محبة الله
إن أحد النقائص الأخرى في الإنجيل بحسب إن تي. رايت (وهو مترتب على النقص الأول الذي تحدثنا عنه في المقال السابق)، هو محبة الله. كثيرًا ما يتحدث رايت عن محبة الله، لكن لا يمكننا اكتشاف العلو الحقيقي لمحبة الله من دون إدراك عمق موت المسيح الكفاري! فيقول الرسول يوحنا:
في هذا هي المَحَبَّةُ: ليس أنَّنا نَحنُ أحبَبنا اللهَ، بل أنَّهُ هو أحَبَّنا، وأرسَلَ ابنَهُ كفّارَةً لخطايانا. (يوحَنا الأولَى 4: 10)
القيامة هي الإظهار الأعظم لقدرة الله، ولكن موت المسيح هو الإظهار الأعظم لمحبة الله. لماذا؟ لأن الصليب يظهر بقوة كيف يغفر الله. أحد الموضوعات الأساسية التي تفتقرها نظرة رايت هي كيف أن موت المسيح هو وسيلة الغفران.[1] فالله في محبته اختار أن يمتص غضبه في موت المسيح (طوعًا):
فإنَّهُ بالجَهدِ يَموتُ أحَدٌ لأجلِ بارٍّ. رُبَّما لأجلِ الصّالِحِ يَجسُرُ أحَدٌ أيضًا أنْ يَموتَ. ولكن اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لنا، لأنَّهُ ونَحنُ بَعدُ خُطاةٌ ماتَ المَسيحُ لأجلِنا. (روميَةَ 5: 7-8)
أيْ إنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا العالَمَ لنَفسِهِ، غَيرَ حاسِبٍ لهُمْ خطاياهُمْ، وواضِعًا فينا كلِمَةَ المُصالَحَةِ. (كورِنثوس الثّانيةُ 5: 19)
هذه هي الطريقة التي يتم بها الغفران، اختار امتصاص الغضب، والأذى والظلم بدلاً من إطلاقه على الطرف المذنب:
[يسوع] الّذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ برِّهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ. (روميَةَ 3: 25)
الله محب وغاضب بنفس الطريقة التي يمكن بها للوالد البشري أن يكون محبًا وغاضبًا تجاه ابنه المتمرد. في الواقع، ينبع غضب الله في الأساس من محبته. فحينما يغضب أب بشري على تمرد ابنه، فهو في الأساس يغضب لأنه يحب ابنه.
ينكر رايت صراحةً كون الآب قد عاقب ابنه معتبرًا ذلك “تبسيطًا مُفرطًا” (45). قد يكون الأمر كذلك، إذا تخيلنا بسذاجةٍ إلهًا غاضبًا استرضاه ابنه المُحب. ولكن يبقى السؤال، أين يذهب غضب الله البار عندما يغفر للخُطاة؟ يجب أن يكون الجواب أنه قد انصب على المسيح (روميَةَ 3: 25-26؛ بُطرُسَ الأولَى 2: 24). كان عَرَق المسيح كقطرات الدم في جثسيماني حين كان يُفكّر في شرب كأس غضب الله. ولهذا أظلمت الشمس من الساعة السادسة وحتى الساعة التاسعة، ولهذا صرخ “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟”، ولهذا انْشَقَّ حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل.
إرساليّة الكنيسة
كما أن عدم تركيز رايت على يوم الدينونة الأخير يحوّل التركيز عن حياة تليق بالإنجيل. فهو يعتقد أنه إذا كان “الخبر السار” يتعلّق بتأسيس الخليقة الجديدة، فعلى المؤمنين أن يُظهروا الآن علامات هذه الخليقة الجديدة. فيكتب:
وإذا حاول أي شخص أن يقول إن الخبر السار لا يتعلق بكل هذه الأشياء –تحرير العبيد، ومساعدة الفقراء، والتوفيق بين الفصائل في الحروب، والتجمعات العرقية، والأمم بأكملها، والاهتمام بالعالم المبارك الذي نعيش فيه – ولكن بدلًا من ذلك يقولون أنه يتعلق فقط بالإيمان في الحاضر والذهاب إلى السماء في المستقبل، إذًا يجب علينا أن القول أن خطأً شديدًا قد حدث في تفكيرهم. (116)
بالطبع يجب على المسيحيين رعاية الفقراء وإطعام الجياع والسعي من أجل العدالة الاجتماعية (يعقوبَ 1: 27؛ غَلاطيَّةَ 6: 10). ولكن ماذا عن يوم الدينونة الآتي؟ إذا كان أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي شخص هو أن يقف مذنبًا أمام الله في يوم الدينونة، فمن المؤكد أن الحاجة الأكثر إلحاحًا الآن هي أن نرى الناس يخلصون منه. أنا متأكد من أن رايت يؤمن بذلك. لكن لماذا لا يقول ذلك بوضوح؟ عندما كرز بولس للوثنيين في أثينا قال بوضوح:
“… فاللهُ الآنَ يأمُرُ جميعَ النّاسِ في كُلِّ مَكانٍ أنْ يتوبوا، مُتَغاضيًا عن أزمِنَةِ الجَهلِ. لأنَّهُ أقامَ يومًا هو فيهِ مُزمِعٌ أنْ يَدينَ المَسكونَةَ بالعَدلِ، برَجُلٍ قد عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا للجميعِ إيمانًا إذ أقامَهُ مِنَ الأمواتِ».” (أعمالُ الرُّسُلِ 17: 30-31)
لقد قال المسيح أنه لكون أنه “دُفِعَ إلَيَّ كُلُّ سُلطانٍ في السماءِ وعلَى الأرضِ”، فالنتيجة الواضحة هي “فاذهَبوا وتَلمِذوا جميعَ الأُمَمِ” (مَتَّى 28: 18-20). أليست هذه هي العلامة الأعظم لملكوت الله على الأرض كما في السماء؟
كتاب “الخبر السار” لإن. تي. رايت هو كتاب ثاقب البصيرة ومليء بالتحديات. ومع ذلك، هناك خلل مقلق فيما يقدمه وما يهمله. تكمن المشكلة ببساطة فيما يركّز عليه وما يهمله رايت. أعتقد أن هذا هو سبب ظهور كلمة “نعمة” مرة واحدة في كتاب مثل هذا يتحدث عن الإنجيل!
[1] Peter Bolt, “‘…With a View to the Forgiveness of Sins’: Jesus and Forgiveness in Mark’s Gospel,” The Reformed Theological Review 57, no. 2 (1998): 53–69.