لقد أبدت جارتنا اندهاشها من جواب ابنتي على سؤالها: “أظن أنكِ تتطلعين إلى يوم 31 أكتوبر بفارغ الصبر، أليس كذَلِك؟” أجابت ابنتي، ذات الـ 12 عامًا، دون تردد قائلة: “بالطبع. فأنا أحب يوم الإصلاح! فنحن نأكل الحلوى، ونُرَنِم، ونتكلّم عن مارتن لوثر.”
أعرف أن هذا يبدو غريبًا بعض الشيء، كما لو كنت اُربي أطفال بيوريتانيين (تطهُريين) في عصر الإنترنت. ولكني لست كذَلِك، وليس غرض المقال أن أُخبرك كيف تُضفي طابعًا إنجيليًّا على الهالوين، ولا أن أشجعك على أن يرتدي أطفالك زيّ الباباوات والمُصلحين في هذا اليوم.
ولكني فقط أريد أن أشاركك بما أفعله مع عائلتي خلال هذا الشهر، وما يمكننا تعلّمه سويًا عن الإصلاح الإنجيليّ. فيما يلي سأقدم خمسة أسباب تدفعنا لتعليم أولادنا عن الإصلاح.
1. أريدهم أن يتعلّموا عن أمانة الرَّب نحو كنيسته.
لسنا أول مَن تبع المسيح، ولا أول من أعلن رسالة الإنجيل. فنحن مَدينون بالفضل للكثير مِن رجال الله ونساءه. أريد لأولادي أن يعرفوا قصص القادة الشجعان أمثال لوثر، وكالفن، ونوكس، وزوينجلي، الذين تعرضوا للأذى الجسديّ وخاطروا بحياتهم مِن أجل استرداد رسالة الإنجيل التي كانت قد دُفِنت تحت أكوامٍ مِن الخُرافات الدينيّة، والعقائد الكاذبة، والحياة الدنيويّة.
ومثل سحابة الشهود في عبرانيين 11، يشهد المُصلحون ووارثيهم (بما فيهم نحن) عن أمانة الله في تعظيم كلِمته وبناء كنيسته. فالإصلاح الذي يُعَد أحد أهم الأحداث في التاريخ الإنسانيّ كان بطله الحقيقيّ هو الله نفسه.
2. أريدهم أن يتعلموا أن الإصلاح يجب أن يستمر.
أريد أن يعرف أولادي حقيقة أن الكنيسة المُصلحة تُصلَح دائمًا (SEMPER REFORMANDA) –وفقًا لكلمة الله. فالإصلاح البروتستانتيّ يُشير إلى حركة تاريخيّة مُحددة. ولكن لن ينتهي عمل الإصلاح أبدًا – سواء بداخلنا او بداخل الكنيسة – حتى مجيء يَسُوع ثانيةً. علينا أن نظل نسأل: “هل هذا كتابيّ؟” حيال كل شيء نقوم به داخل الكنيسة، للتأكيد مرة تلو الأخرى على المبدأ الأساسيّ للإصلاح “الكتاب المقدس وحده Sola Scriptura”.
وعلى كل جيل أن يحارب مِن أجل الإنجيل. فكنيستي، الكنيسة المعمدانيّة الجنوبيّة (SBC)، على سبيل المثال، تشهد بذلك. فبعد فترة وجيزة مِن الجدال الأصوليّ-الحداثيّ الذي اندلع في عشرينيات القرن الماضي، بدأت كليات اللاهوت التابعة للكنيسة المعمدانية الجنوبية في الانجراف نحو اللاهوت الليبراليّ. وبحلول ستينيات القرن الماضي، ضاعت رسالة الإنجيل بين العديد مِن القادة، وظننا أنه ضاع مِن كل الطائفة. ولكن في الثمانينيات، بدأ الرّب إصلاحًا جديدًا غالبًا ما يُسمى “بعودة التيار المحافظ”، حيث أصبح سُلطان وعصمة الكتاب المُقدّس مرة أخرى أساسًا متينًا لكنيستنا.
يمكن أن تُحجب رسالة الإنجيل وما تتضمّنه مِن عقائد صحيحة في كنائسنا الإنجيليّة مرة أخرى. فقد رأينا مُعلمين مشهورين –يُصنفون أنفسهم على أنهم إنجيلييّن – يُنكرون أن الكتاب المُقَدّس هو السُلطة العُليا في الكنيسة. ورأيناهم يتخلّون عن عقائد كتابيّة أساسيّة كالخطية الأصلية والعذاب الأبديّ في الجحيم.
فعلى كل جيل أن يُحارب مِن أجل الإنجيل. فالإصلاح مستمر، وأنا أريد أن يفكر أولاديّ في ذَلِك مِن الآن.
3. أريدهم أن يتعلموا أن الدفاع عن الإنجيل خطر، ولكنه يستحق المُخاطرة.
كان المُصلحون وورثتهم اللاهوتيون التطهيريين (البيوريتانيّون) على دراية جيّدة بتكلُفة التبعيّة والتلمذة. فاختبأ لوثر من السُلطات لسنواتٍ عديدة تحت تهديد الاعتقال والموت المحقق. واستخدم كالڤن أسماء مستعارة أثناء نفيه وفراره مِن السُلطات الحكومية. وحُبسَ جون بنيان لمدة 12 عامًا، وطُردَ جوناثان إدواردز مِن كنيسته. فالألم ليس أمرًا غير مألوف؛ إنما هو دعوة كل مَسيحيّ حقيقيّ. فمنذ عصور الاستشهاد، لم تَكُن هناك صورة أقرب إلى أذهاننا لتكبّد الآلام لأجل الحق أكثر مما حدث لقادة الإصلاح الإنجيليّ.
نعم، يحتاج أطفالي أن يعرفوا أن دفاعهم عن الإنجيل سيجعلهم مُعرّضون للصِدام مع ثقافةٍ تحتقرهم، ويحتاجون أيضًا لمعرفة انهم مِن الممكن أن يصطدموا مع أعضاءٍ في الكنيسة. أريدهم أن يعرفوا أن معنى أن تكون مسيحيًا هو أن تكون ثوريًا، وأن حتى المؤمنون الأتقياء يمكنهم أن يختلفوا، إذا تعلّق الأمر بقضايا أساسيّة في الإيمان، وأن قضايا مثل المعمودية والعشاء الربانيّ – التي يعتبرها العديد من الإنجيليّين أمورًا ثانوية- ليست أمور ثانويّة.
4. أريدهم أن يتعلّموا أن الرّب يقوم بأعمال عظيمة مِن خلال أُناس عاديين.
لوثر كان راهبًا، كلفن كان قِسًا، جون بنيان كان خزّاف، ووليام كاري كان صانع أحذية. لقد كانوا رجال عاديين مِن خلفيات متواضعة. ومع ذلك فقد سُر الرّب أن يقلب العالم رأسًا على عقب من خلال تعاليمهم وتكبدهم للآلام، تمامًا كما فعل مع بعض الصيادين العاديين في القرن الأول.
رغم أن كبريائيّ لا يحب أن يعترف بذَلِك، فغالبًا ما سيُصبح أولاديّ أُناس عاديين، تمامًا مثل والدهم. ولكن، مِن أهم تعاليم الإصلاح هي ما يُعرف باسم “كهنوت جميع المؤمنين” أي أن جميع المواهب والدعوات الإلهيّة بغناها وتنوعها متساوية في الأهمية. فالقِس والمبرمج والأستاذ والسباك جميعهم مدعوون للعمل مِن أجل مجد الله (كورنثوس الأولى 10: 31). ومجده يظهر جليًا دائمًا في الأمور المعتادة والعاديّة (كورنثوس الأولى 1: 26-29).
5. أريدهم أن يتعلّموا أن الإنجيل هو كل شيء.
يتلخص الإصلاح في استرداد الخلاص بالنعمة وحدها، مِن خلال الإيمان وحده، بالمسيح وحده. فنحن مُبرَّرون بالإيمان بموت المسيح بدلًا عنّا. هذا هو الإنجيل. انزع ذَلِك الحق وستخرج القاطرة التي تقود قطار الخلاص الأبديّ عن مساره. انزعه وسيُترك جسد المسيح بلا قلب نابض. انزعه وسيتبخّر الإيمان المسيحي مثل سحَابة صيف. فحق الإنجيل هو ساحة معركة الإصلاح. لذا، فلا عجب أنه في كل جيل يهاجم نسل الحيّة الإنجيل.
أريد أن يعرف أولادي أنهم بدون الإنجيل، لن يستطيعوا أن يجدوا معنى للحياة في عالمٍ ساقط. بدون الإنجيل، لا يوجد رجاء في هذه الحياة أو في الحياة الأخرى، لا يوجد معني حقيقي لأيامنا ولفصول حياتنا المختلفة. قال كالڤن أن التبرير هو المِفصل الذي يستند عليه ويدور حوله باب الخلاص. أريدهم أن يراقبوا عن كثب هذا الباب.
كيف يمكننا فِعل ذَلِك
لا يوجد طريقة مُثلى، ولكني سأستعرض فيما يلي، بعض الأشياء التي فعلتها مع عائلتي:
- اقرأ معهم السير حياة للمُصلحين البارزين: لوثر، كالفن، نوكس – حتى أوغسطينوس الذي يُعتبر رائد حركة الإصلاح، وأيضًا جوناثان إدواردز وجون بنيان اللذان يُعتبرا ورثة المُصلحين.
- ادرس معهم مبدأ كل أسبوع من مبادئ الإصلاح الخمس. لقد علّمت أبنائي ببساطةٍ ما يقوله كل مبدأ منها، وألقينا نظرة على النصوص الكتابيّة المرتبطة بكل واحدة من هذه المبادئ.
- ادرس معهم رسالة رومية أو غلاطية. وركز معهم على مفاهيم مفتاحيّة مثل: الخطية، والنعمة، والتبرير بالإيمان.
- رنِم معهم ترانيم كتابيّة تعكس العقائد الإنجيليّة الأصيلة.
- إذا كنت تنتمي لكنيسة إنجيليّة أو معمدانيّة تؤمن بالتعليم المُصلح الأصيل، فيمكنك بحضور خِدمة يوم الإصلاح مع أولادك في تلك الكنيسة.