تكوين ١٧: ١-٨
موسم عيد الميلاد في العالم بشكل عام له مخاطره الخاصة. وأستطيع أن أفكر في ثلاثة منها، ١) خطر الطمع أو الجشع، فالجميع يتسوّق من المحلات التجاريّة. والتسوّق يعرضك لآلاف الأشياء التي لا تحتاجها ولم تكن لترغبها الى لحظة رؤيتها.
٢) خطر الاكتئاب، فمع ان أجواء عيد ميلاد السيد المسيح هو موسم ابتهاج ووقت فرح، إلا ان البعض يشعر بالإكتئاب او الهجرة او لغيرها من الأسباب الكثيرة.
٣) خطر التوتر الناتج عن الضغوط المادية وشراء الهدايا او تنسيق ديكورات منزلك والتحضير للعيد، وغير ذلك.
والسؤال الحقيقي هو ماذا نحتاج فعلا في موسم عيد الميلاد؟
ما نحتاجه في موسم عيد الميلاد هو بعض الحقائق الهادئة والعميقة والغير متزعزعة من كلمة الله لتمنحنا اتجاهات، وتبقينا على الطريق الصحيح، وتساعدنا على ان لانتأثر بالشهوة، وان نكون احرارا من الاكتئاب، ومسترخين وسط كل هذه الهياجات في هذا الوقت من السنة. الحقيقة نحن بحاجة إلى بصيرة صلبة لمعنى مجيء المسيح من شأنها أن تبقينا منتبهين في عالم ثمل بحب الأشياء، فالحقيقة الأسمى لرسائل موسم عيد الميلاد هو أن مجيء المسيح ثبّت عهود الله. تقول رسالة رومية ١٥: ٨ “إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ.” ويحدوني الأمل أنه في كل مكان تذهب إليه خلال موسم عيد الميلاد هذا أن تكرر لنفسك مرارا وتكرارا: مجيئه ثبّت العهود!
أو كما يقول بولس في ٢ كورنثوس ١: ٢٠ “لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ».” فوعود الله إلى نوح وإبراهيم وموسى وداود، وذريتهم قد تثبّت وضمانها مؤكد بمجيء يسوع المسيح. فإذا كانت خطية الإنسان وبر الله عقبة في تحقيق وعود العهد تلك، فقد أزالت ذبيحة المسيح العقبة إلى الأبد. لذا فمجيئه يثبّت العهود. فهو “النعم” لوعود عهد الله. وإن كنت وارثا لتلك الوعود، فالمسيح هو “نَعم عهود الله” وصدقها لك. ويمكن أن يكون شعارك لموسم عيد الميلاد: بمجيئ وميلاد المسيح تثبّتت العهود لي شخصيا
في هذه السطور سنتناول عهد الله مع ابراهيم، و نتعلم بنعمة الله ثلاثة أشياء من العهد الإبراهيمي، وهي كالتالي:
١) لأننا نضع رجائنا في يسوع المسيح ونتبعه في طاعة الإيمان فنحن إذا من نسل إبراهيم وورثة لوعود عهده.
٢) أن هذه الوعود المذهلة هي لك ولي وهي أكثر من أي شيء سنراه أو نسمعه خلال هذا الموسم.
٣) أن هذه الوعود هي أكيدة، ومتجذّرة في أمانة الله الغير متغيرة، ومثبّتة بمجيء المسيح.
١. أولئك الذين هم حقا ذريّة إبراهيم:
أولا، أنتم، من تضعون رجائكم في المسيح وتتبعونه في طاعة الإيمان، ذريّة إبراهيم وورثة لوعود عهده. قال الله لإبراهيم في تكوين ١٧: ٤ “أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ.” ولكن سفر التكوين يبين بوضوح أن إبراهيم لم يكن أبا لجمهور من الأمم بالمعنى المادي أو السياسي.
لذلك معنى وعد الله كان على الأرجح أن جمهور من الأمم على نحو ما سوف يتمتعون ببركات البنوّة رغم أنهم لا علاقة لهم بإبراهيم جسديّا. هذا مما لا شك فيه ما يقصده الله في تكوين ١٢: ٣ عندما قال لإبراهيم: “وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ لأَرْضِ.” منذ البداية، كان في فكر الله أن يكون يسوع المسيح من نسل إبراهيم وأن كل من يثق في المسيح سيصبح وارثا لوعد إبراهيم. لذلك جاء في غلاطية ٣: ٢٩ “فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إبراهيم، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ.” أو كما تقول رومية ٤: ١٦-١٧ “لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ [اليهود]، بَلْ أَيْضًا [الأمم] لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إبراهيم، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ».”
لذلك عندما قال الله لإبراهيم منذ ٤٠٠٠ سنة مضت “أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ”، قد فتح الطريق أمام أي واحد منّا، مهما كانت الأمة التي ينتمي إليها، ليصبح ابنا لإبراهيم ووارثا لوعود الله. كل ما علينا القيام به هو مشاركة إيمان إبراهيم، أي أن نودع رجائنا على وعود الله، بحيث أنه لو تطلّبت الطاعة ذلك، يمكننا أن نتخلّى عن أعز ما نملك مثلما قدّم إبراهيم إسحاق. إننا لا نصبح ورثة وعود إبراهيم بالعمل من أجل الله بل بالثقة أن الله يعمل لأجلنا. “بَلْ تَقَوَّى [إبراهيم] بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا.” (رومية ٤: ٢٠-٢١). هذا هو سبب طاعة إبراهيم لله حتى عندما بدت الطاعة وكأنها طريقا مسدودا. لقد وضع ثقته في الله أن يفعل المستحيل.
الإيمان بوعود الله، أو اليوم يمكن أن نقول، الإيمان بالمسيح، الذي ثبّت وعود الله، هو السبيل لتصبح ابنا لإبراهيم؛ والطاعة هي الدليل على أن الإيمان هو حقيقي (تكوين ٢٢: ١٢-١٩)؛ ولذلك يقول المسيح في يوحنا ٨: ٣٩ “لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إبراهيم، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إبراهيم!” أولاد إبراهيم هم أناس من جميع الأمم الذين وضعوا رجائهم في المسيح، ومثل إبراهيم على جبل المريّا، بالتالي لا يدعوا أثمن ممتلكاتهم الدنيويّة تعطّل طاعتهم. أنتم الذين وضعتم رجائكم في يسوع المسيح وتتبعونه في طاعة الإيمان من نسل إبراهيم وورثة لوعود عهده. هذا هو الشيء الأول الذي أريد منك أن تأخذه هذا الصباح من عهد الله مع إبراهيم.
٢. أكثر شيء دهشة للرجاء في هذا الموسم.
الشيء الثاني هو أن الوعود التي تأتي إليك كجزء من عهد إبراهيم هي رائعة وعظيمة أكثر من أي شيء سوف تراه أو تسمعه في هذا الموسم. انظر فقط إلى تكوين ١٧: ٧ “وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ.” قلب العهد الإبراهيميّ هو أن الله سوف يكون إلها لنا. كلما تأملت في هذه الحقيقة البسيطة كلما اذهلتنا. يقول إرميا ما تعنيه هذه الكلمات لنا، اذ يقتبس عن الله: “وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا … لاَ أَرْجِعُ عَنْهُمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ … وَأَفْرَحُ بِهِمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ … بِكُلِّ قَلْبِي وَبِكُلِّ نَفْسِي.” (٣٢ ٣٨-٤١). ان محاولة تصوّر ماتعنيه هذه الكلمات فيما إذا كان الله، الذي صنع الكواكب والنجوم والمجرات والجزيئات والبروتونات والنيوترونات والإلكترونات، يفرح بأن يحسن إليك بكل قلبه وبكل نفسه، هي حيرة للعقل. إذا كان الله حقيقة إلها لك، إذن فكل قدرته الفائقة وكل معرفته الكاملة تعمل كل الوقت لفعل الخير لك في كل ظروف حياتك.
يقول بولس في رومية ٤: ١٣ “فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإبراهيم أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ.” وفي ١ كورنثوس ٣: ٢١-٢٣ يقول: “فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ … الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبَلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ ِللهِ.” عندما اقترب الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة من المسيح في ( متى ٢٢: ٣١-٣٢)، وجادلوه بشأن القيامة من الاموات، رد عليهم يسوع قائلاً “وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ: «أَنَا إِلهُ إبراهيم وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ».” لم يتوقف الصدوقيين عن التفكير أو التأمل في معنى “أَنَا إِلهُ إبراهيم.” لم يدركوا كيف لخالق الكون أن يقول للإنسان، ” لأَكُونَ إِلهًا لَكَ … أَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا.” لذلك يقول لهم المسيح: عندما يكون الله إلها لكم، فإنكم لن تموتوا. “لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ.” كان الصدوقيين في سذاجة تامة للاعتقاد بأن الموت يمكن أن ينهي الشركة بين الله وأولئك الذين قال لهم الله: “أنا إلهكم!”
إنه وعد عظيم يجب أن يملأ عقولنا جميعا خلال موسم عيد الميلاد هذا. وعندها فقط لن تكون دعوات وعروض محلات البيع والاشياد التي فيها اي سلطان علينا أكثر من ان تكون كبائع متجول في محاولة لبيع أجزاء من بيت لأبناء الملك. وعند ذلك سينبت أجنحة لعبء الاكتئاب، ونير الطاعة سوف يصبح سهلا، وضخامة حقيقة أن الله هو إلهك وابوك الملك سوف تبتلع التوتر في هذه الأيام وتترك هدوءً كبيراً كما لمحيط عميق هادئ بعد غرق سفينة العدو.
إذا أولا، أنتم، الذين تضعون رجائكم في المسيح، من نسل إبراهيم وورثة وعود العهد. ثانيا، وعد العهد أن الله سيكون إلهك هو رائع بشكل يفوق الخيال. فهذا يعني أن الله يعمل بكل قدرته الفائقة وكل معرفته الكاملة كل الوقت لفعل الخير لك في كل ظروف حياتك بكل قلبه وبكل نفسه.
٣. يقين الوعود:
، ثالثا وأخيرا، وعد العهد هذا هو مؤكد، ومتجذر في أمانة الله التي لا تتغير وتثبّت بمجيء المسيح. “لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ.” (مزمور ٩٠: ٤). لو أن الله الحي قد جعل وعد العهد المذهل لك شخصيا قبل أربعة أيام، ألا تكون هناك اليوم بعد قوة ساحقة تماما في حياتك؟ حسنا، ٤٠٠٠ سنة مثل أربعة أيام بالنسبة له. وإذا كنت تثق فيه كالإله الحي، سيكون لوعده هذه القوة في حياتك.
. ان المؤمنين ببركة عهد إبراهيم هم الخطاة فقط. وهذا كان سبب مجيء المسيح، لتثبيت ذلك العهد. فحتى إبراهيم نفسه لن يتمتع ببركة إبراهيم إن لم يكن المسيح قد جاء. فإبراهيم، أيضا، كان خاطئا. بينما كانت تحمل مريم الرب يسوع في رحمها، غنت بتسبحة، وقالت “صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ… عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإبراهيم وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ.” (لوقا ١: ٥١، ٥٤-٥٥). فكان الطفل في رحمها تذكّرا لرحمة الله كما وعد لإبراهيم. رحمة، باعتبارها لكم! يثبّت المسيح العهد لأنه في حياته للطاعة والآلم بدون استحقاق قد سوّى حسابات أبناء إبراهيم، لكي يكون الله بارا ومع ذلك يقول لي أنا الخاطىء: “أنا إلهك” “اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟” (رومية ٨: ٣٢). هذا الوعد المذهل لا يمكن شرائه أو ربحه. ولكن يمكن تصديقه. وإن صدّقته فإن كل شيء يتغير.