راعوث ١
١حَدَثَ فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ صَارَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِيَتَغَرَّبَ فِي بِلاَدِ مُوآبَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ. ٢وَاسْمُ الرَّجُلِ أَلِيمَالِكُ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ نُعْمِي، وَاسْمَا ابْنَيْهِ مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ، أَفْرَاتِيُّونَ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا. فَأَتَوْا إِلَى بِلاَدِ مُوآبَ وَكَانُوا هُنَاكَ. ٣وَمَاتَ أَلِيمَالِكُ رَجُلُ نُعْمِي، وَبَقِيَتْ هِيَ وَابْنَاهَا. ٤فَأَخَذَا لَهُمَا امْرَأَتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ، اسْمُ إِحْدَاهُمَا عُرْفَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى رَاعُوثُ. وَأَقَامَا هُنَاكَ نَحْوَ عَشَرِ سِنِينٍ. ٥ثُمَّ مَاتَا كِلاَهُمَا مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ، فَتُرِكَتِ الْمَرْأَةُ مِنِ ابْنَيْهَا وَمِنْ رَجُلِهَا.
٦فَقَامَتْ هِيَ وَكَنَّتَاهَا وَرَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ، لأَنَّهَا سَمِعَتْ فِي بِلاَدِ مُوآبَ أَنَّ الرَّبَّ قَدِ افْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزًا. ٧وَخَرَجَتْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَكَنَّتَاهَا مَعَهَا، وَسِرْنَ فِي الطَّرِيقِ لِلرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا. ٨فَقَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتَيْهَا: «اذْهَبَا ارْجِعَا كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى بَيْتِ أُمِّهَا. وَلْيَصْنَعِ الرَّبُّ مَعَكُمَا إِحْسَانًا كَمَا صَنَعْتُمَا بِالْمَوْتَى وَبِي. ٩وَلْيُعْطِكُمَا الرَّبُّ أَنْ تَجِدَا رَاحَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتِ رَجُلِهَا». فَقَبَّلَتْهُمَا، وَرَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ وَبَكَيْنَ. ١٠فَقَالَتَا لَهَا: «إِنَّنَا نَرْجعُ مَعَكِ إِلَى شَعْبِكِ». ١١فَقَالَتْ نُعْمِي: «ارْجِعَا يَا بِنْتَيَّ. لِمَاذَا تَذْهَبَانِ مَعِي؟ هَلْ فِي أَحْشَائِي بَنُونَ بَعْدُ حَتَّى يَكُونُوا لَكُمَا رِجَالاً؟ ١٢اِرْجِعَا يَا بِنْتَيَّ وَاذْهَبَا لأَنِّي قَدْ شِخْتُ عَنْ أَنْ أَكُونَ لِرَجُل. وَإِنْ قُلْتُ لِي رَجَاءٌ أَيْضًا بِأَنِّي أَصِيرُ هذِهِ اللَّيْلَةَ لِرَجُل وَأَلِدُ بَنِينَ أَيْضًا، ١٣هَلْ تَصْبِرَانِ لَهُمْ حَتَّى يَكْبُرُوا؟ هَلْ تَنْحَجِزَانِ مِنْ أَجْلِهِمْ عَنْ أَنْ تَكُونَا لِرَجُل؟ لاَ يَا بِنْتَيَّ. فَإِنِّي مَغْمُومَةٌ جِدًّا مِنْ أَجْلِكُمَا لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ». ١٤ثُمَّ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ وَبَكَيْنَ أَيْضًا. فَقَبَّلَتْ عُرْفَةُ حَمَاتَهَا، وَأَمَّا رَاعُوثُ فَلَصِقَتْ بِهَا. ١٥فَقَالَتْ: «هُوَذَا قَدْ رَجَعَتْ سِلْفَتُكِ إِلَى شَعْبِهَا وَآلِهَتِهَا. اِرْجِعِي أَنْتِ وَرَاءَ سِلْفَتِكِ». ١٦فَقَالَتْ رَاعُوثُ: «لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. ١٧حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ». ١٨فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا مُشَدِّدَةٌ عَلَى الذَّهَابِ مَعَهَا، كَفَّتْ عَنِ الْكَلاَمِ إِلَيْهَا. ١٩فَذَهَبَتَا كِلْتَاهُمَا حَتَّى دَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ. وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا بَيْتَ لَحْمٍ أَنَّ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا تَحَرَّكَتْ بِسَبَبِهِمَا، وَقَالُوا: «أَهذِهِ نُعْمِي؟» ٢٠فَقَالَتْ لَهُمْ: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا. ٢١إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِي، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟» ٢٢فَرَجَعَتْ نُعْمِي وَرَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ كَنَّتُهَا مَعَهَا، الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ، وَدَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ.
إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها أن تجعل من شهر الحصاد وجمع الحنطة، شهر معرفة وتجديد لنفسك لا يُنسى ابدا هو أن تقرأ قصة راعوث الجميلة مرة واحدة كل أسبوع، إنها قصة تبين كيف أن “الله يتحرك بطريقة غامضة، لصنع عجائبه”. إنها قصة للناس الذين يتساءلون أين هو الله عندما لا يكون هناك أي أحلام أو رؤى أو أنبياء. إنها قصة الذين يتساءلون أين الله عندما تهاجم مآسي الحياة إيمانهم. إنها قصة الناس الذين يتساءلون ما إذا كانت حياة الأستقامة في الأوقات الصعبة لها قيمة. وإنها قصة للناس الذين لا يمكنهم تصوّر أن أي شيء يمكن أن يأتي على الإطلاق من حياة إيمانهم العاديّة. إن سفر راعوث هو سفر منعش ومشجع لجميعنا.
عمل الله في أحلك الأوقات:
تدور أحداث قصة راعوث، حسب راعوث ١: ١ حوالي ( ١٥٠٠ – ١١٠٠ قبل الميلاد)، في زمن القضاة في العهد القديم. كانت هذه فترة ٤٠٠ سنة بعد أن دخلت إسرائيل إلى أرض الموعد بقيادة يشوع وقبل وجود أي ملوك في إسرائيل. يأتي سفر القضاة قبل راعوث في كتبنا المقدّسة ويمكنك أن ترى من آيته الأخيرة أي نوع من الحقبة كانت. يقول قضاة ٢١: ٢٥ “فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ.” بالحقيقة كان وقتا مظلما جدا في إسرائيل. كان الشعب يخطئ، فيرسل الله أعداءً عليهم، فيصرخ الشعب طلبا للمساعدة، ويقيم الله برحمته قاضٍ لكي يخلصهم. مرة تلو الأخرى نقرأ عن تمرّد شعب اسرائيل، وبحسب كل المظاهر الخارجيّة كانت مقاصد الله للبر والمجد في إسرائيل تبدو تفشل. ان ما يقدمه سفر راعوث لنا هو إعطائنا لمحة عن العمل الخفي لله خلال أسوأ الأوقات.
انظر إلى الآية الأخيرة من سفر راعوث (٤: ٢٢). الطفل الذي ولد لراعوث وبوعز خلال فترة القضاة هو عوبيد. وأصبح عوبيد والد يسّى، ويسّى أصبح والد داود الذي قاد إسرائيل الى أكبر آفاقها من المجد. إحدى الرسائل الرئيسيّة لهذا السفر الصغير هو أن الله يعمل في أسوأ الأوقات. حتى من خلال خطايا شعبه يستطيع أن يوجّه الأمور لمجدهم. وإذا كان هذا صحيحا على المستوى القومي. فسوف نرى أنه كان صحيحا على المستوى الشخصي والأسري أيضا، فالله يعمل في أسوأ الأوقات. وخاصة عندما تظن بأن الله هو أبعد ما يكون عنك، أو تظن انه قد تحول ضدك، ولكن الحقيقة هي أنه يضع أحجار أساس متينة لمزيد من السعادة في حياتك.
دعونا معا نرى كيف يعلمنا كاتب هذا السفر الغير معروف بوحي من الروح القدس.
إضافة الحزن إلى المجاعة:
تصف الآيات ١-٥ بؤس نعمي. أولا (١: ١)، كانت هناك مجاعة في يهوذا حيث كانت تعيش نعمي وأليمالك زوجها وأبنائها محلون وكليون. كانت نعمي تعرف جيدا من وراء المجاعات. إنه الله. يقول لاويين ٢٦: ٣-٤
“إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا.”
فعندما يتم حجب الأمطار، إنها يد الله الصعبة.
ثم، هناك القرار بالاغتراب في موآب، وهي أرض وثنيّة بها آلهة غريبة (١: ١٥؛ قضاة ١٠: ٦). وكان ذلك كاللعب بالنار. فقد دعا الله شعبه أن ينعزل عن الأراضي المحيطة بهم. حتى عندما مات زوج نعمي (١: ١٣)، فماذا يمكن أن تشعر إلا أن دينونة الله قد تبعتها وأضافت حزنا للمجاعة؟
ثم نقرأ في (راعوث ١: ٤)، أخَذَا أبناها لَهُمَا امْرَأَتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ، اسْمُ إِحْدَاهُمَا عُرْفَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى رَاعُوثُ. ومرة أخرى جاءت عليها يد الله. تلخص الآية ٥ مأساة نعمي بعد عشر سنوات من زيجات بلا اولاد: “ثُمَّ مَاتَا كِلاَهُمَا مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ، فَتُرِكَتِ الْمَرْأَةُ مِنِ ابْنَيْهَا وَمِنْ رَجُلِهَا.” والخلاصة مجاعة، واغتراب الى موآب الوثنية، ووفاة زوجها، وزواج أبنائها من زوجات أجنبيات، ووفاة أبنائها، ضربة بعد ضربة، ومأساة على مأساة. ماذا تبّقّى؟
محاولات نعمي لإرجاع راعوث وعرفة:
في الآية ٦ يخبرنا كاتب السفر بأن نعمي سمعت “الرَّبَّ قَدِ افْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزًا.” لذا قررت العودة إلى يهوذا. ذهبت كَنَّتّاهَا، راعوث وعرفة، معها إلى منتصف الطريق، على ما يبدو، ولكن بعد ذلك في الآيات ٨-١٣ حاولت إقناع كنتيّها بالعودة إلى بيوتهم. لماذا يخصص الكاتب مساحة كبيرة جدا لجهد نعمي في اقناع راعوث وعرفة بالعوة مرة أخرى؟ أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب.
تعاسة نعمي:
أولا، يؤكد المشهد على بؤس نعمي. على سبيل المثال، الآيات ١١-١٢ “فَقَالَتْ نُعْمِي: «ارْجِعَا يَا بِنْتَيَّ. لِمَاذَا تَذْهَبَانِ مَعِي؟ هَلْ فِي أَحْشَائِي بَنُونَ بَعْدُ حَتَّى يَكُونُوا لَكُمَا رِجَالاً؟ اِرْجِعَا يَا بِنْتَيَّ وَاذْهَبَا لأَنِّي قَدْ شِخْتُ عَنْ أَنْ أَكُونَ لِرَجُل.” وبعبارة أخرى، ليس لدي نعمي ما تقدمه لهم. حالتها أسوأ من حالتهم. اذا حاولوا أن يكون أوفياء لها ولاسم أزواجهم، فلن يجدوا شيئا سوى الألم. لذا فهي تلخص في نهاية الآية ١٣ “لاَ يَا بِنْتَيَّ. فَإِنِّي مَغْمُومَةٌ جِدًّا مِنْ أَجْلِكُمَا لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ.” لا تأتوا معي، لأن الله ضدي. قد تكون حياتكم مرا مثل حياتي.
عادة إسرائيليّة:
والسبب الثاني للآيات ٨-١٣ هو أنها تجهزنا لعادة في إسرائيل والتي ستعكس كل شيء لنعمي في الأصحاحت التالية. كانت العادة هي أنه اذا مات الزوج إليهودي، كان لازما على الأخ أو القريب الأقرب أن يتزوج من الأرملة ويواصل اسم الأخ. انظر(تثنية ٢٥: ٥-١٠). تشير نعمي إلى هذه العادة (في الآية ١١) عندما تقول أنه لا يوجد لديها أبناء كي يتزوجوا راعوث وعرفة. فهي تعتقد أنه لا أمل لراعوث وعرفة أن يظلوا مرتبطين باسم العائلة. هي لا تذكر، من الواضح، أن هناك قريب آخر اسمه بوعز قد يؤدي مهمة الأخ.
يوجد درس هنا يمكن ان نتعلمه. عندما نقرر أن الله ضدنا، عادة نبالغ في يأسنا. نمتلء بالمرارة بحيث لا يمكن رؤية أشعة النور المضيئة حول الغيوم. ولكن لنتذكر ونومن بإن الله هو من أوقف المجاعة وفتح الطريق أمام العودة (١: ٦).وأنه هو الذي أبقى على الوليّ لاستمرار نسل نعمي (٢: ٢٠). وإن الله هو الذي قيّد راعوث كي تبقى مع نعمي. لكن نعمي كانت مُرّة جدا بعناية الله القاسية لدرجة أنها لم تستطع رؤية رحمته تعمل في حياتها.
إخلاص راعوث:
والسبب الثالث للآيات ٨-١٣ هو جعل إخلاص راعوث لنعمي يظهر مدهشا. تقول الآية ١٤ إن عرفة قبّلّت نعمي قبلة الوداع ولكن راعوث التصقت بها. وحتى الالتماس الآخر في الآية ١٥ لم يجعل راعوث تغادر. والأمر أكثر دهشة بعد وصف نعمي القاتم لمستقبلهم معها. ظلت راعوث معها بالرغم من المستقبل الذي يبدو بلا رجاء من الترمّل وعدم الإنجاب. رسمت نعمي المستقبل سوادا، وأخذت راعوث بيدها ومشت فيه معها.
كلمات راعوث المذهلة موجودة في ١: ١٦-١٧،
“لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ”
امرأة الله المثاليّة:
كلما تأملت في هذه الكلمات كلما أصبحت مدهشة. التزام راعوث بحماتها المحرومة هو ببساطة أمر مذهل. أولا، هذا يعني ترك عشيرتها وبلدها. ثانيا، يعني حياة الترمّل وعدم الإنجاب، وذلك لأن نعمي ليس لديها رجلا لتقدمه لها، وإذا تزوجت من غير قريب، فإن تعهّدها لعائلة نعمي من شأنه أن يضيع. ثالثا، يعني الذهاب الى أرض مجهولة مع أشخاص جدد وعادات جديدة ولغة جديدة. رابعا، كان التزاما جذرياً أكثر من الزواج: “حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ” (الآية ـ١٧). وبعبارة أخرى، فإنها لن تعود أبدا إلى بيتها، حتى إن ماتت حماتها نعمي.
ولكن التعهد المدهش الأكثر من ذلك كله هو هذا: “إِلهُكِ إِلهِي” (الآية ١٦). لنتذكر ان نعومي قالت للتو في الآية ١٣، “يَدَ الرَّبِّ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ.” كانت تجربة نعمي مع الله مُرّة. ولكن على الرغم من ذلك، تركت راعوث تراثها الدينيّ وجعلت الله إله إسرائيل إلها لها. لانستيع ان نؤكد ، ولكن ربما كانت قد أخذت على نفسها هذا التعهّد أعواما من قبل، فمن الممكن ان زوجها كان قد تكلم معها عن محبة الله العظيمة لإسرائيل، وقوته في البحر الأحمر وهدفه المجيد للسلام والبر. بطريقة أو بأخرى، وضعت راعوث ثقتها في إله نعمي على الرغم من تجارب نعمي المريرة.
لدينا هنا صورة لامرأة الله المثاليّة. الإيمان بالله يرى ما وراء الانتكاسات المريرة الحالية. الحرية من السندات الماليّة وسائل الراحة في العالم. الشجاعة للمغامرة في المجهول والغريب. التزام جذري في العلاقات المعيّنة من قبل الله. يا ليت كنيستنا-(كنيسة بيت لحم) تلد هذا النوع من النساء!
لاهوت نعمي: صحيح وخطأ:
فعادت راعوث ونعمي معا إلى بيت لحم يهوذا (الآية ١٩). لكنها اجابت في الآية ٢٠،
لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ (أي، لطيفة أو محبوبة) بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ (أي مرارة)، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا. إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِي، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي (أي شهد ضدي) وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي.
ما رأيك في لاهوت نعمي؟ أود أن استخدم لاهوت نعمي في أي يوم من الأيام ضد وجهات النظر العاطفيّة عن الله التي تهيمن على المجلات والكتب الإنجيليّة اليوم. فنعمي غير مهتزة ومتأكدة من ثلاثة أشياء: الله موجود. الله ذات سيادة مطلقة. والله قد أذلّها. المشكلة مع نعمي هي أنها قد نسيت قصة يوسف الذي ذهب أيضا إلى بلد أجنبي. وقد بيع كعبد. واُحيط بزانية، ووُضع في السجن. كان لديه يدعو الى القول، مع نعمي “الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي.” ولكن احتفظ بإيمانه وحوّل الله كل شيء لخيره الخاص ولأجل خير إسرائيل القومي. الدرس الرئيسي في تكوين ٥٠: ٢٠ هو هذا : “أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا [قال يوسف لإخوته]، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا.” نعمي على حق في إيمانها بالله ذو السيادة والقدرة الذي يحكم شؤون الأمم والشعوب ويعطي كل يوم نصيبها من الألم واللذة. لكنها تحتاج أن تفتح عينيها على علامات أهدافه الرحيمة.
إنه الله الذي أزال المجاعة، وفتح الطريق للعودة للبلد. لاحِظ اللمسة الرقيقة للرجاء في نهاية الآية ٢٢. “وَدَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ.” اه لو رأت نعمي ما سوف يعنيه هذا. ليس ذلك فحسب، بل تحتاج نعمي أن تفتح عينيها لترى راعوث. فيا لها من هدية! ويا لها من بركة! فحتى الآن وعندما وقفت ،مع راعوث أمام شعب بيت لحم، قالت نعمي في الآية ٢١ “أَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً.”هل ذلك صحيح يا نعمي؟! اعتقد انك مرهقة بليل الشدة يانعمي ولا تقدرين ان تري فجر الابتهاج. ماذا يمكنها أن تقول لو أنها رأت أنه في راعوث ستكسب رجلا-طفلا، وهذا الرجل-الطفل سيكون جد أعظم ملك لإسرائيل، وأن ملك إسرائيل هذا، سيكون ظلا لملك الملوك، يسوع المسيح، رب الكون؟ اعتقد أنها كانت ستقول،
لا تحكم على الرب بشعور ضعيف، ولكن ثق في نعمته، فخلف مايبدو انها عناية متجهمة، .يخفي وجها مبتسمًا
اسمحوا لي أن أختم بتلخيص ماتقدم في اربعة دروس .
١. حكم الله سياديّ:
الله القدير يسود على جميع شؤون البشر. هو يسود على الشعوب (دانيال ٢: ٢١) والقبائل والعوائل. وسيادته تمتد على كل شيئ في حياتك. دعونا نكون مثل نساء الإيمان في العهد القديم. فقد يشكون في أي شيء، لكنهم لا يشكون أبدا أن الله كان حاضرا في كل جزء من حياتهم ولا يوجد من يمنع يده (دانيال ٤: ٣٥). هو يعطي المطر ويمنع المطر. هو يعطي الحياة ويأخذ الحياة. به نحيا ونتحرك ونوجد. لانستطيع ان نفهم بشكل صحيح ادق واكبر الاشياء في الحياة الا من خلال علاقتها مع الله. فهو الواقع، كلي الشمول، يتخلل كل جزئيات الحياة. كانت نعمي على حق ويجب علينا أن ننضم لها في هذه القناعة. الله القدير يسود على جميع شؤون البشر.
٢. عناية الله الغامضة:
تكون العناية الإلهيّة صعبة للغاية في بعض الأحيان. فالله أمرّ نُعمي، في المدى القصير على الأقل، وهي شعرت ان حياتها اصبحت مرارة. لعل أحدهم يقول: كل ذلك كان بسبب خطية الذهاب الى موآب والزواج من زوجات أجنبيات. ربما ذلك صحيح. ولكن ليس بالضرورة. يقول مزمور ٣٤: ١٩ “كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ.” لم يَعِد الله، لا في العهد القديم ولا في العهد الجديد بأن المؤمنين سيفلتون من بلايا هذه الحياة. ولكن لنفترض أن مصيبة نعمي كانت بسبب عصيانها. هذا يجعل القصة مُشجعة بشكل مضاعف لأنها تبين أن الله على استعداد وقادر على تحويل أحكامه إلى أفراح في حياة الانسان. وحتى لو أن راعوث قد انضمت للأسرة من خلال خطية، فمن المدهش جدا أنها أصبحت جدة داود الملك وجدة يسوع المسيح. لا تظن أبدا أن خطية ماضيك تعني أنه لا يوجد أي رجاء لمستقبلك.
٣. مقاصد الله الصالحة:
هذا يقودنا إلى الدرس الثالث. ليس فقط يسود الله على جميع شؤون البشر، وليس فقط عنايته الإلهيّة في بعض الأحيان تكون صعبة، ولكن في جميع أعماله تكون مقاصده من أجل خير وسعادة شعبه. من كان يتصور أنه في أسوأ الأوقات، في أيام القضاة، كان الله يتحرك بهدوء في مآسي عائلة واحدة كي يمهّد الطريق لأعظم ملك في إسرائيل؟ ولكن ليس هذا فقط، بل كان يعمل لملء نعمي وراعوث وبوعز وأصدقائهم بفرح عظيم. إذا جاء عليك أي أمر هذا الصيف جعل مستقبلك يبدو بلا أمل، تعلّم من راعوث أن الله الآن يعمل الآن لأجلك ليعطيك آخرة ورجاء. ثق به؛ انتظر بصبر. فالغيوم المتجهمة كبيرة وغنية بالرحمة، وسوف تأتي بالبركة على رأسك.
٤. حريّة مثل التي لراعوث:
أخيرا، نتعلم أنه إن وضعت ثقتك في صلاح وسيادة ورحمة الله أن تتبعك كل أيام حياتك، فستصبح حرا مثل راعوث. فلو دعاك الله، سيمكنك أن تترك أهلك، وعملك، ومدينتك، وسيمكنك أن تتعهد بالتزامات جذريّة جديدة. أو يمكنك أن تجد الحريّة والشجاعة والقوة أن تحفظ التزاما قد قمت به بالفعل. عندما تؤمن بسيادة الله، وأنه يحب أن يعمل بقوة في حياة أولئك الذين يثقون به، سيعطيك ذلك حريّة وفرحا لا يمكن أن يهتزا في الأوقات الصعبة. يعطينا سفر راعوث لمحة عن العمل الخفيّ لله خلال أسوأ الأوقات. فمثل جميع أسفار الكتاب المقدس الأخرى، وكما يقول بولس (رومية ١٥: ٤، ١٣)، كُتب سفر راعوث لكي نزداد في الرجاء
ملاحظة: لقراءة بقية احداث سفر راعوث الرائع، راجع مقالاتنا، راعوث ٢، ٣، ٤ بالضغط على هنا