غضب الله

التعريف

غضب الله، في تناغم تام مع صفاته الأخرى، هو الفعل المُقدَّس المتمثِّل في تطبيق العدل العقابي على الذين تستحق أفعالهم الدينونة الأبديَّة.

الموجز

رغم عدم اكتراث عصرنا العلماني هذا، والكثيرين أيضًا في الكنيسة الإنجيليَّة، لكنَّ غضب الله هو حق كتابي للغاية. فهو يؤكد استياء الله البار من الخطية، ومجازاته العادلة للخطاة غير التائبين. ستبدأ هذه المقالة بتقديم تاريخ مختصر لهذه العقيدة في أمريكا، ثم سيجري مَسحًا للعهدين القديم والجديد، من أجل تناوُل شامل لما يقوله الكتاب المُقدَّس عن غضب الله. ثم تختتم المقالة بجزء يتناول أهمية هذه العقيدة لرسالة الإنجيل، وللعقيدة عن الله، وكذلك للتلمذة المسيحيَّة.


في عصرنا العلماني هذا، يُعَد غضب الله حقًّا غريبًا علينا وغير مرغوب فيه. ومع ذلك، إن غضب الله فكرة تتغلغل عبر كل الكتاب المُقدَّس، وهي فكرة على المؤمنين أن يدرسوها حتى يعرفوا الإله الذي هو محبة، ونور، وحياة.

من جوناثان إدواردز وحتى جويل أوستين: استبعاد غضب الله من الكنيسة الأمريكية

في فترة الصحوة الكبرى، ألقى جوناثان إدواردز (Jonathan Edwards) عظة شهيرة بعنوان: “خطاة في قبضة إله غاضب”. كانت هذه العظة شرحًا نابضًا بالحياة لما جاء في تثنية 32: 35، الذي يقول: “لِيَ ٱلنَّقْمَةُ وَٱلْجَزَاءُ. فِي وَقْتٍ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ. إِنَّ يَوْمَ هَلَاكِهِمْ قَرِيبٌ وَٱلْمُهَيَّآتُ لَهُمْ مُسْرِعَةٌ”. وفي تركيز من إدواردز على الجملة الثانية من الآية (“فِي وَقْتٍ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ”)، رسم صورة للوضع المحفوف بالمخاطر الذي يوجد فيه غير المؤمنين. فالذين هم بدون المسيح متدلُّون فوق نيران الجحيم، مثلما يتدلَّى عنكبوت فوق النيران.[1] وهذا النوع من الوعظ أشعل فتيل النهضة، إذ وضع الخلاص داخل إطار غضب الله المُقدَّس.[2]

على النقيض من ذلك، استُبعِد غضب الله من الكثير (أو ربما من غالبية؟) منابر القرن العشرين. فإن رسالة ديل كارنيجي (Dale Carnegie) الإيجابية عن ربح الأصدقاء والتأثير في الآخرين حلَّت محل تحذيرات جوناثان إدواردز من الجحيم. وفي حديث ريتشارد نيبور (Richard Niebuhr) إلى الكنائس البروتستانتيَّة ورعاتها الذين حذفوا غضب الله من المشهد، قدم وصفًا شهيرًا لإنجيل الليبراليَّة البروتستانتيَّة كالتالي: “إله بلا غضب، يدخل بشرًا بلا خطية إلى ملكوت بلا دينونة، بواسطة خدمات مسيح بلا صليب”.[3]

هذه الإدانة تسلط الضوء على ما يحدث عندما تُفصَل محبة الله عن قداسته. فدون فهم واضح لبغضة الله للخطية، تصير طبيعة الله مشوَّهة، وينحني الكون للبشر، بغض النظر عن حالتهم الداخلية. فتصير المحبة تأييدًا بحتًا، ويصير الله صديقًا شخصيًّا لنا يساعدنا في كل صعوبات الحياة. فإن الخدمات التي يقدمها كل من روبرت سكالر (Robert Schuller) وجويل أوستين (Joel Osteen) عبر التلفاز، بالإضافة إلى مهارة ونشاط الحركة التي تتبع ما يطلبه المستمعون، قد تجنَّبت جميعها غضب الله. وفي المقابل، بنى هؤلاء خدماتهم على قوة التفكير الإيجابي، الأمر الذي زاد من عدم الاكتراث بهذه العقيدة الكتابيَّة.[4]

وعندما ندخل إلى القرن الحادي والعشرين، نجد أن “الفردانية” قد حولت محبة الله إلى تأييد مطلق للفرد. وحتى أولئك الذين يتبنون وجهات نظر تقليديَّة بدرجة أكبر مصابون بحالة انعدام وزن روحي، تسوق الإنجيلية الحديثة.[5] قال دافيد ويلز (David Wells) عن ذلك: “في كل المجتمعات الغربية … صارت محبة الله موضع ترحيب، وتعامَل قداسة الله بلا حفاوة”.[6] وبذلك، لم يعد غضب الله صفة إلهيَّة محببة ومقبولة اليوم. لكن مع ذلك، يظل إله الكتاب المُقدَّس كما هو، كما يقول ناحوم 1: 2،

“اَلرَّبُّ إِلَهٌ غَيُورٌ وَمُنْتَقِمٌ.

ٱلرّبُّ مُنْتَقِمٌ وَذُو سَخَطٍ.

ٱلرّبُّ مُنْتَقِمٌ مِن مُبْغِضِيهِ

وَحَافِظٌ غَضَبَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ”.

ورغم ما يوعظ به (أو بالأحرى ما لا يوعظ به) من فوق منابر العصر الحديث، الكتاب المُقدَّس مليء بمفردات وتعبيرات تصف غضب الله.

غضب الله في العهد القديم

يقول ليون موريس (Leon Morris): “ثمة ثبات واتساق في الحديث عن غضب الله في العهد القديم. فهو ليس عاطفة متقلبة، لكنه رد الفعل الصارم من الطبيعة الإلهيَّة تجاه الشر”.[7] باختصار، الغضب هو نقمة الله على كل أشكال الشر. بحسب بعض ترجمات العهد القديم، الكلمة التي تُرجِمت إلى غضب للمرة الأولى جاءت في خروج 22: 23-24، حيث حذر الله إسرائيل من إساءة معاملة الغرباء الموجودين في وسطهم.

إِنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ [إلى الغريب] فَإِنِّي إِنْ صَرَخَ إِلَيَّ أَسْمَعُ صُرَاخَهُ، فَيَحْمَى غَضَبِي وَأَقْتُلُكُمْ بِٱلسَّيْفِ، فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ، وَأَوْلَادُكُمْ يَتَامَى“.

تعبر هذه الآية عن الصرامة التي يتعامل بها الله مع الخطية. حذر الله آدم قائلًا: “لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ” (تكوين 2: 17). فقد دخل الموت إلى العالم بخطية آدم الواحدة (رومية 5: 12)، ولطالما أثارت الخطية غضب الله المُقدَّس.

وبالتالي، فمن قبل ظهور كلمة “غضب” في الكتاب المُقدَّس بزمان طويل، نرى الغضب الإلهي واضحًا في تاريخ الإنسان. فالموت هو عقوبة الله على كل خطية (رومية 5: 12-21؛ 6: 23). وكما قال موسى في المزمور 90، إن قصر عمر الإنسان هو علامة على غضب الله الحال فوق جميع البشر. وبهذا، فإن غضب الله حقيقة معروفة، ولا مفر منها في عالمنا الملعون بالخطية. فكل مقبرة هي شهادة لغضب الله، وكل جنازة هي تذكرة بأن الموت الأبدي ينتظرنا جميعًا، ما لم نلجأ إلى حامل غضب الله.

وقبل مجيء هذا الحامل لغضب الله، نجد في العهد القديم غضب الله على الخطية حقيقيًّا ومميتًا. فإن طرد آدم وحواء من جنة عدن (تكوين 3)، والطوفان العالمي (تكوين 6-9)، والقضاء على سدوم وعمورة (تكوين 19)، وهزيمة فرعون وجيشه في البحر الأحمر (خروج 14-15)، وموت ناداب وأبيهو (اللاويين 10)، هي جميعها أمثلة لغضب الله. ومع أن لاويين 10: 6 هو فقط الذي يستخدم كلمة ترجمت إلى “غضب” (وَيُسْخَطَ عَلَى كُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ”)، يظهر كل موقف من هذه المواقف غيرة الله على قداسته. فالله لا يقدر أن يطيق الخطية، وفي حين أنه قد يؤجل عدله، لكنه لن ينكر قداسته. وبالتالي، فإن الله يطلق العنان لغضبه كاملًا بواسطة تدخل إلهي مباشر، أو بواسطة أدوات ثانوية (على سبيل المثال، جيش أشور في إشعياء 10).

من الجدير بالذكر أن غضب الله لم يكن البتة متهورًا، أو منفصلًا عن صفاته الأخرى.[8] يقول خروج 34: 6-7 إن يهوه ” بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ”.[9] وطول الأناة هذه هي جانب آخر من مجد الله، وهو جانب يمتدح حكمته في أن يعلم متى يجب أن يكون طويل الأناة، ومتى يجب أن يتصرف بعدل. وفي حقيقة الأمر، إن بطء الله في الغضب يجب أن يفهم على أنه حافز على التوبة (يوئيل 2: 13)، وليس على أنه تخل منه عن عدله، وذلك لأن خروج 34: 7 يتابع قائلًا: “وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً” (راجع العدد 14: 18).

فمن سفر التكوين وحتى سفر ملاخي، نجد شهادة ثابتة ومتسقة عن غضب الله على الخطية. انطبق ذلك على كل الأمم وكل العصور. وفي حين تمهل الله على خطايا شعبه (رومية 3: 25)، ثمة شهادة ثابتة لغضب الله، تمتد إلى العهد الجديد أيضًا.

غضب الله في العهد الجديد

قال البعض إن إله العهد الجديد هو إله مُحب تمامًا، على نقيض إله العهد القديم، الذي هو إله منتقم تمامًا. لكن مثل هذا التقسيم الماركيوني للكتاب المُقدَّس لا يتماشى مع البيانات الكتابيَّة. فمنذ خدمة يوحنا المعمدان وحتى غضب الخروف في سفر الرؤيا، كان موضوع غضب الله غالبًا على العهد الجديد، بل وقد فاق دينونات العهد القديم من عدة نواحٍ.

على سبيل المثال، يقدم أعمال الرسل 10: 42-43 تذكرة صادمة بأن العهد القديم وعد بمخلِّص، وبأن العهد الجديد يحذر من الدينونة. قال بطرس: “وَأَوْصَانَا [المسيح] أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللهِ دَيَّانًا لِلْأَحْيَاءِ وَٱلْأَمْوَاتِ. لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ ٱلْأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِٱسْمِهِ غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا“. تبيِّن كلمات بطرس كيف تمم المسيح كل الوعود النبويَّة، كما تحذر من دينونة آتية (راجع رومية 2: 16).

هذا التحذير من دينونة مستقبليَّة يتغلغل عبر العهد الجديد، ويشكل خلفيةً لرسالة الخلاص. وفي حقيقة الأمر، الخلاص، بحسب المسيح والرسل، هو خلاص من غضب الله، وهو ما يعني أن الغضب ظل سمة بارزة في شهادة العهد الجديد. لنتأمل فيما يلي في ثلاث طرق تجلَّى بها ذلك.

أولًا، جاء يسوع ليخلِّص شعبه من غضب الله. حذر يوحنا المعمدان من هذا “ٱلْغَضَبِ ٱلْآتِي” (متى 3: 7؛ لوقا 3: 7) فيما كان يعد الطريق للمسيح. وبالمثل، تكلم يسوع باستمرار عن غضب الله عندما وصف حالة الجحيم – على سبيل المثال، “نَارِ جَهَنَّمَ” (متى 5: 22)، و”ٱلنَّارِ ٱلْأَبَدِيَّةِ” (متى 18: 8)، وموضع حيث “دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ” (مرقس 9: 48). وفي يوحنا 3: 36، يوضع الخلاص في الابن في تباين مباشر مع غضب الله: “ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱلِٱبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِٱلِٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللهِ“. ومن خلال كلام يسوع نفسه، نستطيع أن نرى لماذا قال بطرس إن المسيح “أَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ” بدينونة الله (أعمال الرسل 10: 42).

ثانيًا، كان بقية العهد الجديد ملتزمًا بالتساوي بالتحدث عن غضب الله. وفي حين وصف بعض العلماء غضب الله بمفردات سلبيَّة وغير شخصيَّة -فإن رجالًا مثل سي. هـ. دود (C. H. Dodd)، على سبيل المثال، يحصرون غضب الله في “تسليمه” للخطاة إلى ذهن مرفوض (انظر رومية 1: 24، 26، 28)[10] – مثل هذا المنظور المنقوص عن غضب الله يتجاهل وينكر تركيز بولس وآخرين على دينونة الله الشخصيَّة. ومن خلال الرسالة إلى رومية نفسها، أثبت جي. آي. باكر (J. I Packer) أن غضب الله هو “تصرف الله الحازم المتمثل في معاقبة الخطية”.[11]

في الوقت الحالي، يتجلى غضب الله في الكيفية التي يسلَّم بها عبدة الأوثان للخطية وفسادها (رومية 1: 18، 24، 26، 28). ثم بالارتباط بالخلاص، ينتظر غضب الله يوم الدينونة المستقبلي (2: 5، 8؛ 5: 9). ثم بعد ذلك، يدافع رومية 3: 5-6 عن بر غضب الله، وعن تبريره للفجار (رومية 3: 21-26؛ 4: 5). وبحسب رسالة الإنجيل، يسترضي الله غضبه بتدبير شخصي منه. صاغ جون ستوت (John Stott) ذلك بأسلوب رائع، قائلًا إن الصليب يتمحور حول “الترضيَّة الإلهيَّة بواسطة بدليَّة إلهيَّة”.[12]

علاوة على ذلك، يوضح رومية 4: 15 كيف يجلب كسر الناموس غضب الله. ويصف رومية 9: 23 “آنية الغضب” التي ستقاسي الهلاك الأبدي. ويحفز رومية 12: 19 على الاتكال على الله عن طريق تذكُّر نقمته وغضبه المستقبلي. بكل هذه الطرق، تعرض الرسالة إلى رومية، وهي رسالة كانت مخصصة لشرح رسالة الإنجيل، صورة كاملة عن غضب الله.

كذلك، تصف بقية رسائل بولس غضب الله باعتباره يقع في خلفية رسالته عن النعمة (على سبيل المثال، أفسس 2: 3؛ 5: 6؛ كولوسي 3: 6؛ 1تسالونيكي 1: 10). وبالمثل، تتحدث الرسالة إلى العبرانيين عن غضب الله، في مقارنتها بين عدم إيمان إسرائيل المثير للغضب، والإيمان المثابر لمؤمني العهد الجديد (انظر عبرانيين 3: 11؛ 4: 3). وعلى نحو أكثر وضوحًا وقوة، ينسب سفر الرؤيا غضب الله إلى يسوع المسيح. وبوصف هذا الغضب بأنه “غضب الخروف” (رؤيا 6: 16؛ 14: 10)، نكتشف أنه في النهاية، سيكون يسوع هو المنفذ لدينونة الله (راجع يوحنا 5: 22، 27؛ 9: 39؛ 17: 2).

وبالتالي، ففيما ننهي مسحنا للعهد الجديد، نصير في اتفاق تام مع ر. ف. ج. تاسكر (R. V. G. Tasker)، الذي استخلص الاستنتاج التالي:

هذه أقوال تُعبِّر عن الصرامة الشديدة، لكنها جزء من إعلان الله الظاهر في المسيح يسوع تمامًا مثل أقوال وأعمال السيد التي تُظهِر بوضوح شديد محبة الله ورحمته. لكن تنحية هذه الأقوال الصارمة جانبًا، والتركيز فقط على نصوص الأناجيل التي ينادى فيها بأبوة الله، هو بمثابة كرازة بمسيحيَّة واهنة، لا تفعل، بل ولا تستطيع أن تفعل، ما جاء المسيح إلى العالم ليعمله، وهو أن يخلص البشر من الغضب الآتي.[13]

التطبيق اللاهوتي والعملي لغضب الله

بهذا المسح الشامل، صرنا الآن على استعداد لتعريف ما يعنيه الغضب وما لا يعنيه. أولًا، ما لا يعنيه الغضب. فالغضب ليس فكرة وثنية نُسِبت بالخطأ إلى الله. فالكتاب المُقدَّس “لا يمت بصلة للمفاهيم الوثنية عن إله متقلب ومحب للانتقام، يوقع عقوبات تعسفيَّة واعتباطيَّة على عباده الذين يخطئون إليه، والذين يجب إذن أن يدفعوا له رشوة من خلال التقدمات الملائمة كي يصير في حالة مزاجية جيدة مرة أخرى”.[14] كذلك، الغضب الإلهي لا يشبه على الإطلاق “انفعالًا غير عقلاني”، حيث يشبه الله شخصَا غاضبًا، محمر ومكفهر الوجه. فبحسب الكتاب المُقدَّس، الغضب الإلهي هو رد الفعل الصحيح والبار من الله تجاه الخطية.

لنأتِ الآن إلى ما يعنيه الغضب. فالغضب، في تناغم تام مع كل صفات الله، هو تطبيق الله المُقدَّس لعدله العقابي على أشخاص تستحق أفعالهم الدينونة الأبديَّة. فقد خلق الله البشر ليمجدوه. لكن، لأننا تمردنا على معياره المُقدَّس، أعلن الديان الكامل للكون أنه سيسكب غضبه على الذين أخطأوا إليه، ولم يتوبوا أو يؤمنوا بابنه.

صحيح أن غضب الله ليس هو الرسالة الرئيسيَّة للإنجيل، لكن الإنجيل الكتابي لا يمكن أن يفهم دونه. فعلى الصليب، حمل الله الابن كامل عبء الدينونة الإلهيَّة، إذ تطوع –في الأزل وفي حيز الزمن– بأن يشرب كأس غضب الله حتى آخره (مزمور 75: 8). ونعلم من خلال صلواته في جثسيماني أنه لم تكن هناك وسيلة أخرى لرفع الغضب إلا موته على الصليب (متى 26: 39، 42). وهذه العقوبة تُرفَع عن جميع الذين يؤمنون بالمسيح. أما الذين يرفضون المسيح، فيمكث عليهم غضب الله (يوحنا 3: 36؛ رومية 2: 6). وفي الدينونة الأخيرة، سيفصل الله الذين حمل المسيح الغضب عنهم عن الذين سيقاسون العقوبة بأنفسهم. ولا يمكن فهم الحقائق الأبديَّة المتعلقة بالسماء والجحيم إلا من خلال فهم سليم لغضب الله.

الأكثر من ذلك أيضًا أن طبيعة الله نفسه، وطبيعة محبته الإلهيَّة، تتجليان وتَظهَران في غضبه. بتعبير آخر، إن محبة الله هي محبة طاهرة ومقدَّسة؛ وكما يدعو الله شعبه إلى أن يبغضوا الشر (مزمور 97: 10؛ 101: 3؛ عاموس 5: 15؛ رومية 12: 9)، هكذا يبغض الله الشر (مزمور 5: 4-6؛ 11: 4-7). فإن غضب الله يعظم من قداسة محبته. وفي حين أن المحبة في ثقافتنا الحديثة تجرد طوال الوقت من أي معيار أخلاقي، تعرَّف محبة الله فعليًّا بأنها بغضته للخطية، وبذله ابنه من أجل استرضاء غضبه (1يوحنا 4: 10).[15]

وبالمثل، تتجلَّى رحمة الله فقط في رفعها لغضب الله. بتعبير آخر، الرحمة الكتابيَّة هي أكثر من مجرد شفقة عامة على الفقراء والمعوزين. فدون إنكار منا للنعمة العامة، نقول عن رحمة الله، كما يعبر عنها في الإنجيل، إنها ما يحكم على الشرير بأنه بار، بواسطة ذبيحة المسيح الحاملة للغضب. عرف بولس الإنجيل بأنه “رَأْفَةِ [مراحم] ٱللهِ” (رومية 12: 1)، التي استغرق أحد عشر أصحاحًا في تقديم شرح لها (رومية 1: 18-11: 36). وثمة أهمية أن نقول إن الإنجيل هو الخبر السار الذي يحل مشكلة غضب الله.[16]

أخيرًا، غضب الله يولد الحكمة والتسبيح، عندما نفهم عدل الله ورحمته في ملئهما. في مزمور 90، وجد موسى الفهم عندما فكَّر في غضب الله. وفي سفر الرؤيا، أشار يوحنا إلى دخان دينونة الله على الأشرار. ومن اللافت للنظر أن غضب الخروف لم يتسبب في تصفيق قسري، لكنه أثار حمدًا وتسبيحًا لا نهائي داخل شعب الله. وبالتالي، دعونا نسمح للجمهور العظيم من مفديي الله أن تكون لهم الكلمة الأخيرة بشأن غضب الله البار، وأن يعلمونا أن نقبل هذه العقيدة ولا نرفضها.

“وَبَعْدَ هَذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلًا: «هَلِّلُويَا! ٱلْخَلَاصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا، لِأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ ٱلزَّانِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي أَفْسَدَتِ ٱلْأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَٱنْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا». وَقَالُوا ثَانِيَةً: «هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ»” (رؤيا 19: 1-3)


[1] يقول الاقتباس الكامل الكلمات التالية: “إن الإله الممسِك بك فوق فوهة الجحيم – كما يُمسك المرء بعنكبوت، أو بحشرة بغيضة فوق النيران – يمقُتك ويرذلك، وهو مستثارٌ ومستشيطٌ على نحو مروِّع. فإن غضبه يتَّقد كالنيران، وهو يرى أنك لا تستحق سوى أن تُطرَح في النار. فإن عينيه أطهر من أن يحتمل وقوفك أمامه، فإنك مقيتٌ ومرذولٌ في عينيه أكثر بعشرة آلاف ضعف مما نشعر به تجاه الأفاعي السامة والبغيضة”:

Jonathan Edwards, “Sinners in the Hands of an Angry God,” in The Works of Jonathan Edwards, vol. 2 (Peabody, MA: Peabody, 2000), 10.

[2] إن قراءة عظة “خطاة في قبضة إله غاضب” بانعزال عن العظات الأخرى لن تظهر هوس إدواردز بالسماء، وبجمال نعمة الله المجيدة. وفي استشهاد من جاستن تايلور (Justin Taylor) بكلمات جون جيرستنر (John Gerstner)، صوب عن حق الفكرة القائلة إن إدواردز كان لديه هوس شديد بغضب الله، قائلًا: “ما لا يعرفه غالبيتنا هو أنه في حين ‘كان إدواردز يعرف جحيمه جيدًا … كان يعرف سماءه معرفة أفضل’”:

“Introduction,” in A God Entranced Vision of All Things: The Legacy of Jonathan Edwards, ed. John Piper and Justin Taylor (Wheaton, IL: Crossway, 2004), 15.

[3] Richard Niebuhr, The Kingdom of God in America (New York: Harper & Row, 1959), 193.

[4] كل من سكالر، وأوستين، والمروجين الآخرين للتفكير الإيجابي بنوا كلامهم على كتاب نورمان فنسنت بيل (Norman Vincent Peale)، الذي صدر في عام 1956 بعنوان The Power of Positive Thinking (“قوة التفكير الإيجابي”).

[5] David F. Wells, God in the Wasteland: The Reality of Truth in a World of Fading Dreams (Grand Rapids: Eerdmans, 1994), 88–117.

[6] David F. Wells, God in the Whirlwind: How the Holy-love of God Reorients Our World (Wheaton, IL: Crossway, 2014), 121.

[7] Leon Morris, The Apostolic Preaching of the Cross, 3rd Rev. Ed. (Grand Rapids: Eerdmans, 1965), 150

[8] يجدر بنا أن نقر هنا بأننا كلما تحدثنا عن واحدة من صفات الله، نكون عرضة لوصفها بطريقة خاطئة، لأن طبيعة الله لا يمكن أن تنقسم إلى صفات مختلفة. على سبيل المثال، عندما نتحدث عن صنع “توازن” بين غضب الله ورحمته، فهذا بمثابة استخدام لغة مادية لوصف إله هو روح. فإن هذا يطبق لغة كمية على إله بسيط. فللأسف الشديد، إن تشبيهاتنا لا تعكس جيدًا كمالات الله المتنوعة والمتعددة الأوجه.

[9] بالإضافة إلى خروج 34: 6-7، انظر العدد 14: 18؛ نحميا 9: 17؛ مزمور 86: 15؛ 103: 8؛ 145: 8؛ إرميا 15: 15؛ يوئيل 2: 13؛ يونان 4: 2؛ ناحوم 1: 3.

[10] Morris, The Apostolic Preaching of the Cross, 184.

[11] J. I. Packer, Knowing God (Downers Grove, IL: InterVarsity, 1993), 154.

[12] John R. W. Stott, The Cross of Christ (Downers Grove, IL: InterVarsity, 1986), 159.

وعلى نحو أكثر تفصيلًا، يقول: “إن المحبة الإلهيَّة غلبت الغضب الإلهي عن طريق بذل الله لابنه ذبيحة. كان الصليب عملًا من العقاب والعفو، ومن الصرامة والنعمة، ومن العدل والرحمة في الآن ذاته”.

[13] R. V. G. Tasker, The Biblical Doctrine of the Wrath of God (London: Tyndale: 1957), 36. Cited by Morris, The Apostolic Preaching of the Cross, 183n1.

[14] Morris, The Apostolic Preaching of the Cross, 148

[15] للاطلاع على دراسة للعلاقة بين المحبة والغضب، انظر:

Tony Lane, “The Wrath of God as an Aspect of the Love of God,” 159–67.

[16] يعرف رومية 1: 18-3: 20 غضب الله العام بأنه المشكلة التي حلها الله باسترضائه لذاته في المسيح، وهذا الاسترضاء أو الكفارة موصوف في رومية 3: 21-26.

Cf. D. A. Carson, “Atonement in Romans 3:21–26” in The Glory of the Atonement: Biblical, Theological, and Practical Perspectives (Downers Grove, IL: InterVarsity, 2004), 119–21

شارك مع أصدقائك

أستاذ زائر للاهوت النظامي في كلية أنديانابوليس للاهوت.