ماذا نعرف حقًا عن مجمع نيقية؟

قسطنطين والأزمة الأريوسية

كان سلام الامبراطورية هو شغل قسطنطين الشاغل. لذا، في عام 323م، عين قسطنطين هوسيوس أسقف قرطبة (في أسبانيا الحالية) Hosius of Cordova ليساعده في حل هذا النزاع. سلّم هوسيوس رسالة من الإمبراطور –يحتمل أن يكون هوسيوس نفسه هو كاتبها– لألكسندروس أسقف الإسكندرية وآريوس، داعيًا لحل الخلاف. لكن لم يكن للخطاب أي تأثير.

وبحسب يوسابيوس، المصدر الأقدم والذي كان معاصرًا للأحداث وحاضرًا لمجمع نيقية لاحقًا:”وردت إلى قسطنطين تقارير عن اضطراب يهدد سلام الكنيسة… وصل إلى الأساقفة أنفسهم، وجعلهم يتحزبون ضد بعضهم البعض، فيما يتعلق بالعقائد المختصة بالحق الإلهي… بدأ الأمر في كنيسة الاسكندرية وامتد حتى مصر كلها وليبيا”.[1]

أرسل قسطنطين رسالة إلى كل من ألكسندروس وآريوس يطلب فيه منهما إنهاء النزاع (يوسابيوس، حياة قسطنطين 2. 63-72؛ سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 7. 1). لم يكن قسطنطين مهتمًا بالقضايا اللاهوتية، بل كان اهتمامه في الأساس بسلام الإمبراطورية ووحدتها. يذكر كل من يوسيبيوس و سقراط أنه خاصة إبان الأزمة الآريوسية، كانت القضايا العقائدية الخطيرة بالنسبة لقسطنطين لا تبدو بهذه الخطورة، فلا ينبغي على المسيحيين أن يتناحروا بسبب هذه الأمور “التافهة وعديمة الأهمية” (حياة قسطنطين 2. 68)، لكن يجب أن يتمثلوا بالفلاسفة ويتفقوا على ألا يتفقوا (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 7؛ يوسابيوس، حياة قسطنطين 2. 70-71). من المُرجح بشدة أن قسطنطين لم يكن على دراية كافية بطبيعة الخلاف بين ألكسندروس واريوس فقد كتب لهما قائلاً: “سبب نزاعكم لم يكن عن العقائد الجوهرية أو وصايا الناموس الإلهي، ولا قامت بينكم هرطقة جديدة تتعلق بعبادة الله. والواقع أنكم جميعًا برأي واحد، وفكر واحد.” (يوسابيوس، حياة قسطنطين 2. 70).

اشتد النزاع، وقد أثار يوسيبيوس النيقوميدي أن ألكسندروس أشار إليه في رسالته ضد آريوس (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 6. 5) وكتب –بحسب سقراط- عدة مرات إلى ألكسندروس يطالبه أن يضع جانبًا خلافه مع اريوس ويقبله مع أتباعه في الشركة مرة أخرى، ثم كتب إلى أساقفة المدن مطالبًا إياهم ألا يستمعوا إلى ألكسندروس (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 6. 7). وتفاقم الوضع حينما انضم الميليتيون[2] الذين “كانوا قد انفصلوا منذ قليل” (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 6. 9) إلى الآريوسيين على رغم من أرثوذكسية كريستولوجيا ميليتيوس؛ كما انضم إليهم جمعٌ كبير من العذراى والنُساك وهو ما يُشير إليه ابيفانيوس “لكن اريوس لم يُنكر شيئًا، لكنه أكد على ما قاله من قبل. فقطعه ألكسندروس ، وقطع معه عددا كبيرا من العذرارى واكليروس آخرين لوثهم [آريوس]” (باناريون 69. 4. 1-3)، مما دفع ألكسندروس وخلفه اثناسيوس إلى إرسال رسائل إلى العذارى (انظر: الرسالة الأولى إلى العذارى 36-43).

مجمع نيقية

حينما استمر النزاع، وبحسب يوسابيوس القيصري: “عقد قسطنطين مجمعًا عامًا، ودعا سريعًا الأساقفة من كل الأرجاء… واختير المكان في مدينة نيقية في بيثنية” (حياة قسطنطين 3. 6). هكذا و بدعوة من الإمبراطور نفسه عقد مجمع في العام 325م، في مدينة نيقية في بيثينيا، وهي مدينة حيوية قريبة من نيقوميديا، وذلك لحسم الجدل الأريوسي.

لم يكن النزاع الآريوسي هو السبب الوحيد للمجمع –وإن كان السبب الرئيس والأهم- فقد دار النقاش في نيقية حول موضوع إعادة معمودية الهراطقة، وكذلك حول مشكلة أخرى هي مشكلة موعد عيد الفصح، وهو النزاع الذي جرى في المناطق الشرقية فقط بسبب الرغبة في جعل عيد الفصح أكثر اتفاقًا مع الفصح اليهودي، بينما فضل آخرون الاحتفال به حسب ما كان يفعل المسيحيون في سائر أنحاء العالم (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 8. 2؛ سوزومين، تاريخ الكنيسة 7. 23- 25[3]). لكن هذا النزاع كان مختلفًا عن مثيله الأريوسي، فبينما تسببت الأريوسية في إنقسامات حادة إلا أن النزاع بشأن الفصح كان مجرد اختلاف في وجهات النظر لا يرقى لمرتبة النزاع، يصف سقراط: “ومع ذلك لم يتدخل هذا الاختلاف في الشركة بينهم على الرغم من أن بهجتهم المتبادلة قد تعوقت بالضرورة.” (تاريخ الكنيسة 1. 8. 2).

عدد الحضور

يشير يوسيبيوس أن عدد الحضور في المجمع زاد عن 250 أسقف (حياة قسطنطين 3. 8-9). لكن مؤرخين آخرين مثل سقراط يشير أن العدد تعدى ال 300 (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 8)، وحدَّد مؤرخون آخرون مثل ثيؤدريت وايفاجريوس وجيروم العدد بـ 318 (ايفاجريوس، تاريخ الكنيسة 3. 31).[4]

هناك احتمالات أن اختلاف العدد ربما جاء نتيجة حذف اسماء الأساقفة الاريوسيين أو اختير العدد 318 في الكتابات المتأخرة قليلاً لتتناسب مع عدد خدام ابراهيم في تكوين 14:14 كنوع من الرمزية.

محاضر المجمع

لا تشير المصادر التي أرخَّت للمجمع في وقت مبكر إلى وجود محاضر. ونحن لا نستطيع أن نعلم بالتحديد أن كانت محاضر المجمع قد فُقدت أو أن الحضور تجاهلوا تدوينها. ومن المرجح أن الروايات المنحولة لإيزيدور Pseudo-Isidore –والذي أشارت أنه عرف بوجود محاضر دونها الشرقيون فاق حجمها حجم الأناجيل الأربعة مجتمعة،[5] وكذلك الرواية المنسوبة لجلاسيوس Gelasius of Cyzicus أنه وجد عدة محاضر في عدة مصادر (جلاسيوس 1. 0. 20) عن المجمع هي مجرد روايات لا تمت للحقيقة بصلة.[6]

أحداث المجمع

في المجمع كان قسطنطين يتحدث اللاتينية، وتُرجِم كلامه بواسطة مترجم إلى اليونانية (يوسابيوس، حياة قسطنطين 3. 13). نحن لدينا مواد أساسية باقية من زمن مجمع نيقية مثل رسالة من يوسيبيوس القيصري لكنيسته في قيصرية (وهي محفوظة في التاريخ الكنسي لسقراط ودفاع أثناسيوس عن نيقية)، فيها وصف لأحداث المجمع محفوظة في كتاب يوسيبيوس عن حياة قسطنطين، رسائل من قسطنطين ومن المجمع للكنائس، العشرون قانونا التي أصدرها المجمع، ثم لدينا كتابات المؤرخين مثل سقراط، وسوزومين، وروفينيوس ويوسيبيوس القيصري.

يشير فيلوستورجيوس –أن الجميع بمن فيهم قطاع كبير من الأريوسيين وافقوا على إقرار الإيمان النيقاوي في المجمع (تاريخ الكنيسة 1. 9). روفينوس الأكويللي وهو مؤرخ كنسي آخر أشار إلى أن سبعة عشر فقط من أصل 318 فضلوا صيغة الإيمان الاريوسي (تاريخ الكنيسة 10. 5. 8)، بينما أشار ثيؤدريت (تاريخ الكنيسة 1. 5)، وسوزومين (تاريخ الكنيسة 1. 21)، وسقراط إلى أن ستة أساقفة فقط أيدوا آريوس ورفضوا التوقيع على حرمه: “ما عدا خمسة فقط [اضافة إلى اريوس] اعترضوا على مصطلح هومووسيوس ὁμοούσιος وهم يوسيبيوس النيقوميدي، ثيوجنيس أسقف نيقية، ماريس [أسقف] خلقيدونية، ثيوناس [أسقف] مارمريكا، سكوندس [أسقف] بتولمايس” (تاريخ الكنيسة 1. 8. 18). ويستكمل فيلوستورجيوس أنه بعد التشاور وافق ستة فقط على النفي مع آريوس بينما وافق الأحد عشر الآخرين على التوقيع باليد على الحرم وليس بالقلب، مما يعني أنهم كانوا بصورة ما يميلون إلى الجانب الآريوسي (تاريخ الكنيسة 10. 5 .10). ويشير كل من فيلوستورجيوس (الذي رفض الإيمان النيقاوي) في تاريخه الكنسي (تاريخ الكنيسة 1. 9) وثيؤدريت (تاريخ الكنيسة 1. 7) أن اثنين فقط هما اللذان نفيا مع آريوس.

انتهى المجمع إلى حرم اريوس وأتباعه، وإضافة جزء “من نفس جوهر ὁμοούσιος الآب” إلى إقرار الايمان، كما تحدد تعيين تاريخ عيد الفصح، وإقرار القاعدة التي كانت تعتمدها كنيسة الإسكندريّة للاحتفال بالعيد، وبحسبها يقع عيد الفصح يوم الأحد بعد أول بدر يلي الاعتدال الربيعي في ٢١ آذار (حساب شرقي). كما وضعت تنظيمات إداريّة فتم سنَّ عشرين قانونًا كنسيًا، منها تثبيت رفعة الكراسي الكبرى الثلاثة وهي رومية والإسكندرية وأنطاكية (قانون ٦)، وقرر أن يحتل كرسي أُورشليم مكانة الشرف الرابعة على أن يبقى خاضعا لمتروبوليت قيصرية فلسطين.

أرسل مجمع نيقية رسالة بخصوص قراراته أدان فيها آريوس وأتباعه (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 9. 1)، وكذلك بشأن مسألة مليتيوس والذين قام بسيامتهم حيث قرر المجمع أن يبقى مليتوس في مدينته ليكوس (اسيوط)- بعد تجريده من رتبته الكنسية – فلا “يمارس أية سلطة سواء في سيامة أو ترشيح للسيامة” (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 9. 1) وبالنسبة للذين نالوا منه سيامة “فيمكن قبولهم في الشركة بعد تثبيتهم بسيامة أكثر شرعية.” لكن يُعتبرون “تاليين في الكرامة لكهنة الكنيسة والإيبارشية” (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 9. 1؛ سوزومين، تاريخ الكنيسة 1. 24. 1). وتكشف هذه الرسالة عن نظام انتخاب الاكليروس الذي يبدو أنه كان سائدًا في الاسكندرية لسيامة الرتب الكنيسة (راجع قانون مجمع نيقية رقم 6) “عند وفاة أي من أولئك الذين يشغلون خدمة في الكنيسة، دعوا هؤلاء الذين قبلوا حديثًا يتقدمون لرتبة المتوفي، شريطة أن يظهروا الاستحقاق وأن ينتخبهم الشعب وأن يصدِّق أسقف الاسكندرية” (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 9. 1). لكن سوزومين يقدم صورة مختلفة صاحبت سيامة أثناسيوس “يزعم الاريوسيون أنه عقب وفاة ألكسندروس اشترك أتباع الأسقف الموقرين وأتباع مليتيوس في التناول معًا. واتفقوا بقسم على اختيار من يدير شئون الكنيسة بامتياز الانتخاب العام. ولكن الأساقفة السبعة أولئك حنثوا بقسمهم سرًا ورسموا أثناسيوس ضد رأي الجميع” (سوزومين، تاريخ الكنيسة 2. 17. 5). لكن يبدو أنه مثلما أشار سوزومين أن الأمر كان مجرد اتهامًا آريوسيًا لم يقم عليه دليل، حيث إن هذه المسألة لم تثر في أي وقت من الأوقات خلال الصراع الأريوسي وحتى موت أثناسيوس.

أيضًا، كتب قسطنطين عدة رسائل إلى الأساققة والشعب تضمنت إحداها أمرًا أنه “يجب تدمير أية مقالة يكون آريوس قد كتبها حتى لا يتم ليس فقط إنتشار رأيه، بل أيضًا حتى لا تكون هناك ذكرى له على أي نحو. ولذلك أصدرتُ أمري بأنه إذا وُجد أي شخص يُخفي كتابًا مؤلفًا من آريوس ولا يحضره في الحال ويحرقه، سيكون الموت عقوبة تلك المخالفة.“ (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 9. 8؛ سوزومين، تاريخ الكنيسة 1. 21. 5).

صيغة إقرار الإيمان النيقاوي

يُعد إقرار ايمان نيقية هو أهم إقرار إيمان عبر التاريخ المسيحي، ليس فقط لأنه صادر عن الإجماع المسكوني المسيحي؛ لكن أيضًا، لأنه بُني على إقرار إيمان الرسل الذي بدأ تداوله من القرن الثاني وحتى زمن نيقية.

“نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل صانع جميع الأشياء، ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله، وحيد الآب، الذي من طبيعة الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مصنوع، واحد مع الآب فى الجوهر. به صُنِع كل شىء مما فى السماء وما على الأرض. الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد وصار إنسانا. وتألم وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السماوات. وسيأتى ثانية ليدين الأحياء والأموات. وأيضا [نؤمن] بالروح القدس، وتحرم الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية أولئك الذين يقولون إن هناك وقتًا لم يكن فيه “الإبن”، وإنه لم يكن [مولودا] قبل أن يُولد، وأنه صُنِع من لا شىء. وأولئك الذين يزعمون أنه من طبيعة غير تلك التى للآب، أو من جوهر غير جوهره. أو أنه مخلوق وخاضع للتغير… ونحن نؤمن فى وجود وطبيعة كلٍ من هذه [الأقانيم] وأن الآب آبٌ بالحقيقة. والإبن ابنٌ بالحقيقة والروح القدس روحُ قدس بالحقيقة. مثلما قال ربنا أيضا عندما أرسل تلاميذه ليكرزوا بالإنجيل “اذهبوا وعلّموا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. فبهذه العقائد نحافظ على الحق بثباتٍ، ونجاهر بها بكل ثقة.” (سقراط، تاريخ الكنيسة 1. 8. 16، 22)

ما الذي يعنيه لنا مجمع نيقية وإقرار إيمانه اليوم؟

عَمِل إقرار إيمان نيقية بمثابة قاعدة الحق التي تفصل الإيمان المُستقيم ὀρθοδοξία عن الهرطقة αἵρεσις. حيث يُمكن -مثلما إشار ايرينيوس إلى إقرار ايمان الرسل- تتبع هذا الإيمان المُسلَّم عبر الأجيال وحتى عصر الرسل (ضد هرط. 1. 10؛ 3. 2؛ 3. 3؛ …الخ).[7] وبينما أضيفت العبارات الخريستولوجية الخاصة بطبيعة الإبن إلى إقرار ايمان الرسل في مجمع نيقية، إلا أنه مثلما يقول يوحنا الدمشقي، فهذا لم يكن ابتداعًا، بل تعبير عما إحتوته الأسفار الإلهية:

“أين تجد في العهد القديم أو الإنجيل إستخدامًا صريحًا لمصطلحات مثل “ثالوث” أو “هوموأوسيوس” أو “طبيعة واحدة لله” أو “ثلاثة أقانيم (هيبوستاسيس)” أو أن المسيح له “طبيعة واحدة من طبيعتين؟” ومع ذلك، فمعاني هذه الأشياء موجودة، ومُعبّر عنها بعبارات أخرى إحتوتها الأسفار المقدسة، والتي فسرها الآباء لنا” (يوحنا الدمشقي، العظة الثالثة عن الأيقونات المُقدسة 11. 1- 8).[8]

ويُمكن فهم أهمية الدور الذي لعبه مجمع نيقية (في الماضي) ولازال يلعبه في عالمنا المُعاصر من خلال الآتي:

1. الأساس العقائدي: يقدم قانون الإيمان النيقاوي، بيانًا واضحًا وموثوقًا للمعتقدات المسيحية الأساسية والتي يُمكن تتبعها حتى نصوص العهد الجديد. إن توضيحه لطبيعة الله كآب وابن وروح قدس، وتأكيده على ألوهية المسيح وإنسانيته، يؤكد على الأساس المركزي في اللاهوت المسيحي. فبدون إلوهية وإنسانية الإبن الكاملين، تتهاوى أطروحة الخلاص المسيحية، وبالتالي بشارة الانجيل من الأساس. وفي عالمنا اليوم الذي يتسم بسيولة المعتقدات الدينية ووجهات النظر الفلسفية، يُفترض أن يعمل إقرار ايمان نيقية -الذي يتفق عليه مسيحيو العالم أجمع- كمنارة لهذا الإيمان المستقيم، ومعيارًا صلبًا يكشف الأرذوكسية من الهرطقة.

2. الاستمرارية التاريخية: يمثل مجمع نيقية لحظة محورية في تاريخ المسيحية، حيث تناول الخلافات اللاهوتية التي كانت تهدد وحدة الكنيسة وسلامتها من خلال دعوة الأساقفة من جميع أنحاء العالم المسيحي للتداول بشأن مسائل العقيدة. جسد المجمع التزام الكنيسة الأولى بالإجماع اللاهوتي والوضوح العقائدي. اليوم، يذكر إرث نيقية الطوائف المسيحية بأهمية الانخراط بشجاعة في الحوار اللاهوتي من أجل وضع أسس عقائدية متفق عليها لمواجهة التحديات اللاهوتية والفلسفية والسياسية والاجتماعية المعاصرة.

3. الشركة والوحدة: يعتبر قانون الإيمان النيقي رمزًا لوحدة للإيمان، يتلوه ملايين المسيحيين حول العالم في مختلف التقاليد الليتورجية. وبغض النظر عن الانتماءات الطائفية، فإن المؤمنين يتحدون معًا في الاعتراف بمعتقداتهم المشتركة في الله الثالوث وعمل المسيح الخلاصي. هكذا، يُفترض أن يُعزز قانون الإيمان النيقاوي الشعور بالشركة بين الطوائف المسيحية، متجاوزًا الاختلافات في ممارسات العبادة والتفسيرات الكتابية. في عالم مجزأ ومتشظي بشكل متزايد، يعد قانون الإيمان النيقاوي بمثابة تذكير بماهية وحدة الكنيسة الأساسية والرابط المشترك الذي يتقاسمه جميع الذين يعترفون بالإيمان بالمسيح.


[1] يوسابيوس القيصري, حياة قسطنطين العظيم، ترجمة مرقس داود (القس) (القاهرة: مكتبة المحبة, 1975).

[2] الميليتيون هم أتباع ميليتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط حاليًا) (مات 325م). ترجع الأزمة الميليتية إلى زمن الإضطهاد أيام البابا بطرس بابا الإسكندرية والملقب بخاتم الشهداء. حيث رفض ميليتيوس قبول شركة هؤلاء الذين أنكروا الإيمان وقت الإضطهاد، وقد إمتد تأثير ميليتيوس حتى منطقة فلسطين.

[3] Schaff Philip, ed., Socrates and Sozomenus Ecclesiastical Histories, vol. 2, Nicene and Post-Nicene Fathers 2 (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, n.d.), accessed February 22, 2023.

[4] Michael Whitby, ed., Ecclesiastical History of Evagrius Scholasticus, Translated Texts for Historians 33 (Liverpool: Liverpool University Press, 2001).

[5] Paul Hinschius, Decretales Pseudo-Isidorianae et Capitula Angilramni (Lispsiae: Ex Officina Bernhardi Tauchnitz, 1863), 254, 258.

[6] G. C. Hansen, Anonymus Von Cyzicus Kirchengeschichte. Band II, Fontes Christiani 49 (Turnhout: Brepols Publishers, 2008).

[7] Dominic J. Unger, ed., St. Irenaeus of Lyons: Against the Heresies Book 1, Ancient Christian Writers (New York: The Newman Press, 1991); John J. Dillon, Dominic J. Unger, and Michael Slusser, eds., St. Irenaeus of Lyons: Against the Heresies Book 2, Ancient Christian Writers (New York: The Newman Press, 2012); M. C. Steenberg, ed., St. Irenaeus of Lyons: Against the Heresies Book 3, Ancient Christian Writers (New York: The Newman Press, 2012); St Irenaeus of Lyons, Scott D. Moringiello, and Dominic J. Unger, eds., St. Irenaeus of Lyons: Against the Heresies: Books 4 and 5, Ancient Christian Writers (New York: The Newman Press, 2024).

[8] يوحنا الدمشقي، الدفاع عن الأيقونات المقدسة (لبنان: منشورات النور, 1997)، 56.

شارك مع أصدقائك

حاصل على درجة ماجستير اللاهوت (ThM) من جامعة أغورا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل كأستاذ لتاريخ الكنيسة في كلية اللاهوت الأسقفية بمصر.