الكتاب المقدس كتاب فريد. فهو مكتبة أكثر من كونه كتاب واحد. وهذا ما يجعل البعض يتشكك في كيف جُمعت كل هذه الأسفار ووضعت معًا.
1. قانونية العهد الجديد
فإذا تحدثنا أولًا عن العهد الجديد، لوجدنا أنه يتكون من 27 سفرًا، بعضها كُتب من السجن، والآخر من المنفى (كسفر الرؤيا)، وبعضها من إيطاليا أو تركيا. فالذي كان يحدث عندما كانت تستلم كنيسة ما أحد أسفار العهد الجديد، كانت تقوم أولًا بقبولها والاعتراف بها ليس على أنها كلام بشريّ، وإنما ككلمة الله (تسالونيكي الأولى 13:2)، ثم كانت تلك الكنيسة تقوم بنسخها وإرسالها للكنائس الأخرى. ولدينا في العهد الجديد تلميح لذلك في كولوسي 16:4 حيث يقول بولس: “وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ [في الأغلب رسالة أفسس] تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا.”
هناك اعتقاد غير دقيق أن أقدم قائمة بأسفار العهد الجديد كما نعرفها اليوم هي تلك التي وضعها أثناسيوس الرسوليّ في القرن الرابع الميلاديّ. ولكن قبل أثناسيوس بمائة عام، أي في منتصف القرن الثالث، كتب العلامة أوريجانوس قائمة ضمت أيضًا ذات أسفار العهد الجديد الـ27.[1] بل ولدينا ما هو أقدم من ذلك، وهي “القائمة الموراتورية” من القرن الثاني الميلادي، وقد ضمت كل أسفار العهد الجديد، باستثناء رسالة يوحنا الثالثة والرسالة إلى العبرانيين.[2]
2. قانونية العهد القديم
يحتوي العهد القديم على 39 سفرًا، وهي مجموع الأسفار التي آمن بها اليهود بكونها أسفار مقدسة، وكذلك الكثير من آباء الكنيسة الأوائل. هناك فقط اختلاف طفيف في عدد هذه الأسفار بين اليهود والمسيحيين (وليس في النصوص)، ويرجع السبب في ذلك إلى أن بعض هذه الأسفار لدى اليهود هي أسفار مدموجة معًا. على سبيل المثال، فإن سفري صموئيل الأول والثاني لدى المسيحيين، هو في الكتاب اليهودي سفرًا واحدًا. ينطبق ذات الأمر على أسفار الملوك وأخبار الأيام، وكذلك أسفار الأنبياء الصغار والتي هي في الكتاب اليهودي سفرًا واحدًا مجمعًا يُسمّى سفر “الأثنا عشر”.[3]
ولكن ماذا عن الأسفار المحذوفة؟
في الحقيقة هذه تسمية غير دقيقة. فكنائسٍ مثل الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة تدعوها “الأسفار القانونية الثانية”، بينما يستخدم الإنجيليين ذات المُصطلح الذي أطلقه “إيرونيموس” على هذه الكتابات، وهو مُصطلح “أبوكريفا” أو المخبأة.[4] بكلمات أخرى، بينما تقبل الكنائس الأرثوذكسيّة والكاثوليكية هذه الكتب ضمن أسفار العهد القديم الخاصة بها، ترفضها الكنائس الإنجيلية.
وبين القبول والرفض هناك تاريخ وهناك منطق وراء رفض هذه الكتابات.
أولًا: الخلفية التاريخية:
عندما شرع مترجمو ا أسفار الكتاب المقدس العبريّة والآرامية إلى اليونانية والتي عُرفت فيما بعد باسم الترجمة السبعينيّة، ضموا إلى عملية الترجمة هذه ترجمة العديد من الكتابات الأدبيّة اليهوديّة الأخرى.[5] الأمر أشبه بحين تشرع جهة ما بترجمة الأدب العربيّ إلى لغة أجنبية، فإنها سوف تقوم بترجمة كتابات نجيب محفوظ والمعلقات جنبًا إلى جنب مع القرآن والأحاديث وكتب السيرة. فكون الترجمات السبعينية قد ضمّت كتابات أدبيّة أخرى إلى جانب ترجمة أسفار العهد القديم، فهذا لا يعني اعتبارها كُتُبًا مقدسة. إذ أن اليهود أنفسهم لم يعتبروا هذه الكتابات قط ضمن أسفارهم المقدسة.
ثانيًا: أسباب رفض الإنجيليين لهذه الكتابات:
- لم يقبل اليهود هذه الكتابات ضمن أسفار كتابهم المقدس، سواء في مجمع جامينا في نهاية القرن الأول الميلاديّ، أو حتى قبل ذلك. إذ رفضها كل من يوسيفوس المؤرخ اليهوديّ، وفيلو الفليسوف.[6]
- اختلف آباء الكنيسة حول قبول تلك الكتابات المُضافة إلى الترجمة السبعينية ضمن أسفار العهد القديم. فقد رفضها أوريجانوس، وكيرلس الأورشليمي وأثناسيوس الرسوليّ ومليتو أسقف ساردس.[7] وفي حين أن جيروم رفض تلك الكتابات أن تكون مصدرًا للعقيدة المسيحية، أصر أوغسطينوس على قبولها كأسفار مقدسة.
- إلى جانب الأخطاء التاريخيّة والجغرافية الجسيمة في هذه الأسفار، فإنها تحتوي أيضًا على تعاليم مخالف للكتاب المقدس كالصلاة لأجل الموتى، وأن العطاء والإحسان يكفران عن الخطايا، وأن الله لم يخلق العالم من العدم وإنما من مادة موجودة مُسبقًا. كذلك يُقر كاتب المكابيين الأول (وهو أحد هذه الكتابات المُضافة) في أكثر من موضع أنه كتب هذا النص أثناء الفترة المعروفة باسم فترة “صمت الوحيّ” حيث لم يكن نبيّ في إسرائيل، وأن ما كتبه ربما شابه بعض التقصير (راجع المكابيين الأول 46:4؛ 27:9؛ 41:14).
في النهاية، تكمن القضيّة الأساسيّة في الخلاف بين الإنجيليين من جهة والكاثوليك والأرثوذكس من جهة أخرى فيما إذا كان لدى الكنيسة السُلطة في منح مجموعة كتبٍ صفة أنها قانونية أو كلام الله، أم أن دور الكنيسة هو أن تُقر وتقبل فقط الأسفار الموحى بها ضمن أسفارها القانونية.[8] فنحن علينا أن نقبل أسفار العهد القديم كما أقرها اليهود وصادق عليها المسيح. إذ في كل اقتباسات المسيح (ورسله) من العهد القديم، ليس هناك أقتباس واحد من تلك الكتابات أبوكريفية.[9] وليس في سُلطتنا إضفاء شرعية غير مُستَحقة على كتاباتٍ لم يقبلها الكثير من الآباء الكنيسة واليهود أنفسهم، وبها الكثير من الأخطاء التاريخية واللاهوتيّة، لمجرّد أنها تدعَم بعض العقائد الكاثوليكيّة والأرثوذكسية كالصلاة على الموتى.
[1] Origen of Alexandria, Homilae in Iosuam, 7:1.
[2] Timothy Paul Jones, Why Should I Trust the Bible? (Christian Focus, 2019), 130-131.
[3] J. Daniel Hays, The Message of the Prophets: A Survey of the Prophetic and Apocalyptic Books of the Old Testament (Grand Rapids: Zondervan, 2010), 260-263.
[4] جوش مكدويل، برهان يتطلب قرارًا: براهين تاريخية على صحة الإيمان المسيحيّ، ترجمة منيس عبد النور (القاهرة: دار الثقافة، 1991)، 43.
[5] Timothy Paul Jones, Why Should I Trust the Bible? (Christian Focus, 2019), 112.
[6] Michael J. Kruger, “The Apocrypha.” The Gospel Coalition. Accessed July 3, 2022. https://www.thegospelcoalition.org/essay/the-apocrypha/
[7] Ibid.
[8] Wayne Grudem, Systematic Theology: An Introduction to Biblical Doctrine (Grand Rapids: Zondervan, 1994), 59.
[9] Timothy Paul Jones, Why Should I Trust the Bible? (Christian Focus, 2019), 119.