في مثل هذا الوقت من كل عام، تتزيّن الكثير من الأماكن العامة والمراكز التجارية، بل وبيوتنا وكنائسنا بمظاهر عيد الميلاد. وحين كنت أصغر سنًا، كنت رافضًا للصورة التي تقدمها مغارة الميلاد.
كان السبب الأول من وجهة نظري، هو أني كنت أرى أن الصورة التي تقدمها مغارة الميلاد غير واقعية بالمرة. فدائمًا ما تُصَوّرَ مريم بأنها غير منهكة بالمرة، رغم أنها من المفترض أنها قد أنجبت طفلًا لتوها، والحيوانات تبدو سعيدة رغم عدم وجود طعام أمامها.
ثانيًا، والأسواء مِن ذَلِك، هو كثيرًا ما يُستهان بالرسالة التي تحاول مغارة الميلاد نشرها. فغالبًا ما يتلخّص رد فعل الناس في أن هذا ما هو إلا جزء من زينة الميلاد الجميلة. كنت اُحب عيد الميلاد، ولكني لم أجد في أيّ مِن هذه المظاهر ما كان يأسرني حقًا، أو يجعلني أسجد شكرًا وأمتنانًا لهذا المُخلّص. لم أجد شيء فيها يقول: هذه هي اللحظة التي غيّرت كل شيء. هذه هي الليلة التي اخترقت فيها السماء الأرض. فقد كانت ليلة الميلاد ليلة مجد، ورعب، وألم، وجلال، ورهبة. ليلة كان مركزها ابن الله المُتجسد وهو يلتقط أنفاسه الأولى، ويصرخ أولى صرخاته. ليلة فيها غزا ابن الله الأرض لخلاص شعبه.
لم أجد في مغارة الميلاد شيء من هذا القبيل. لذلك، كنت رافضًا لها لكونها غير واقعية وتافهة.
ولكن الأمر تغيّر…
استياء، أم لامبالاة، أم رهبة؟
مع تغيّر الواقع والثقافة من حولنا، بدأت وجهة نظري تتغيّر أيضًا. فمع انتشار كل ما هو غير مسيحيّ وسطوته على المجتمع، يتراجع معه ارتباط أجواء عيد الميلاد بقصة ميلاد يسوع التاريخيّة. لذلك، بدأت أنظر إلى مغارة الميلاد على أنها يمكنها أن تكون حلقة الوصل وفرصة للشهادة والحوار بين أولئك الذين لا يحتفلون بشيء سوى سانتا كلوز، ومن يحبون رسالة تجسّد يسوع ومجيئه إلى عالمنا.
في الواقع، دائمًا ما أُصاب بالذُّهول ممن يُصابون بالاستياء من وجود مغارة الميلاد. ما سبب انزعاجهم؟ ربما لأنهم يُدركون أن ما يُقال في هذه المغارة الصَّغيرة يُمَثّل تحدّيًا شخصيًّا لهم! كأن هذه المغارة الصغيرة تقول لهم: “هذا حدث فعلًا، هذا تاريخ، يَسوع ليس أسطورة، وعليك أن تحدد موقفك منه سواء كان بالقبول أو الرفض.”
للأسف، فإن معظمنا من المسيحيين نتناسى رسالة مغارة الميلاد. فكثيرًا ما ننغمس في مظاهر الميلاد—من موسيقى وأضواء مبهرة، وأنشطة واحتفالات في الكنائس والفنادق، وتبادل للهداية والزيارات المنزليّة— دون أن تقودنا رسالة الميلاد إلى عبادة حقيقيّة من القلب. دون أن نشعر بأي رهبة أو مهابة أمام هذا الحدث الجلل، كثيرًا ما نردد بشفاهنا ترانيم مثل:
هل جئت ربي سيدي في زمرة الأطفال وأنت سيـد الورى ومـلـك الجـلال؟!
هل جئت ربي سيدي في لفة الرضيع مضـحياً بمجـدك وعرشـك الرفيـع؟!
هل كنت تبكي سيدي من تعب أو جوع وكم وهبـت بالرضا عـزاء للجميـع؟!
هل ارتعشت سيدي من قسوة الشتاء وأنـت كم كسوتـنا بالبـر والعطـاء؟!
ما أُريد قوله، ليس أن غير المؤمنين فقط هم من يستخفون بعيد الميلاد، ولكن نحن أيضًا! فما أعلنه الكتاب المقدس عن ميلاد المسيح هو إما أن يكون حقيقيّ أو محض خيال. لذا، فهو إما أن يكون مدهش أو مزعج! فهذا الإعلان إما يدفعنا لعبادة الرب من كل القلب أو مقاومته! ولكن يبدو أننا كثيرًا ما نسعى وراء أجواء شبيهة بمُجسمات مغارة الميلاد التي نشتريها من المتجر، أكثر من فَهم القصة الكتابيّة المُكَلفة.
لربما يكون مَن هم خارج الكَنيسة الذين ينزعجوا مِن مغارة الميلاد، فاهمين للمعنى الحقيقيّ لعيد الميلاد؛ أكثر مِن أولئك الموجودين في كنائسنا الذين لا يعوا إلا القليل فيما يخص الغرض مِن المغارة.
قف! فَكّر! تكلّم!
لذا كلما رأيت مغارة للميلاد هذا العام، قف وفكّر مليًا أن الميلاد حدث حقًّا. وأن الله أرسل ابنه. لقد جاء حقًّا. بالطبع، ميلاد المسيح بحسب الكتاب المقدس يختلف كثيرًا عمّا تُصوّره المغارة، ولكن المهم هو أنه حدث بالفعل.
كما أنه علينا ألا ننسى أن نتحدّث عن الميلاد. فكيف لنا أن نلوم عدم اهتمام مجتمعاتنا من حولنا بميلاد المسيح، إن كُنّا نحن أنفسنا مشغولين جدًا باحتفالاتنا دون الحديث عن التغيير الأبدي الذي أحدثه فينا المسيح بمجيئه؟
وهذا هو السبب الذي لأجله لم أعد رافضًا لمغارة الميلاد. فنحن بحاجة إلى كل الجسور والسُبُل القادرة على ربط الثقافة المحيطة بنا برسالة الإنجيل الحقيقيّة. فهذه المُجسمات الصغيرة يُمكن أن تقوم بعمل كبير في تذكير الناس بأن هناك إلهًا هكذا أحَبَ هذا العالم الساقط حتى أنه أرسل ابنه إليه. ونظرًا لكون أغلب المحيطين بنا لم يعتادوا قط على سماع قصة الفداء بحسب الكتاب المقدس، فإن عيد الميلاد ربما يكون هو فرصتهم الوحيدة كل سنة لأن نُشاركهم الأخبار السارة التي في المسيح يسوع.
حين تحتفل بعيد الميلاد في هذا العام، فكّر فيما تعنيه تدخلات نعمة الله في كل المشاهد الفوضويّة والنواقص البشريّة التي يخبرنا بها الكتاب المقدس عن ميلاد المسيح. يمكنك أن تسأل معارفك وأصدقائك عن رأيهم في ذلك الطفل المضطجع في قلب المغارة، وشاركهم عمّا يعنيه بالنسبة لك. اغتنم الفرصة للربط بين هذه اللحظة التاريخية الفريدة وعالمنا اليوم.
لذا اشكر الرب على كل وسيلة بسيطة يمنحك إياها هذا العام لتُشارك رسالة الإنجيل حول ميلاد المُخلّص مع من حولك.