كثيرًا ما تتسبب بعض التغريدات على مواقع التواصل الإجتماعيّ في بلبلة الكثير من المؤمنين الأتقياء حول معتقدات إيمانية راسخة. وفي الغالب يكون راء مثل هذه التغريدات شيوخ وخدام يتبعون تيارات ليبرالية أو تقدميّة ويتبنون ما يُسمّى في الغرب بمنهج الـ(Deconstruction)، والتي يمكن ترجمتها إلى منهج التفكيك أو إعادة تشكيل الإيمان المسيحيّ.
وهذه ليست مجرّد تغريدات، وإنما حركة ممنهجة تأخذ من وسائل التواصل الإجتماعيّ بوابة للعبور إلى داخل بيوتنا وكنائسنا.
من هشتاج إلى حركة دينيَّة
حتَّى يومنا هذا، توجد عشرات الآلاف من المنشورات على إنستجرام تستخدم هشتاج #حركة_التفكيك، الغالبيَّة العُظمى من المشاركين بهذه المنشورات، هم في الأصل مسيحيُّون تحوَّلوا إلى المذهب المسيحيِّ التقدُّميِّ، واعتنقوا أفكارًا عن حريَّة العلاقات المثليَّة والزواج المثليِّ، ورفضوا العقائد الأساسيَّة للإيمان في تاريخ الكنيسة، أو انضمُّوا إلى مهمَّة تدمير الإيمان المُسلّم مرة من القديسين.
يوجد على الإنترنت عدد لا يُحصى من المواقع التي تُقدِّم المشورة والعلاج القائم على منهج حركة التفكيك هذه. فهم يهدمون كلَّ العقائد والأفكار في عقلك، ثمَّ يبنون معتقدات جديدة بداخلك من خلال جلسات الوعي والتأمُّل الباطنيِّ، على غرار ممارسات المسيحيَّة التقدُّميَّة التي يقدِّمها ريتشارد رور (Richard Rohr).
يوجد أيضًا مؤتمرات يمكنك حضورها، لقد دفعت أنا شخصيًّا مبلغًا جيِّدًا من المال مقابل حضور واحد من هذه المؤتمرات (لأغراض بحثيَّة)، حتَّى يعلِّمونا التحرُّر من التديُّن المؤذي، ورفض العقيدة المسيحيَّة، وتبنِّي ما أُضيفَ من أفكار للتوافق مع الديانة البوذيَّة.
لكن ليس ولا واحد من أرباب هذه التغريدات والمؤتمرات والكورسات النفسيّة يشجِّع المؤمنين على الرجوع إلى الكتاب المقدَّس لكونه القوَّة الوحيدة التي تشهد عن الحقِّ.
رحلتي مع حركة التفكيك
في كتابي الذي يوثِّق رحلتي مع حركة التفكيك، أُعرِّف النقد التفكيكيَّ على النحو التالي:
إنَّ النقد التفكيكيَّ، في سياق فحص الإيمان، هو عمليَّة نقد مُمَنهجة غالبًا ما ترفض كلَّ المعتقدات التي نشأت عليها. قد يصل الأمر ببعض المؤمنين خلال هذه المرحلة من النقد التفكيكيِّ إلى الإلحاد التامِّ. والبعض يبقون في مرحلة الشكِّ. أمَّا البعض الآخر، فيُعيدون بناء إيمانهم، ولكن بنوعيَّة إيمان تختلف تمامًا عن إيمانهم المسيحيِّ الذي يعرفونه في السابق. (24)
وأودُّ أن أضيف أنَّه إيمانٌ نادرًا ما يحتفظ بأيِّ ملامح للمسيحيَّة الحقيقيَّة.
منذ العامِّ الماضي أو نحو ذلك، أصبح من المألوف أن يُشير القادة المسيحيُّون إلى منهج النقد التفكيكيِّ على أنَّه شيء ربَّما يكون جيِّدًا. لقد فهمتها هكذا عند سماعي لهذا المصطلح لأوَّل مرَّة، قلتُ حسنًا، ربَّما يكون شيئًا جيِّدًا بالفعل، لأنَّ هذا قد يعني تفكيك وهدم المعتقدات الخاطئة، وإبراز المعتقدات السليمة التي تتَّفق مع الكتاب المُقدَّس. كنت أتعامل مع الأمر من منظور المبدأ الأساسيِّ القائل بأنَّ الحقَّ قائمٌ ومُعلِّمٌ، ويمكننا معرفته بسهولة. لكن عندما واصلتُ في دراسة هذه الحركة، أصبح مفهوم التفكيك بالنسبة لي غير مقبول.
سبب موقفي هذا هو أنَّ الكلمة التي غالبًا ما تُستخدَم في حركة التفكيك، لا علاقة لها بالنقد الموضوعيِّ، وكل ما تفعله هو هدم كلِّ ما يعتقد شخص ما أنَّه خاطئ من منظوره الخاص. لنأخذ ما قالته ميلسيا ستيوارت (Melissa Stewart) وهي نجمة بارزة على منصَّة تيك توك ولها أكثر من مئتي ألف متابع، كما أنها مؤمنة سابقة. فقد علَّقت على المساحة المتاحة على الإنترنت للمؤمنين السابقين وحركة التفكيك، قائلةً:
إن أروع خبراتي هنا كان بسبب حديث الناس بحريَّة عمَّا اجتازوا به، فقد حكوا قصصهم الشخصيَّة وركَّزت على خروجهم من هذه المعاناة، دون الالتفات إلى ما إذا كان هذا اللاَّهوت أو ذاك صحيحًا أم خاطئًا.
من خبرتي في دراسة هذه الحركة، لقد أصابت ميلسيا ستيوارت كبِد الحقيقة. نعم، حركة التفكيك ليس هدفها الوصول إلى اللاهوت الصحيح. الكلمة نفسها مبنيَّة على “ما بعد الحداثة” (postmodernism)، وتتبنَّى نسبيَّة الأخلاق. على سبيل المثال: إذا كانت كنيستك تقول إنَّ المرأة لا يجب أن تكون راعيًا للكنيسة، فردُّ الفعل المفترض هنا هو أن تترك هذه الكنيسة، وتنفكَّ بعيدًا عن هذه العقيدة المؤذية القمعيَّة.
قد يقول التفكيكيُّون إنَّهم بكلِّ بساطة يرفضون ثقافة المجتمع المرتبطة بالمسيحيَّة، لكن حتَّى “ثقافة المجتمع” هذه تستند لبعض المبادئ مثل التعويض القانونيِّ عند ارتكاب الخطأ، والزواج الكتابيِّ، وغيرها من المبادئ. لكن التفكيكيُّون، لا يعوِّلون على الكتاب المقدَّس كمرجع للأخلاق واللاَّهوت، لكن يعوِّلون بالأساس على العلم والثقافة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ.
حركة التفكيك الآن أكثر قوَّةً وانتشارًا
لقد تطوَّر الأمر وأصبح يُرسم المسيح ومارتن لوثر على أنهما “ثوريان وتفكيكيَّان”. في رأيي، هذا افتراض غير مسؤول! إذا كان التفكيك يعني تغيير قناعتك، أو تصحيح أفكارك الخاطئة، إذًا أستطيع أن أقول إنَّني سأتبع هذه الحركة. ولكن لا يوجد حتَّى الآن مَن يفترض على الإطلاق، أنَّ مارتن لوثر ويسوع كانا “تفكيكيَّين”. مارتن لوثر كان يحاول إصلاح الكنيسة من خلال العودة إلى الكتاب المقدَّس، ويسوع هو الكلمة الذي صار جسدًا، لا بُدَّ من العودة إلى الكتاب المُقدَّس قبل أيِّ شيء. وهذا لا يتوافق على الإطلاق مع ما ينادي به التفكيكيُّون.
لقد رأينا بكلِّ تأكيد كثيرًا من الفضائح التي تعجُّ بها الأخبار. ويوجد كثير من الأشخاص المثقَّلين بالجروح والصدمات النفسيَّة والشكوك بسبب هذه التجارب التي مرُّوا بها. ومنهم كثيرون يخرجون من تجاربهم بشكوك عن جدوى إيمانهم، فلا يجدون سوى هذا المجتمع المتنامي من تاركي الإيمان عبر الإنترنت، الذين يناصرون حركة التفكيك، ويهاجمون أيَّ شخص يتكلَّم ضدَّها، بدعوى التنوير وإصلاح الإصلاح.
قد يبدو العالم الإفتراضيّ أو مجموعات مُساندة بعينها مكانًا آمنًا لعلاج هذه الجروح، لكن الهدف النهائيُّ معروفٌ ومحدَّد. هو تفكيك كلِّ المعتقدات التي يظنُّ الشخص أنَّها قمعيَّة أو غير أخلاقيَّة، بدلًا من قياس تلك المعتقدات بناءً على الكتاب المُقدَّس، حتَّى لو كانت تبدو غير متوافقة مع أفكار المجتمع.
إن حركة التفكيك أقرب إلينا مما نظن، وهي أشرس مما تبدو. ولكن لكوننا مؤمنين، يجب أن تكون عمليَّة تقييم معتقداتنا في ضوء الكتاب المُقدَّس، ورفض أيِّ معتقدات غير كتابيَّة، حقيقة يوميَّة. لكن هذه العمليَّة ليست تفكيكًا. بل ما ندعوه بالفعل “الإصلاح” أو “الاسترداد” أو “الشفاء”.