ما لبّ خدمة الروح القدس؟ هل من خيطٍ إلهي واحد ينسج عمله في تمكين وتعليم وتقديس وتوجيه المؤمن؟ هل من استراتيجية واحدة تربط كل هذه الأبعاد معًا؟
أعتقد أن الجواب هو “نعم”، وهي فكرة الحضور. أي أن الروح القدس يجعل حضور يسوع المسيح — القائم من بين الأموات، والممجد الآن، الذي هو يسوع التاريخ ومسيح الإيمان — حاضرًا بشكل شخصي في حياة المؤمنين وفي الكنيسة.
منذ يوم الخمسين، والروح يعمل بلا توقف ليُظهر مجد المسيح، ويطهر القلوب، ويقوّي المؤمنين، ويقودهم إلى التوبة والطاعة، ويجهّزهم للخدمة. كل ما يفعله الروح له غاية واحدة: أن يعرف الناس المسيح، ويحبوه، ويكرّموه، ويمجّدوه، ويؤمنوا به. هذا هو الهدف النهائي لعمل الروح، وهو أيضًا قصد الله الآب. وهكذا، فإن خدمة الروح في العهد الجديد تتمحور كلها حول حضور المسيح بين شعبه.
لستُ أتحدث عن حضور الله الكُليّ والشامل (مزمور 139؛ إرميا 23: 23–24؛ عاموس 9: 2–5؛ وأعمال الرسل 17: 26–28)، أي حضور الله في كل وقت، وفي كل مكان. ذلك الوجود الكلي لله هو يقينٌ جوهري، وما أقوله هنا يفترضه. لكني عندما أستخدم مصطلح “الحضور”، فإنني أشير إلى شيء مختلف.
فما أقصده بـ”الحضور” هو ما قصده الكتاب المقدس عندما تحدث عن قرب الله من شعبه وتدخّله ليباركهم. هو ليس فقط موجودًا، بل يتدخل في حياة شعبه ليُظهِر محبته، ويُقدِّم معونته، ويقودهم إلى عبادته. صحيح أن الله أحيانًا يقترب ليؤدّب ويُدين، ويُظهر عدم رضاه عن الخطية، لكن الغالب في الكتاب المقدس أن حضوره يعني البركة والنعمة.
كثيرًا ما عبّر الكتاب المقدس عن قرب الله من شعبه بعبارة أنه “كان معهم”. فمثلًا، قيل عن يوسف: ” وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا” (تكوين 39: 2). وعندما خاف موسى من الرجوع إلى مصر ومواجهة فرعون، طمأنه الله بقوله: “إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ” (خروج 3: 12)، وهو نفس الوعد الذي أكده لاحقًا في خروج 33: 14–16.
وعندما خلف يشوع موسى، أعاد الله عليه نفس الوعد: ” كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ… لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ” (يشوع 1: 5، 9؛ تثنية 31: 6، 8). وقد سمع شعب الله كلمات مماثلة مليئة بالطمأنينة: ” إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ… لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ” (إشعياء 43: 2، 5).
والبشير متى استخدم هذا المعنى ليشرح أن يسوع هو حضور الله وسط شعبه. ففي بداية إنجيله، أعلن أن ولادة المسيح تحقق نبوّة إشعياء عن “عمانوئيل” أي أن “الله معنا” (متى 1: 23)، وفي نهاية الإنجيل، نقل وعد المسيح: “َهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ” (متى 28: 20).
فيسوع، مؤسس ومُتمم الخلاص، هو الله المتجسّد، وحضوره هو بالضبط حضور الله. الحقيقة التي لا غبار عليها هي هذه: أن الروح القدس، في زمن العهد الجديد، قد وُكِل إليه عمل مجيد ودائم: أن يجعل حضور المسيح حيًا في قلب المؤمن، مشهودًا في أعماقه، ليعرفه، لا كفكرة بعيدة، بل كـ المخلّص الذي يسنده، والرب الذي يملكه، والإله الذي يسكنه.