هل تأتينا على حين غرَّة؟ نعم. هل تفضح الخوف والقلق والغضب والشفقة على الذات؟ بالطبع. هل تجلب الحزن والألم؟ بكلِّ تأكيد. تصنع التجارب كثيرًا من الأشياء، ولكن ما الأشياء الجيدة التي تفعلها؟ تقول رسالة يعقوب إلى المؤمنين اليهود الذين في الشتات:
اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا (يعقوب 1: 2-3).
هذه آيات رائعة للحفظ في مدارس الأحد؛ ولكن كيف يكون الوضع عندما نخسر وظيفة ولا نتمكَّن من دفع ديزننا؟ ما الفائدة التي يحقِّقها العلاج الكيميائيُّ، أو الإقامة في وحدة العناية المركَّزة لحديثي الولادة، أو حادث سيَّارة، أو الاضطهاد من أجل إيماننا؟
هناك سبب جعل يعقوب يخبرنا بلا خجل أن نحسبه كلَّ فرح عندما نواجه تجارب مثل هذه. إنَّه يعلم أنَّه عندما ينجو الإيمان الحقيقيُّ من حرارة التنقية، فإنَّ الثمر يكون أحلى من التكلفة المؤلمة. وفي ما يلي ثماني طرائق تساعدنا بها التجارب على تحقيق الصمود.
1. تعمِّق التجارب حياة الصلاة لدينا.
عندما نشعر بالارتباك، يمكننا أن نصلِّي مثل يهوشافاط: “َنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا” (2 أخبار الأيَّام 20: 12). وكردٍّ على الأخبار المدمِّرة، نبكي ونصوم ونصلِّي كما فعل نحميا (نحميا 1: 3-4). وفي خضمِّ القلق، نصلِّي “لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ.”، “مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.” (فيلبِّي 4: 6؛ 1 بطرس 5: 7). وعندما نفتقر إلى الكلمات التي نصلِّي بها “الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا”، “وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا.” (رومية 8: 26). إنَّ الصلاة المتواضعة تنمِّي اعتمادنا على الله، وتهاجم كبرياءنا، وتجعلنا نفرح بالربِّ الذي يسمع ويجيب وفقًا لحكمته.
2. تنمِّي التجارب معرفتنا بكلمة الله وشخصيَّته.
يدعونا موسم البرِّيَّة إلى استيعاب وعود الله، لكي نتعلَّم كما فعل الإسرائيليُّون المتجوِّلون “أَنَّهُ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ.” (تثنية 8: 3). يقول كاتب المزمور: “خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ.” (مزمور 119: 71)، ويعترف أيُّوب “بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ [عن الله]، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي.” (أيُّوب 42: 5). غالبًا ما يستخدم الله الألم لتنمية معرفتنا بكلمته وشخصيَّته الحقيقيَّة.
3. التجارب تزيد من امتناننا لمخلِّصنا.
عندما نتذوَّق الحزن، فإنَّ ذلك يذكِّرنا بأنَّ يسوع شرب كأس غضب الله الكامل نيابةً عنَّا. صلَّى يسوع: “يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ” (لوقا 22: 42)، وبعد ذلك: “وهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا” (إشعياء 53: 5).
إنَّ ألمنا يجعلنا أكثر وعيًا بألم يسوع، ويزيد من امتناننا للعذاب الذي عاناه على الصليب. وهكذا نفرح أيضًا لأنَّه من خلال ذبيحته تُغفر خطايانا ويُضمن خلاصنا. فنتذكَّر ونصرخ “شكرًا لك يا يسوع لأنَّك عانيت نيابةً عنَّا!”
4. التجارب تجعلنا أكثر شبهًا بيسوع.
قصد إخوة يوسف الشرَّ تجاهه “أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا” (تكوين 50: 20). إنَّ إلهنا الفادي -الذي صنع خلاصنا من خلال ذبيحة يسوع المؤلمة على الصليب- يستمرُّ في جعل كلِّ الأشياء -بما في ذلك تجاربنا– تعمل من أجل “الْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ” (رومية 8: 28-29). أحد الأشياء الجيِّدة التي يفعلها الله خلال المشقَّات أنَّه يجعلنا أكثر شبهًا بيسوع، الذي “تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ” (عبرانيِّين 5: 8).
5. تؤهِّلنا التجارب لتعزية الآخرين.
في تجاربنا، يقصد الله أن يعزِّينا بوفرة لدرجة أنَّنا نفيض بالاهتمام على الآخرين. يكتب بولس أنَّ الله “يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ.” (2 كورنثوس 1: 4). قصد الله أن نكون قنوات مواساته للعائلة والأصدقاء والجيران الذين يعانون. تساعدنا خبراتنا في أثناء التجارب على فهم ما قد يشعر به الآخرون ويحتاجون إليه، واختباراتنا عن تعزية الله تؤهِّلنا لنكون بجانبهم للصلاة والخدمة بطريقة لطيفة.
6. تنشئ التجارب ثقلَ مجدٍ أبديًّا.
ربَّما لا يمكننا رؤية ما تفعله تجاربنا، لكنَّها تعمل. فكلُّ “خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا.” (2 كورنثوس 4: 17-18). كلِّ سيَّارة تُقاد إلى مركز العلاج. كلُّ ليلة بلا نوم تقضيها في رعاية الأولاد المرضى. كلُّها –بالنسبة لله- مهمَّة في ملكوت السماوات.
7. تذكِّرنا التجارب بأنَّ الأرض ليست موطننا الحقيقيَّ.
في أوقات وحدتنا، نتوق إلى حضور الله. فتحرِّك الدموع قلوبنا من أجل مكان حيث “لاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ” (رؤيا 21: 4). تنتظر الأجساد المريضة بفارغ الصبر أجسادًا جديدة. إذ يشوِّقنا الموت إلى القيامة. وتذكِّرنا هذه التجارب بأنَّ الأرض ليست موطننا الحقيقيَّ، وتزيد من جوعنا إلى السماء.
8. التجارب تختبر إيماننا وتقوِّيه.
تثبت التجارب صدق إيماننا، الذي يملأ قلوبنا بفرح يقين الخلاص فينشئ “اِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (1 بطرس 1: 7). إنَّ تقوية الإيمان تدفعنا “لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ” (عبرانيِّين 12: 1-2).
يفعل الله شيئًا من خلال تجاربك
حتَّى مع معرفة الخير الذي يأتي من التجارب، أشكُّ أنَّنا قد نختار عمدًا المعاناة، لأنفسنا أو لأحبائنا. لكنَّ الله أحكم منَّا. وطرقه أعلى من طرقنا (إشعياء 55: 9)، وهو يستخدم التجارب لأغراضه المرئيَّة وغير المرئيَّة في حياتنا. قد لا تعرف ما يفعله الله من خلال تجربة معيَّنة، ولكن بالنظر إلى الخيارات العديدة المعروضة في الكتاب المقدَّس، يمكنك أن تعرف أنَّ الله يفعل شيئًا ما. ونظرًا لمقدار حبِّه لك، يمكنك أن تعرف أنَّها من أجل مصلحتك الأبديَّة. إنَّ هذا سببٌ للابتهاج الكبير.