“ماذا حدث في العشر سنوات الأخيرة؟”
هكذا سألتني الأخت العجوز بعد الانتهاء من تقديم محاضرات تعليميَّة في كنيستها عن النقاط الخمس الكالفينيَّة عن الخلاص.
كان سؤالها -بحسب ما فهمت منها في حديثنا- أنَّها تشعر بأنَّه يوجد تقدُّم أو نهضة بحسب تعبيرها على مستوى التعليم المُصلَح في الكنائس في آخر 10 سنوات، فما سبب هذا؟ في الحقيقة كان سؤالها مذهلاً بالنسبة إليَّ، فما أشعر به أنا وبعض المهتمِّين بالتعليم والدراسات اللاهوتيَّة هو نفس ما يشعر به أعضاء الكنيسة وحتَّى كبار السنِّ منهم!
في هذه المقالة سأحاول أن أذكر -من وجهة نظري- بعض الخدمات التي استخدمها الربُّ كقنوات للبركة في مصر والعالم العربيِّ لنشر الفكر المُصلَح المُحافظ. (ترتيب الخدمات غير مبنيٍّ على الأهمِّيَّة أو الأسبقيَّة).
1. ائتلاف الإنجيل
“ائتلاف الإنجيل” هي خدمة مركزها الإنجيل، تقوم من خلال موقعها الإلكترونيِّ بإتاحة عديد من المصادر المُصلحة مجَّانًا للقارئ العربيِّ. أعتقد أنَّ واحدة من تلك البركات هي ترجمتها لسلسلة مهمَّة جدًّا -وهي الأولى في مُجملها باللغة العربيَّة- تحت عنوان “تيَّارات لاهوتيَّة“، تقوم بشرح ما هو التيار الليبراليُّ، واللاهوت الأنثويُّ، وغيرهم. كما وعدت أيضًا خدمةُ “ائتلاف الإنجيل” قارئيها عبر موقعها عن ترجمة تفسير كامل للكتاب المقدَّس عن قريب، وبكتاب لاهوت نظامي متاح مجانًا.
أظنُّ أنَّ ما يميِّز خدمة ائتلاف الإنجيل أيضًا هو التنوُّع في فكر من يكتبون فيها. بينما يوجد اتِّفاق تامٌّ كما هو واضح أن يقدِّم الكُتَّاب لاهوتًا مُصلحًا محافظًا، إلاَّ أنَّك تستطيع أن تقرأ فيها الرأي والرأي الآخر في عدَّة مواضيع فرعيَّة في الإيمان المسيحيِّ. على سبيل المثال لا الحصر إن كنت مهتمًّا بأن تقرأ عن استمراريَّة مواهب الروح القدس الفائقة للطبيعة أو توقُّفها، فيمكنك أن تجد مقالتين: 1. لماذا أؤمن باستمراريَّة بعض مواهب الروح القدس؟ 2. لماذا لا أؤمن باستمراريَّة بعض مواهب الروح القدس؟
ملاحظة: النقطة السابقة ليست دعوى منِّي، ولا من خدمة ائتلاف الإنجيل بكلِّ تأكيد، إلى الميوعة أو المداهنة أو التفريط في الحقِّ. فكلُّ تلك الأمور التي يُترك فيها الحرِّيَّة وعدم الجزم بأيِّ فكرٍ هو الصحيح هي أمور ليست أساسيَّة في الإيمان المسيحيِّ. فمن الصعب أن تجد مقالةً بعنوان “كيف تثبت أنَّ المسيح ليس هو الله” أو “عدم عصمة الكتاب المقدَّس” على الموقع كمقالة تنمُّ عن فكر الخدمة.
2. مكتبة ميرف
خدمة مكتبة “ميرف” هي خدمة تابعة للرابطة الإنجيليَّة في الشرق الأوسط. “ميرف” هي الحروف الأولى من Middle East Reformed Fellowship (MERF). بينما تخدم “ميرف” في عديد من المجالات، إلاَّ أنَّني سأركِّز هنا على خدمة مكتبة “ميرف” -التي يباركني الربُّ بالخدمة فيها.
ما يميِّز خدمة مكتبة “ميرف” هي إتاحة مراجع كتابيَّة ولاهوتيَّة لعديد من اللاهوتيِّين -خاصَّة الكلاسيكيِّين- مجَّانًا وتقديمها كنسخ إلكترونيَّة من خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعيِّ “فايسبوك”.
خدمة “ميرف” هي من أوائل الخدمات في الوطن العربيِّ التي اهتمَّت بترجمة بعض أعمال المصلحين المهمَّة مثل كتاب “عبوديَّة الإرادة” لـ “مارتن لوثر”، وملخَّص كتاب “أُسس الدين المسيحيِّ” لـ “جون كالفن”، و”إقرار إيمان هايدلبرج”، وتقدِّم كلَّ هذه الكتب بالمجَّان.
تتميَّز خدمة مكتبة “ميرف” بإصدار سلسلة “التراث الإنجيليُّ”، تلك السلسلة التي تهتمُّ بتقديم الأعمال التراثيَّة الإنجيليَّة، على سبيل المثال ترجمت خدمة “ميرف” كتبًا مهمَّةً لـ “جريشام ماتشن”، و”لويس بيركهوف”، و”جون موراي”، و”جاي آدامز”، و”وليام جوثري”، و”جيرهارد فوس”، و”جيمس بيوكانان”. وأيضًا أعمالاً لبعض الخدَّام المعاصرين مثل: “ستيوارت أوليوت”، و”جون ماك آرثر”، و”آر. سي. سبرول”.
3. كلِّيَّة اللاهوت الأسقفيَّة
أظنُّ أنَّ كلِّيَّة اللاهوت الأسقفيَّة يمكنها أن تنضمَّ إلى هذه القائمة أيضًا. قبِلت كلِّيَّة اللاهوت الأسقفيَّة أوَّل دفعة للدراسة سنة 2005، وقتها كان لها فرعان فقط، في القاهرة والإسكندريَّة، الآن أضافت فرعًا في صعيد مصر (وربَّما أكثر).
ما يميِّز كلِّيَّة اللاهوت الأسقفيَّة هي تمسُّكها باللاهوت المحافظ المُصلح، ومستوى المحاضرين فيها، وجودة المادَّة المُقدَّمة، وحرصها الدائم على التطوير. لكن أظنُّ أنَّ أكثر ما يميِّزها هو تعليم طُلاَّبها معنى رسالة الإنجيل بحقٍّ.
أشهد أمام الربِّ أنَّ كثيرًا من الخُدَّام المؤثِّرين في مدينتي التي أعيش فيها -مدينة الإسكندريَّة- هم خرِّيجو هذا الكيان، كلِّيَّة اللاهوت الأسقفيَّة.
4. خدمات الألفيَّة الثالثة
تعرَّفتُ على خدمة “الألفيَّة الثالثة” في أثناء دراستي للاَّهوت في سنة 2008، وقتذاك -بحسب ما أتذكَّر- كانت ربَّما هي الخدمة الوحيدة المتاح فيها دراسات أكاديميَّة -وهنا التركيز على المحتوى الأكاديميِّ- مُصلحة باللغة العربيَّة! (هذه النقطة وحدها كانت سبب بركة كبيرة لكلِّ العالم العربيِّ وقتذاك).
ما يميِّز خدمة “الألفيَّة الثالثة” هي نشر محتوًى مرئيٍّ (أي فيديوهات) أكاديميٍّ على مستوى دراسة الماجستير متخصِّص وعلى درجة عالية من العمق. فيمكنك أن تدرس مع دكتور “رتشارد برات” ما هو مفهوم العهد والملكوت، وكيف تبني لاهوتًا نظاميًّا صحيحًا، والعديد من أسفار العهد القديم والجديد. فأنا استفدتُ كثيرًا من بعض أسفار العهد القديم التي يقدِّمها دكتور “رتشارد” على موقع الألفيَّة الثالثة. وقريبًا، ستتيح خدمات الألفيّة الثالثة إمكانية دراسة العديد من الكورسات (المساقات) في مجال اللاهوت النظامي والكتابي، والحصول على شهادات متنوعة من معهد الألفيّة الثالثة.
5. خدمات ليجونير
خدمات “ليجونير” هي خدمة مسيحيَّة مُصلَحة أنشأها اللاهوتيُّ الراحل “آر. سي. سبرول”. إن أمكنني أن أُلخِّص شخصيَّة “سبرول” بكلمة واحدة فأعتقد أنَّها ستكون “اللاهوتيُّ المُثقَّف”! من بين كثيرين -لسببٍ أو لآخر- فأنا لم أفوِّت مقالةً واحدةً أو مقطعَ فيديو متاحًا على موقع خدمات “ليجونير”.
في وسط كثيرٍ من الخدمات المُصلَحة تتميَّز ليجونير باهتمامها بلاهوت المُصلحين بشكلٍ خاصٍّ، فما أجمل أن تشاهد تلك السلسلة التعليميَّة بعنوان “لوثر والإصلاح” لترى دكتور “سبرول” يشرح لنا بأسلوبه المميَّز حياة “لوثر” واختبار تجديده ولاهوته.
أيضًا تتميَّز خدمات “ليجونير” بإتاحة عديد من الكورسات التعليميَّة في صورة فيديوهات مُترجَمة أو مُدبلَجة باللغة العربيَّة، الفيديو الواحد لا يتعدَّى الـ 30 دقيقة! يمكنك من خلال مشاهدة سلسلتين وهما “من الغبار للمجد”، و”الأساسات: نظرة شاملة على اللاهوت النظاميِّ” أن تحصل على كمٍّ لا بأس به من المعلومات اللاهوتيَّة والكتابيَّة التي هي حصيلة دراسة دكتور “سبرول” لسنوات.
أيضًا أتاحت لنا خدمات “ليجونير” تحت قسم قوانين وإقرارات الإيمان أهمَّ إقرارات الإيمان المُصلَحة والجامعة باللغة العربيَّة.
6. ذهن جديد
خدمة ذهن جديد هي خدمة مسيحيَّة تقوم بنشر عديد من الكتب في عدَّة مجالات كالخلق الكتابيِّ، والتعليم اللاهوتيِّ، والحياة المسيحيَّة. كما تقوم أيضًا بعمل دورات تدريبيَّة ودبلومات دراسيَّة ومؤتمرات تعليميَّة.
يمكنني أن أشير إلى نقطةٍ في اعتقادي هي ما تميِّز خدمة “ذهن جديد”، وهي أنَّها كانت رائدة في نشر محتوى المشورة الكتابيَّة في العالم العربيِّ. بنعمة الربِّ يمكنك أن تجد إصدارات عديدة لمتخصِّصي المشورة الكتابيَّة كـ “جاي آدامز”، و”إدوارد ويلتش”، و”ديفيد بولسون”، وغيرهم في المكتبة العربيَّة بفضل خدمة ذهن جديد.
على سبيل المثال كتاب “أدوات بين يدي الفادي” لـ “بول ديفيد تريب”، ذلك الكتاب الذي لم أكْفُفْ عن أن أنصح مؤمني الكنيسة بقراءته منذ أن قرأته منذ أكثر من 12 سنة. وكتاب “اِرعَ قلب طفلك” لـ “تيد تريب”، الذي بحسب رأي الكثيرين هو أفضل مرجع كتابيٍّ لتربية الأطفال حتَّى الآن.
7. الصورة
خدمة “الصورة” هي خدمة مُصلَحة تابعة للكنيسة المشيخيَّة ببشر قبلي في الإسكندريَّة. بينما تقوم خدمة “الصورة” بنشر كتب مُصلَحة في عدَّة مجالات لشعب الكنيسة، إلاَّ أنَّ ما يميِّزها -من وجهة نظري- هي الخدمة على الأرض.
تقدِّم خدمة “الصورة” كثيرًا من المحاضرات والسمينارات التعليميَّة للكنيسة المحلِّيَّة، أتذكَّر محاضرتين لـ “دون كارسون” من عدَّة سنوات تحت رعاية خدمة “الصورة”، ومحاضرتين أيضًا للاَّهوتيِّ المشيخيِّ “مايكل هورتون”.
أيضًا تُبارِك خدمةُ “الصورة” الكنيسةَ العربيَّة لا المصريَّة فقط، فكلُّ عام يحضر بعض إخوتنا من بلاد عربيَّة مختلفة مؤتمرًا سنويًّا تحرص فيه خدمة “الصورة” أن يقوم بالتعليم فيه معلِّمون أفاضل، أتذكَّر على سبيل المثال لا الحصر متكلِّمين مثل “مارك ديفر”، و”جويل بيكي”، و”ليجن دانكن”، و”مايكل ريفز”.
8. الحقُّ يحرِّركم
خدمة “الحقُّ يحرِّركم” هي خدمة أثْرَت الكنيسة العربيَّة بكثيرٍ من الكتب المهمَّة، خاصَّةً في ما يختصُّ بعِلم الكنيسة، فهي مَن استخدمها الربُّ لترجمة بعض كتب القسِّ “بول واشر”، وخدمة “العلامات التسع”، وكتاب مهمٍّ جدًّا ككتاب “كلُّنا لاهوتيُّون” لـ “آر. سي. سبرول”، وأوَّل -وحتَّى الآن هو الوحيد- كتاب للاَّهوتيِّ “سنكلير فيرجسون” كتاب “بالنعمة وحدها”. كما تقوم خدمة “الحقُّ يحرِّركم” أيضًا بإقامة مؤتمرات وندوات تعليميَّة.
9. الاشتياق إلى الله
خدمة “الاشتياق إلى الله”، هي خدمة القسِّ المحبوب “جون بايبر”. تستطيع أن تجد كتاباته في عديدٍ من تلك الخدمات الأخرى الموجودة في هذه المقالة. في رأيي، ما يميِّز خدمة “الاشتياق إلى الله” هو اختيارها أن تُوجَد في كلِّ الخدمات الأخرى، فهي لا تهتمُّ بترجمة محتواها ليوضع في موقعها الإلكترونيِّ فقط، بل لكي يُنشَر في بقيَّة المواقع المُصلَحة أيضًا. فالكثير من الخدمات التي أشرنا إليها سابقًا، قامت بنشر العديد من مقالات، وكتب، وفيديوهات هذه الخدمة السخيّة.
بالإضافة إلى النقطة السابقة، تتميَّز خدمة “الاشتياق إلى الله” بمحتواها التطبيقيِّ، فعلى مدار الأعوام استطاع القسُّ “جون بايبر” أن يُقدِّم أصعب العقائد في ثوبٍ تطبيقيٍّ رعويٍّ. قريبًا جدًّا سيُصدَر باللغة العربيَّة كتابان لجون بايبر لواحدة من أصعب العقائد وهي العناية الإلهيَّة وعلاقتها بحياة المؤمنين وخاصَّة الألم.
ولا يمكننا أن ننسى جهد العديد من دور النشر الأخرى على مدار سنوات عديدة في ترجمة بعض الأعمال المصلحة، على سبيل المثال لا الحصر: دار منهل الحياة، دار النشر المعمدانية بالأردن، والهيئة الثقافية الإنجيليّة، بالأردت (جيتس)، وغيرهم من الخدمات المُباركة.
من المدهش في نهاية هذه المقالة أن نرى تفرُّد كلِّ خدمةٍ من هذه الخدمات بإمكانيَّة مُعيَّنة أو قدرة مُعيَّنة عن الأخرى. فلا يمكن أن تدَّعي إحداهم أنَّها “الرائدة” أو “الوحيدة” أو “الباب لعالم الخدمات المُصلَحة في الوطن العربيِّ”.
في رأيي، ما دامت تلك الخدمات تعمل جنبًا إلى جنب، وتتعاون معًا، وتحرص على خلق جيل جديد ومساعدة خدمات أخرى للظهور، سأستطيع أنا وعديد من الخُدَّام أن نرى بعد عشر سنوات أُخَر نفس الاندهاش في عيون إخوة وأخوات في جسد المسيح وهم يطرحون نفس السؤال: “ماذا حدث في العشر سنوات الأخيرة؟”