بينما تَخدِم ستُدعَى إلى الانتظار، وأيضًا سوف تجد الانتظار صعبًا على المستوى الشخصيِّ والجماعيِّ. لذلك من المُهمِّ أن تدرك أنَّه يوجد كثيرٌ من الأسباب الوجيهة التي تفسِّر لماذا الانتظار ليس مجرَّد أمرٍ محتوم، لكنَّه ضروريٌّ ومفيد. فيما يلي عرضٌ لبعضٍ من تلك الأسباب.
لأنَّنا نعيش في عالمٍ ساقط
إنَّنا مَدعوُّون إلى الانتظار لأنَّ حالةَ العالم المُحطَّمة تُصعِّب علينا كلَّ شيءٍ نفعله. فليس شيءٌ في هذه الحياة أو في خدمتِك يؤدِّي وظيفتَه كما قُصِد له في الأصل. إذ إنَّ شيئًا ما قد تغيَّر بدخول الخطيَّة إلى العالم، وقد لخَّص اللهُ هذا التغيير حين وبَّخ آدمَ: “مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ… بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا… وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ… بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا” (تكوين 3: 17-19). أوقعَتْ الخطيَّةُ النِّزاعَ والمتاعب والألم والعَرق وآلاف الصور الأخرى من تعقيدات “الشوك والحسَك” بجوانب الحياة كافَّةً. إنَّنا نجد أنفسنا ننتظر لأنَّ كلَّ شيءٍ في عالمٍ ساقط أكثرُ إرهاقًا وصعوبةً ممَّا ينبغي أن يكون عليه حقًّا.
كما أنَّ الخطيَّةَ قد زرعَتْ الطَّمَعَ والخوف والكبرياء والغَيْرَة وعبادة الذات في نفوس جميع الَّذِين يعيشون حياةَ الشوك والحَسَك هذه. يجب أن ننتظر لأنَّنا إنْ كُنَّا أنانيِّين، وقد نفد صبرُنا، وروح المُنافسة تسيطر علينا، ومُنقادين، وقَلِقين، وغاضبين، فإنَّنا نصعِّب الحياةَ والخدمة بعضُنا على بعضٍ، ونفعل ذلك بطُرقٍ شتَّى لا نهاية لها. لهذا السبب فإنَّ محادثة عاديَّة وسهلة بين قادةٍ في الخدمة تصبح صِراعًا شامِلًا مُحتدِمًا، وتتلطَّخ بالأذى والقسوة علاقةٌ في الخدمة يومًا ما كانت حُلوَةً، وقد تؤدِّي الكنيسةُ دورَها في بعض الأحيان كأداة لممارسة السُّلطة الشخصيَّة بدلًا من أن تكون وسيلة للعبادة والفداء.
لقد تضرَّر كلُّ شيءٍ وكلُّ شخصٍ بسبب السقوط. يجب أن ننتظر، لأنَّه في عالمٍ مكسورٍ مُحطَّم، يكون كلُّ ما نفعله أصعبَ وأكثر تعقيدًا ممَّا كان مُخطَّطًا له أن يكون.
لأنَّ اللهَ صاحبُ السيادة
يجب أن ننتظر لأنَّنا لسنا مَن نؤلِّف قِصصَنا الشخصيَّة ولا قِصصَنا في الخدمة. فالحياة لا تسير بالطريقة التي نريد في الوقت الذي نريد. فأنا وأنت لسنا نشغل مركزَ الكون، بل إنَّ اللهَ، والله وحده، هو مَن يشغل هذا المكان إلى الأبد. أمَّا قصصنا الفرديَّة وقصص كنائسنا فهي جزءٌ من القصة العظيمة التي تُحكى من البداية إلى النهاية، تلك القصة التي ألَّفها هو وحده. ما أسهلَ الانتظارَ حين تدرك أنَّ اللهَ هو صاحب السيادة (وليس أنت) وعندما تتأمَّل أكثر في حقيقة أنَّه هو المَصدر النهائيُّ لكلِّ ما هو حكيم ومُحِبٌّ وصالح.
مِن ثَمَّ، فإنَّ الانتظارَ ليس علامةً على أنَّ عالَمَك خارجُ نطاق السيطرة. بالأحرى، إنَّه علامةٌ على أنَّ عالَمَك يخضع للسيطرة الحكيمة والواعية وعيًا مُطلَقًا لإلهٍ حكمته عميقة جدًّا ومحبَّته فائقة. هذا يعني أنَّه بينما تنتظر يمكنك أن تنعم بالراحة، ليس لأنَّك تحبُّ الانتظارَ، ولكن لأنَّك تثِق بالشخص الذي يدعوك لتنتظر.
لأنَّ اللهَ إله نعمة
إنَّ الانتظارَ هو إحدى الأدوات الأكثر قوَّةً التي بها يمنح اللهُ نعمةً. في خدمتِك، من المُهمِّ أن تدرك أنَّ اللهَ لا يمنحنا فقط نعمةً لكي ننتظر، إنَّما الانتظارُ نفسُه هو عطيَّةُ نعمة. أترَى، لا يقتصر الانتظار فقط على ما ستحصل عليه في نهاية فترة الانتظار، بل الانتظار يُعْنَى بما ستصبح عليه وأنت تنتظر. حين يدعونا اللهُ لننتظر فإنَّه ينقذ أولئك العامِلين مِنَّا في الخدمة من عبوديَّة خُطَّتنا، وحكمتنا، وقوَّتنا، وسيطرتنا.
فالله إذ يدعونا لننتظر، يُحرِّرنا من الحدود الخانِقة التي لممالكنا الصغيرة التي تحظى بولائِنا، ويجذبنا إلى ولاء أعظم لملكوت مجده ونعمته. إنَّ الانتظارَ يسمو على التحلِّي بالصبر حين تتغيَّر المواقف والناسُ الآخرون. فالانتظار يتمركز حول فَهْم أنَّنا –أنت وأنا– بحاجةٍ ماسَّة إلى التغيير، وأنَّ ذلك الانتظار هو أداة فعَّالة للتغيير الشخصيِّ. يستخدم اللهُ نعمةَ الانتظار ليُغيِّرنا من الداخل، في جوهر شخصيَّتنا: القلب. والآن، في الخدمة، حدوث ذلك هو أمرٌ نافع!
كي نتمكَّن من تقديم الخدمة للآخرين
الانتظار أمرٌ أساسيٌّ لأيِّ نشاطٍ في الخدمة. إنْ كُنتَ مُلتزِمًا التزامًا صادِقًا بأن تكون جزءًا ممَّا يفعله اللهُ في حياة الآخرين، فستكون راغبًا في أن تنتظر. نادرًا ما يكون التغيير الشخصيُّ للقلب والحياة حدثًا مُفاجِئًا، بل عادةً ما يكون التغييرُ عمليَّةً. فأنت وأنا لا نحدِّد متى وكيف تَهُبُّ رياح الروح، وفي أحيانٍ كثيرة لا يصبح الناس ما يحتاجون إلى أن يصبحوا عليه بين ليلةٍ وضحاها.
هذا يعني أنَّنا مدعوُّون في الخدمة لنُجري نفسَ المُحادثة مِرارًا وتَكرارًا. نحن مَدعوُّون لنُقيم هذا الشخص بعد كلِّ فشل، مَدعوُّون لنكون مُستَعِدِّين أن نسامح ونحتمل، وأن نذكِّره أو نذكِّرها مرَّةً أخرى بحضور الله ونعمته، وأن نكون مُستَعِدِّين أن نقبل إبطاء حياتنا وتعقيدها في هذه العمليَّة. أهلُ النعمة والمحبَّة هم دائمًا أُناس مُستَعِدُّون أن ينتظروا.
لأجل تعظيم مجد الله
أخيرًا، نحن مَدعوُّون لننتظر لأنَّ كلَّ شيءٍ في الحياة والخدمة لم يُوجَد ليخدم راحتنا وتنعُّمنا، بل لمجد الله. إنَّ قصةَ الفداء كلَّها مكتوبة لغرضٍ واحد وهدف واحد فقط: مجد الملك.
يَشُقُّ علينا الانتظار لأنَّنا نربط قلوبنا بأمجادٍ أخرى. كثيرًا ما نُجرَّب أن نحيا ونخدم من أجل مجد القبول البشريِّ، والإنجاز الشخصيِّ، والقوَّة والمكانة، والمُمتلكات والأماكن، والراحة والمتعة. لذلك عندما يتطلَّب مجد الله حجب هذه الأشياء عنَّا -الأشياء التي نتطلَّع إليها بحثًا عن الهُويَّة والمعنى والغرض- نجد الانتظار خبرةً مُضنِية ومُرهِقة. إنَّ الانتظار يعني التخلِّي عن مجدك.
الانتظار يعني الخضوع لمجدِه. الانتظار يعني أن تفهم أنَّك أُعطِيت حياةً ونَفَسًا من أجل مجدِ شخصٍ آخر. يمنحك الانتظار فرصةً للتخلِّي عن وهمِ مجدِك ولتجد الراحةَ في الله ذي المجد البَهِيِّ. فقط عندما تفعل ذلك ستجد ما تبحث عنه وما كان من المُفترَض أن تحصل عليه: هُويَّة دائمة، ومعنى، وغاية، وسلام في المسيح. وهكذا يسمو الانتظار أكثر بكثير عن أن يكون عِبئًا تتحمَّله، بل إنَّه عطيَّة ثمينة مُقدَّمة لك لتقبلها بفرحٍ.