التعريف
تنص عقيدة نزول المسيح إلى الأموات على أنه بعد موت المسيح، بقي جسده في القبر وانتقلت روحه إلى مكان انتظار الموتى الصالحين حتى قيامته، وهو لا يتألم هناك بل يعلن النصر الذي حققه بموته النيابي على الصليب. هذا الحدث لم يوسع نطاق الخلاص ليشمل أولئك الذين ماتوا بالفعل، بل بالحري كان علامة رجاء للأبرار وعلامة دينونة للأشرار.
المُلخص
إن عقيدة نزول المسيح إلى الأموات هي ببساطة أن المسيح، في بقائه ميتًا لمدة ثلاثة أيام، اختبر الموت كما يفعل جميع البشر: ظل جسده في القبر، وظلت روحه في مكان الأموات (الصالحين). لم يتألم هناك، لكنه ظل متحدًا أقنوميًا بالطبيعة الإلهية كالابن المتجسد، مُعلنًا النصر الذي حققه موته النيابي على جميع الذين في مكان الموتى – الملائكة الذين سقطوا، والأموات الأشرار، وقديسين العهد القديم. على الرغم من أن العقيدة كانت موضع شك من قبل البعض في عصر الإصلاح، يجب أن نتمسك بها لأنها تحظى بدعم كتابي وتاريخي. تُتيح لنا هذه العقيدة أن نرى بشكل أوضح إلهنا المتجسد المتحد مع شعبه، وتُضفي معنى إضافي حول مياه المعمودية، كما وتساعد في تذكير المؤمنين بأن المسيح يحكم ويملك من الآنوإلى الأبد، وأن في يديه مفاتيح الموت والجحيم.
إن عقيدة “نزول” المسيح مذكورة في قانوني الإيمان الأثناسي والرسولي وتحتفي بها الكنائس الشرقية والرومانية الكاثوليكية، لكنها نادرًا ما تنال اهتمام من الكنائس الإنجيلية. في الواقع، حتى إذا ذُكر قانون إيمان الرسل، يتجاهل العديد من الإنجيليين عبارة “نزل إلى الجحيم/الموتى”. إذن ما هي هذه العقيدة؟
إن نزول المسيح، كتابيًا وتاريخيًا يعني الآتي:
“في بقائه ميتًا لمدة ثلاثة أيام، اختبر المسيح الموت كما يفعل جميع البشر: ظل جسده في القبر، وظلت روحه في مكان الأموات (الصالحين). لم يتألم هناك، لكنه ظل متحدًا أقنوميًا بالطبيعة الإلهية كالابن المتجسد، مُعلنًا النصر الذي حققه موته النيابي على جميع الذين في مكان الموتى – الملائكة الذين سقطوا، والأموات الأشرار، وقديسين العهد القديم. ولذلك فإن نزول المسيح هو في المقام الأول بداية تمجيده، وليس استمرارًا لإخلائه.”[1]
بدون شك، لقد غيّر حضور المسيح طبيعة الفردوس، من مكان توقع وانتظار لمجيء المسيح إلى حقيقة وجوده، لذلك تصف الكنيسة الأولى النزول بأنه “تحرير” من الجحيم (خاصة وبالتحديد للأبرار). كما أن نزول المسيح لم يكن فرصة للخلاص بعد الموت؛ فإن إعلان نصرة المسيح بشرى سارة لأولئك الذين انتظروا مجيئه وعلامة دينونة لأولئك الذين تمردوا عليه.
الدليل الكتابي
النقطة الأولى التي نحتاج إلى توضيحها عند التفكير فيما هو اللاهوت إنجيلي السليم حول عقيدة نزول المسيح هي أنها تحظى بدعم كتابيّ. فالاعتقاد الأساسي فيما يتعلق بالعقيدة هو أن يسوع مات بالفعل موتًا بشريًا حقيقيًا، مما يعني، بالنسبة إلى كُتّاب الكتاب المقدس، أن جسده الإنساني قد دُفن وأن روحه الإنسانية انتقلت إلى مكان الموتى. بحسب يهودية الهيكل الثاني، كان الاعتقاد المنتشر (وإن لم يكن عالميًا) حول الحياة الآخرة هو أن هناك حالة وسيطة تسكن فيها جميع أرواح الأشخاص المتوفيين، وإن كانوا في أجزاء مختلفة. تمت الإشارة إلى “مكان الموتى” باسم شيول أو هاديس، وكان يُعتقد أنه مُقسّم إلى ثلاثة أجزاء على الأقل: حِضن إبراهيم (لوقا 16: 19-31)، أو الفردوس (لوقا 23: 43)، من أجل الأموات الصالحين؛ جيهينا، أو في بعض الحالات شيول أو هاديس، للأموات الأشرار (لوقا 16: 19-31)؛ وتارتاروس، للملائكة والأرواح الشريرة التي في السجن (بُطرُسَ الأولَى 3: 19؛ بُطرُسَ الثّانيَةُ 2؛ يَهوذا 6).
كان يُنظر إلى هذه الأجزاء على أنها أماكن انتظار حتى قيامة الأموات، حيث سيصبح الحكم المؤقت على ساكنيها نهائيًا وأبديًا (الرؤيا 20: 11-15). وتُعلم عقيدة نزول المسيح أنه، بين موته وقيامته، استمرت روحه البشرية في هذه الحالة الوسيطة، وتحديدًا في الفردوس أو في حضن إبراهيم، الجزء الصالح للموتى. نرى هذه النظرة للحالة الوسيطة ووجود يسوع فيها بين موته وقيامته في نصوص مثل مَتَّى 12: 40؛ لوقا 23: 43؛ أعمال الرسل 2: 27-31؛ وروميَةَ 7: 10.
لكن يسوع لم يختبر فقط الحالة الوسيطة بين الموت والقيامة؛ بل انتصر على رئيس سلطان الموت وغيّر الفردوس. هذا الانتصار والتحول هو نتيجة لموته النيابي على الصليب وطبيعته الفريدة كالإله المتجسد. أولًا، انتصر يسوع على الموت باختباره نيابةً عنا. في سفر الرؤيا 18:1، يقول يسوع “كُنتُ مَيتًا، وها أنا حَيٌّ إلَى أبدِ الآبِدينَ! آمينَ. ولي مَفاتيحُ الهاويَةِ والموتِ.” لأن المسيح بار بالكامل وهو أيضًا الله المتجسد، عندما يعبر في مكان الموتى، لا يقدر الموت أن يمسكه. تشير كلماته إلى أنه يمتلك الآن مفاتيح الموت والهاوية، بعد أن أخذها من رؤساء الظلمة في حدث نزوله.
بعد تحقيق النصر، أعلن يسوع أيضًا النصر على الموت والهاوية وسكانها في نزوله. تخبرنا رسالة بُطرُسَ الأولَى أن يسوع “ذَهَبَ فكرَزَ للأرواحِ الّتي في السِّجنِ.” إن كلمة “كرز” (مشتقة من الكلمة اليونانية kerusso) ولا تعني عظة كتابيّة بعد الوفاة يُمنح فيها الأموات فرصة للتوبة والإيمان. بل بالعكس، إنه إعلان عن انتصار المسيح، الذي ناله بالفعل من خلال موته النيابي، والذي سيتم تأكيده وإعلانه في قيامته الوشيكة من بين الأموات وصعوده إلى السماء. هكذا يعلن يسوع لجميع الأموات أنه رب على “مَنْ تحتَ الأرضِ” (فيلِبّي 10:2)، تمامًا كما سيعلن نفسه ربًا على أولئك الذين على الأرض بقيامته وعلى أولئك الذين في السماء بصعوده.
أخيرًا، لقد غيّر حضور يسوع طبيعة الفردوس، من التوقع إلى الحقيقة. فقديسي العهد القديم الذين جلسوا في ظلام الموت ينتظرون المسيح الآتي الذي وثقوا فيه في حياتهم، يرون الآن بأعينهم ما كانوا يرونه سابقًا بالإيمان. كان يسوع معهم ولكن سرعان ما أُقيم كعلامة على أنهم سيقومون أيضًا قريبًا. وعندما أُقيم في اليوم الثالث، “سبَى سبيًا” (أفَسُسَ 9:4) أي قاد مجموعة من أولئك الذين كانوا سابقًا أسرى الموت ولكن الآن بحكم إيمانهم بالمسيح الذي هزم الموت هم في حضرته حتى يُقاموا هم أيضًا في اليوم الأخير.
الأهمية التاريخية وإدراج العقيدة في قانون الإيمان
كانت الأهمية الثلاثيّة الأساسيّة لنزول المسيح –المشاركة في اختبار الموت كما يفعل كل البشر، إعلان النصر لجميع الأموات، وإطلاق سراح قديسي العهد القديم من قبضة الموت- منتشرة للغاية في الكنيسة الأولى منذ القرن الثاني فصاعدًا. من الشهيد يوستينوس، ايريناؤس، وترتليان إلى أوغسطينوس، افرام السرياني، ومكسيموس المعترف، شدد المسيحيون الأوائل بكل إخلاص ووضوح مرارًا وتكرارًا على وجهة نظرهم عن عقيدة نزول المسيح تمامًا كالموصوفة أعلاه. تم الاعتراف به في قانوني الإيمان الرسولي والأثناسي باستخدام العبارة “descendit ad inferos”، والتي تُترجم إلى “نزل إلى الموتى”.
هناك سوء فهم اليوم، حيث أن العديد من النسخ العربيّة والإنجليزيّة لقانون إيمان الرسل تقرأ “نَزَل إلى الجَحِيمِ”، والتي تأتي من عبارة لاتينية مشابهة: “descendit ad inferna”. ما يجب أن نفهمه هو أن هاتين الجملتين في اللغة اللاتينية القديمة في العصور الوسطى كانتا يعتبران مترادفتين. فكلمة الجحيم Inferna، التي حصلنا منها على الكلمة الإنجليزية infernal المترجمة “جهنمي/ شيطاني” والتي تُشير اليوم إلى العذاب، كان من الممكن أن تعني ببساطة “مكان الموتى” في الوقت الذي تم إدراج العقيدة في قانون إيمان الرسل، وكانت مرادفة لكلمة inferos أي جحيم. لم تعني قوانين الإيمان بالعبارة descendit ad inferna الإشارة إلى أن يسوع ذهب إلى الجحيم، إذا كنا نعني بالجحيم “مكان العذاب”؛ بل، قصدوا ما شرحناه أعلاه، أن روح يسوع البشرية أقامت في مكان الأموات، وبالتحديد الجزء الخاص بالصالحين، بين موته وقيامته.
هناك أيضًا جدالًا حول متى تم ادراج فقرة نزول المسيح إلى الهاوية في قانون إيمان الرسل، حيث ادّعى البعض أنه لم يتم إدراجه حتى القرن السابع.[2] ما نعرفه الآن، على أية حال، هو أنه في حين أن العبارة descendit ad inferna/inferos تظهر بالفعل في بعض الأوقات في قانون إيمان الرسل بين ظهوره الأولي والقرن السابع، فقد تم النظر إلى المحتوى الفعلي للفقرة على أنه مدرج في كلمة “دُفن” حتى قبل أن تندرج الفقرة في قانون الإيمان. كما يقول مايك بيرد، “إن سبب مرونة الصياغة هو أن الدفن يشير إلى النزول، والنزول يفترض مسبقًا الدفن.”[3] وعلى الأرجح يرجع سبب ظهور العبارة إلى كرفض لبدعة أبوليناريوس. تنص هذه البدعة على أن اللوجوس لم يتخذ سوى جسدًا بشريًا، وليس روحًا (وفقًا لهذه الهرطقة، فإن اللوجوس هو فكر المسيح). إن فقرة نزول المسيح إلى الهاوية، والتي تتطلب روحًا بشريًا أن يكون مع الموتى خلال الفترة ما بين موت المسيح وقيامته، كان من الممكن أن تكون الطريقة الأمثل لمواجهة إنكار بدعة أبوليناريوس لكون المسيح له روح بشرية.
خلال فترة العصور الوسطى، وخاصة بعد القرن السابع، أخذت عقيدة نزول المسيح معنى إضافيًا في كل من الكنائس الشرقية والرومانيّة. ففي ابعض التيارات لأرثوذكسية الشرقية، يرتبط نزول المسيح بعالمية ضمنية للخلاص، بينما في الكاثوليكية الرومانية، صار نزول المسيح الأساس لتأسيس كل من عقيدة المطهر والخلاص بعد الموت لأولئك الذين كانوا في الجحيم قبل مجيء المسيح. في زمن الإصلاح، أراد كل من كالڤن ولوثر الابتعاد عن تلك العقائد الزائدة وغير الكتابية لعقيدة نزول المسيح. فأكد لوثر على العقيدة أساسية من زمن المسيحيين الأوائل، ولكنه رفض التطورات الكاثوليكية المتعلقة بالمطهر والخلاص بعد الموت، بينما أعاد كالفن صياغة العقيدة بطريقة جديدة تمامًا، مدعيًا أن الفقرة تشير إلى أن يسوع تحمّل في الصليب ثقل غضب الله المنصب عليه بالنيابة عن الخطاة. وكان مصلح آخر، مارتن بوسر، ينظر إلى فقرة النزول على انها مرادفة لعبارة “ودُفن”، أي أنها تعني ببساطة أن جسد يسوع البشري قد دُفن. كانت هذه أيضًا فكرة جديدة قُدمت في القرن السادس عشر. ونرى التطور النهائي للعقيدة مع Hans Urs von Balthasar، الذي حاول دمج بين وجهة نظر كالفن (عبر كارل بارت)، ووجهة النظر الشرقية، ووجهة النظر الكاثوليكية الرومانية الخاصة به من خلال افتراض أن الابن انفصل عن الآب يوم السبت وذهب إلى الجحيم وفي عمله هذا أبطل الجحيم وأسس المطهر!
تستمر هذه الاتجاهات التطورية الستة –الشرقية، والرومانية، والكالڤينية، واللوثرية، والبوسرية، والبالثازارية- حتى يومنا هذا. بالنسبة للإنجيليين، فإن وجهات النظر التي يتم اعتمادها على أرجح هي ذات بوسير أو كالفن، على الرغم من أن رأي بالتازار يحظى بشعبية بين أولئك الذين يرغبون في ربط عاطفة يسوع بالتجارب النفسيّة المتمثلة في الانفصال، والوحدة، وما شابه ذلك. تبدو وجهة نظر لوثر أقرب ما تكون إلى الكتاب المقدس واللاهوت الكنسيّ الطويل.
التداعيات الرعوية
أحد أهم التداعيات الرعويّة لعقيدة نزول المسيح هو أنه مات بالفعل كما يموت كل البشر. قد سار في وادي ظل الموت أمامنا وعنا ليُنقذ أولئك الذين يثقون به. عندما يفقد المسيحيون أحبائهم المؤمنين، نُعلن الرجاء في أننا سنراهم مرة أخرى عند قيامة الأموات. ومع ذلك، فإن هذا الرجاء النهائي يُصاحبه آخر أكثر إلحاحًا، وهو أن المسيح ذهب قبل أحبائنا إلى مكان الموت وأضاء بنور قيامته هناك.
علاوة على ذلك، قد غيّر حضور يسوع طبيعة الفردوس من مكان نتوقعه إلى واقع ملموس –فإن يسوع حاضر فعليًا بجسده مع المؤمنين الراحلين حتى عودته وقيامة الأموات. لا ينزل المؤمنون إلى العدم وليسوا وحدهم حتى يعود المسيح. إن المسيح حاضر معهم في الفردوس، التي تُسمّى الآن “السماءِ الثّالِثَةِ” (كورِنثوس الثّانيةُ 1:12-10). ووجوده الجسدي في السماء يُذكّر المؤمنين الراحلين بأنهم سيقامون من الأموات في يوم من الأيام أيضًا، وستأتي السماء إلى الأرض الجديدة، ملكوت الله حيث يسكن المؤمنون جسديًا إلى الأبد مع ملكهم.
السبب الثالث لأهمية نزول المسيح من الناحية الرعوية هو ارتباطه بالمعمودية. فقد نظرت الكنيسة الأولى إلى نزول يسوع إلى مكان الموتى على أنه النزول الثالث والأخير من تنازلات الثلاثة في تكليف الابن: الأول هو النزول إلى مياه رحم مريم العذراء، والثاني هو نزوله إلى مياه نهر الأردن عند معموديته، والنزول الثالث والأخير هو نزوله إلى أمواج شيول، مكان الموتى. في هذه التنازلات، ومن خلال عمل المسيح الكامل، هُزم العدو. نظرًا لأن المياه المضطربة غالبًا ما ترتبط بأعداء الله في الكتاب المقدس، فإن هذه التنازلات المصوّرة رمزيًا في صورة مائية تشكل تصويرًا هامًا للنصر الذي حققه المسيح من خلال حياته وعمله، ولا سيما موته وقيامته. عندما ينزل المؤمنون الجدد إلى مياه المعمودية، فإنهم يعلنون أنهم قد تركوا الشيطان وأعماله ويشاركون في النصر الذي حققه المسيح لهم من خلال الاتحاد به بقوة روحه القدوس.
التداعي الرعوي الأخير هو أنه حتى وإن كان الموت والدمار لا يزالان يخترقان عالمنا بالخراب، فلم يعد لديهم مفاتيح مملكاتهم. يمتلك يسوع مفاتيح الموت والجحيم. وفي يوم من الأيام، لن يكونوا فيما بعد حيث سيتم إلقاؤهم في بحيرة النار مع بقية أعداء المسيح.
إن نزول يسوع، وفي الأساس قيامته وصعوده، جعل الانتصار الذي دُفع ثمنه في الصليب حقيقة في جميع مجالات الخلق الثلاثة. لذا فليس لدينا ما نخشاه ” لا موتَ ولا حياةَ، ولا مَلائكَةَ ولا رؤَساءَ ولا قوّاتِ، ولا أُمورَ حاضِرَةً ولا مُستَقبَلَةً، ولا عُلوَ ولا عُمقَ، ولا خَليقَةَ أُخرَى” (روميَةَ 38:8-39).
إن نزول المسيح إلى الأموات هو خبر سار!
[1] Matthew Y. Emerson, He Descended to the Dead”: An Evangelical Theology of Holy Saturday.
[2] See Wayne Grudem, He Did Not Descend into Hell: A Plea for Following Scripture Instead of the Apostles’ Creed.
[3] Michael F. Bird, What Christians Believe: An Introduction to Christian Doctrine Through the Apostles’ Creed, 148.