أتذكَّر أوَّلَ عِظةٍ وعظتها (للأسف، على الأرجح أنا الشخص الوحيد الذي يتذكَّرها!). وإذ كنْتُ حديثَ العهد في الإيمان ومُتحمِّسًا، كانت الحرارة المُنبعِثة من العظة تفوق بكثيرٍ النورَ الذي يشعُّ منها. وحين أعود بذاكرتي إلى الوراء، لا أظنُّ أنَّني كنْتُ سأتمكَّن من أن أُجيب إجابةً مُقنِعة مُفصَّلة عن سؤالٍ بسيط لكنَّه مهمٌّ: ما هو الوعظ؟
كتَبَ دي. إيه. كارسون (D. A. Carson) في الكتاب الممتاز “عِظ بالكلمة” (Preach the Word)، وهو عبارة عن مجموعةٍ من المقالات كُتِبَت تكريمًا لآر كِنْت هيوز (R. Kent Hughes)، فصلًا مفيدًا جدًّا بعنوان “تحدِّيات يواجهها مِنبرُ القرن الحادي والعشرين”. عندما أخرجْتُ هذا الكتابَ اليومَ من رفِّ مكتبتي نظرْتُ تعليقي الموجَز الذي دوَّنتُه بعد قراءَتِه، إنَّه كتابٌ ممتاز! أعِدْ قراءَته كلَّ سنةٍ! وبعدما تصفَّحته ثانيةً، أريد أن أشارك جزءًا منه حيث يحدِّد كارسون خمسَ ملاحظاتٍ عن ماهيَّة الوعظ (من الصفحات 176-177).
أوَّلًا، الوعظ هو إعادةُ إعلانٍ. يتجاوز الوعظُ نقلَ المعلوماتِ شِفاهًا، مهما كانت هذه المعلومات كتابيَّة وإلهيَّة. بل بالحريِّ، يجب أن نفكِّر فيما يمكن أن ندعوه “إعادة الإعلان” … يجب على الوعَّاظ أن يضعوا ذلك نُصبَ عيونهم؛ إذ إنَّ هدفَهم يفوق مجرَّد شرْح الكتاب المُقدَّس، مهما كانت أهميَّة هذا الهدف. فإنَّهم يريدون أن تكون المُناداةُ [شرح وتفسير] بكلمة الله حدثًا إعلانيًّا، لحظةً يكشف فيها الله عن نفسِه من جديد، وقتًا يعرف فيه شعبُ الله أنَّهم التقوا اللهَ الحيَّ.
ثانيًا، الوعظ تفسيريٌّ. ما التفسير إلَّا تحليلُ ما هو موجود في النصِّ حتَّي يسهل فهمُه. إذا كُنَّا نتوقَّع أن يكشف اللهُ عن نفسِه ثانيةً بكلماتِه الخاصَّة، فيجب أن تعكس تفسيراتُنا -بأقصى قدرٍ ممكِن من الأمانة- ما قصدَه اللهُ بالفعل عندما قال هذه الكلماتِ وأعطانا إيَّاها في الكتاب المُقدَّس.
ثالثًا، الوعظ مُناداةٌ وإعلان. نحن كسُفراءَ مُكلَّفون بمُهمَّة أن نعرِّف عن موقف مَلِكنا ونواياه؛ ليستْ لنا سلطةٌ أن نعبث بموقفه.
رابعًا، ليس الوعظ غايةً في ذاتِه. لن ينشغل الواعِظُ الأمين برأي الناس في مهاراته في الخطابة؛ إنَّما سيهتمُّ كثيرًا بهَل قد مثَّلَ السيَّدَ ورسالتَه بأمانةٍ. وهذا يتضمَّن التزامًا عميقًا بأن يجعل الكلمةَ تجرح وتشفي، تُغنَّى وتلدغ.
خامسًا، يتمُّ الوعظُ في سياقٍ. يجب أن ندرُس ظروفَ شعبِنا وثقافةَ الناس الذين نخدمهم … وحتَّى نتواصل تواصُلًا فعَّالًا يجب أن نخاطب الناسَ الذين يعيشون في الزمان والمكان حيث وضعَنا اللهُ.
فضلًا عن ذلك، فإنَّ الفصلَ بأكمله مفيدٌ جدًّا، وسوف يستفيد استفادةً جمَّة من باقي مقالات هذا الكتاب كُلُّ مَن يعظون أو يحبُّون الوعظَ.