إن إحدى أثمن حقائق العهد الجديد، وهي حقيقة يسهب كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الحديث عنها، هي أن الله القدوس المتسامي قد اقتراب إلينا في يسوع المسيح. ويتحدث اللاهوتيّون عن ملازمته أو حلوله أو قربه بالمقارنة مع تساميه (سموه فوق الوجود المادّي). وهذان بطبيعة الحال أمران صحيحان تماماً عن الله دون تناقض.
عندما قام مارتن لوثر بترجمة الكتاب المقدّس إلى اللغة الألمانية لأول مرة، أورد نقطة لاهوتية عميقة منسجمة مع هذه الحقيقة، لمجرد اختياره للضمائر. تتضمّن اللغة الألمانية ضميرين مختلفين للمخاطب المفرد: فهنالك Du التي تحمل الطابع غير الرسمي والمألوف، وهنالك Sie الرسمية والدالة على الأدب. تستخدم الصيغة المؤدّبة في مخاطبة الجميع ما عدا أعضاء عائلة الشخص وأصدقائه المقرّبين. غير أن لوثر استخدم الصيغة غير الرسمية والمألوفة في ترجمته لدى مخاطبة الله! ويتضمن اختياره اللغوي لهذا الضمير أبعاداً لاهوتية ضخمة. (وحتى الإنجليزية مثل Thee و Thou المستخدمة في نسخة الملك جيمس والتي نجدها متكلّفة أو غير رسمية بعض الشيء وغير جذابة اليوم، كانت في واقع الأمر ضمائر مخاطب تدل على الألفة في ذلك العصر).
نعيش اليوم في عصر يسعى فيه الناس في كنائس كثيرة، ناهيك عن المجتمع ككل، إلى التخلّي عمّا يعتبرونه أموراً رسمية متكلّفة خانقة، ولجأنا إلى أشكال وممارسات وثياب (وغير ذلك) أكثر راحة واتساماً بالطابع غير الرسمي. وبنفس الطريقة تعكس العبادة والموسيقى عصراً أكثر اتصافاً بالبعد العلاقي، حيث يثمَّن قرب الله أو ملازمته وتجري الإشارة إليه دائماً.
ويشكّل هذا من نواح كثيرة ابتعاداً صحّياً عن التقليد الخالي من الحياة حيث يتم التعبير عن الإعجاب بالله عن بعد، فيظل الله بعيداً. لقد اقترب الله منّا في يسوع المسيح. ونحن جميعاً أبناؤه، ويسوع هو أخونا. وهو ينظر إلى القلب، لا المظهر الخارجي.
لكنّي أستغرب من بعض الأشخاص الذين يدعون دائماً بقوة كبيرة إلى إلغاء كل تكليف طابع رسمي في العبادة. فماذا لو أن الملك أو رئيس البلاد جاء إلى بيتهم لتناول العشاء؟ أنا متأكد أنهم سيخرجون أفضل أوانيهم وفُرُش الموائد ويرتدون أفضل الثياب. أو ماذا لو أن ابنهم كان مزمعاً على الزواج؟ أرجح كثيراً أنهم لن يتوانوا عن ارتداء الملابس الفخمة أو الحلي المبهرجة واتِّباع التقاليد المكرَّمة. فلماذا نعطي الله ما هو أقل؟ لنتذكر أننا حين نجتمع من أجل العبادة الجماعية، فإننا نأتي لتكريم ملك الملوك ورب الأرباب وللاحتفال بانتصاره على الخطية والموت.
لا نريد أن ننسى في عبادتنا أن إلهنا الذي اقترب إلينا ما زال رب المجد المتسامي. وواقع الأمر هو أنه لو ظهر يسوع في خدمة العبادة، فلن يأتي لابساً بنطالاً من الجينز ولن نضع ذراعنا حول كتفه. لكنه سيظهر في بهاء باهر (كما يفعل في الإصحاح الأول من سفر الرؤيا)، وسنسقط عند قدميه.
وحقيقة الأمر هي أن الرب يسوع المسيح حاضر في اجتماعات خدمتنا. وهو قريب، لكنه أيضاً ممجَّدٌ وقدُّوس. وهو صديقنا، لكنه ربنا أيضاً. ويتوجب علينا أن نأتي بثقة وفرح، لكن مع توقير وخشوع. فلنتقدم بجسارة إلى عرش النعمة (عبرانيين ٤: ١٦)، لكن مع السجود لذلك الذي يجلس عليه.
وقد عبَّر صاحب المزامير ببساطة في مزمور ٢: ١١ عن هذا التوازن الدقيق بين تسامي الله وقربه أو ملازمته حين نأتي إليه في العبادة.
“اهْتِفُوا (ابتهجوا) بِرَعْدَةٍ!”