ما هي سِمَة الوَحْش؟

واحدة من القضايا المثيرة للجدل حول أزمنة الأيام الأخيرة، وتساهم في حالة الهِسْتِيريَا العامَّة التي تُفقِد المجتمع المسيحي مصداقيَّته في عيون العالم هي: “سِمَة الوَحْش” المذكورة في رؤيا 13: 16-18.

يدور في ذهني اعتقاد الكثيرين بأنَّ “سِمَة” الوَحْش هي وَشْم حرفي أو رُقَاقَة مزروعة داخل الجسم أو طَبْعَة من نوع ما أو رُبَّما وَسْم جسديّ آخر يُتيح التَّعَرُّف البصري على أتباع الوَحْش. إنَّ المفهوم الشائع بين الكثير من المسيحيِّين (عادةً من مدرسة التفسير التدبيريَّة) هو أنَّ علامةً مُمَيَّزة ما مثل هذه -سواءٌ “ٱسْمُ ٱلْوَحْشِ” أَوْ “عَدَدُ [666] ٱسْمِهِ” (رؤيا 13: 17)- سوف تُفرَض بالقُوَّة على الناس الذين يعيشون في السنوات القليلة الأخيرة قبل مجيء المسيح الثاني، وإذا أراد أَحَدٌ أن يشتري أو يبيع ومن ثَمَّ يبقى على قيد الحياة في الأيام المُقبِلَة، عليه أن يخضع لوسيلة تحديد الهُوِيَّة هذه.

نَعَمْ، مفهوم شائع، لكن هل هو صحيح؟

مَرَّةً أخرى، هذا التفسير مَبنِيٌّ بشكل كبير على قراءة مستقبليَّة لسفر الرؤيا، بحيث أنَّ ما يصفه يوحنَّا يتعلَّق بشكل رئيسي (إن لم يَكُنْ بشكل حصري) بالجيل الأخير الذي على قيد الحياة قبل المجيء الثاني للمسيح مباشرةً. من الناحية الأخرى، إذا كان سفر الرؤيا يُصَوِّر إلى حَدٍّ كبير أحداثًا تقع عَبْر تاريخ الكنيسة، تَتَضَعْضَع هذه النظرة بشكل خطير.

كما يتَّضِح من (رؤيا 7)، ينبغي أن نفهم “سِمَة” الوَحْش عَلَى يَدِ أتباعه الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ بوصفها مُحَاكَاة شيطانيَّة بائسة (سَرِقَة دينيَّة، إذا جاز التعبير) لـ “الخَتْم” الموضوع على جِبَاه شعب الله (رؤيا 7: 3-8؛ 14: 1؛ قارِنْ 22: 4).

يعتقد الكثيرون أنَّ الإشارة إلى تَلَقِّي “سِمَة” هي تلميح إلى الممارسة القديمة المُتَمَثِّلَة في الوَسْم أو الوَشْم، وقد وَثَّق ديڤيد أُونْ عِدَّة أغراض للوشم، وهي:

  • مارست القبائل البَرْبَرِيَّة في العصور القديمة الوَشْم كوسيلة لتحديد الهُوِيَّة القَبَلِيَّة.
  • استخدم اليونانيُّون الوشوم كطريقة لمعاقبة العبيد والمُجرِمين؛ وعلى هذا النحو كانت الوشوم علامة عار وإذلال، وهو ما يُفَسِّر طُرُق إزالة هذه الوشوم التي نُوقِشَتْ في الكتابات الطبيَّة القديمة.
  • يمكن أن يكون الوَشْم أيضًا علامة مِلْكِيَّة، على غِرَار وَسْم البَقَر.
  • في عدد من الديانات القديمة، كان الوَشْم يَدُلُّ على التكريس والإخلاص لإله وثني.

مع ذلك، لا أعتقد أنَّ ما يُسَمَّى “سِمَة الوَحْش” هي سِمَة جسديَّة حرفيَّة على أجساد غير المؤمنين، سواءٌ على جَبْهَتِهِمْ أو على يَدِهِمِ الْيُمْنَى. بامتداد سفر الرؤيا نرى الشيطان يَبذُل قُصَارَى جُهْدِهِ لتقليد كل ما يفعله الله، فَمَثَلًا، يَجِد الأقانيم الثلاثة للثالوث القُدُّوس -الآب والابن والروح القدس- نظيرهم الشرير في الشيطان والوَحْش والنَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ومثلما مات يسوع وقام ثانيةً من الأموات، كذلك يُصَوَّر الوَحْش على أنَّه يموت ويقوم إلى الحياة.

إنَّ “سِمَة” الوَحْش التي يَتَلَقَّاها غير المؤمنين على جَبْهَتِهِمْ أو على يَدِهِمِ الْيُمْنَى هي سَرِقَة شيطانيَّة، مُحَاكَاة بائسة فاسدة، تقليد مُزَيَّف “للسِّمَة” التي يَتَلَقَّاها المؤمنون على جِبَاهِهِمْ. اُنظُرْ إلى النصوص التي “يُخْتَمُ” فيها شعب الله على جِبَاهِهِمْ:

  • لَا تَضُرُّوا ٱلْأَرْضَ وَلَا ٱلْبَحْرَ وَلَا ٱلْأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلَهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ (رؤيا 7: 3).
  • وَقِيلَ لَهُ أَنْ لَا يَضُرَّ عُشْبَ ٱلْأَرْضِ، وَلَا شَيْئًا أَخْضَرَ وَلَا شَجَرَةً مَا، إِلَّا ٱلنَّاسَ فَقَطِ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ ٱللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ (رؤيا 9: 4).
  • ثُمَّ نَظَرتُ، فَإذَا الحَمَلُ يَقِفُ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. وَيَقِفُ مَعَهُ المِئَةُ وَأرْبَعَةُ وَأرْبَعُونَ ألْفًا الَّذِينَ كُتِبَ عَلَى جِبَاهِهِمِ اسْمُ الحَمَلِ وَاسْمُ أبِيهِ (التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ، رؤيا 14: 1).
  • وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ (رؤيا 22: 4).

لا أَحَدَ أعرفه يعتقد أنَّ كُلَّ المسيحيِّين سيحملون حرفيًّا وجسديًّا وَشْمًا بِاسْمِ يسوع وبِاسْمِ الآب عَلَى جِبَاهِهِمْ، فهذه ببساطة طريقة لوصف أنَّ أولئك المولودين ثانيةً والمفديِّين بدم المسيح ينتمون إليه وإلى أبيه ومحفوظون في الإيمان بالروح القدس الساكن فيهم.

علامة الانتماء

لذلك فعندما نقرأ أنَّ النَّبِيّ الْكَذَّاب يجعل كُلَّ مَنْ هُمْ ليسوا مسيحيِّين لَهُمْ سِمَة الوَحْش مكتوبة على جَبْهَتِهِمْ، ينبغي أن نفهم ذلك كعلامة على أنَّهم ينتمون للوَحْش ومُخلِصون له. هذه “السِّمَة” عَلَى جِبَاهِهِمْ أو على يَدِهِمِ الْيُمْنَى هي ببساطة طريقة الشيطان لتقليد خَتْم الله على شعب الله. إذا كان اسم يسوع والله الآب مكتوبًا على جَبْهَتِكَ، فهذا يعني ببساطة أنَّهما يملكانك، أنَّك تنتمي إليهما، أنَّك مُخلِصٌ للرَّبِّ الْإِلَهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

أمَّا إذا كان “ٱسْمُ ٱلْوَحْشِ” (رؤيا 13: 17) مكتوبًا على جَبْهَتِكَ، فهذا يَدُلُّ على أنَّه يملكك، على أنَّك تنتمي إليه، على أنَّك مُخلِصٌ لِضِدِّ الْمَسِيحِ.

أصداء من العهد القديم

رَبَطَ البعض خلفيَّة سِمَة الوَحْش بالممارسة اليهوديَّة المُتَمَثِّلَة في ارتداء الـ تْفِيلِين أو العَصَائِب. كانت هذه عبارة عن عُلَبٍ جِلْدِيَّة تحتوي على مقاطع من الكتاب المقدس (قارِنْ خروج 13: 9، 16؛ تثنية 6: 8؛ 11: 18؛ مَتَّى 23: 5) يَتِمُّ ارتداؤها إمَّا على الذراع اليُسرَى (باتِّجاه القلب) أو على الجبهة، إلَّا أنَّ سِمَة الوَحْش كان يجب أن تُوضَع على اليَدِ اليُمنَى.

وأشار آخرون إلى أنَّ كلمة “سِمَة” كانت تُستَخدَم للتعبير عن خَتْم الإمبراطور على العقود التجاريَّة وكذلك طَبْعَة رأس الحاكم الروماني على العملات المعدنيَّة. رُبَّما إذًا، كما يُجادِل جْرِجْ بِيلْ، “تُلَمِّح السِّمَة إلى ‘خَتْم موافقة’ الدولة السياسي والاقتصادي، والذي يُمنَح فقط لِمَنْ يُوافِقون على مطالبها الدينيَّة”.

النَّظِير الشيطانيّ

يبدو واضحًا أنَّ “سِمَة” الوَحْش على أتباعه هي النَّظِير والمحاكاة البائسة الشيطانيَّان لـ “الخَتْم” الموضوع على جِبَاه شعب الله (اُنظُرْ رؤيا 7: 3-8؛ 14: 1؛ 22: 4). يكتب بِيلْ:

مثلما يَتَضَمَّن الخَتْمُ والاسمُ الإلهي على المؤمنين معنى مِلكِيَّة الله وحمايته الروحيَّة لهم، كذلك تَدُلُّ السِّمَة والاسم الشيطاني على مَنْ ينتمون لإبليس وسَيتعرَّضون للهلاك.

بالنظر إلى أنَّه من الواضح أنَّ الخَتْم أو الاسم على المؤمن هو شيءٌ غير مرئيّ يرمز إلى سُكنَى الروح القدس، يبدو من المُؤَكَّد أنَّ سِمَة الوَحْش هي كذلك طريقة رمزيَّة لوصف إخلاصِ أتباعه له ومِلكِيَّتِهِ لهم.

إذا كُنتَ تتساءل عن سبب أنَّ كُلًّا من الخَتْم على شعب الله و”السِّمَة” على غير المسيحيِّين يُوضَعان على الجبهة، فَقَد يرجع ذلك إلى أنَّ الجبهة تُشير إلى التزام المَرْء الأيديولوچي، واليَدَ إلى التطبيق العملي لهذا الالتزام.

يبدو أنَّ هذه النظرة تتمتَّع بالكثير من الثِّقَل لاتِّساقها مع شهادة كُلِّ الكتاب المقدَّس.

شارك مع أصدقائك

سام ستورمز

حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة تكساس، وهو راعي كنيسة بريدجواي بمدينة أوكلاهوما الأمريكية.