التعريف
يُشير مُصطلح “الملائكة” إلى كائنات روحيَّة خلقها اللهُ قبل أن خُلقَ العالَم بغرض أن يعبدوه ويُنفذوا مشيئته. لقد تم إعطاء الملائكة القدرةَ على اختيار ما إذا كانوا سيتبعون مشيئة الله ويُطيعون أوامره، وتَبِعَ فصيلٌ مُعين الشيطان في تمرده على الرب. في العهد الجديد، كثيرًا ما يُشار إلى هذه الملائكة المُتمرَّدة بأنهم “شياطين” أو “أرواح نجسة.” مع ذلك، اختارَ أغلب الملائكة أن يتبعوا الله ويُطيعوا أوامره.
المُوجز
يُلخِّص هذا المقال التعاليم الرئيسة للعهد القديم والجديد بخصوص الملائكة الذين لم يتمرَّدوا مع الشيطان. يفحص المقال بعض صفات الملائكة، مُبينًا أن طبيعتهم روحيَّة، وأنهم أبرار وبلا لوم، وأنهم أقوياء ومُقتدرون، وأنهم يتمتعون بِفَيْض من الحكمة. ثُم يتحوَّل إلى النظر في بعض الأدوار التي يلعبها الملائكة في الكتاب المُقدَّس، من ضمنها تقديم العبادة لله، والخدمة كمُرسلين من الله إلى البشر، والمُساعدة في تحقيق مقاصد الله الفدائيَّة، ومساعدة وحماية شعب الله، وتنفيذ دينونة الله.
طبيعة الملائكة
الملائكة طبيعتهم روحيَّة.
إن الملائكة هم كائنات فوق طبيعيَّة وذات طبيعة روحيَّة خلقهم الله (نحميا ٩: ٦) والذين يستطيعون التحرُّك بين السماء والأرض (تكوين ٢٨: ١٢؛ قارن مع يوحنا ١: ٥١). عادة ما يكونون مُختفين عن أعين البشر، لكن يُمكنهم أن يُعلنوا عن أنفسهم سواء في هيئة لا تختلف عن هيئة البشر (تكوين ١٩: ١-٥؛ قضاة ١٣: ٣، ٦، ٨، ١٠، ١١، ١٦، ٢١؛ عبرانيين ١٣: ٢) أو في هيئتهم ككائنات سماويَّة مجيدة (متى ٢٨: ٣؛ قارن مع لوقا ٢: ٩؛ ٢ كورنثوس ١١: ١٤). مع ذلك، يختلفون عن البشر في أنهم لا يتزوجون أو يُنجبون، ولا يختبرون الموت (مرقس ١٢: ٢٥؛ لوقا ٢٠: ٣٥، ٣٦). بخصوص هذه النقطة، يُعتبر نص ٢ ملوك ٦: ١٦، ١٧ جديرًا بالملاحظة، حيث أرسل ملك آرام “جيشًا ثقيلًا” ليُحاصر المدينة حيث كان أليشع مُقيمًا، لذلك كان خادم أليشع خائفًا (٢ ملوك ٦: ١٣-١٥). ثم صلَّى أليشع في آية ١٧ قائلًا: “«يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ.”
الملائكة أبرار وبلا لوم.
يَتَّصِف الملائكة الذين رفضوا أن يتبعوا الشيطان بأنهم أبرار وبلا لوم أيضًا. يُعتبر نص ١ صموئيل ٢٩: ٨، ٩أ مُفيدًا بخصوص هذه النقطة: “فَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيشَ: «فَمَاذَا عَمِلْتُ؟ وَمَاذَا وَجَدْتَ فِي عَبْدِكَ مِنْ يَوْمِ صِرْتُ أَمَامَكَ إِلَى الْيَوْمِ حَتَّى لاَ آتِيَ وَأُحَارِبَ أَعْدَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكِ؟» فَأَجَابَ أَخِيشُ وَقَالَ لِدَاوُدَ: «عَلِمْتُ أَنَّكَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيَّ كَمَلاَكِ اللهِ.” يُشير ذلك التشبيه (صَالِحٌ كَمَلاَكِ اللهِ) بوضوح إلى أن ملائكة الله كان يُنظر إليهم باعتبارهم يمتلكون طبيعة بارة والتي أدت بشكل طبيعي إلى سلوك بلا لوم. يتوافق ذلك مع مقاطع العهد الجديد التي تُشير إلى “الملائكة القديسين” (مرقس ٨: ٣٨؛ لوقا ٩: ٢٦؛ رؤيا ١٤: ١٠).
الملائكة أقوياء ومُقتدرون.
بالتأكيد يُشير نص مزمور ١٠٣: ٢٠ بقوة إلى أن الملائكة أقوى بكثير من البشر:”بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ.” يُوصَفون أيضًا في الكتاب المُقدَّس بأنهم “رياسات وسلاطين،” وهي تعبيرات تُشير إلى القوة والقُدرة. بالإضافة إلى ذلك، في ٢ بطرس ٢: ١٠ب، ١١، يُخبر الرسولُ بطرس قُراءه بأن المُعلمين الكَذَبة “جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ” في إفراطهم في إهانة الكائنات السماويَّة، على الرغم من حقيقة أنه حتى “مَلاَئِكَة وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً” لا يفعلون ذلك. يُدرك الملائكة أن الدينونة تأتي من عند الرب.
يتمتَّع الملائكة بِفَيْض من الحكمة.
تُوحي مقاطع مُعينة من الكتاب المُقدَّس بأن الملائكة يتمتَّعون بقدرٍ من الحكمة، خصوصًا فيما يتعلَّق بتمييز الخير والشر، وهو قدرٌ أكبر مما لدى البشر. في ٢ صموئيل ١٤، حاول يوآب أن يُصلح العلاقة التي بين داود وابنه الثالث، أبشالوم. لكي يُحقق ذلك، استعان يوآب بمساعَدةَ “امرأة حكيمة” من تقوع، وأرسلها إلى داود. بعدما سردتْ قصة خيالية راجيةً أن تُحرك الملكَ فيرجع إلى ابنه المنفي، قالت لداود في آية ١٧: “لِيَكُنْ كَلاَمُ سَيِّدِي الْمَلِكِ عَزَاءً، لأَنَّهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّمَا هُوَ كَمَلاَكِ اللهِ لِفَهْمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.” يتوافق هذا الفهم مع إشارة أخرى إلى حكمة الملائكة موجودة في ٢ صموئيل ١٤: ١٧.
الأدوار التي يلعبها الملائكة في خطة الله للبشريَّة
يُقدِّم الملائكةُ العبادة لله.
يُقدِّم الملائكة العبادة لله بانتظام في السماويات، لكن في إحدى المُناسبات، أُعطي لمجموعة من الرُعاة لمحةً عن الجوقة السماويَّة للتسبيح الذي يُقدِّمه الجيش الملائكي (لوقا ٢: ١٣، ١٤). مثلما كتب لوقا، “وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».” يُحقق ذلك دعوةَ المُرنم في مزمور ١٤٨: ٢: “سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ.” إن تلك اللمحة عن العبادة الملائكيَّة ليست سوى عيَّنة أوليَّة للتسبيح المجيد الموصوف في سِفر الرؤيا. في رؤيا ٥: ١١، ١٢، وصفَ يوحنا مَشهدًا مُذهلًا: “وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ!». ثُم في رؤيا ٥: ١٣، ١٤، كتبَ يوحنا: “وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». وَكَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ تَقُولُ: «آمِينَ». وَالشُّيُوخُ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.”
يَخدم الملائكةُ كمُرسلين من الله إلى البشر.
توجد الكثير من الأمثلة على هذا الدور في العهد القديم والجديد، وهو أمر ليس مُفاجئًا نظرًا لحقيقة أن الكلمة العبريَّة التي تُترجم “ملاك”، تُشير اشتقاقيًا إلى مُرسَلٍ. بخصوص هذه النقطة، يوجد أحد المقاطع المهمة في قصة تقديم إسحاق ذبيحةً في تكوين ٢٢. بينما كان أبرام على وشك أن يذبح ابنه في طاعةٍ لأمر الله، “فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ،” ومنعه مِن قتل إسحاق (تكوين ٢٢: ١١، ١٢). بعدها في تكوين ٢٢: ١٥-١٨، كرَّرَ ملاك الرب ما قاله في تكوين ٢٢: ١٢، أي وَعْده بأن إبراهيم سيُبارك وفي نسله “يتبارك جميع أمم الأرض.”
إن الأمثلة الأخرى لقيام الملائكة بهذا الدور تتضمن: ملائكةً يحثون لوط وعائلته على الهروب من مدينة سدوم (تكوين ١٩: ١٢، ١٣)، تشجيع هاجر بخصوص ابنها (تكوين ٢١: ١٧)، إرسال موسى لإصعاد شعب إسرائيل من مصر (خروج ٣: ١-٤: ١٧)، الوعد بإرسال ملاكٍ أمامهم ليطرد سُكان أرض الموعد (خروج ٣٣: ٢)، وأَمْر النبي جاد بأن يُخبر داود بأن يبني مذبحًا للرب (١ أخبار الأيام ٢١: ١٨، ١٩).
في العهد الجديد، يقوم الملائكة بهذا الدور أيضًا. على سبيل المِثال، في متى ١: ٢٠ قيلَ ليوسف ألا يخاف أن يأخذ مريم زوجةً له. في متى ٢: ١٣، ظهر ملاكٌ ليوسف في حُلم وأخبره بأن يأخذ مريم ويسوع ويهرب إلى مصر. بعدها في متى ٢: ١٩، ٢٠، ظهر ملاكٌ ليوسف في حُلم، مُخبرًا إياه بأن يأخذ زوجته والطفل ويرجع إلى أرض إسرائيل. كذلك، في إنجيل لوقا، أُرسِل ملاكٌ إلى زكريا ليُعلن ولادة يوحنا المعمدان الآتية (لوقا ١: ١١-١٧). بعدها أُرسِل الملاك جبرائيل ليُعلن ولادة يسوع الآتية (لوقا ١: ٢٦-٣٨). بمُجرد أن وُلِد يسوع، أعلنَ ملاكٌ ولادته لمجموعة من الرُعاة الذين كان يحرسون رعيتهم بالقُرب من بيت لحم (لوقا ٢: ٨-١٢)، “وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ” ليُمجدوا الله (لوقا ٢: ١٣، ١٤). يُخبرنا أيضًا نص لوقا ٢٤: ٢٣ بأنه بعدما زارت النساء القبر ووجدنا أن جسد يسوع اختفى، رأينَ منظر ملائكةٍ “قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ.”
يُساعد الملائكة في تحقيق مقاصد الله الفدائيَّة.
كثيرًا ما يلعب الملائكة هذا الدور في العهد القديم والجديد. يتعلَّق أحد الأمثلة من قصص الآباء (تكوين ٢٤: ١-٦٧) بإيجاد زوجة لإسحاق من بلده، أي ما بين النهرين. كان إبراهيم واثقًا من النجاح بسبب إيمانه بالله وأخبر خادمه في تكوين ٢٤: ٧ (قارن مع تكوين ٢٤: ٤٠) أن الله “يُرْسِلُ مَلاَكَهُ أَمَامَكَ، فَتَأْخُذُ زَوْجَةً لابْنِي مِنْ هُنَاكَ.” عندما وصلَ خادمه إلى بلد إبراهيم، وتحديدًا إلى مدينة ناحور، صلَّى طالبًا من الله أن يُنجحه (٢٤: ١٢). بعد استخدام اختبار بسيط، كان واضحًا لخادم إبراهيم ولأعضاء عائلة رِفقة أنه “مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ خَرَجَ الأَمْرُ” (٢٤: ٥٠). بينما لا يُذكَر أكثر من ذلك عن الملاك الذي أشار إليه إبراهيم، إلا أنه آمن بوضوح أن ذلك الملاك كان مُشتركًا في إنجاح رحلة الخادم.
ذُكِر مِثال آخر في حديث استفانوس في أعمال الرسل ٧: ٣٨ (قارن مع أعمال الرسل ٧: ٥٣؛ غلاطية ٣: ١٩)، وهذه المرة يتعلَّق الأمر بإعطاء الناموس لموسى: “هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالاً حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا.” مثلما صرَّح الرسول بولس في غلاطية ٣: ١٩، “فَلِمَاذَا النَّامُوسُ؟ قَدْ زِيدَ بِسَبَبِ التَّعَدِّيَاتِ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ النَّسْلُ الَّذِي قَدْ وُعِدَ لَهُ، مُرَتَّبًا بِمَلاَئِكَةٍ فِي يَدِ وَسِيطٍ.” مما لا شك فيه أن إعطاء الناموس كان حدثًا هامًا فيما يتعلَّق بمقاصد الله الفدائيَّة، ولعب الملائكة بوضوح دورًا هامًا عند هذه المرحلة من تاريخ الخلاص.
توجد أمثلة أخرى في الكتاب المُقدَّس لأنشطة الملائكة لخدمة مقاصد الله الفدائيَّة، من بينها إرسال ملاكٍ أمام شعب الله لطرد سُكان أرض الموعد (خروج ٣٣: ٢). كذلك يُعتبر تصريح إشعياء مُهمًا، “فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ” (إشعياء ٦٣: ٩).
يوجد مِثالٌ أخير لملاك يَخدم مقاصد الله الفدائيَّة في أعمال الرسل ١٠: ٣-٨ (قارن مع أعمال الرسل ١٠: ٣٠-٣٣)، حيث تحدَّثَ ملاكٌ مع كرنيليوس في رؤيا مُخبرًا إياه بأن يُرسل رجالًا ليُحضروا بطرس من يافا. إن ذلك التدخُّل من الملاك الذي نتحدَّث عنه فتحَ الطريق أمام الأمم ليسمعوا رسالة الإنجيل ويقبلوا الروح القُدس بدون الختان أو حِفظ ناموس موسى. في النهاية، قاد كل ذلك إلى القرار المأخوذ في مجمع أورشليم في أعمال الرسل ١٥. بدون تلك الأحداث والقرار المأخوذ في المجمع، لكان انتشار رسالة الإنجيل بين الأمم قد انخفض بشكل كبير.
يُساعد ويحمي الملائكةُ شعبَ الله.
يُشار إلى ذلك الدور بوضوح في تكوين ٤٨: ١٥، ١٦عندما بَارَك إسرائيل يوسف وأبناءه، تحدَّث عن “اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هذَا الْيَوْمِ، الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرّ.” في النهاية، تصرَّف الملاك بتلك الطريقة لكي تَتم مقاصد الله في يوسف وأبنائه ومن خلالهم.
يوجد مِثال مهم آخر على هذا الدور أيضًا في العهد القديم، حيث أرسل الله ملاكًا ليُخرج شعب إسرائيل من مصر (عدد ٢٠: ١٦) وليحميهم بينما كانوا يعبرون البحر الأحمر. عند تلك النقطة، أمر اللهُ موسى أن يشُق البحر لكي يتمكَّن الشعب من العبور على أرض يابسة (خروج ١٤: ١٥-١٨)، وتَصف القصة ما حدث بعدها:
فَانْتَقَلَ مَلاَكُ اللهِ السَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ، وَانْتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ. (خروج ١٤: ١٩، ٢٠أ)
إن الهدف من التحرُّك الموصوف في الآيات ١٩، ٢٠أ واضحٌ؛ أبقى جيشَ مصر بعيدًا عن شعب إسرائيل فيكون لديهم الوقت ليعبروا البحر الأحمر، دون أن يُهاجَموا من الخلف. مع ذلك، لم ينتقل “ملاك الله” وراء شعبه فقط، بل أرسل الربُّ أيضًا “ملاكًا” أمام شعبه. وصفَ إرساليَّة الملاك لشعبه في خروج ٢٣: ٢٠ (قارن مع خروج ٣٣: ٢) كالتالي: “لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ.” مع ذلك، حذَّرهم اللهُ أيضًا موصيًا إياهم بأن يخضعوا لقيادة الملاك ويسلكوا بطاعة:
اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ اسْمِي فِيهِ. وَلكِنْ إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ، وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ. فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأُبِيدُهُمْ. (خروج ٢٣: ٢١-٢٣؛ قارن مع خروج ٣٣: ٢).
عن طريق حماية شعب الله، كان الملاك يَخدم خطة الله الفدائيَّة، وكان الشعب يُوصى بأن يتبعه لأن “اسم” الله –حضوره وبالتبعيَّة، سُلطانه– كانا حاضريْن مع الملاك.
يوجد مثالان إضافيان لهذا الدور في قصص بلعام، عندما وقف “ملاكُ الرب” في الطريق “ليُقاومه” (عدد ٢٢: ٢٢أ)، وفي عدد ٢٢: ٣٥ (قارن مع عدد ٢٢: ٣٨) عندما أُخبرَ بلعام بأن يتكلَّم “بِالْكَلاَمِ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ فَقَطْ.” تُساعد تلك الأفعال وتحمي شعب الله بالتأكيد من لعنات بلعام. يُمكن أن يُرى مِثالٌ آخر مُحدد لإرسال الله ملاكه لحماية وإنقاذ خُدامه في قصة شدرخ وميشخ وعبدنغو (دانيال ٣: ٢٨؛ ٦: ٢٢).
يُنفذ الملائكة دينونة الله.
إن طاعة أوامر الله أمر ضروري مثلما يُشدِّد نص خروج ٣٢. بعد الحادثة التي أخطأ فيها شعب إسرائيل بصُنع وعبادة العِجل الذهبي، نقرأ في خروج ٣٢: ٣٣، ٣٤:
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: “مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي. وَالآنَ اذْهَبِ اهْدِ الشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلكِنْ فِي يَوْمِ افْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ.”
على الرغم من أن الملاك كان مُستعدًا لحماية شعب الله من أعدائهم، إلا أنه لم يكُن هناك ليحميهم من عواقب خطيتهم وعدم أمانتهم للعهد. إذا أرادوا أن يختبروا البركات الموعود بها في سِفر التثنية، يحتاجون إلى اتباع إرشادات الملاك المُكلَّف بحمايتهم وقيادتهم إلى دخول أرض الموعد.
تُذكر تحرُّكات الملائكة لتنفيذ دينونة الله صراحةً كذلك في ٢ صموئيل ٢٤: ١٥، ١٦ (قارن مع ١ أخبار الأيام ٢١: ١٢)، حيث أرسلَ الربُّ وباءً على إسرائيل كعقاب على خطية داود بإحصاء رجاله المُحاربين. مع ذلك، كان قصد الله أن يُعاقبهم على خطيتهم، لا أن يُدمرهم. مثلما يقول في آية ١٦، “وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ».”
تُعتبر الأمثلة الأخرى على قيام الملائكة بهذا الدور كثيرة. يُعد نص ٢ ملوك ١٩: ٣٥ من النصوص الهامة التي تُشير إلى تنفيذ دينونة الله بواسطة الملائكة، “وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا” (قارن مع ٢ أخبار الأيام ٣٢: ٢١؛ إشعياء ٣٧: ٣٦). كذلك، في مزمور ٣٥: ٥، ٦، يُشير المرنم إلى الذين ضمن شعب الله ويسعون للقضاء على حياة داود عندما كتب: “لِيَكُونُوا مِثْلَ الْعُصَافَةِ قُدَّامَ الرِّيحِ، وَمَلاَكُ الرَّبِّ دَاحِرُهُمْ. لِيَكُنْ طَرِيقُهُمْ ظَلاَمًا وَزَلَقًا، وَمَلاَكُ الرَّبِّ طَارِدُهُمْ.” كذلك يُعتبر مزمور ٧٨: ٤٩ نصًا هامًا، والذي يُشير في سياقه إلى إطلاق الله لغضبه وسخطه على الأشرار في شعب إسرائيل، على يد “جَيْش مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ.”
تتضمَّن كل الأمثلة المذكورة أعلاه تنفيذًا للدينونة في التاريخ. ينبغي على المرء أيضًا أن ينظر إلى الدور الذي يلعبه الملائكة في الدينونة الأخرويَّة. على سبيل المِثال، في مَثل الزارع، يُوضِّح تفسيرُ يسوع في متى ١٣: ٣٩ أن “الْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ.” عند انقضاء الدهر، نقرأ في متى ١٣: ٤١: “يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ.” إن هذا “الحصاد” سيقود نحو “الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ” بالنسبة للأشرار (١٣: ٤٢)، بينما في آية ٤٣، يُقدَّم الوعد بأنه “حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ.” تتضمَّن المقاطع الأخرى المُرتبطة بذلك: متى ١٣: ٤٩ ١٦: ٢٧، ٢٤: ٣١، ٢٥: ٣-٤٦، ومرقس ٨: ٣٨، ولوقا ١٢: ٨. مع ذلك، يُعتبر أمرٌ ما واضحًا: ما يجلب الفرح للملائكة هو عندما يتوب خاطئ واحد ويؤمن بالمسيح (لوقا ١٥: ١٠)، في تجاوب مع مقاصد الله المُرسَليَّة وتمجيدًا لاسمه.