لكوننا مؤمنين نحبُّ بشكل خاصٍّ القصص التي تشهد عن عمل الله وعظيم صنيعه، خاصة حين يبدو كلُّ شيء ضائعًا، نجده يفتح طريقًا.
إحدى هذه القصص تدور حول الكنيسة في إيران؛ وهي واحدة من أعظم القصص في العالم اليوم.
إنَّها قصَّة بسيطة يمكن تلخيصها في جملتين فقط: (1) بينما كانت الكنيسة الصغيرة في إيران مُهددة بالفناء من جرّاء الاضطهاد، (2) أصبحت الأسرع نموًّا في العالم، وهي تؤثِّر على المنطقة لأجل المسيح.
بهذه البساطة، فإنَّ مثل هذه القصَّة المذهلة تستحقُّ الدراسة بشكل أعمق.
النموُّ وسط الاضطهاد
أسَّست الثورة الإيرانيَّة عام 1979 نظامًا إسلاميًّا متشدِّدًا. وعلى مدى العقدين التاليين، واجه المسيحيُّون معارضة واضطهادًا متزايدًا: فتمَّ طرد جميع المُرسلين، وحُظِرَ التبشير، كما تم حظر الكتب المقدَّسة باللغة الفارسيَّة وسرعان ما أصبحت نادرة، وقُتِلَ العديد من القسوس والخدام. لقد تعرَّضت الكنيسة لضغوط هائلة. وقد خاف كثيرون من ذبول وشيك وموت قريب كانت تلك الكنيسة الصغيرة في إيران على موعد معه.
ولكن حدث العكس تمامًا. فعلى الرغم من العداء المستمرِّ منذ أواخر السبعينيَّات وحتَّى الآن، أصبح الإيرانيُّون أكثر المسلمين انفتاحًا على الإنجيل في الشرق الأوسط.
كيف حدث هذا؟ أسهم عاملان في هذا الانفتاح. أوَّلاً، تسبَّب العنف باسم الإسلام في خيبة أمل واسعة النطاق، مما دفعِ الآلاف من الإيرانيِّين إلى التشكيك في معتقداتهم. ثانيًا، استمرَّ الكثير من المسيحيِّين الإيرانيِّين في مشاركة المسلمين عن المسيح بجرأة وإخلاص، برغم خطر الاضطهاد.
وكنتيجة لذلك، أصبح عدد الإيرانيِّين المسيحيِّين في العشرين عامًا الماضية أكبر ممَّا كان عليه في القرون الثلاثة عشر السابقة مجتمعة منذ الغزو الإسلاميّ لإيران. ففي عام 1979، كان هناك ما يُقدَّر بنحو 500 مسيحيٍّ من خلفيَّة إسلاميَّة في إيران. اليوم، هناك مئات الآلاف؛ يقول البعض أكثر من مليون. وأيًا كان العدد الدقيق، يكفي أن الكثير من الإيرانيين قد حوّلوا قلوبهم نحو المسيح الرب والمُخلّص.
في الواقع، في عام 2015، صنَّفت منظمَّة البحوث الإرساليَّة “Operation World” الكنيسة في إيران على أنَّها الأسرع نموًّا في العالم. ووفقًا لنفس المنظَّمة، فإنَّ ثاني أسرع كنيسة نموًّا موجودة في أفغانستان؛ حيث يأخذ الإيرانيين على عاتقهم الكرازة للأفغان بسبب تشابه اللغة بينهما.
ثلاث شهادات حيّة
إنَّ اختبارات وشهادات الرجال والنساء الإيرانيِّين الذين أتوا إلى المسيح قويَّة.
كان “كمران” رجلاً عنيفًا يبيع المخدِّرات والأسلحة. وفي أحد الأيَّام، أعطاه أحد الأصدقاء العهد الجديد ليقرأه. وقد سلَّم كمران حياته ليسوع بعد خمسة أيَّام من بداية قراءته للعهد الجديد. وعندما رأى أصدقاؤه وعائلته حياته المتغيِّرة خلال الأشهر التالية، آمن كثيرون منهم أيضًا. بل أنه بيته أصبح الآن مكان لاجتماع الكنيسة.
كان “رضا” عالمًا مسلمًا (مُلّا)، وكان حُلم حياته أن يُصبح آية الله (قائد شيعيٌّ). وفي أحد الأيَّام، في أثناء دراسته في معهد إسلاميٍّ في إيران، وجد العهد الجديد في المكتبة، ربما وضعه أحدهم خُلسة. وبدافع الفضول، التقطه وكان مرتجفًا بشدَّة. بمرور الوقت، وقع في حبِّ يسوع. اليوم رضا يخدم في زرع الكنائس في إيران.
كانت أولى ذكريات فاطمة أنَّها تعرَّضت للاغتصاب من قِبَل أشقَّائها. وفي سنِّ الحادية عشرة، تمَّ بيعها للزواج من شابٍّ مدمن للمخدِّرات، أساء إليها ثمَّ طلَّقها عندما كانت في السابعة عشر من عمرها. وعند عودتها إلى المنزل، تعرَّضت للاغتصاب مرَّة أخرى، حتَّى قرَّرت المغادرة. وجدتها امرأة مسيحيّة وكرزت لها بالإنجيل، فآمنت بيسوع. في الوقت المناسب، تزوَّجت برجل مسيحيٍّ. وبينما كانوا يتلقَّون تدريبًا على الكرازة وزرع الكنائس، شعرت فاطمة بأنَّها مدعوَّة إلى العودة إلى المنزل والشهادة لعائلتها. تابت عائلتها كلُّها وسلَّموا حياتهم للربِّ. فكانت أوَّل كنيسة زرعتها فاطمة وزوجها في منزل طفولتها.
لقد كان لي شرف سماع كمران ورضا وفاطمة وهم يشاركون قصصهم. لقد سمعت عددًا لا يُحصى من الشهادات الأخرى التي على نفس القدر من الروعة. كلُّ قصة فيهم يمتزج فيها الألم بجمال الإنجيل. كلُّ شهادة هي تذكير قويٌّ بأنَّه على الرغم من التجارب والاضطهاد -وربَّما بسبب المعاناة- يضيء إنجيل يسوع وتنمو كنيسته.
قصَّة يكتبها الله
نحن نعيش في وقت يعاني فيه العديد من المؤمنين بسبب إيمانهم، ولا سيَّما في المجتمعات الإسلاميَّة. ومع ذلك يذكِّرنا الرسول بولس أنَّنا يجب أن نكون “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ” (رومية 12: 12). هذه هي دعوتنا.
والقصَّة التي يكتبها الله لأجل إيران تذكِّرنا بأنَّ لدينا كلَّ الأسباب التي تجعلنا نفرح ونظلُّ واثقين بربِّنا صاحب السيادة وبقوَّة إنجيله، أنه سيبني كنيسته. هذا وعده (متَّى 16: 18).
أطلب منكم أن تذكروا شعبَ وأمَّةَ إيران في صلواتكم. من فضلكم صلُّوا من أجل:
- أن يسلِّم كثير من الإيرانيِّين حياتهم للمسيح.
- أن يتحمَّل ويفرح المؤمنون الإيرانيُّون الذين يعانون في السجن بسبب خدمتهم؛ ولقد شهد كثيرون منهم أنَّهم شعروا بصلوات الكنيسة العالميَّة في أثناء سجنهم.
- المزيد من القادة المدرَّبين ليكونوا مبشِّرين، وزارعي كنائس، ورعاة لتلمذة العديد من المؤمنين الإيرانيِّين الجدد.
لقد هدَّد الاضطهاد بالقضاء على الكنيسة الصغيرة في إيران. ولكن بسبب يد الله القويَّة، تنمو كنيسته بسرعة. فلنسبِّح الربَّ!