واحدة من مفاتيح الراحة النفسية والسعادة هي أنك تكون حقيقي مع نفسك، بتعمل اللي إنت عايزه وحاسس بيه، بغض النظر عن رأي الناس “Be true to yourself!” طبعًا، مش مهم ترضي الناس أو تكون مبهر لهم. المهم إنت تكون راضي عن نفسك، وضميرك مرتاح!
الفكرة دي واحدة من أكثر الأفكار المنتشرة واللي بنسمعها بأكتر من شكل، ونقراها بأكتر من طريقة. لكنها محتاجة تفكير. نصيحة: درب نفسك تقلق مرة، وتفكر مرتين في الأقوال المأثورة!
الحقيقة إن فيه جوانب إيجابية في الفكرة دي بتنويعاتها. أكيد الاهتمام اللي في غير محله برأي الناس ورضاهم ممكن يكون مُدمر. بيخليك عبد لهم. والحقيقة كمان أنه كتير بيكون رأيهم متضارب، وحكاية جُحا وحماره وابنه معروفة لنا من الصغر، والدرس واضح من وراها. مستحيل ترضي الناس!
وحتى لو مكانتش آرائهم متضاربة، وحصل إجماع، مين قال إن الإجماع ده صح؟ واحدة من الويلات اللي السيد المسيح حذر فيها سامعيه قال فيها: “ويلٌ لكُمْ إذا قالَ فيكُم جميعُ النّاسِ حَسَنًا. لأنَّهُ هكذا كانَ آباؤُهُمْ يَفعَلونَ بالأنبياءِ الكَذَبَةِ.” (لوقا ٢٦:٦)، والفكرة مش بعيدة عن اللي قاله بولس الرسول مرة: “فلو كُنتُ بَعدُ أُرضي النّاسَ، لَمْ أكُنْ عَبدًا للمَسيحِ.” (غلاطية 1: 10)
الأسوأ من كده يحصل لو في محاولتك لإرضاء الآخرين تقمصت شخصية غير شخصيتك، وعشت دور مش دورك. الزيف والنفاق الديني هو أفضل توصيف للحالة دي- حالة الكتبة والفريسيين اللي السيد المسيح وصفها بقبر شكله مبهر من بره، ومن جواه موت وخراب! “ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُشبِهونَ قُبورًا مُبَيَّضَةً تظهَرُ مِنْ خارِجٍ جَميلَةً، وهي مِنْ داخِلٍ مَملوءَةٌ عِظامَ أمواتٍ وكُلَّ نَجاسَةٍ.” (متي ٢٧:٢٣)
لكن الأهم فعلًا، والجزء المُلغم حقيقي، هو التصالح مع النفس والانسجام الداخلي مع اللي إنت عايزه وحابب تعيشه!
إيه هي خطورة التصالح مع النفس وإنك تكون ذاتك؟
الخطورة إن مشكلة الإنسان هي ذات الإنسان نفسه؛ قلبه! والقلب في لغة الكتاب هو كل الكيان الداخلي: فكره وقناعاته. رغباته الداخلية اللي بتحرك إرادته، وحتى مشاعره ضربها فساد الخطية: “القَلبُ أخدَعُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وهو نَجيسٌ، مَنْ يَعرِفُهُ؟” (إرميا ٩:١٧).
والسؤال المنطقي هنا: إزاي يكون قلب الإنسان هو المشكلة، ويكون الحل لنفس المشكلة هو إنك تحَكّم قلبك، وتحَكّم ضميرك؟ الضمير نفسه مش معصوم لأنه ببساطة بيصدر أحكامه على حسب المعلومات اللي عنده. بالضبط زي القاضي اللي بيحكم في قضية حصل تزوير في ملفاتها. الأدلة نفسها والتحقيقات اللي المفروض تقوده للحقيقة مُضلِلة! في آية بنفتكرها دايمًا لما بيحصل اضطهاد وقتل للمسيحيين، فيها قال السيد المسيح نفسه: “تأتي ساعَةٌ فيها يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقتُلُكُمْ أنَّهُ يُقَدِّمُ خِدمَةً للهِ” (يوحنا ٢:١٦). يعني حتى الإرهابي وهو بيقتل ممكن يكون مُتصالح مع نفسه. وفاكر إنه بيقدم خدمة لله.
صحيح إننا مخلوقين على صورة الله، لكن الصورة دي اتشوهت بالخطية. التشوه ده أثّر على كل كياننا كبشر. وعلينا الحرص، كل الحرص، من الاحتكام لنفسنا ورغباتها.
في الحقيقة إن علاج مشكلة الإنسان وقلبه حلها عند الله وحده: “القَلبُ أخدَعُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وهو نَجيسٌ، مَنْ يَعرِفُهُ؟ أنا الرَّبُّ فاحِصُ القَلبِ مُختَبِرُ الكُلَى لأُعطيَ كُلَّ واحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أعمالِهِ.” (إرميا ٩:١٧-١٠)
رسالة الإنجيل هي إن الله غافر الخطايا بدم صليبه هو هو الرب فاحص القلوب، واللي بيخلق قلب جديد للإنسان عوض عن القلب الفاسد: “وأُعطيكُمْ قَلبًا جديدًا، وأجعَلُ روحًا جديدَةً في داخِلِكُمْ، وأنزِعُ قَلبَ الحَجَرِ مِنْ لَحمِكُمْ وأُعطيكُمْ قَلبَ لَحمٍ.” (حزقيال ٢٦:٣٦)
وتغييرنا عشان نكون بحسب فكر الله معناه إن علينا نسمع ونطيع الله في كلمته اللي بتفحص قلبونا وتشخص حالتنا: “لأنَّ كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ. ولَيسَتْ خَليقَةٌ غَيرَ ظاهِرَةٍ قُدّامَهُ، بل كُلُّ شَيءٍ عُريانٌ ومَكشوفٌ لعَينَيْ ذلكَ الّذي معهُ أمرُنا.” (عب١٢:٤-١٣)
القلب اللي خلقه الله، بتكشفه وتميز نياته كلمة الله!
كلام المسيح عن إنكار النفس بيفكرنا إن الإنسان ميقدرش يخلّص نفسه بحِكمة العالم وفكره البشري وفلسفته، لإن الإنسان مستحيل يكون هو القاضي والجاني، المريض والمُعالِج في الوقت نفسه: “إنْ أرادَ أحَدٌ أنْ يأتيَ ورائي فليُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ ويَتبَعني، فإنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نَفسَهُ يُهلِكُها، ومَنْ يُهلِكُ نَفسَهُ مِنْ أجلي يَجِدُها.” (متى ٢٤:١٦-٢٥)
فكرة إن الإنسان ينكر نفسه معناها إن الله لا يمكن يدعوه للتصالح مع ذاته ورغباتها، ولا مع قلبه وأفكاره.
على النقيض، حياة المسيحي الحقيقي وصفها الكتاب المقدس إنها صراع— حرب حقيقية مع الذات ورغبات الطبيعة البشرية. زي ما في قطيعة نهائية مع حياة فيها الإنسان يسعى لإرضاء الناس وكأنه عبد لآرائهم عنه وإعجابهم به، كمان ما ينفعش يعيش لإرضاء نفسه— قلبه ورغباته، لأنه وقتها بيكون عبد لذاته— لطبعه البشري. لكن حياة المسيحي الحقيقي هي حياة عبادة لله؛ خلع للإنسان العتيق ولبس للإنسان الجديد اللي بيتجدد حسب صورة الله خالقه:
في الختام
اسمع كلمات الرسول بولس للمؤمنين في كولوسي:
أميتوا أعضاءَكُمُ الّتي علَى الأرضِ: الزِّنا، النَّجاسَةَ، الهَوَى، الشَّهوَةَ الرَّديَّةَ، الطَّمَعَ -الّذي هو عِبادَةُ الأوثانِ- الأُمورَ الّتي مِنْ أجلِها يأتي غَضَبُ اللهِ علَى أبناءِ المَعصيَةِ، الّذينَ بَينَهُمْ أنتُمْ أيضًا سلكتُمْ قَبلًا، حينَ كنتُم تعيشونَ فيها. وأمّا الآنَ فاطرَحوا عنكُمْ أنتُمْ أيضًا الكُلَّ: الغَضَبَ، السَّخَطَ، الخُبثَ، التَّجديفَ، الكلامَ القَبيحَ مِنْ أفواهِكُمْ. لا تكذِبوا بَعضُكُمْ علَى بَعضٍ، إذ خَلَعتُمُ الإنسانَ العتِيقَ مع أعمالِهِ، ولَبِستُمُ الجديدَ الّذي يتَجَدَّدُ للمَعرِفَةِ حَسَبَ صورَةِ خالِقِهِ. (كولوسي ٥:٣-١٠)
في كل مرة تواجه فيها أي فكر فيه شهوة أو طمع، مشاعر غير منضبطة زي الكراهية أو المرارة، افتكر أنك مش لازم تتصالح مع نفسك، لكن تحاربها!
يمكن مش هتكون تلقائي أو عفوي بالشكل المريح بالمعنى التقليدي للراحة اللي اتكلمنا عنه في أول المقال. مش هتعمل اللي ينسجم مع طبيعتك وشخصيتك ذي ما هي وبدون مراجعة. لكن هتكون حقيقي مع الله وده الأهم! هو اللي قادر يغيرك ويديك إرادة إنك تعمل اللي يفرحه ويكون مصدر راحة حقيقية لك.
مكتوب عنه إنه هو العامل فينا أن نريد، وأن نعمل (فيلبي ١٣:٢).
لو إرادتك ورغباتك مش منسجمة مع الله ومع اللي بيعلنه في كلمته، ده معناها إنها ممكن تقتلك، وتدمر حياتك. لازم الإرادة نفسها تتغير. والرغبات تتبدل برغبات تانية مصدرها الله.
الكلام ده أكيد مش سهل، ودي رحلة حياة بنتغير فيها للصورة اللي الله عايزنا نكون عليها، صورة ابن الله (رومية ٢٩:٨)
لكن افتكر إن إرادتك وفكرك ومشاعرك مش هي المرجع، مش هي الإله اللي لازم ترضيه. تمام ذي ما اتفقنا في بداية كلامنا إن الناس ورضاهم مستحيل يكون هو الهدف. لكن الله وحده!