كلنا يعرف أن الإصلاح البروتستانتيّ قد بدأ في 31 أكتوبر 1517، عندما علّق الراهِب الكاثوليكيّ مارتِن لوثر أطروحته المُكَونة مِن 95 بندًا في ڤيتنبرغ بألمانيا.
وعلى الرغم مِن صدق هذا الجانب من الرواية، إلا أن ڤيتنبرغ قد لا تكون المكان الأنسب لنبدأ منه قصة الإصلاح. فصحيح أن أطروحة مارتن لوثر قد اشعلت نيران روحيّة غَيّرت بشكلٍ مُستَمِر مشهد التاريخ البشريّ. ولَكِنّ لقصة الإصلاح أبعاد أخرى يُمكن أن تُقال أكثر مِن مُجرّد هذا الحَدث. باختصار، فإن الإصلاح البروتستانتيّ في القرن السادس عشر مدين بشكلٍ كبير للعديد من اللاهوتيين والآباء الأفريقيّين الذين عاشوا قبل لوثر بقرونٍ عديدة وفي بقاعٍ أخرى من العالم.
فَقَبْل لوثر في ڤيتنبرغ، كان هُناك أوغسطينوس في الجزائر. وقبل كالڤن في جنيف، كان هُناك كيرلس الكبير في مصر. وقبل زوينجلي في زيورخ، كان هُناك ترتليان في تونس. وكان لهؤلاء اللاهوتيون الأفريقيون تأثيرًا كَبيرًا على المُصلِحين البروتستانت في أوروبا. في الواقع، فإن كتابات المُصلحون في القرن السادس عشر تذخر باقتباسات ضخمة للعديد من الآباء واللاهوتيين الأفريقيين—بما في ذلك كتابات مارتن لوثر نفسه وكتاب أُسس الإيمان المَسيحيّ لجون كالڤن.
فإن جذور الإصلاح الإنجيليّ في أوروبا إنما تَعود لآباء الكنيسة الذين عاشوا وصاغوا لاهوتهم في قلب أفريقيا.
ما علاقة ڤيتنبرغ بمراكش
طُلب مني مؤخرًا تقديم مُحاضرة عن الإصلاح الإنجيليّ في مؤتمر خاص بالقسوس الذين نزحوا مؤخرًا من بلادٍ إفريقيّة وجاءوا كلاجئين إلى أمريكا الشماليّة.
كانت مُهِمتي هي تَقديم مُحاضرة لمُدة ساعة عن نشأة الإصلاح الإنجيليّ وتأثيره. وعِندما جَلست للإعداد للمُحاضرة، كان على أن اُقرر مِن أي فَترة تاريخية سأبدأ المُحاضرة. أول شيء تَبادر إلى ذهني هو أن أبدأ بالحديث عمّا حَدث في ألمانيا في القرن السادس عشر. فَمُعظم الناس تبدأ قصة الإصلاح بما حَدث في ألمانيا.
ومع ذلك، شَعرت أنه من غير المقبول أن أبدأ حديثي بما حَدث في أوروبا الغربيّة. فذات مرة تساءل العلامة ترتليان قائلًا: “ما علاقة أثينا بأورشليم؟” وأنا أثناء إعدادي لتلك المُحاضرة سألت سؤالًا مُشَبهًا: “ما علاقة ڤيتنبرغ بمراكش؟”
قادني هذا السؤال للتأمُل في الهدف الكُلّي الإصلاح. فقد سَعى لوثر وكالڤن وباقي المُصلحون لإزالة كل ما يُعيق فَهم السُلْطان الكِتابيّ ونِعمة الإنجيل. فقد عَملوا على التَخلُص مِن كُل المُعتَقدات والمُمارسات المُضَللة. وقد كانت مبادئ الإصلاح الإنجيلي الخمس بمثابة شفرة لتنقيّة التعاليم غير القويمة الدخيلة على الإيمان المسيحيّ. فالإصلاح الإنجيليّ في جوهره يتعلّق بحماية الكَنيسة مِن البدع والهرطقات.
شيئًا مُشابهًا لهذا حَدث في أفريقيا قَبل أكثر مِن ألف عام.
كانت أفريقيا —خاصةً في القرون الثلاث الأولى—بمثابة حائط صد يحمي الكنيسة مِن البدع والهرطقات. ففي قرطاج، كافح ترتليان (155—240 م) لحماية الكنيسة مِن التعاليم الغنوسية المُضللة. وفي الإسكندرية، جاهد أثناسيوس (269—373 م) لحماية الكنيسة من قبول التعاليم الخاطئة عن لاهوت المسيح. وفي مدينة هيبو في الجزائر، كَتب أوغسطينوس بوضوح عن عقيدة الثالوث لمواجهة التعاليم الخاطئة. فقد كان العديد مِن اللاهوتيّون الأفريقيون حصن منيع ضد البدع والهرطقات.
وعلى ذات المنوال، سعي كُلًا مِن لوثر وكالڤن لتصحيح الأخطاء اللاهوتيّة. في الواقع، تُظهِر كِتابات لوثر أنه كان مُتأثرًا بشدة بالعديد مِن لاهوتيّو أفريقيا، مثل أوغسطينوس، وكيرلس الكَبير، وترتليان. كما اعتمد كالڤن بشكل كبير على أوغسطينوس وكبريانوس “أسقف قرطاج” في كتابته أسس الإيمان المسيحيّ. لذا، فإن التفكير في الإصلاح الإنجيليّ بعيدًا عن تأثير الآباء عليهم لهو نظرة محدودة للإصلاح.
في مسرحية “العاصفة” لشيكسبير نسمع هذه المقولة: “ما الماضي إلا مُقدمة تمهيديّة.” وهذا صحيح: فإن النظر للماضي يُساعدنا في التَطلُع إلى المُستَقبَل. والتَعَرُف على الجذور الآبائيّة والأفريقية بشكلٍ خاص للإصلاح الإنجيليّ له العديد مِن التطبيقات العمليّة للكنيسة اليوم.
عالمية الإصلاح
إن إدراك أن جذور الإصلاح الإنجيليّ تَمتد إلى دولٍ مثل: الجزائر، وتونس، ومصر، يُغير مِن نطاق الإصلاح، ويُحرر من النظرة المحدودة له. فلقد كان الإصلاح حركة عالمية استندت على إسهامات مُختَلف القارات. هذا يُسهّل علينا وضع رؤى الإصلاح في حوارات مثمرة مع مجتمعاتنا المُعاصرة حول العالم.
عُمق الدَين
استفادت المسيحية في الماضي، ولازالت تَستَفيد في الحاضر، مِن الاسهامات اللاهوتيّة لإفريقيا. وإحدى الطرق التي يُمكننا التعبير مِن خلالها عن امتناننا للمُساهمات الآبائيّة والأفريقيّة في الإصلاح الإنجيليّ هي قضاء وقت لقراءة كتابات لاهوتيين مثل: أوغسطينوس وترتليان.
شُركاء حاليين
لقد تباركت بالعمل مع العديد مِن الخُدام الأفارقة المُتَفَرغين وغير المُتَفَرغين. فمرشدي الشخصي هو القِس زريت يوحنس، من إريتريا. فشجاعتهم اللاهوتيّة في مواجهة الاضطهاد والبدع أمرًا مُلهمًا ويُعبّر عن إيمانٍ راسخٍ. مِن المُهِم جدًا بالنسبة لنا ألا نحترم فقط الإسهامات اللاهوتيّة الماضية للأفارقة، بل أيضًا يجب أن نتعرف على إسهاماتهم الحالية. إذا كان الماضي حقًا مقدمة للمستقبل، فسَتظل هذه القارة بمثابة حصن للمسيحية.
الامتنان لأفريقيا
في ذكري الإصلاح هذا العام، عندما تتأمل في أهم أحداث الإصلاح، لا تُفَكر فقط فيما حدث في ڤيتنبرغ أو جنيڤ. لأن جذور الإصلاح الإنجيليّ تَمتد لدول مثل: الجزائر، تونس، ومصر.
فما علاقة ڤيتنبرغ بمراكش؟ يوجد الكثير لنرويه!