بفضل قيامة يسوع، جرى ترويض كل التهديدات الموجَّهة إليك. فقد غلب يسوع الموتَ، لذا فالموت والشر لم يعودا نهاية القصة. بل يمكنك أن تحظى بالرجاء.
في سفر الرؤيا، نجد أن أحد موضوعاته الرئيسيَّة هو الانتصار والغَلَبة عبر بوَّابة الألم. فعدد تكرار الفعل “غَلَبَ” يوضِّح هذه الفكرة (حيث ورد 17 مرة). يسرد يوحنا وعودًا رائعة، ويخاطب بها تحديدًا أولئك الذين “يغلبون”:
- “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ” (2: 7).
- “مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي” (2: 11).
- “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ” (٢: ١٧).
- “وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ” (٢: ٢٦).
- “مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ” (3: 5).
- “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ” (3: 12).
- “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ” (3: 21).
ذاك الذي غَلَبَ
كيف ستتحقَّق تلك الوعود الهائلة؟ كيف يتسنَّى لأولئك الذين يغلبون أن يحقِّقوا هذه الوعود وسط الضيق والاضطهاد؟ كيف سيجدون القوَّة لتحمُّل كل الصعاب والتغلُّب عليها؟ يُجيب الرسول يوحنا عن ذلك: سيغلبون حين ينظرون بالإيمان إلى الذي سبق فغلب وانتصر.
“فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: «لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ». وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ”. (رؤيا ٥: ٥-٦)
يصف يوحنا يسوع بأنه الأسد الملك وكذلك الحمل الوديع، الذي غلب كلَّ أعدائه وأعدائنا. إنه “الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ”، وهو أيضًا الذي “أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ” (رؤيا 1: 5-6).
نحن نملك معه لأنه مات، وحرّرَنا، وجعلنا ملوكًا لمجده.
هذه الحقيقة إنما تهدف إلى تشجيعك في غمرة الألم. فنحن نتبع الفادي المصلوب الذي بموته وقيامته قد انتصر. يقول يسوع لكلِّ واحد منَّا: “لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ” (رؤيا 1: 17-18).
وهذه الصورة للمسيح المنتصر الذي يغلب من خلال الألم تهدف أيضًا إلى إعطائك الرجاء. فباتِّحادك معه، أنت أيضًا ستغلب حين تنظر بعين الإيمان إلى ذاك الذي أكمل كل شيء نيابةً عنك. ولهذا السبب يكتب يوحنا: “وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ” (رؤيا 12: 11).
ما الذي لن يفعله لأجلنا الآن؟
تهدف هذه الحقيقة إلى تحريرك حتى تتنفَّس الصعداء وأن تشكر بدلًا من اليأس. لأن خطَّة الله هي ألَّا يدع أي شيء على الإطلاق يفصلك عن محبته، بل يمكنك أن تواجه بثقةٍ أبشع ما في العالم من شكٍّ وعدم يقين. مثلما يصرِّح الرسول بولس:
“فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا”. (رومية 8: 31-39)
لا شكاية، ولا اتِّهام، ولا إدانة، ولا انفصال.
وبما أن الله قد رفض أن يُمسك عنَّا ابنه الوحيد، بل أسلمه من أجلنا أجمعين، فهو من المؤكَّد -دون أي شكٍّ أو احتمالٍ للفشل- سوف يتكفَّل بك. فكما كتب يوحنا ذهبي الفم (347-407 ميلاديًّا):
إنَّ العجيب في الأمر ليس فقط أنَّ الله الآب بذل ابنه، بل أنه ضحَّى بمن أحبَّ. فإنه لأمرٍ مدهش أن يُعطي حبيبه للذين كرهوه. انظر إلى أي مدى يكرمنا الله. فحتى حين كنَّا نبغضه وكنَّا أعداءه، أعطانا ابنه الحبيب.
ولأن خطة الله من نحوك مؤكَّدة تمامًا، بات بإمكانك أن تواجه بكل ثقةٍ أصعبَ الظروف، وأشد الأعداء ترويعًا، وأكثر المِحن فتكًا. فإنك لا تنجو من هذه التجارب فحسب، بل “يعظم انتصارك”، لأنه ما مِن شيءٍ على الإطلاق يقدر أن يفصلك عن محبة الله اللا متناهية في المسيح.