التقديس من خلال الألم هو جزء من اختبار كل مسيحي. حيث تتفاوت درجات ومُدَّة الألم حسب الأفراد، كما أن الطابع المؤقت لمعظم التجارب ينتهي بوعدٍ مليء بالرجاء عن يومٍ جديدٍ فيه يخترق النور الظلام. فنحن نتشبث بحكمة سفر الجامعة، مُتطَّلعين باشتياق شديد إلى بداية زمنٍ جديد (الجامعة 3: 1). لكن كيف لنا أن نثابر عندما يبدو لنا كما لو كان قد غشانا ليل مظلم بلا فجر؟ كيف لنا أن نستمر ونحن لا نرى نهايةً للألم؟ ماذا لو دعانا الرب أن نتألم مدى الحياة؟
طرح أحد الأصدقاء عليَّ مؤخرًا هذا السؤال ساعيًا لتمجيد الرب بينما كان يَمُرُّ بتجربةٍ غير مُتوقَّعة وصعبة ومن المُحتَمَل أن يكون لها تأثير مُستمر طوال حياته: “كيف يجب على الأشخاص الذين يقدرون الله ويعبدونه حقًا أن يكون رد فعلهم إزاء التجارب المستمرة مدى الحياة بطريقة تمجِّده وتقدِّم شهادة مفرحة عن شخصه؟”
لقد صارعنا أنا وعائلتي مع هذه المعضلة. فقد كنا نسأل الرب أن يعلمنا كيف نتشبث به ونكرمه بفرح ورجاء في الوقت الذي كنا فيه نتعامل مع التغيُّرات التي صاحبت حياة ألم غير مُتوقَّعة نتجت عن مأساة صحية. تُقدِّم لنا كلمة الله سلام روحي وفرح عندما نُطبِّق ثلاثة أساليب في التفكير الكتابي:
ابدأ من النهاية
قد يتركنا الألم تحت غَمر أفكار ومشاعر الحزن، الحيرة، الوحدة، الغضب، والخوف، التي تغرينا بتحويل أعيننا عن إله مواعيدنا ورجاءنا، وتصيبنا بقصر النظر فلا نرى سوى العراقيل أمامنا.
نعم، أعطى الرب شعبه رجاءً أبديًا من خلال ابنه. تُذكِّرنا رومية 8: 18 أن آلام الزمان الحاضر لا تُقارَن بالمجد الآتي. أعيننا تحتاج أن ترتفع وأن تنظر للأمام مُتوقِّعةً النهاية ورجاءنا المستقبلي!
فكر كيف يمكن للألم أن يتحول إلى فرح إذا بدأت كل يوم بتَذَكُّر وعود الله الأبدية؟ كيف يمكن لكلماتك ولأفعالك أن تتغيَّر إذا أيقنت بأنك يومًا ما، سوف تتَّحِد بمُخلِّصَك وتشترك معه في مجده كوريثٍ معه.
تُذكِّرنا رومية 8: 23-24 أننا حصلنا بالفعل على باكورة الروح؛ بالرجاء خَلُصنا ويومًا ما سوف نختبر فداء أجسادنا تمامًا كما أن أرواحنا أُعطِيَت بالفعل حياةً جديدة. يمكننا أن نتبع مثال إبراهيم الذي آمن بمواعيد العهد المُعطاة له لكنه لم يَرَ تحقيقها الكامل أثناء حياته. لقد نظر لما هو أبعد من الظروف المباشرة وابتغى وطنًا أفضل، وطنًا سماويًّا (عبرانيين 11: 16)..
مارس التسبيح
إحدى أعظم التحديات عند التعامل مع تجربة وقتية هي الحفاظ على أفكارك تحت السيطرة. إن إغراء الغرق في دوامة الأفكار السلبية والقَلِقة، أو السقوط في فخ السؤال:”ماذا لو؟”، هي معركة مستمرة وهي أهم أمر يجب محاربته. فهذه الأفكار تحاول كسر إيماننا وجعلنا نشك في صلاح الله. وكما تصدَّى بولس للمعلمين وللأفكار الخاطئة في 2 كورنثوس 10: 5، مستأثرًا كل فِكر وجعله طائعًا للمسيح، يجب علينا نحن أيضًا أن نتمسَّك بالفكر الكتابي عن حقيقة مَن هو الله ثم تسبيحه على طبيعته الثابتة والمقدسة. ابحث بنشاط في الكلمة واقرأ مزامير التسبيح لكي تُذَكِّر نفسك إلى مَن تنتمي؟
وكما يُعلن الكتاب المقدس أن الله القدير يحكم كل الخليقة، دَع قلبك يتغنى ويتأمل في محبته الرحيمة الأمينة، في صلاحه، وفي تحننه على منكسري القلوب. اتبع مثال داود في نوحه: اسكب معاناتك وألمك، حزنك وشكوكك تاركًا إياها عند الصليب حيث تجرع المسيح نفس الألم عندما حمل ثقل خطية الإنسان حتى يصبح في إمكاننا أن نجد السلام والراحة والطمأنينة في عمله الكامل. سَبِّح المنقذ والفادي الذي تَضْمَن ذبيحته خلاصك من الخطية والألم!
اخضع للمسيح ضابط الكل فتجد الراحة
تعلن كولوسي ١: ١٥-٢٠ سمو المسيح المهيب. فكل الأشياء تتماسك سويًا فيه وهو قد صالحنا مع الله من خلال دم صليبه. والسلام والراحة هما لنا من خلال المسيح. إن الألم المستمر في الحياة يجعلنا نميل إلى تصديق كذبة أن الله قد تركنا، أو أسوأ من ذلك: أنه ضدنا، كما يجعلنا نصارع لكي نجد الراحة. يمكن للألم المزمن إما أن يُضعِف الجسد والروح بسبب طبيعته المتكررة بلا هوادة؛ وذلك إن شككنا في قرب الله وسلطانه على كل شيء. أو أن يقوي الألم إيماننا، إن عرفنا بمَن نؤمن (١ تيموثاوس ١: ١٢).
الله لا يتفاجأ بألمنا؛ ولا تُحبَط خططه ومقاصده. بل على العكس، هو فاعل وسط صعوباتنا وقريبٌ منَّا. هو يمنحنا فرصة معرفته بطريقة أكثر حميمية، وممارسة التواضع، واستقبال تعزية الروح، وإعلان تسبيحه والبشارة لغير المؤمنين، وتشجيع الكنيسة بشهادة حبه الثابت وبأمانته. إن سلطان الله يسود في ألمنا من أجل مجد اسمه.
حقيقة أن إلهنا هو العلي المتحكم في كل شيء تجعلنا مطمئنين أننا لن نضيع أو نُترَك في وقت التجربة. فنحن نتقابل مع الله كلي القوة، إله هذا الكون بطريقة أكثر حميمية: هو ينزل إلينا. لقد نزل بالفعل إلينا: عمانوئيل، الله معنا. أخذ المسيح جسدًا، وضع نفسه وذهب إلى الصليب ليتألم من أجلنا حتى يمكننا أن نرجع إلى الآب.
إن كان الله ضابط الكل قد أحبنا بالقدر الكافي لإرسال ابنه لكي يكسر لعنة الخطية والموت في حياتنا، أفلن يكون هو قوتنا ومعونتنا في وقت الاحتياج؟ ألن يأتي لنا بالسلام والراحة من خلال المعزي؟ يمكننا أن نتشجع من خلال حث بطرس للشيوخ أن يتذكروا أنه، “… إلهُ كُلِّ نِعمَةٍ الّذي دَعانا إلَى مَجدِهِ الأبديِّ في المَسيحِ يَسوعَ، بَعدَما تألَّمتُمْ يَسيرًا، هو يُكَمِّلُكُمْ، ويُثَبِّتُكُمْ، ويُقَوّيكُمْ، ويُمَكِّنُكُمْ.” (بطرس الأولى 5: 10)
يمكنك كمؤمن يواجه ألمًا مستمرًا، أن تُثابر من خلال رجاء وفرح البشارة، عالمًا بمَن آمنت، ومتأملًا في الوعود الأبدية، ومستريحًا في رعاية الرب المطلقة لك من خلال الروح فإن هذا سيمجده ويفرح قلبك.