أيها الآباء والأمهات، هلمّوا نُصلِّي. دعونا نبدأ بالشكر. يُمكننا أن نرفع أصواتنا ونشكر الله على أبنائنا في كل وقت، في البيت وفي الكنيسة. دعونا نبدأ ولا نتوقف أبدًا؛ دعونا نقف ونُرنم ترنيمات الشُكر طوال سنوات رعايتنا لأولادنا.
علينا كآباء أن نتذكّر أنا قد نلنا هديّة مُذهلة. للأسف كثيرًا ما نحيا كما لو أننا نحن من قررنا الحصول على هذه العطية بأنفسنا، ولكن الحقيقة هي أن صانعنا هو واهبها لنا. كثيرًا ما ننسى كلمات سفر الجامعة: “كَمَا أَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ مَا هِيَ طَرِيقُ الرِّيحِ، وَلاَ كَيْفَ الْعِظَامُ فِي بَطْنِ الْحُبْلَى، كَذلِكَ لاَ تَعْلَمُ أَعْمَالَ اللهِ الَّذِي يَصْنَعُ الْجَمِيعَ” (جامعة 5:11).
أولًا وقبل كلّ شيء، لنشكر الله الخالق على خَلقهِ حياة بشريّة جديدة. كم من أناس محرومون من مثل هذه العطيّة. إن كنت قد تعرّضت لفقدانها، أو كنت تتوق إليها، فأنت تعلم جيِّدًا ما أعنيه. للأسف، تتعالى أصوات الكثير من الآباء حولنا عن صرعاتهم مع التعامل مع هذه الهديّة الثمينة—وكأن ذلك هو لُب كل شيء.
أنا كأُمٍ فَقدتُ أبنين واحدًا تلو الآخر. أكتب ذلك لأن الكثير منكم يا قُرَّائي الأعزاء سيعرفون معنى هذا الحزن، بل وأكثر من ذلك. إنه حزن يغسل عينيك ويضع كلّ شيء آخر في نصابه الصحيح.
رُبما يكون الأبناء هم أعظم هديّة أرضيّة، تعكس أعظم هديّة أبديّة: وهي الحياة الجديدة في المسيح. من هم الأبناء؟ الأبناء هم “مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ” (مزمور 3:127)، أعطاهم الله لنا لنعرفه وننقل كنوز اسمه المبارك، جيلًا تلو الآخر. دعونا نملأ صلواتنا من البداية للنهاية، بالشكر على هذه الهديّة، التي ينسجها الله بيده، ثم بعنايته الإلهيّة يُعطيها لنا.
أَبَانَا السماويّ
هلموا نوجه صلاتنا لأبينا السماويّ. كم هو رائع أن نُفكِّر في أن الآباء المؤمنين يمكنهم أن يكونوا دائمًا في تواصل معَّ الله أَبَانَا، الذي أظهر لنا محبَّته في شخص ابنه—والذي يمنحنا روحه القدّوس لمساعدتنا على الصلاة، حسب كلمته.
عندما تم تشخيص إصابة أحد أبنائنا بمشاكلٍ في القلب، اتصلت أنا وزوجي على الفور بصديقٍ، وهو جرّاح قلب للأطفال. وعلى الفور جاء رده علينا، وساعدنا بكل ما كنّا نحتاج إليه. أنه لامتياز عظيم أن يكون لدينا حريّة كاملة للتواصل معَّ طبيب صديق كهذا.
في المسيح، نحن المؤمنون نتمتع بحريّة الدخول الأبديّ إلى أَبَانَا السماويّ. فهو يعرف كلّ شيء عن الأبوّة، بل ويمنحنا من خلال الأبوّة البشريّة أن نرى لمحة من قلب الآب الُمحب، ويجعلنا نتشارك معه في هذه المحبّة. يا له من كرمٍ مُذهل. يا لها من نعمةٍ رائعة.
كلمة الله
علينا أنْ نُصلِّي بحسب كلمة الله. لا يتعيَّن علينا معرفة معنى الأبوة بأنفسنا. بل لدينا كلمات موحى بها من أَبَانَا السماويّ، الذي يعرف كلّ شيء عن الفرح الكامل في محبّة ابنه، وكذا معنى الألم العميق عندما صُلب ابنه المتجسّد، وعن يقين الحياة الأبدية معَّ ابنه وعائلته “نحن” مُجتمعين معًّا. هذا الآب يعطينا القصة بأكملها في كلمته، كلمته التي يُمكنها أن تملأ صلوتنا.
نحتاج أن نُصليّ كي نتكلَّم ونعيش المكتوب أمام أبنائنا، في خروجنا ودخولنا. لنُصلي أن يقود الروح القدس أولادنا، وأن يفتح قلوبهم على كلمته وعلى معرفة هذا الآب السماويّ، من خلال ابنه الكلمة الذي صَارَ جَسَدًا.
كثيرًا ما يبحث الآباء عن أفكار خلّاقة وجديدة لوقت العبادة العائليّة. عندما أنظر إلى الوراء على أبنائنا الثلاثة الذين كبروا، أعتقد أنه ربما كان بإمكاننا أن نكون أكثر إبداعًا في إيجاد وسائل مبتكرة أكثر جاذبيّة. لكن أيًا كانت السُبُل التي نستخدمها، يجب أن نحافظ على هذه الأمور الأساسيّة بأمانة: (1) أن نقرأ كلمة الله بانتظامٍ كعائلةٍ معًا. (2) أن نقرأها بصوتٍ عالٍ. (3) وأن نتناقش حولها ونشرحها لأولادنا. (4) وأن نُصلّيها.
إذَا كنّا نؤمن حقًا بأن الكتاب الُمقدَّس هو كَلِمَةَ اللهِ الحَيَّة وَالفَعَّالَة —والقادة على اختراق القلوب، وتغيير الحياة—فيجب أن نُصليّ بلجاجةٍ لأجل أن يمنحنا الله أن ننقل هذه الكلمة بأمانة إلى أبنائنا.
جسد المسيح
هلموا نُصلِّي معَّ جسد المسيح. ليس قصد الله أن نُربّي أبنائنا بمعزل عن الكنيسة. إن أعضاء جماعة الكنيسة مدعوون لمساعدة بعضهم البعض على تربيّة الأجيال القادمة لمعرفة الربّ وخدمته. وهذا العهد يشمل الصلاة بحرارة لأجل أبناء بعضنا بعضًا، من مرحلة الطفولة إلى الشباب وصولاً لمرحلة البلوغ، ولكننا معّ الأسف كثيرًا ما ننسى هذا.
عندما أفكِّر في سنوات المراهقة المبكرِّة لأبنائنا الثلاثة، فإن الصورة التي تتبادر إلى ذهني، هي كم المؤمنون الذين ساعدوهم ورافقوهم في هذه المرحلة العُمريّة: كقادة الشباب والمعلِّمين؛ وكذا الشباب الأتقياء الذين لعبوا معهم كرة القدم وكرة السلة؛ والآباء الآخرون الذين أخذوا وقتًا للتحدُّث معهم، والذين أخبرونا بانتظام أنهم كانوا يصلّون من أجلهم. لذا في سنوات المراهقة، نحتاج لاستدعاء القوَّات. وبالتأكيد الجيش هو الكنيسة.
لقد تَحدَّثت مؤخرًا مع العديد من الآباء الذين يُصلّون بجديّة من أجل خلاص أبنائهم. إنَّ الصلاة من أجل الأبناء هي عمل محبّة عظيم من نحو الآباء الآخرين. وهذا يعني أننا كعائلة كنسيّة واحدة، كجسدٍ واحدٍ، يجب أن نسأل على أبناء بعضنا البعض ونُصلِّي من أجلهم، ونستمر في فعل ذلك.
قلوب مفتوحة
هلموا نُصليّ بقلوبٍ مفتوحة تتسع للجميع. استكمالًا للحديث عن الآباء الذين يَتُوقون ويصلّون من أجل خلاص أبنائهم، لقد لاحظت أنهم غالبًا ما يمتكون قلوب كرازية ليس لأجل أبنائهم فقط. لقد أدركوا أهمية رسالة الإنجيل في هذه الأيام الأخيرة، فقد ابتدأوا أولاً من منازلهم، ويسعون لنشر الأخبار السارة على نطاق أوسع. إنهم يُصلّون ليس فقط من أجل أبنائهم ولكن من أجل أبناء الآخرين أيضًا. لجيرانهم. من أجل العمل الُمرسليّ في المناطق القريبة وفي جميع أنحاء العالم.
الصلاة من أجل أبنائنا قد تبدو، في البداية، نشاطًا خاصًا ومعزولًا. لكنها في الواقع نشاط يُركِّز على الخارج، مُمتد نحو الجميع، حيث نقوم به معًّا في عائلة الله التي تنموا بشكلٍ متزايد في جميع أنحاء العالم.
لنُصليّ بفرح
لنُصليّ بفرحٍ. لا أقصد أن أعدكم بأننا لن نتعب في كثير من الأحيان، أو بأننا لن نصلي صلوات الألم من أجل معاناة أبنائنا، أو صلوات الحزن على أمورهم. ولكن كلَّما استمعنا أكثر إلى صلوات الكتاب الُمقدَّس، كلما عرفنا أنها ترتكِز على الشُكر. فهي صلوات مملوءة بالفرح الذي لا يمكن لأي شيء أن يسلبه، وتصعد أمام الربّ على الدوام.
إن هُويتنا كآباء ليست هي هُويتنا الأبديَّة. نحن المؤمنين نعيش كأبناء الله، من خلال الخلاص الُمقدَّم لنا في ابنه. وهذا ما نُصلِّي من أجله لجميع البشر، بمن فيهم أبنائنا: أن ينضموا إلى عائلة الله التي خُلقنا من أجلها، ويخدموا الآب الذي يُحبَّنا محبة كاملة. فالوجود ضمن هذه العائلة هي الفرح الأعظم.
أكتبُ إليكم الآن بصفتي والدةً لثلاثة أبناء وتسعة أحفاد. هناك الكثير علينا أن نُصلِّي من أجله. ولكن بغض النظر عن الصراعات والتحديات التي تنتظر أبنائنا، فأنا على يقين تام بأنهم بحاجة إلى صلاتنا أكثر بكثير من حاجتهم إلى كلماتنا.
هم بحاجة إلى الربّ، وعلينا أن نستودعهم بفرحٍ بين يَديهِ الصالحة والقويّة. هم ليسوا لنا. لقد خَلقهم الله لنفسه، وهو المسؤول عنهم. وهو يعرف كيف يدير عائلته على أكملِ وجهِ. يُمكننا أن نثق بأبينا السماويّ ثقة كاملة.