يُعد الصليب هو النقطة المركزيّة لرسالة الإنجيل. الأمر الذي أكده الرسول بولس في حديثه لكنيسة كورنثوس حين قال: “لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا.” (كورنثوس الأولى 2:2) ولكن، لكون الصليب هو محور عمل المسيح الخلاصيّ، فهذا لا يعني أن الأجزاء الأخرى من حياة المسيح —كميلاده، وحياته، وقيامته، وصعوده— هي بلا أهميّة حقيقيّة لخلاصنا.
بينما نتوقف اليوم للتأمل في ميلاد المُخلّص، لزامًا علينا أن نتذكر أنه بدون التجسد، لما كان للصليب أن يحدث أبدًا. والأكثر من ذلك، علينا أن نُذكّر أنفسنا أيضًا أن التجسد هو أكثر من مجرّد خطوة ضروريّة نحو الصليب! فالعديد من الآباء واللاهوتيين البارزين عبر تاريخ الكنيسة أظهروا في كتاباتهم كيف أن التجسد له الكثير من البركات الخلاصيّة والرعويّة. دعونا نتروى قليلًا بعيدًا عن ضجيج احتفالات الميلاد، لنتأمل فيما قاله القديسون الذين سبقونا عن أهميّة معجزة التجسد لخلاصنا.
أثناسيوس الرسوليّ (296–373)
لأنه وهو القادر على كل شيء، وبارئ كل شيء، أعد الجسد في العذراء كهيكل لها، وجعله جسده بالذات واتخذه أداه له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل. وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسدا مماثلا لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضا عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا… لكي يعيد البشر إلى عدم الفساد بعد أن عادوا إلى الفساد، ويحييهم من الموت.
كيرلس الإسكندريّ (375–444 تقريبًا)
كما قلت، لقد جاء الابن، أو بالأحرى صار إنسانًا، ليستعيد تكويننا داخل نفسه: أولًا وقبل كل شيء من خلال ولادته وحياته المقدسة، والرائعة، والمدهشة حقًا… حتى يتمكن من رسم مسار للنعمة كيما تأتي إلينا. لقد أراد أن يكون لنا هذا التجديد العقليّ والاستيعاب الروحيّ عن ذاته، كونه الابن بالحقيقة وبالطبيعة، حتى يمكننا نحن أيضًا من أن ندعو الله أبانا، وأن نُعتق من الفساد، إذ لم نعد ملكًا لأبينا الأول آدم، الذي فيه فسدنا جميعًا.
جون كالڤن (1509–1564)
كانت مهمة المسيح هي أن يُعيدنا إلى نعمة الله، لكي ما يصنع من البشر أولادًا لله؛ من ورثة الجحيم ورثة للملكوت السماويّ. من كان بإمكانه تحقيق ذلك لو لم يُصبح ابن الله نفسه ابنًا للإنسان، ولم لم يأخذ ما لنا ليعطينا ما له، ويجعل ما كان له بالطبيعة لنا بالنعمة؟ … لقد أتخذ طبيعتنا وشابهنا ابن الله وابن الإنسان بلا تردد ليعطينا ما كان له.
تشارلز هودج (1797–1878)
تُعلمنا أسفار الكتاب المُقدّس أن اللوجوس أبديّ، له حياة في ذاته، وأنه مصدر الحياة الماديّة، والفكريّة، والروحيّة. كما أنها تُعلّم أن تجسده كان شرطًا حتميًا لتوصيل الحياة الروحيّة لبني البشر. لذلك فهو المُخلّص الوحيد، ومصدر الحياة الوحيد لنا. فنشترك في هذه الحياة بالاتحاد معه.
أفكار ختامية
أدرك كل من أثناسيوس، وكيرلس، وكالڤن وهودج أن التجسد كان مقدمة حتميّة لعمل المسيح على الصليب. فلو لم يكن المسيح إلهًا كاملًا وإنسانًا كاملًا، لما استطاع سداد دين خطايانا. ولكن، بالنسبة لهم، فإن أبعاد التجسد أعمق من ذلك بكثير! فقد كان التجسّد هو اللحظة التي اخترق فيها الابن الزمن ودخل إلى عالمنا الساقط، موحدًا بين الطبيعة الإلهيّة وطبيعتنا البشريّة، لنكون أبناء الله وننال هبة الحياة. وأنه من خلال اتحادنا بالمسيح نُرفع لمقام الشركة في محبة الثالوث القدوس ونوره وحياته. فصحيح أن علينا أن نُذكّر أنفسنا بأن المعنى الحقيقيّ لميلاد المسيح هو أن المسيح وُلِدَ كإنسان حتى يتمكن من أن يموت يومًا ما بديلًا عنا على الصليب، يجل ألا ننسى أن المعنى “الآخر” للميلاد، هو أن ابن الله صار إنساًنا، حتى تكون لنا حياة كأبناء لله.