تنويه: في هذا المقال، نقدم تفسير قديم للدكتور توماس شراينر حول رومية 7. وعلى الرغم من أنه قد غيّر رأيه بشأن تفسيره لرومية 7، رأينا أن ننشر رأيه القديم حول هذه القضية حتى نتيح الفرصة للقارئ العربيّ للتعرّف على الحجج التي يقدمها كل رأي من الآراء المتخالفة. يمكنك التعرّف على الرأي المقابل في مقال جون بايبر بعنوان “رومية 7: يصف صراع المؤمن ضد الخطية“.
يُعَدُّ (رومية 7: 13-25) واحِدًا من أكثر المقاطع الخلافيَّة والمُثيرة للجَدَل في الكتاب المقدس. غَيَّر أوغسطينوس رأيه بشأن معنى هذا المقطع؛ لذلك لدينا سابِقَة للتَّذَبْذُب في تفسيرنا الخاص. أُدرِك جيِّدًا عدم استطاعتي أن أُعطِي القَوْل الفَصْل في نَصٍّ ظَلَّ مَحَلَّ جِدَالٍ لآلاف السنين.
في الواقع، مَرَّ بعضنا بتجربةٍ تُشبِه تجربة رومية 7 في تفسيرهم لرومية 7.
حيث نَجِد أنفسنا لا نستطيع أن نُقَرِّر ما الذي تَتَحَدَّث عنه هذه الآيات حقًّا، وننتهي إلى أن نقول: “وَيْحِي أَنَا المُفَسِّر الشَّقِيُّ! مَنْ يُحَرِّرني مِنْ هذا الإشكال التفسيريّ؟”.
مع أنَّ المجال لا يَتَّسِع في مقال قصير لمناقشة كل القضايا التي تظهر في هذه الآيات، سوف أُدَافِع عن سبب اعتقادي أنَّ بولس يُناقِش في هذه الآيات تجربته ما قبل المسيحيَّة. من المُهِمِّ أيضًا أن نرى أنَّ بولس يَصِف حياته ما قبل المسيحيَّة بِأَثَرٍ رَجْعِيٍّ. بعبارةٍ أخرى، عندما يتذكَّر بولسُ، كمسيحيّ، حياتَهُ قبل المسيح، يُدرِك أنَّه لم يَكُنْ مؤمنًا.
أربعة أسباب للاعتقاد باختبارٍ قبل الإيمان
1. بناء المقطع
عندما ننظر إلى (رومية 7) كَكُلٍّ، نَجِد بناءً واضِحًا. يُوَضَّح ذلك بصورة موجزة في الآيتيْن (5، 6):
لِأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي ٱلْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ ٱلْخَطَايَا ٱلَّتِي بِٱلنَّامُوسِ [أو التي أثارها الناموس] تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ. وَأَمَّا ٱلْآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ [أو مُتْنَا لـ] ٱلَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ ٱلرُّوحِ لَا بِعِتْقِ ٱلْحَرْفِ.
تُصَوِّر الآية 5 تجربةً قبل مسيحيَّة، واصِفَةً الوقت “لَمَّا كُنَّا فِي ٱلْجَسَدِ”، وتُوَضِّح أنَّ الجسد أنتج “المَوْت”، بينما تُشير الآية 6 إلى مسيحيِّين بأربعة مُصطَلَحات: “وَأَمَّا ٱلْآنَ”، “تَحَرَّرْنَا”، “مُتْنَا” (بِالنِّسْبَةِ لحياتنا القديمة)، “ٱلرُّوحِ”.
يتَّفِق كل المُفَسِّرين تقريبًا على أنَّ الآية 5 تُشير إلى غير مؤمنين، والآية 6 إلى مؤمنين، لكن إلَيْكَ النقطة المِفتاحيَّة: تشرح (رومية 7: 7-25) الآية 5، وتشرح (رومية 8: 1-17) الآية 6. في (الآيات 7-25) نرى كيف أنَّ الخطيَّة، عن طريق الناموس، تجلب الموت لِمَنْ هُمْ في الجسد، وفي (رومية 8: 1-17) نرى كيف أنَّ الروح يمنح الحياة لِمَنْ ينتمون ليسوع المسيح. تَتَنَبَّأ (رومية 7: 5، 6) بما سيقوله بولس لاحِقًا بوضوحٍ مُلفِتٍ.
2. الروح القدس
إِذا هَزَزْنَا المِشْكَال[1]، يمكننا النظر إلى المقطع من منظور آخر مُكَمِّل. لا يُذكَر الروح القدس مُطلَقًا في (رومية 7: 7-25)، لكن يُشير بولس إلى الروح القدس 15 مرَّة في (رومية 8: 1-17)؛ مِمَّا يُوحِي بأنَّ الشخص الموصوف في (رومية 7: 7-25) هو شخص ليس لديه الروح القدس في حياته.
إنَّ جوهر معنى أن تكون مسيحيًّا هو سُكْنَى الروح القدس فيك (رومية 8: 9)، ونحن نرى في كُلٍّ من (رومية 7: 14) و(رومية 7: 18) أنَّ الشخص الموصوف هو شخصٌ “جَسَدِيٌّ”، شخصٌ لا يزال في آدم القديم، شخصٌ لم يختبر الميلاد الثاني.
3. السؤال المطروح في رومية 7: 13
تتقدَّم حُجَّة بولس من خلال الأسئلة التي يطرحها. سَبَق ورأينا أنَّ (رومية 7: 5، 6) تُرسِي بناء النقاش التالي وتتنبَّأ به، لكن لاحِظْ السؤال المطروح في (رومية 7: 7): “فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ ٱلنَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟”. يُثَار السؤال بسبب صياغة (رومية 7: 5)؛ إذ قال بولس إنَّ أهواءنا الخاطئة أُثِيرَت بالناموس وأنتجت الموت.
لذا فإنَّ السؤال الوارد في (رومية 7: 7) يطرح نفسه بطبيعة الحال: إذا كانت أهواء الخطايا قد أُثِيرَت بالناموس، فهل الناموس خاطئ؟ يرفض بولس هذا الخِيار رفضًا قاطعًا، مُجَادِلًا بأنَّ الناموس روحيٌّ وصالحٌ (رومية 7: 12)، لكنَّ الخطيَّة استخدمت الناموس كنقطة انطلاق في حياتنا لتجلب موتنا الروحي.
يُتابِع بولس ليطرح سؤالًا آخر في (رومية 7: 13): “فَهَلْ صَارَ لِي ٱلصَّالِحُ مَوْتًا؟”. من الواضح أنَّ “ٱلصَّالِحُ” هنا هو الناموس، لكن لاحِظْ السؤال المطروح: هَلْ صَارَ لِي الناموس الصَّالِحُ مَوْتًا؟ يُقَدَّم الجواب بعد ذلك في (رومية 7: 13ب-25)، لكنَّ هذا السؤال يُمَثِّل حُجَّةً قويَّة تدعم الاعتقاد بتجربة قبل مسيحيَّة؛ إذ يُوَضِّح بولس كيف استخدمت الخطيَّة الناموس لتجلب موتنا. يتناسب تَدَفُّق الحُجَّة تمامًا مع ما يقوله بولس عن غير المؤمنين في (رومية 7: 5): عَمِلَ الناموس في أعضائنا لَمَّا كُنَّا خارج المسيح ليفصلنا عن الله، ليقتلنا.
4. الهزيمة الكُلِّيَّة الموصوفة في رومية 7: 13-25
تَوَحَّد الكثير من المسيحيِّين عَبْر التاريخ مع يأس وعدم قدرة المُتَكَلِّم في (رومية 7: 13-25)، فنحن نقرأ هذه الآيات ونُفَكِّر: هذه قصَّتي؛ هذه تجربتي. إنَّ حَدْس هؤلاء الأشخاص صحيح، لكنَّ تفسيرهم خاطئ. ندرك بعمق كمسيحيِّين طبيعتنا الخاطئة المُستَمِرَّة في هذا الدهر والأشياء الكثيرة التي نفشل فيها في بلوغ مشيئة الله. مثلما يقول يعقوب: “لِأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا” (يعقوب 3: 2؛ قارِنْ 2: 10)، ومن الواضح أنَّ كلمة نَعْثُرُ هنا تعني نُخطئ؛ لذلك لا يقول يعقوب إنَّنا نُخطئ أحيانًا، بل إنَّنا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ ونُخطئ جَمِيعُنَا.
كُلُّ مسيحي يتبع الرَّبَّ يدرك المعركة المُستَمِرَّة مع الخطيَّة التي سَنَظَلُّ نعاني منها حتَّى يوم الفداء (غلاطِيَّة 5: 16-18)، فنحن مُخَلَّصون بالفعل، لكنَّنا لسنا بَعدُ كُلَّ ما نريد أن نكونه أو نحتاج إلى أن نكونه. يجب أن نَسْتَمِرَّ في الاعتراف بخطايانا يوميًّا مثلما عَلَّمَنا الرَّبُّ يسوع في الصلاة الرَّبَّانِيَّة (مَتَّى 6: 12)، فالخطيَّة سَتَظَلُّ تُعَذِّبنا في الفِكْر والقَوْل والفِعْل إلى يوم مماتنا.
مع ذلك، ليس هذا ما يتحدَّث عنه (رومية 7: 13-25). نَعَمْ، لا نزال نصارع مع الخطيَّة؛ نَعَمْ، نفشل كل يوم في بلوغ مشيئة الله، لكنَّ (رومية 7: 13-25) يتحدَّث عن هزيمة كُلِّيَّة. مثلما يقول بولس في آية 14: “أَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ”. بعبارةٍ أخرى، يَصِف بولس سَبْيًا كاملًا وكُلِّيًّا للخطيَّة.
نرى نفس الشيء مرَّةً أخرى في آية 23: “وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي”. لا يتحدَّث بولس فقط عن صراع مع الخطيَّة مصحوب بإخفاقات مُتَكَرِّرة، بل إنَّه يَصِف هزيمةً كاملةً وساحِقَةً، استعبادًا تامًّا للخطيَّة، فالمُتَكَلِّم مَسْبِيٌّ للخطيَّة. يقول بولس مِرَارًا وتَكْرارًا في هذا المقطع إنَّه أراد أن يُطيع لكنَّه لم يَسْتَطِعْ، فالطاعة لم تَأْتِ ولم يَكُنْ من الممكن أن تأتي؛ إذ إنَّه لم يختبر الميلاد الثاني.
إنَّ الهزيمة الكُلِّيَّة الموصوفة في رومية 7 تتناقض مع وصف بولس للتجربة المسيحيَّة في رومية 6 و8، حيث يُعلِن بولس في رومية 6 أنَّنا لم نَعُدْ عبيدًا للخطيَّة (6: 6)، أنَّنا أحرار من الخطيَّة التي استعبدتنا عندما كُنَّا غير مؤمنين (رومية 6: 16-19).
نَعَمْ، ما زِلْنَا نُخطِئ، لكنَّنا لسنا عبيدًا للخطيَّة بعد الآن. مثلما تُصَرِّح (رومية 8: 2): “نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ”. لا يتوافق مثل هذا العِتْق من الخطيَّة مع الشخص الموصوف في (رومية 7: 13-25)؛ حيث إنَّ هذا الشخص لا يزال مُسْتَعْبَدًا للخطيَّة. نَنعَم كمسيحيِّين بِغَلَبَةٍ كبيرة ومُهِمَّة وملحوظة (وإن لم تَكُنْ تامَّة) على الخطيَّة في هذه الحياة. مع أنَّنا نفشل كل يوم، فإنَّنا نتغيَّر تَغَيُّرًا هائلًا بنعمة الله.
اعتراضان
يَبرُز عددٌ من الاعتراضات على ما قُلْتُهُ. دعونا ننظر باختصار إلى اثنَيْنِ منها. الاعتراض الأوَّل: كيف تتناسب الإشارة إلى غير المؤمنين مع (رومية 7: 22): “فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ ٱللهِ بِحَسَبِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ”؟ أَفَلا يُظهِر مثل هذا السرور والشوق لناموس الله أنَّ المقصود هنا هو شخص مؤمن؟ ليس بالضرورة، فَقَدْ أَحَبَّ الكثير من اليهود الأتقياء ناموس الله، ومع ذلك لم يعرفوا الله، فبولس نفسه يشهد أَنَّ اليهود لَهُمْ “غَيْرَةً لِلهِ”، مع أنَّهم افتقروا للمعرفة (رومية 10: 2). من الممكن أن تكون هناك غَيْرَةٌ وسرور بالناموس (شَاهِدْ الْفَرِّيسِيِّينَ) بينما لم يختبر الإنسان الخلاص الحقيقي.
الاعتراض الثاني: ينتقل بولس من استخدام الأفعال الماضية في (رومية 7: 7-11) إلى استخدام الأفعال المضارعة في (الآيات 14-25)، أَفَلا يُثبِت ذلك أنَّ المقصود هو المسيحيُّون (المؤمنون)؟ ليس بالضرورة، حيث يُدرِك العُلَمَاء أنَّ زمن المضارع لا يُشير بالضرورة إلى الوقت الحاضر. يجب تمييز زَمَن عَمَلٍ ما من خلال السياق؛ إذ إنَّ الأفعال المضارعة، حتَّى في الأسلوب الخبري، قد تُستَخدَم للإشارة إلى الماضي أو حتَّى المستقبل.
لا يُرَكِّز زمن الفعل في (رومية 7: 7-25) على الزمن، وإنَّما يتناسب استخدام المضارع هنا مع حال الشخص أو وَضْعه. يُشَدِّد بولس على سَبْي المَرْء واستعباده وعجزه تحت الناموس، فاستخدام بولس للمضارع لا يُشير إلى الماضي، بل يُسَلِّط الضوء بصورة حيَّة على عبوديَّة الحياة تحت الناموس.
كلمة أخيرة
إذا كنتُ مُحِقًّا في الطريقة التي أُفَسِّر بها هذا المقطع، فإنَّ الفرق بيني وبين مَنْ يَرَوْنَ هذا تجربةً مسيحيَّة ليس بالفرق الكبير، ففي النهاية نَتَّفِق كِلَانَا على أنَّ المؤمنين يفشلون في بلوغ مشيئة الله فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وعلى أنَّنا نُصارِع يوميًّا مع الخطيَّة.
سبب اختلافنا هو أنِّي أرى (رومية 7: 13-25) يَصِف هزيمةً كُلِّيَّةً، وهذه ليست قِصَّتنا كمسيحيِّين لأنَّ الروح القدس يُمَكِّننا أيضًا من العَيْش بِجِدَّةِ الرُّوحِ.
[1] لعبة تتكوَّن من أنبوب تنظر من خلاله يحتوي على كُرَيَّات مُلَوَّنة في نهايته تُغَيِّر أشكالها كُلَّما أَدَرْتَ نهاية الأنبوب – المُتَرجِم.