راعوث ٣
١وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَابِنْتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ ٢فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا، الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ. ٣فَاغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إلى الْبَيْدَرِ، وَلكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. ٤وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي يَضْطَجعُ فِيهِ، وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي، وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ». ٥فَقَالَتْ لَهَا: «كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ».
٦فَنَزَلَتْ إلى الْبَيْدَرِ وَعَمِلَتْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَتْهَا بِهِ حَمَاتُهَا. ٧فَأَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ لِيَضْطَجعَ فِي طَرَفِ الْعَرَمَةِ. فَدَخَلَتْ سِرًّا وَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجَعَتْ. ٨وَكَانَ عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّجُلَ اضْطَرَبَ، وَالْتَفَتَ وَإِذَا بِامْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. ٩فَقَالَ: «مَنْ أَنْتِ؟» فَقَالَتْ: «أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ». ١٠فَقَالَ: «إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَابِنْتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَسْعَيْ وَرَاءَ الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. ١١وَالآنَ يَابِنْتِي لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ، لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ. ١٢وَالآنَ صَحِيحٌ أَنِّي وَلِيٌّ، وَلكِنْ يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنِّي. ١٣بِيتِي اللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ فِي الصَّبَاحِ أَنَّهُ إِنْ قَضَى لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَحَسَنًا. لِيَقْضِ. وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقْضِيَ لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ، فَأَنَا أَقْضِي لَكِ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ. اِضْطَجِعِي إلى الصَّبَاحِ».
١٤فَاضْطَجَعَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ إلى الصَّبَاحِ. ثُمَّ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ: «لاَ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ إلى الْبَيْدَرِ». ١٥ثُمَّ قَالَ: «هَاتِي الرِّدَاءَ الَّذِي عَلَيْكِ وَأَمْسِكِيهِ». فَأَمْسَكَتْهُ، فَاكْتَالَ سِتَّةً مِنَ الشَّعِيرِ وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. ١٦فَجَاءَتْ إلى حَمَاتِهَا فَقَالَتْ: «مَنْ أَنْتِ يَابِنْتِي؟» فَأَخْبَرَتْهَا بِكُلِّ مَا فَعَلَ لَهَا الرَّجُلُ. ١٧وَقَالَتْ: «هذِهِ السِّتَّةَ مِنَ الشَّعِيرِ أَعْطَانِي، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَجِيئِي فَارِغَةً إلى حَمَاتِكِ». ١٨فَقَالَتِ: «اجْلِسِي يَابِنْتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ الأَمْرُ، لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ».
لنتذكر إصحاحات ١ و٢:
صدمنا إصحاح ١ بعناية الله المرّة في حياة نعمي وهي تغادر أرضها، وتفقد زوجها وأبنائها، وأحد كنّتها. ولكن كان هناك عناية حلوة أيضا. أنتهت المجاعة في يهوذا وتمكّنت نعمي من العودة إلى دارها. ألزمت راعوث نفسها لرعاية نعمي. وطوال الوقت كان وليّا اسمه بوعز باقيا كزوج لراعوث كي يقيم وريثا لاسم العائلة والممتلكات. ولكن ينتهي الإصحاح مع نعمي التي طغت عليها خسائرها: “الْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي.”
في الإصحاح ٢ تتدخل رحمة الله بإشراقٍ كافٍ لنعمي لكي تستطيع أن ترها. ونلتقي ببوعز، وهو جَبَّارُ بَأْسٍ، رجل الله، وأحد أقرباء زوج نعمي. ثم نرى راعوث تحتمي تحت جناحيّ الله في أرض غريبة، وقادها الله برحمة إلى حقل بوعز لتلتقط. ونرى نعمي تتعافي من ليلتها الطويلة من اليأس لأنها وجدت بهجتها في الله (٢: ٢٠): “مُبَارَكٌ هُوَ مِنَ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى!” يفيض إصحاح ٢ بالرجاء. فبوعز هو رجل ممتلء بالله في عمله وعلاقاته الشخصيّة (آيات ٤، ١٠-١٣). وراعوث هي امرأة معتمدة على الله تحت جناحيّ الله. والآن نعمي هي امرأة تمجد الله تحت سيادة الله. لقد ذهب كل ظلام إصحاح ١. حوّل الله حزنها إلى رقص. “الْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي” (١: ٢٠) قد أفسح الطريق لـ “لَمْ يَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى” (٢: ٢٠). فالدرس المستفاد من الإصحاحات ١ و٢ هو بالتأكيد ما لا يقل عن هذا:
يا أيها القديسين الخائفين تشجعوا بنشاط: فالغيوم التي ترهبكم كثيرا
هي كبيرة مع الرحمة وستنكسر بالبركات على رؤوسكم.
أحتمي تحت جناحيّ الله حتى عندما يبدو أن الكل ظلال، وفي الوقت المناسب تماما سوف يتيح لك الله النظر من عش النسر الذي له على وادٍ مذهل.
استراتيجيات الأبرار:
الآن نأتي لإصحاح ٣. والعبارة التي أريدك أن تبقيها في ذهنك ونحن نتأمل في إصحاح ٣ هي “بر استراتيجيّ”. فالسؤال الذي يجيب عليه إصحاح ٣ هو، ماذا يفعل رجل ممتلء بالله، وامرأة شابة معتمدة على الله، وامرأة مسنة تمجد الله عندما يمتلؤوا جميعا بالرجاء في سيادة الله وصلاحه؟ والجواب هو أنهم يظهرون “برا استراتيجيّا”. وما اقصده بالبر هو الغيرة لعمل ما هو حق وصواب، غيرة لعمل ما هو مناسب عندما يُؤخذ الله ذات السيادة والرحمة في الحسبان. وما اقصده باستراتيجيّ هو أنه هناك نية، وعزيمة، وتخطيط. فهناك بر سلبي وهو الذي ببساطة يتجنب الشر عندما يطرح نفسه. ولكن البر الاستراتيجي يأخذ المبادرة ويحلم بكيفية جعل الأمور في نصابها الصحيح.
أحد الدروس أتعلمها من راعوث الإصحاح ٣ هو أن الرجاء يساعدنا على الحلم. الرجاء يساعدنا على التفكير في طريقة لفعل الخير. الرجاء يساعدنا على متابعة مشاريعنا مع الفضيلة والنزاهة. إنه اليأس الذي يجعل الناس تعتقد أنه يجب عليهم أن يكذبوا ويسرقوا ويستولوا بشكل غير مشروع على ملذات تدوم للحظة. ولكن الرجاء، استنادا إلى الثقة بأن الله صاحب السيادة هو لنا، يعطينا دفعة مثيرة وهو ما أسميه البر الاستراتيجيّ. فنحن نرى ذلك في نعمي في ٣: ١-٥، وفي راعوث في ٣: ٦-٩، وفي بوعز في ٣: ١٠-١٥. ويختتم هذا الإصحاح مرة أخرى مع نعمي وهي في كامل الثقة في قوة وصلاح الله.
استراتيجيّة نعمي:
يبرز شيئان في استراتيجيّة نعمي في الآيات ١-٥. واحد هو أن لديها استراتيجيّة، والآخر هو ما تكونه هذه الاستراتيجيّة. ومجرد حقيقة أن نعمي لديها استراتيجيّة يعلمنا شيئا. إن الناس الذين يشعرون أنهم ضحايا لا يمكنهم التخطيط. فطالما كانت نعمي مظلومة؛ وطالما يمكنها فقط أن تقول “الْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي”، لا يوجد لديها أي استراتيجيّة للمستقبل.
واحدة من الآثار الرهيبة للاكتئاب هو عدم القدرة على التحرك بشكل هادف وبرجاء في المستقبل. استراتيجيات البر تنبع من الرجاء. عندما استيقظت نعمي في ٢: ٢٠ إلى صلاح الله، تجدّد رجاءها وفاض البر الاستراتيجيّ. فهي مهتمة بشأن إيجاد مكان آمن لرعاية راعوث، لذا دبّرت الخطة. أحد الأسباب التي يجب علينا أن نساعد بعضنا البعض “ارْتَجِي اللهَ” (مزمور ٤٢: ٥) هو أنه فقط الكنائس المفعمة بالرجاء هي التي تدبر الخطط، وتضع الاستراتيجيات. فالكنائس التي لا تشعر بأي أمل يتطور لديها عقلية تواكليّة وهي مجرد تسير خلال اقتراحات داخل وخارج السنة. ولكن عندما تشعر الكنيسة بصلاح الله السياديّ يحلق فوقها ويتحرك، عندها يزدهر الرجاء ويتوقف البر عن أن يكون مجرد تجنب الشر ويصبح نشطا واستراتيجيّا.
غرابتها:
أخذت نعمي المبادرة في العثور على زوج لراعوث. لكن الاستراتيجية التي أتت بها غريبة، على أقل تقدير. فتقول في الآية 2 أن بوعز هو ذو قَرَابَةٍ. ولذلك كان هو المرشح المرجح لكونه زوج راعوث. بهذه الطريقة سيكون اسم العائلة وميراث الأسرة باقي في الأسرة، وفقا للعادات العبرية. ذلك فهدف نعمي واضح: أن تربح لراعوث زوجا تقيّا ومستقبلا آمنا، وأن تحافظ على نسل الأسرة. لهذا قالت لراعوث أن تغتسل تجعل نفسها جذّابة بقدر الإمكان، وأن تذهب إلى بيدر بوعز، وبعد أن يضطجع في المساء، أن تتسلل، وترفع ثوبه، وتضطجع عند رجليه. يجب أن الجميع، بما في ذلك راعوث، أن يستجيب لذلك بالتساؤل، “فقط إلى أين تظن أن يؤدي هذا؟” ولهذا التساؤل تجاوب نعمي بشكل رائع في الآية ٤ “هُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ”.
ماذا كان دافع نعمي؟
شيء واحد واضح هنا وشيء غير واضح. من الواضح أن هذا هو طريق نعمي لمحاولة جعل بوعز يتزوج من راعوث. لكن ليس من الواضح لماذا ينبغي لها أن تفعل هذا. لماذا لا تتحدث مع بوعز بدلا من مناورة منتصف الليل هذه الموحية للغاية والمحفوفة بالمخاطر؟ هل كانت نعمي غير مبالية باحتماليّة أن يدفع بوعز براعوث بعيدا بسخط أخلاقي، أو أنه قد يستسلم للإغراء بالدخول في علاقات جنسيّة معها؟ هل أردت نعمي أن يحدث ذلك؟ أم هل كانت نعمي على يقين من بوعز وراعوث وكانت تدرك أنهم سيتعاملون مع بعضها البعض بنقاء كمال، بمعنى أن يتأثر بوعز بعمق بالعرض الصريح راعوث للزواج ويتجنب العلاقات الجنسيّة حتى يتم الاحتفال بكل شيء على النحو الواجب من قبل شيوخ المدينة؟
لا يخبرنا الكاتب لماذا اختارت نعمي هذه الاستراتيجيّة المغرية جنسيا لكسب بوعز لراعوث. سيكون هناك إجابة في وقت لاحق، لكنه الآن يبدو أن الكاتب يريد منا أن نشعر بالتشويق والغموض. فقط أين أضطجت راعوث؟ النص العبري غامض كما في اللغة الإنجليزيّة. ماذا سيخبرها بوعز أن تعمل؟ مهما كان دافع نعمي، فالوضع قد يؤدي بنا إلى مشهد عاطفي وغير مشروع من العلاقة الجنسيّة أو إلى مشهد مذهل من النقاء والنزاهة وضبط النفس.
استراتيجيّة راعوث:
ثم نرى بر راعوث الاستراتيجيّ في الآيات ٦-٩. في الآية ٥ قالت أنها سوف تتبع كل تعليمات نعمي. ولكن راعوث تفعل أكثر من ذلك. قالت نعمي إن بوعز سيخبر راعوث بما يجب القيام به. ولكن قبل أن يحدث ذلك، قالت راعوث لبوعز عن سبب مجيئها. فهي كانت مضطجعة عند رجليه تحت عباءته. ثم استيقظ وقال: “من أنت؟” أجابت بكلام لم تلقّنه لها نعمي: “أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ”.
راعوث ليست مجرد خادمة لنعمي. لقد ذهبت عن طيب خاطر، والآن تأخذ زمام المبادرة لتوضح لبوعز لماذا قد جاءت. “لأَنَّكَ وَلِيٌّ”. أو حرفيا، “أنت المخلص: أي الشخص الذي يمكنه تخليص ميراثنا واسم عائلتنا من الضياع. وأريد منك أن تقوم بهذا الدور لأجلي. أريد أن أكون زوجتك.” بالطبع هي لم تقل ذلك صراحة. في الواقع، هي أقل وضوحا وأكثر إغراء. حيث قالت: “ابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ”. الآن ما إذا كان بوعز سينظر لهذا على كونه عرضا مقدما صريحا لعلاقة جنسية أو شيئا أكثر رقّة وعمق، يعتمد على تقديره لشخصي راعوث. كان الزنا خطأ في العهد القديم (لاويين ١٩: ٢٩؛ تثنية ٢١: ١٣-٢١) تماما كما في العهد الجديد (متى ١٥: ١٩).
“ابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ“:
هناك أمران، إلى جانب شخصية راعوث، يوحيان بشيء مهذّب وعميق يحدث في الواقع هنا. واحد هو هذا: المكان الوحيد الآخر الذي يمكن أن أجده في العهد القديم حيث تأتي عبارة “ابسط الذيل” بالإشارة للعشّاق هو في حزقيال ١٦: ٨. الله يتحدث وهو يصف إسرائيل بأنها عذراء شبابة وقد أخذها زوجة له. “فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي.” إذا كان هذا هو ما يدل على ما تريده راعوث من بوعز فالطلب ذهب إلى أبعد من العلاقة الجنسية. إنها في الواقع تقول: “أود أن أكون تلك التي تتعهد لها بأمانتك ومعها تقيم عهد الزواج”.
“تحت جناحيّ الله”:
ولكن أعتقد أن هناك أكثر من ذلك، وهذه هي الإشارة الثانية للرقّة والعمق هنا. عندما قالت راعوث: “ابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ”، الكلمة ذيل هي الكلمة العبريّة جناح (كما في حزقيال ١٦: ٨). اُستخدمت هذه الكلمة مرة واحدة فقط في سفر راعوث وهي في الآية الرئيسيّة في الأسبوع الماضي، ٢: ١٢، حيث قال بوعز لراعوث، “لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ.” ولكن ما رأيناه في الأسبوع الماضي هو أن بوعز كان أداة الله لمكافأة راعوث. فقد سمح لها بالعمل في حقله مجانا، وضمن لها الحماية من الغلمان وقدم لها ماءً من البئر. وكانت راعوث قد قالت لبوعز، “كَيْفَ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ؟” فأجاب بوعز، لأنك “جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ [الله]”.
قصة حب رقيقة ونقيّة:
فهذا ما أظنه يحدث في إصحاح ٣. كانت راعوث قد قالت لنعمي عن كلمات بوعز هذه. وبقدر ما فكّروا فيها بقدر ما اقتنعوا أنها مُحمّلة بنوايا محبة ورقيقة. فما يعنيه بوعز حقا هو “لأنك احتميت تحت جناحيّ الله، فأنت الامرأة التي أريد أن أبسط جناحيّ عليها”. ليس من السهل على رجل كبير السن أن يعبّر عن الحب لامرأة أصغر سنا. قام بوعز بذلك عن طريق أعمال اللطف وكلمات رقيقة من الإعجاب. قال أنه معجب بها على حضورها تحت جناحيّ الله. تصرف كما لو أنها كانت تحت إمرته وانتظر. وبطبيعة الحال ومرور الوقت استجابت نعمي وراعوث بشكل رقيق، وعميق تماما. فراعوث ستأتي له وهو نائم، في حقل السنابل حيث أخذها تحت رعايته، وهي ستقول نعم. لكنها ستقولها بعمل فيه رقّة وعميق مثل عمل وكلمات بوعز. فهي وضعت نفسها تحت جناحيه، إذا جاز التعبير، وعندما استيقظ كان كل شيء معلقا على جملة واحدة وعما إذا كانت راعوث قد فهمت بوعز بشكل صحيح.
تخيل مدى سرعة النبضات كانت تتسابق عندما استيقظ بوعز. ثم جاءت الكلمات المهمة كلها “أَنَا رَاعُوثُ… فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ.” كان هناك صمت هائل للحظة بينما يحاول بوعز أن يصدق أن هذه المرأة الرائعة حقا قد فهمت، لقد فهمت بشكل عميق وحساس. رجل في منتصف العمر يحب أرملة شابة يدعوها بتحفظ “ابنتي”، غير متأكد ما إذا كان قلبها قد يسعي وراء الشبان، حاول أن ينقل لها بأفضل ما يمكنه أنه يريد أن يكون جناحيّ الله لها. وأرملة شابة تقرأ بين السطور تدريجيا وعلى استعداد أخيرا أن تخاطر بفهمها فتأتي في منتصف الليل للاحتماء تحت جناح ثوبه. إنه لثمة أشياء قوية! أي شخص يعتقد أن امرأة فضفاضة وحماة ماكرة هم من يعملون هنا، هم كمن يعيشون على كوكب آخر، يسيئون فهم النص. فكل شيء دقيق. وكل شيء بار. وكل شيء استراتيجي.
استراتيجيّة بوعز:
الآن يأتي البر الاستراتيجيّ لبوعز في الآيات ١٠-١٥. لنسمع ما يقوله بطريقة صحيحة، عليك أن تتذكر أنه بعد منتصف الليل، وهم تحت النجوم، وهو يتطلع إلى أسفل حيث وجه المرأة التي يحبها مغطاة بعباءته الخاصة.
إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَابِنْتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَسْعَيْ وَرَاءَ الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. وَالآنَ يَابِنْتِي لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ، لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ.
ثم تأتي بعد ذلك كلمة البر الرائعة وضبط النفس. حيث يقول: “وفقا للعرف، يا راعوث، هناك ولي آخر لديه أولوية الحق لك وأنا لن أستطيع المضي قدما حتى تتم تسوية جميع الأمور الواجبة معه.” النجوم جميلة فوقهم، وفي منتصف الليل، وهو يحبها، وهي تحبه، وهم بمفردهم، وهي تحت عباءته. . . لكنه توقّف عن ذلك في سبيل البر، ولم يمسسها. يا له من رجل! يا لها من امرأة!
أستمعوا، إن مزاج الحياة الأميركيّة اليوم هو، إن كنت تشعر بالارتياح، فافعله، واذهب إلى الجحيم مع مبادئ العفة والإخلاص المتزمتة والموّلدة للشعور بالذنب. ولكن أقول لكم، ان كنت في موقف مماثل وكانت النجوم تسطع في جمالها، ودمك ينبض بقوة، وفي مكان آمن وتظن ان هذه خصوصيتك، توقف . . . من أجل البر. ودعه يبزغ على نقاءك. لا تكن مثل العالم. كُن مثل بوعز. كُن مثل راعوث. عميقا في الحب. رقيقا ومتفهّما في التواصل. قويّا في ضبط النفس. وملتزما بالبر.