في كتابهم الأخير بعنوان “إيمان صالِح: أن تكون مسيحيًّا حين يظنُّك المجتمع أبله ومُتَعَصِّبًا“، وَثَّق ديڤيد كِنَّامان وكيب ليونز أنَّ 48% من الأمريكيِّين يؤمنون بأنَّ “الاستمتاع بالنفس أسمى أهداف الحياة”.
الأنكى أن 86% يؤمنون بأنه لتستمتع بنفسك لا بُدَّ أن “تَقصد أكثر ما تشتاق إليه نفسك”.
و81% يؤكِّدون مقولة: “لتجد ذاتك، ابحث داخلك”.
ففي يومنا هذا، قد حُرِّفَت إجابة دليل أسئلة وستمنستر وأجوبته حول “غاية الإنسان العُظمى” والتي أضحت أن “يُمجّد الإنسان نفسه، ويتمتُّع بذاته إلى الأبد”. قد يتجرَّأ المرء ليقول إنَّ عبادة الذات أسرع أديان العالم نموًّا. إنَّها، تحديدًا، أقدم أديان العالم (اقرأ تكوين 3 مثلًا). الأدهى، إنَّ هذه الديانة تقبع وراء عديد من أكثر المسائل الاجتماعيَّة والسياسيَّة إثارة للجدال وتأجيجًا للمشاعر في حاضرنا.
ستُّ وصايا
فيما يلي الوصايا المقدَّسة لهذه الديانة القديمة والرائجة الآن:
- عقلك مصدر الحقِّ ومعياره، فلا يهمُّ أيُّ شيء، ثق بنفسك فحسب. #الجواب_بداخله
- عواطفك صاحبة سُلطان، فلا تشكِّك (ولا تدع أيَّ شخص آخر) بمشاعرك. #اتبع_قلبك
- أنت صاحب السيادة، فاستعرض قوَّتك وطَوِّع الكون لأحلامك وأهوائك. #عِش_حقَّك
- أنت الأسمى، فتصرَّف دومًا وفق غايتك العُظمى، لتمجِّد نفسك وتستمتع بذاتك إلى الأبد. #أنت_تعيش_مرَّة_واحدة
- أنت معيار الصلاح والخير، فلا تدع أيَّ كائن يُخضِعَك للفكر القديم بأنَّك خاطئ يحتاج إلى النعمة. #لا_تتغيَّر_أبدًا
- أنت الخالق، فاستخدم هذه القوَّة الخلاَّقة غير المحدودة لتخلق هويَّتك وهدفك. #أصالتك
ما المشكلة؟
توجد مشكلة مع ديانة عبادة الذات هذه بالإضافة إلى المشكلة الجليَّة التي تتمثَّل في التمرُّد على الله. فحين نحاول أن نصير مصدر الحقِّ لذواتنا، فنحن على أولى درجات دَرَك الجنون؛ وحين نحاول أن نصير مصادر اكتفائنا، فنحن خِرَق بالية؛ وحين نصير مقياس الصلاح والعدل لذواتنا، فنحن متبرِّرون ذاتيُّون بغضاء؛ وحين نسعى خلف المجد الذاتيِّ، فنصير في خزي أبشع.
لماذا؟ الأمر بسيط. نحن لسنا الله. فنحن لم نُعَيَّن قط لنثق بأنفسنا أو نُعرَف من أنفسنا أو نكتفي بأنفسنا أو نُؤسَر ونُؤْثَر بأنفسنا. لقد خُلقنا لتبجيل كائن أزليٍّ أكثر إمتاعًا وجمالاً من ذواتنا وأنفسنا. فنحن نصير أنفسنا حقًّا وبحرِّيَّة في حالة تبجيل نسيان الذات. وكما قال ألبِرت أينشتاين: “يبدأ المرء عيش الحياة حين يعيش خارج ذاته”.
فكلَّما انغمسنا في أنفسنا، قلَّ اختبارنا للمهابة؛ وكلَّما قلَّ اختبارنا للمهابة، يقلُّ اكتمال كينونتنا وحرِّيَّتها.
أكثر من 35 ألف إنسان يصعدون، في رحلة خطيرة ومتعبة، قمَّة إفرست في نيبال، وأربعة ملايين ونصف إلى جراند كانيون، وثلاثة ملايين ونصف إلى منتزه يوسيميتي، وثلاثين مليونًا إلى شلاَّلات نياجرا. فمن أعماقنا نحن نتوق إلى المهابة والرهبة. لقد خُلقنا لنختبرها، والعلم بدأ يُدرِك، ببطء، هذا الحقَّ الكتابيَّ القديم.
إنَّ العالم بول بِفّ من جامعة كاليفورنيا، في إرڤِن، قد سَكَّ مصطلح “الذات الصغيرة” ليصف هذه الظاهرة. فبعد أن عَرَّض الخاضعين لتجربته لعديد من “موضحات الرهبة”، أفاد بِفّ قائلاً: “عثرنا على أصناف المؤثِّرات عينها؛ فقد شعر الناس بأنَّهم أصغر وأقلُّ أهمِّيَّة لأنفسهم وتصرَّفوا اجتماعيًّا على نحو أكثر إيجابيَّة”. فمن صعقوا بالرهبة والهيبة كانوا أكثر سخاءً وأكثر انتباهًا لاحتياجات الآخرين وأكثر اهتمامًا بالعالم الطبيعيِّ.
وقد اكتشف العالم السلوكيُّ بجامعة أريزونا لاني شيوتا أنَّ الرهبة والهيبة لا يُزيدان من نسبة اتِّخاذ قرار السخاء فحسب، لكنَّهما أيضًا يحسِّنان بقوَّة من إدراكنا. فالرهبة والهيبة يخفِّفان من قوَّة تأثير الجدالات السلبيَّة واستجابة أقوى للإيجابيِّ منها. ثمة جبال من الأوراق البحثيَّة أعدَّها علماء نفس تربط اختبار الرهبة مع انخفاض قدر لا يُستهان به من قوَّة الاكتئاب.
أتريد أن تكون سعيدًا وتحيا الحياة بملئها؟ فالعلم واضح. فلنترك أنفسنا لتُصعق برهبة شيء، أو أفضل بشخص، سرمديٍّ أعظم مِنَّا. إذا كنَّا سنحظى بتأثير مُضادٍّ ثقافيٍّ دائم في أيِّ مجتمع سقط بين براثن مِلَّة عبادة الذات، فدعونا نُعيد تمركز حياتنا حول “إِلَهٌ مَهُوبٌ جِدًّا فِي مُؤَامَرَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ، وَمَخُوفٌ عِنْدَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ” (مزمور 89: 7).