إن هدفنا في كل حياتنا كأبناء لله وكمواطنين سماويين (فيلبي ٣: ٢٠) هو أن ننشغل بذاك الذي خلقنا وافتدانا وهو ملتزم بتغييرنا إلى صورته. ولله وحده الحق في ولائنا واهتمامنا. وينبغي أن تتخلّل ربوبيته أكثر فأكثر كل زاوية من زوايا حياتنا. إنه مركز وجودنا، وهدف وجودنا القريب، وهدف وجودنا البعيد. فهو موضوع إيماننا ومادة إيماننا في نفس الوقت.
عندما نتكلم عن “مجده”، فإننا نتكلم عن المجموع الكلي لكمالاته وفرادة كينونته، تلك الكلية التي تميّزه كخالق عن خليقته ومخلوقاته. (وهكذا فإن المفهوم قريب جداً من مفهوم قداسة الله). ومجده هو في معناه النهائي أو الأقصى ما لا يعطيه لآخر (إشعياء ٤٢: ٨؛ ٤٨: ١١)، على الرغم من أنه يجعل ومضات ضعيفة من مجده تنعكس في خليقته، خاصة البشر الذين يحملون صورته (تكوين ١: ٢٦؛ ١ كورنثوس ١١: ٧). ويوصف مجد الله أيضاً في الكتاب المقدس بلغة النور (إشعياء ٦٠: ١، ١٩؛ ٢ كورنثوس ٤: ٤، ٦؛ ١ تيموثاوس ٦: ١٦؛ رؤيا ٢١: ٢٣).
مع أنه لا يمكننا أن نضيف إلى مجد الله، لأنه كامل، غير أن كلمة الله تبين لنا أن العالم المخلوق (مزمور ١٩: ١؛ ٧٢: ١٩)، ومسار التاريخ (إشعياء ٦٦: ١٨)، وفوق كل شيء كنيسة يسوع المسيح (أفسس ٣: ٢١)، كلها بطريقة ما تهدف إلى أن تعكس وتظهر وحتى تعزّز مجده. وفي الواقع، هذا هو في نهاية الأمر السبب الوحيد الذي دعا ذاك الذي لا علّة لوجوده أن يخلق كل شيء آخر، (على حد تعبير جون بايبر: “معنى الكون هو أن الله يخرج للعلن من أجل مجد الله”). هذا هو الهدف النهائي لكل نَفَس نتنفَّسه، وكل شيء يسمح لنا بأن نفعله. ويجب أن يكون هذا هو دافعنا النهائي، نحن المؤمنين، في كل جهودنا وأعمالنا (“فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ” – ١ كورنثوس ١٠: ٣١). يجب أن نبقي هذا الهدف أمامنا بشكل واعٍ ونسعى إلى أن نُخضع كل أنشطتنا (الشخصية والمهنية والروحية) إلى ذلك التصميم الأساسي. وهذا هو ما يعطي هذه الأنشطة قيمة ومعنى، وتوجُّهاً وأهمية إلهيين، حتى في أكثر أنشطتنا دنيويةً.
فإن كان هذا صحيحاً على مدى الحياة كلها، فإنه ليس هناك ما هو أكثر أهمية من تبنّي هذا المنظور ونحن نقوم بعمل الكنيسة. يجب أن تخضع النظريات والأساليب والأفكار والفلسفات والأذواق والبُنى البشرية لرغبة مجموعة مهيمنة في مجد الله. وما أسرع ما ننسى من هو صاحب العمل، وصاحب الكنيسة وصاحب خدمة العبادة! ونحن نسارع إلى تكملة إعلان كلمة الله بالذكاء البشري والدراسات الديموغرافية والندوات التي تشرح كيفية وجوب قيامنا بذلك. وكم نتلهف على إيجاد وسائل إضحاك من أجل جذب الناس وجعلهم يستمرون في العودة لحضور الاجتماعات! يتوجب أن ينحصر تركيزنا في العبادة وفي كل أنشطتنا على إدراك مجد الله، وعكسنا له، وإعلانه، والاحتفال به!
وإنه لمن المشكوك فيه جداً أن ذاك الذي أعلن بكل سلطان “(سوف) أَبْني كَنِيسَتِي” (متى ١٦: ١٨) رأى الحاجة إلى مبادئ نمو الكنيسة لكي ترشده في المهمة التي كرس نفسه لها. وإنه لمن غير المحتمل بنفس القدر أيضاً أن الذي أعلن “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي” (وكانت نتيجة ذلك أن كثيرين من أتباعه ارتدّوا عنه – يوحنا ٦: ٦٥–٦٦)، يمكن أن يرى راحة زائر الكنيسة أمراً ذا أهمية قصوى.
صيغت الفلسفات اللاهوتية، وحتى تلك العميقة كتابيّاً منها، من أجل أن تساعد عقولنا المحدودة في استيعاب مدى عظمة الله غير المحدود في طرقه، وتصبح هذه الأنظمة الفكرية اللاهوتية أحياناً محصّنة ومرسّخة ويجري الدفاع عنها إلى درجة أنها قد توقَّر إلى درجة ذلك الذي تسعى إلى تكريمه. ونحن نجد راحة على أقل تقدير في نظام فلسفي لأننا شديدو الرغبة (وربما لا يكون هذا أمراً واعياً) في أن نجعل الله إلى حد ما قابلاً للتنبؤ به وللتعامل معه ولأن نظامنا الفكري (الذي نظر إليه دائماً على أنه وحده “الصحيح”) يساعدنا في أن نحس بأننا “أكثر سيطرة على الوضع” – ويا لها من حماقة! فبعد أن أمسكنا بالأسرار (على حد توهُّمنا)، فإننا لا نترك كبير مجال لله لكي يعمل ويتصرف خارج صيغنا وأنظمتنا التي وضعناها بعناية.
يُبطل الله في مجده وجلاله وقداسته وغموضه وعدم قابليته للفحص، إلى درجة غير محدودة، كل محاولات تعريفه أو احتوائه. وإنه لأسهل علينا بكثير أن نصنف ذرّات الرمل أو الكتل الثلجية الصغيرة! لقد كشف لنا الله حقائق كثيرة عميقة وبديعة عن نفسه في كلمته. وسمح لنا في عملية الفداء أن نرى قلبه. لكن لا يجب أن نفترض بوقاحة أبداً أننا سبرنا أعماق شخصه العجيب! دعونا نقبل بكل اتضاع أننا نتعامل مع أمور مقدسة تتجاوزنا؛ ودعونا نسجد أمام ذاك الذي في تنازُل غير قابل للاستيعاب دعانا لكي نكون خاصته. ودعونا نحيَا الحياة، ونَقُمْ بعمل الكنيسة، ونقترب إليه في العبادة، بإحساس عميق من الخشوع والعرفان. وليتنا في انطلاقنا البشري المحدود لا نبعد أنظارنا عن ذاك الذي ينظر من السماء بمحبة – ذاك الذي مجده فوق كل شيء.
“لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ.
مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ”. (مزمور ١٤٨: ١٣)
ليت مجده يكون كل رجائنا وكل هدفنا وكل تعزيتنا.
“لَهُ الْمَجْدُ فِي الْكَنِيسَةِ!” (أفسس ٣: ٢١)