وراء هذه السلسلة يأتي من نصنا هذا الصباح، وهو مجد يسوع المسيح. في الأسبوعين الماضيين، قضيت الكثير من وقتي في كتابة خطة لمدة ثماني سنوات كي أشارك بها مع فريق القيادة يوم الأربعاء القادم. عندما أعود وأستمع إلى عظتي للترشيح في الخدمة بالكنيسة يوم ٢٧ يناير ١٩٨٠، لا أجد شيأ قد تغير في هذه النقطة. أنا موجود ونحن موجودون ككنيسة لكي نعظّم يسوع المسيح. كان النص من فيلبي ١: ٢٠ “حَسَبَ انْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذلِكَ الآنَ، يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ”. هذا هو الحافز الرابع. كيف يتم تعظيم المسيح في عالم مثل عالمنا؟ في نيويورك ويوتا وبنغلاديش ومينيابوليس؟ أو في عالم مثل أخبار الأيام الثاني؟ كيف يتعظم المسيح في سقوط الشيطان من مكانته في الكمال؟ في خطية آدم وسقوط الجنس البشري بأكمله؟ في برج بابل، وتمزق الجنس البشري باللغات؟ في بيع يوسف للعبودية في مصر؟ في الخيانة العظمى ضد الله عندما طالبت إسرائيل بملك بشري مثل الأمم؟ في خيانة يهوذا؟
سرا لكنه ليس صمتا
لم يجيب الله على كل أسئلتنا عن الخطية والشقاء الذي في العالم. “السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا” (تثنية ٢٩: ٢٩). هناك أسرار لن نفهما جيدا ونحن “نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ” (١ كورنثوس ١٣: ١٢). فنحن نعرف بعض المعرفة، لكن في الدهر الأتي سنعرف كما عُرفنا (١ كورنثوس ١٣: ١٢). ولكن الله لم يكن الصمت عن هذه الأمور. فهناك أشياء يريدنا أن نعرفها. فشرف ابنه هو في محك الخطايا المذهلة في التاريخ، والغرض الكوني منها في مجد المسيح.
لكي نرى الأمور بوضوح أكثر، دعنا ننتقل إلى كولوسي ١: ١٤ وما يليه.
الوصف الأكثر تركيزا لأمجاد المسيح
لقد صلى بولس لأهل كولوسي لكي “تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ [مشيئة الله]، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ” (أعداد ٩-١٠). في الآية ١٤ يبدأ في سلسلة من الحقائق المدهشة عن يسوع المسيح التي هي على الأرجح الوصف الأكثر تركيزا لأمجاد المسيح في العهد الجديد. دعونا نذكرهم، وهم خمسة عشر، ثم سأعود إلى واحدة منها أريد أن أركز عليها.
١. الآية ١٤: لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.
٢. الآية ١٥أ: هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ.
٣. الآية 15ب: بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ، أي وبتكريم مميز له، تعني أنه هو الأبن الأول والوحيد على كل الخلقية.
٤. الآية 16أ: فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. (سنعود إلى الآية ١٦).
٥. الآية ١٦ب: الْكُلُّ بِهِ قَدْ خُلِقَ.
٦. الآية ١٦ت : الْكُلُّ لَهُ قَدْ خُلِقَ.
٧. الآية ١٧أ: هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
٨. الآية ١٧ب: فِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ.
٩. الآية ١٨أ: هُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ.
١. الآية ١٨ب: هُوَ الْبَدَاءَةُ.
١١. الآية ١٨ت: بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ.
١٢. الآية ١٨ث: هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ.
١٣. الآية ١٩: فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ مِلْءِ الله.
١٤. الآية ٢٠أ: هو يُصَالِحَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.
١٥. الآية ٢٠ب: عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ.
هذا يستحق أن نتذكره. إذا أخفق قلبك أو أصبح فاترا في أي وقت، اذهب إلى هذا النص؛ أحفظ هذا الأبتهال لأمجاد المسيح واسأل الله أن يمنحك المحبة التي تتوافق مع مقياس هذه العظمة. لو كان أي شخص أو أي سلطة أو أي حكمة أو أي حب يوقظ أي إعجاب أو أي دهشة أو أي فرح، فليكن هو أعظم شخص وأعظم قوة وأعظم حكمة الحب موجودة، أي يسوع المسيح.
الكل في يسوع المسيح وبه وله قد خُلق
أرجع معي إلى الآية ١٦. لاحظ حروف الجر الثلاثة: “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.” وهكذا يعلمنا بولس أن يسوع المسيح قد خلق كل ما هو موجود. خُلق الكل به. كان عند الله وفي الله وكان هو الله (يوحنا ١: ١-٣)، وخلق الله كل شيء به. وله خُلق كل شيء. فكل ما جاء الى حيز الوجود هو موجود للمسيح، أي أن الكل موجود لإظهار عظمة المسيح. فلا شيء على الإطلاق، لا شيء أبدا موجود في الكون لذاته. بل إن كل شيء من أعماق المحيطات إلى أعالي الجبال، من الجسيمات الصغيرة إلى أكبر النجوم، من أكثر دروس المدرسة مللا إلى أعظم وأروع العلوم، من أبشع صرصور إلى أجمل إنسان، من أعظم قديس إلى أكثر ديكتاتور شرير في الإبادة الجماعية، كل شيء موجود، هو موجود لجعل عظمة المسيح معلنة بشكل اكبر. بما فيهم أنت، وأي شخص تجد من الصعب لديك أن تحبه.
حتى قوى الشر الفوق طبيعية
لكن من بين كل الأشياء، ملايين من الأشياء كان يمكن لبولس أن يذكر أن المسيح قد خلقها وأنها موجود لمجده، قد اختار أن يذكر هذا: “عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ.” الآية ١٦: “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ [حتى هذا] بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.”
والآن يدرك بولس أن هذه “الرِيَاسَات والسَلاَطِينَ” تشمل قوى الشر الخارقة للطبيعة. أنظر إلى كولوسي ٢: ١٥ حيث يحتفل بولس بانتصار المسيح على الصليب: “إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.” فهنا أيضا نجد “الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ” التي أشار إليها في كولوسي ١: ١٦. ونجدها مرة أخرى في أفسس ٦: ١٢: “فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ.” وهم، كمل يقول بولس: “وُلاَة الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ… أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.”
فقوى الشر الخارقة للطبيعة تهدف إلى خداع وتدمير الجنس البشري. وهم قد هُزموا بشكل حاسم على الصليب حيث جرّدهم المسيح من اسلحتهم وجعل شعبه آمنا تماما بالايمان الذي في المسيح. لكنهم ما زالوا يسببون ضررا كثيرا في العالم، لأن الكل لا يؤمن بالمسيح، وحتى المؤمنين قد يصابوا بالضرر منهم، ولكن لن يتم تدميرهم بالكامل.
لمجد المسيح يسوع
إذن، من أين أتوا ولماذا وُجدوا؟ يعطي كولوسي ١: ١٦ جزءا من الإجابة الحاسمة. ليس كل الإجابة ولكن الجزء نحن بحاجة إلى معرفته. “فِيهِ – أي المسيح، ابن الله – خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ…” هذا من حيث أتوا. قد خُلقوا في المسيح. ولماذا وُجدوا؟ الآية ١٦ب: “الْكُل بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.” إنها موجودة للمسيح. وُجدت لكي تعلن أمجاده.
النص لا يقول أنه خلقهم شرا. في الواقع، رسالة يهوذا القصيرة تتحدث عن “الْمَلاَئِكَة الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ” (يهوذا ١: ٦). فقد خُلقوا صالحين، لكنهم تمردوا على الله. يعرف بولس هذه الحقيقة. لأنه يعلم ما كانوا عليه وكيف اصبحوا. وسنرى في الأسابيع المقبلة أن بولس يعرف شيئا آخر. فهو يعرف أن المسيح علم أنهم سيسقطوا قبل أن يسقطوا. علم المسيح أنه سيكون هناك خطية وعصيان وشر. وبحكمته الغير محدودة أخذ بعين الأعتبار كل شيء عندما خطط لتاريخ الفداء وانتصارات النعمة في الجلجثة.
لذلك عندما يقول بولس أن “الرِيَاسَاتٍ والسَلاَطِينَ” قد خُلقوا في المسيح وللمسيح، يقصد أن الله خلقهم وهو عالم بما سيصبحوا عليه وكيف سيتم ذلك، وفي ذات دور الشر هذا سوف يمجدون المسيح. خلقهم الله لمجد المسيح وهو على علم بكل ما سيصبحوا عليه.
وقودا لنار مركزيّة الله
والآن لماذا يقول لنا بولس هذا؟ هل من المفيد أن نعرف ذلك؟ يعتقد بولس ذلك بالتأكيد، لأن قوى الشر هذه هي الشيء الوحيد الذي اختاره بولس أن يذكرها كمثال على ما قد خُلق في المسيح وللمسيح. فمن بين الآلاف الأشياء التي كان من الممكن أن يذكرها أشار إلى هذا. هو يريد لنا أن نعرف ذلك. لماذا؟ لماذا يظن أنه جيد لنا أن نعرف؟
هذا ما تدور حوله هذه السلسلة من العظات. والنقطة الرئيسية في هذه السلسلة ليست تقديم معلومات لعقولكم، ولكن تطبيق لحياتكم. كنت أقرأ للتو في خلوتي الشخصية في تيموثاوس الثانية أمس ورأيت هذا الأمر مرة أخرى، إنها نقطة عملية جدا عن حقيقة عقائدية عميقة: كان تيموثاوس خائف، وبولس يريد مساعدته على التغلب على خوفه وأن يكون شجاعا. هكذا يقول بولس: “فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ” (٢ تيموثاوس ١: ٨). ثم لكي يساعد تيموثاوس، يأخذه للماضي قبل أن يبدأ الزمن “قَبْل الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ” ، ويقول له ذلك بالفعل، أنه قبل الخلق، وقبل خطية آدم، والحاجة إلى الخلاص، كانت هناك نعمة مجانيّة، وقصد سيادة الله أن يخلص الخطاة. وذكر بولس هذه الحقيقة الإيمانة العميقة كي يساعد تيموثاوس أن يكون أقل خجلا! فحقائق الكتاب المقدس العظيمة عن المسيح والشر والخليقة هي وقود النار في نفس الإنسان التي مركزها الله.
لماذا حقيقة سيادة المسيح؟
ولكن اسمحوا لي أن اختم بعبارت خمسة موجزة عن لماذا يريد الله لنا أن نعرف حقيقة سيادة المسيح على “الرِيَاسَاتٍ والسَلاَطِينَ”.
١. الأمر صحيح موضوعيا، وليس مجرد رأي أو فكرة مثل المقعد الذي تجلس عليه. يهلك الناس لعدم وجود الحقيقة (٢ تسالونيكي ٢: ١٠).
٢. هذه الحقائق توضح أن المسيح هو الوحيد الذي يستحق العبادة. كان هناك أشخاص في كولوسي يقولون أن “عِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ” (كولوسي ٢: ١٨) هي جزءا من الطريق للوصول إلى الله. لا، يقول بولس، هذه الملائكة التي يظن البعض أنها كبيرة جدا قد خُلقت في المسيح وللمسيح. لا تعبدوهم. بل اعبودا ذاك الذي خلقهم.
٣. وأعرب بولس عن قلقه أنه في محيط التعددية الفكرية في كولوسي يمكن للمسيحيين أن يفتوا ببدع تبدوا صحيحة. “اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ.” (كولوسي ٢: ٨). مع هذه الحقائق العظيمة عن المسيح، يحفظنا بولس من الفلسفات والتقاليد التي لا تعتز بسيادة المسيح. فعند تبني مثل هذه الحقائق، لا يمكنك أن تنجرف بعيدا بسهولة لاتجاهات أو تقاليد محورها هو الإنسان.
٤. يريد بولس أن يعلن بكل وضوح أنه عندما يسمع المسيحيين، الذين يشعرون بالصغر والضعف، عن معاداة “العُرُوشً والسِيَادَاتٍ والرِيَاسَاتٍ والسَلاَطِينَ” أن يدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن يسوع المسيح لديه كل سيادة وسلطان عليهم، وأنهم لا يستطيع أن تفعلوا أي شيء بدون إذنه ذات السيادة (أيوب ١: ١٢ ، لوقا ٢٢: ٣١).
٥. وبالتالي، وأخيرا، يخبرنا بولس عن هذه الأشياء لأنه يريد لنا أن نرى ونشعر أن خلاصنا في المسيح لا يقهر. عندما مات المسيح عن الخطية، وقام مرة أخرى “جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ” (كولوسي ٢: ١٥). هل وضعت ثقتك به؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا ما يقوله عنك في كولوسي ٣: ٣-٤: “لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ.” أنت آمن الى الابد في المسيح.
كل الأشياء تخدم مجده والفرح لدينا
الكل خُلق فيه وبه وله. حتى أسوأ أعدائك فوق الطبيعية. في النهاية، كان هم، وليس المسيح، من تم إشهارهم وفضحهم على الصليب (كولوسي ٢: ١٥). في النهاية، كل شيء وكل فرد يخدم تعظيم مجد مخلصنا وزيادة فرح شعبه فيه.