يسوع بِصفته ابن الله

التعريف

يسوع هو ابن الله، مَن تقود إليه كل النصوص المُقدَّسة والذي هو الإله المُتجسِّد.

الموجز

يسوع هو ابن الله. إن هذا التصريح العقائدي صحيحٌ وكذلك إشكالي. في تاريخ الكنيسة، كان مصدرًا للكثير من الجِدال، وفي الكتاب المُقدَّس، يُعد حقيقةً لاهوتيَّة بديهيَّة تَتطلب دراسةً دقيقة. عند البدء بلاهوتٍ كتابي للبِنوَّة، سنرى كيف يَتحدَّث الكتاب المُقدَّس عن يسوع بِصفته ابن الله بطُرقٍ مُتعدِّدة. عن طريق فَهم كيف كان آدم، وإسرائيل، وداود “أبناء الله،” سنَفهم بشكلٍ أفضل معنى أن يسوع هو ابن الله. لكن سنرى أيضًا كيف يتم التمسُّك بِبِنوَّته الأزليَّة والإعلان عنها عن طريق بِنوَّته الإنسانيَّة، فنحن مَن نَتبع المسيح يجب علينا دائمًا أن نَتمسَّك بالاعتراف ونُدافع عنه – أن يسوع هو المسيح، ابن الله.


يسوع هو ابن الله. إن هذا التصريح كتابي وبديهي بشكلٍ بارز للإيمان المسيحي المُستقيم. في نفس الوقت، كان من أكثر التصريحات التي تمت إساءة فهمها، ومُناقشتها، والارتباك بسببها في تاريخ الكنيسة. إن مَجمع نيقية (٣٢٥ م) ومَجمع خلقيدونية (٤٥١ م)، ضمن مجامع أخرى، رَدَّا على الهرطقات المُرتبطة بمعنى أن يسوع هو ابن الله. بطريقة استقرائيَّة أكبر، عندما نَنظر إلى الكتاب المُقدَّس، نجد أن عبارة “ابن الله” تُستخدَم بطرق مُتعددة. كيف نَفهم هذا اللقب الضخم؟

فيما يلي، سأتتبَّع موضوع البَنوَّة عبر الكتاب المُقدَّس لأرى كيف يقود إلى يسوع المسيح. من هذا المَسح، سنكون جاهزين لأن نَفهم كيف يُعد المسيح ابنَ الله. والأهم من ذلك، سنَرى كيف ترتبط بِنوَّة يسوع بإنسانيَّته المُتفوِّقة وبِنوَّته الأزلية.

لَقب ابن الله في اللاهوت الكتابي

في فَحصه للبيانات الكتابيَّة حول تعبير “ابن الله،” وجدَ جرايم جولدزورثي (Graeme Goldsworthy) خمسة عشر استخدامًا مختلفًا في الكتاب المُقدَّس.[1] بالمِثل، يشرح دي إيه كارسون (D. A. Carson) كيف أن هذا “اللقب الكريستولوجي” قد “تم تجاهله عادةً، وأحيانًا أُسيئ فهمه، وحاليًا أصبحَ محل جَدلٍ.”[2] في تلخيصه لما أعلنته النصوص الكتابيَّة، يُظهر كارسون كيف أن عبارة “ابن فلان” ليست عبارة بيولوجيَّة دائمًا، بل عادةً ما تكون مهنيَّة (أي أن أباك يُحدد عملك)، وتَحمل معها نطاقًا واسعًا من المعاني.[3] فيما يَتعلَّق بعبارة “ابن الله،” ذَكرَ كارسون سبع استخدامات مختلفة:[4] إن آدم، إسرائيل، داود، شعب الله العهدي، الذين تبنَّاهم اللهُ (في المسيح)،[5] المُتمثِّلين بالله، والمؤمنين الذين سينالون ملكوتًا من الله، حملوا لَقبَ ابن الله. يُلاحظ كارسون أيضًا أن لَقب “ابن الله” يُستخدَم للإشارة إلى الملائكة (مِثل، أيوب ١: ٦؛ ٢: ١؛ ٣٨: ٧؛ قارن مع تكوين ٦: ٤)، لكنه يُركِّز انتباهه على استخدامات اللَقب للإشارة إلى البشر.[6] سأقوم بنفس الأمر.

بتحديدٍ أكبر، نالَ المسيحُ لَقبَ “ابن الله” بأربع طرق على الأقل.[7] هو “ابن الله” من حيث أنه حقَّقَ دور (١) آدم، (٢) إسرائيل، (٣) داود. لكن، بخلاف كونه وسيطًا للعهد الذي فاق “أبناء الله” السابقين هؤلاء، يسوع هو أيضًا (٤) الابن الإلهي. من الواضح أننا نستطيع أن نرى لماذا “أحيانًا يُساء فَهم” هذا اللَقب.

إن دراسة كاملة بخصوص كون يسوع ابن الله ستَنظُر إلى كل هذه الاستخدامات. سأتعامل هنا مع الطُرق التي نُظر بها إلى يسوع بصفته ابن الله مثل آدم، وإسرائيل، وداود. ثُم سأتطَّرق إلى كيف ارتبطَ تحقيقه لهذه الأدوار بطبيعته الإلهيَّة بصفته الله الابن.[8]

صورة الله: آدم بصفته ابن الله والمسيح بصفته آدم الأخير

إن نَص لوقا ٣: ٣٨ لا لَبس فيه: آدم هو “ابن الله.” في نهاية سلسلة نسب يسوع (٣: ٢٣-٣٨)، أشار لوقا إلى يسوع بأنه من نسل آدم، عن طريق نسل إبراهيم. بوضعها في بداية خدمة يسوع العَلنيَّة، تُشير سلسلة النسب هذه إلى يسوع بصفته “ابن آدم” و”ابن الله.” عند شرح خلفيَّة هذا الربط من تكوين ٥: ١-٣، كتب براندون كروو (Brandon Crowe): “في مُشابهةٍ لأبوَّة آدم لشيث (وباقي نسله)، يُعد الله أبًا لآدم، ولذلك ينبغي النظر إلى آدم باعتباره ابن الله.”[9]

يتم توضيح الأهميَّة اللاهوتيَّة لهذا الربط بين يسوع وآدم تدريجيًا في الأناجيل، وفي رسائل بولس، وفي رسالة العبرانيين.[10] يُقدِّم بولسُ آدمَ بصفته مِثالًا للمسيح في رومية ٥: ١٤. باستخدام كون آدم مِثالًا في ١ كورنثوس ١٥: ٤٥، دعا بولسُ يسوعَ مُجددًا “آدم الأخير.” يُعلِن نَصُّ كولوسي ١: ١٥ أن يسوعَ “هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ.” ويُقدِّم نَصُّ عبرانيين ١: ٣ الابنَ الذي “هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ.”

في هذه الآيات، نَجِد رابطًا قويًا بين البِنوَّة، والصورة، والمجد. لكن، حيث أخفقَ آدم في أن يُعطي الله المجد (بينما استمرَ في كونه على صورة الله)، يُعد آدم الأخير الابنَ/الصورة/ المجد الحقيقي لله. في هذا الدور، يقود يسوع أولاد الله إلى المجد (عبرانيين ٢: ١٠). بكلمات أخرى: بصفته الإنسان الحقيقي، يُعد يسوعُ الابن الحقيقي لله. والأهم من هذا، بصفته ابن الله مِثل آدم، فإن كل ما هو حقيقي بخصوص الإنسان الأول يُعتبر حقيقيًا بخصوص يسوع – لكن على نحوٍ أفضل.

شعب الله العهدي: إسرائيل بصفته ابن الله والمسيح بصفته إسرائيل الحقيقي

ثانيًا، يُشار إلى شعب إسرائيل بصفته “الابن البِكر” لله (خروج ٤: ٢٢، ٢٣). في ذلك السياق، سمَّى يهوه شعبَ إسرائيل ابنه البِكر، عندما كان يُهدِّد بأن يَقتل الابن البِكر لِفرعون. ما حدث بعد ذلك في سِفر الخروج هو مُنافسة لرؤية مَن هو الابن الحقيقي لله. وفقًا للمعتقدات المصريَّة الفرعونيَّة، سيُصبح الابنُ البِكر لِفرعون “ابنَ الله” القادم. لكن، عندما خلَّصَ اللهُ أبناء إبراهيم من أرض مصر، أظهرَ مَن هو الابن الحقيقي لله.

عرَّفتْ النصوصُ الكتابيَّة اللاحقة الخروجَ باعتباره المكان الذي أصبحَ اللهُ فيه أبًا لإسرائيل (تثنية ٣٢: ١٨؛ مزمور ٨٠: ١٥؛ إرميا ٣١: ٩؛ هوشع ١١: ١). والأهم من ذلك، إن هذا التعريف الجماعي لابن الله يَشرح كيف يُعتبر إسرائيل مِثل آدم – إسرائيل هو “آدم الجماعي.”[11] لذلك، أصبح الأمرُ الذي بدأ مع آدم مستمرًا الآن مع إسرائيل إلى أن يَنتقل إلى المسيح.

في إنجيله، أشار متى إلى يسوع بصفته إسرائيل الحقيقي عندما اقتبسَ هوشع ١١: ١ في متى ٢: ١٣-١٥ – “مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني.” عن طريق استخدام لَقب إسرائيل للإشارة إلى يسوع، شرحَ متى كيف يُعد يسوع ابنَ الله.[12] بالمِثل، عندما قاد الروحُ القُدس يسوعَ إلى البرية مدة ٤٠ يومًا (متى ٤: ١-١١)، كرَّرَ أحداث شعب إسرائيل، مُشيرًا إلى نوع بِنوَّة يسوع – ابنٌ مِثل إسرائيل.[13] لكن يسوع لن يَعصى أباه مثلما فعلَ إسرائيل؛ سيُثبِت يسوع طاعته حتى الموت، صائرًا بذلك البِكر من الأموات (كولوسي ١: ١٨).

المَلك الخاص بالله: ابن داود بصفته ابن الله والمسيح بصفته ابن داود

يَرتبط أهم لَقب “ابن الله” ناله المسيح بداود. في مزمور ٢: ٧، نَجِد هذه الكلمات: “أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.” في سياقه الأصلي، يُعتبر هذا التصريح امتدادًا شعريًا لعهد الله مع داود في ٢ صموئيل ٧، لا تصريحًا مُباشرًا عن ألوهيَّة يسوع.[14] لأنه في السابق، في ٢ صموئيل ٧، وَعدَ اللهُ أن يَبني بيتًا لداود (أي سُلالة حاكمة). في عهده مع داود، وَعدَ اللهُ داود بابنٍ سيَجلس على عرشٍ أبدي (الآيات ١٢-١٤)، وسيكون ابن الله. مثلما قال الله عن ابن داود: “أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا” (آية ١٤)، في تاريخ إسرائيل المُباشر، تحقَّقَ هذا الوعد في سليمان. حَكمَ بحكمةٍ وعدلٍ، آتيًا بالسلام والبركة للناس عن طريق قيادة الأمَّة مِن جبل صهيون. 

للأسف، كانت طاعة أبناء داود قصيرة الأجل. حوَّلَ سليمان قلبه بعيدًا عن الله، ليَخدمَ أوثانًا. ولاحقًا، كسرَ وَرثَة داود، باستثناءات قليلة، عهدهم مع الله وخسروا حقَّهم في أن يَجلسوا على العرش. مع ذلك، تم إعداد قالب المَلك الداودي الذي سيكون ابن الله، ومثلما رثى الأنبياءُ سقوطَ بيت داود، بدأوا في أن يُصرِّحوا بوعودٍ عن ابنٍ لداود سيُعيد صلاحُه المملكةَ لإسرائيل. لقد نشأ رجاءٌ يَتعلَّق بعهدٍ جديد من خلال العديد من النبوات الأخرى عن مَلكٍ سيتألَّم بصفته عبدًا (إشعياء ٤٢، ٤٩، ٥٠، ٥٣) وسيقترب من عرش الله بصفته كاهنًا (إرميا ٣٠: ٢١؛ زكريا ٣: ١-١٠؛ ٦: ٩-١٥؛ مزمور ١١٠؛ ١٣٢). وفي كل حالة، كان هذا الرجاء يُصاغ في تعبيرات تَتعلَّق بِنَسل داود.[15]

في العهد الجديد، يسوع هو ابن داود، الذي صلاحه في ظل وعود الناموس يُثبِت أنه هو الابن الحقيقي لله، وهو ما يُحقِّق كل وعود العهد [المِيثاق] الجديد. في الواقع، من الواضح أن رسالة الإنجيل تَستند على وعود الله لداود (رومية ١: ٣؛ ٢ تيموثاوس ٢: ٨). إذا اكتفينا بمَقطع واحد فقط، فإن نَص رومية ١: ٢-٤ يشرح كيف أن يسوع، بصفته ابن داود، هو ابن الله ورجاء الخلاص.

في هذه الآيات، تحدَّثَ بولس عن نوال المسيح لِلَقب “ابن الله” عند قيامته. تقول الآيات ٣، ٤: “عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، ٤ وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.” بشكل حاسم، يُفهَم هذا المقطع بأفضل حال على أنه يتحدَّث عن تمجيد المسيح عند قيامته.[16] بينما يسوع هو الله الابن عبر كل حياته الإنسانيَّة، إلا أن قيامته أعطته لقبَ “ابن الله.” هذه هي شهادة أعمال الرسل ١٣: ٣٢، ٣٣ وعبرانيين ٥: ٥، ٦ أيضًا.

يَرجع هذا اللَقب المُمجَّد إلى ٢ صموئيل ٧: ١٤. لكن الآن، يُستخدَم للإشارة إلى يسوع الذي أثبتَ أنه الابن الحقيقي لله وأنه يَستحق العرش الأبدي. مثلما تؤكِّد رسالة العبرانيين، نالَ يسوعُ لَقبَ “ابن الله” فقط بعد أن “كُمِّلتْ” إنسانيَّته (عبرانيين ٥: ٥، ٦). هذا هو السبب الذي لأجله تُجادل رسالة العبرانيين بأنه كان ضروريًا للابن أن يَتعلَّم الطاعة من خلال التألُّم (آية ٨). بكلمات أخرى، عندما قامَ المسيح من الأموات وصعدَ إلى يمين الآب (مُتممًا مزمور ١١٠: ١)، وُضعتْ كل الخليقة تحت قدميه. في تمجيده، نالَ يسوعُ الحق في أن يَملُك على السماء والأرض (متى ٢٨: ١٨)، بصفته ابن داود، الذي هو ابن الله.[17]

باختصار، ما فشلَ آدم، وإسرائيل، وداود في أن يَفعلوه –أن يُثْبتوا بِنوَّتهم– فَعَلَه يسوعُ. وبشكلٍ عجيب، تُثْبت قيامته أنها تتويجه. حدَّدَ بولس ذلك في بداية رسالته إلى أهل رومية، وعرَّفه باعتباره مركزَ رسالة الإنجيل. في الحقيقة، هذه هي الطريقة التي يَجمع اللهُ بها في المسيح كلَ الأشياء في السماء والأرض (أفسس ١: ١٠)، عندما يُعتَرف بالابن الأزلي لله بصفته ابن الله الذي كان تاريخ الفداء يُشير إليه (قارن مع ١ بطرس ١: ١٠-١٢).

الابن الإلهي: ابن الله هو الله الابن

“وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. (غلاطية ٤: ٤، ٥). بكلمات أخرى، عندما أَخذَ الابن الإلهي طبيعةً بشريَّة جاء ليُتمِّم الدور الذي حُدد له عن طريق آدم، وإسرائيل، وداود. لكن ذلك لا يَعني أن يسوع المسيح كان فكرةً لاحقة. إن أبناء الله “الأوائل” هؤلاء كانوا مِثالًا وظِلًا للابن الحقيقي، الذي في الواقع سَبَقَهم لأن الله الابن هو الابن المولود أزليًا من الله (يوحنا ١: ١٨).

بالتأكيد، ما نَجِده في العهد الجديد هو أن يسوع هو ابن الله بمعنييْن. إنه ابن الله مِثل آدم، وإسرائيل، وداود، وهو الله الابن أيضًا، الأقنوم الثاني في الثالوث. تأتي بنا هذه الحقيقة إلى سِر التجسُّد، لكنها تَحل التوتُّر الذي نَجِده في الاستخدامات العديدة لِلَقب “ابن الله.” فيما يلي، سنَنظُر إلى بِضعة مواضع حيث سنرى هذه الحقيقة في الكتاب المُقدَّس – أي أن يسوع هو الابن الإلهي.

يُعتبر إنجيل يوحنا نُقطةَ البداية. عندما نبدأ بافتتاحيَّة الإنجيل (يوحنا ١: ١-١٨)، نَجِد يوحنا يَدعو يسوع بالابن الإلهي. إعلانه أن الكلمة الأزلي أخذَ طبيعةَ بشريَّة وسَكَنَ بيننا، أشار يوحنا إلى يسوع بصفته “الابن الوحيد للآب” (آية ١٤). إن كلمة مونوغينيس (monogenēs) هذه تُرجمت إلى “الابن الوحيد المولود” (في ترجمة الملك جيمس، وترجمة NASB)، أو إلى “الابن الواحد والوحيد” (في ترجمة NIV)، أو إلى “الابن الوحيد” (في ترجمة ESV). إن لها معنى فريد بالنسبة ليوحنا (انظر ١: ١٤، ١٨؛ ٣: ١٦، ١٨؛ ١ يوحنا ٤: ٩) وتسبَّبتْ في العديد من التحديات للمُفسرين.[18] سواء كانت تلك الكلمة تَدعم البِنوَّة الأزليَّة أم لا، فإنها تُشير بوضوح إلى يسوع بصفته الابن الإلهي. لا يُعد يسوع ابنًا مثل أي ابنٍ آخر لله، وعبر إنجيله، يعود يوحنا إلى طبيعة يسوع الإلهيَّة.[19]

على سبيل المِثال، أشار يوحنا المعمدان إلى نفسه، مُقتبسًا إشعياء ٤٠: ٣، بأنه الآتي ليُعد طريق الرب (١: ٢٣). يسوع هو يهوه المُتجسِّد، الذي قال يوحنا المعمدان إنه أعظم منه لأنه أتى قبله (آيات ١٥، ٣٠).[20] يُشير يوحنا ٥: ١٨ أيضًا إلى الابن بصفته مُعادلًا للآب، وهو ما دفعَ قادة اليهود إلى الرغبة في قتل يسوع. تَشرح الآيات ١٩-٢٩ علاقةَ الآب بالابن. وبينما تُؤكِّد على الطاعة البشريَّة التي قدَّمها الابن إلى الآب، تَشهدَ هذه الآيات إلى بِنوَّة يسوع الإلهيَّة. يُصرِّح كذلك نَص يوحنا ٥: ٢٦ قائلًا: “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ.” في سياق إنجيل يوحنا، “من اللازم أن هذا الادعاء بالألوهيَّة المُستقلِّة أزلًيًا [أي أن له حياة في ذاته] تُشير إلى طبيعة الابن الأزليَّة، لا إلى وظيفة مُرتبطة بتجسُّده.”[21]

في دَعمه لهذا التفسير، يُشير يوحنا ٨ إلى يسوع بصفته الابن الأزلي، عندما قال يسوع إنه “قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ” (آية ٥٨). تُذكِّر عبارة “أنا كائن” (egō eimi) بالاسم الإلهي للرب (“أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ” خروج ٣: ١٤)، وبالتأكيد، يُشير وجود يسوع السابق (“قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ”) إلى كونه الابن الأزلي. لكي نَذكُر مناسَبة أخرى فقط، خاطَب يسوعُ أباه في يوحنا ١٧). عندما صلى طالبًا أن يُمجِّده اللهُ على الأرض (آية ٢)، ذَكَرَ يسوع المجد الذي اشتركَ فيه مع الآب قبل الخليقة (آية ٥). عندما قال يسوع إنه سيُشارك مجده مع تلاميذه (آية ٢٤)، يُعتبر من الواضح أن ما سيراه تلاميذه هو انعكاس المجد الذي اشتركَ فيه أزليًا مع الآب. بكلمات أخرى، يسوع، بصفته ابن الله، هو واحد مع الآب في الجوهر الإلهي المُشترَك (١٠: ٣٢).[22]

تُشير الأناجيل الأخرى أيضًا إلى طبيعة يسوع الإلهيَّة. يُشير متى ١: ٢٣ إلى يسوع بصفته “عِمَّانُوئِيل، اَللهُ مَعَنَا.” يُظهر مرقس ٢: ١-١٢ و٤: ٣٥-٤١، على الترتيب، يسوعَ وهو يَغفر الخطايا ويُهدئ العاصفة. إن هذين اثنان من الأمثلة التي تُظهر فيهما أفعالُ يسوع كيف فعلَ ما يستطيع اللهُ وحده أن يفعله (راجع يوحنا ٥: ١٩، ٣٠؛ ٧: ١٦؛ ١٤: ٣١؛ ١٥: ١٥). في وضوحٍ أكبر بخصوص لَقب “ابن الله،” يُشير لوقا ١: ٣٥ إلى يسوع بأنه بدون أبٍ بشري. بدلًا من ذلك، “يُعرَّف يسوع بصفته ابن الله لأنه حُبِلَ به بالروح القُدس بدلًا من أبٍ بشري.”[23] بعدها، في نهاية إنجيل متى، يُشار إلى الابن مع الآب والروح القُدس في صيغة المعموديَّة في متى ٢٨: ١٩. أخيرًا، في متى ٢٦: ٦٣، ٦٤، يُتهَم يسوع بالتجديف لأنه أشار إلى نفسه بصفته الله. مثلما حدثَ في إنجيل يوحنا، حيث اُتهمَ يسوع بالتجديف لأنه جعلَ نفسه واحدًا مع الآب.

لا نَجد في الأناجيل أن يسوع هو ابن الله فقط، من جهة بشريَّته؛ هو ابن الله من جهة ألوهيَّته. وفي باقي العهد الجديد، تَستمر هذه الشهادة (انظر أعمال الرسل ٢٠: ٢٨؛ رومية ٩: ٥؛ كولوسي ١: ١٩؛ ٢: ٩؛ تيطس ٢: ١٣؛ عبرانيين ١: ٨؛ ٢ بطرس ١: ١). لا تَتسع المساحة لِفحصٍ شاملً لهذه المقاطع، لكن يكفي القول بأنه بخصوص تقديم العبادة ليسوع المسيح، بصفته ابن الله، نَجد أدلة واضحة على أن يسوع المسيح هو ابن الله، إنسانًا بالكامل، ومع ذلك، هو أكثر من إنسان وأعظم من أي ابنٍ آخر لله.[24] مثلما يستنتج لاري هورتادو (Larry Hurtado): “من نسيج الكريستولجي الذي قدَّمه بولس، من الواضح أن بولس رأى يسوع مُشتركًا في صفات وأدوار الله، بصفته مُشتركًا في المجد الإلهي، والأهم من ذلك، بصفته مُستحقًا لاستقبال التبجيل الرسمي مع الله في جماعة المؤمنين.”[25] في الحقيقة، تُعتبر هذه العبادة مُمكنة فقط إذا كان يسوع، ابن الله، هو الله. وهكذا، بالنسبة لكل مَن هم أولاد الله بالإيمان بالمسيح (غلاطية ٣: ٢٦)، يوجد الاحتياج المستمر للاعتراف بأن يسوع هو ابن الله (يوحنا ٢٠: ٣١). لأن فقط الذين يَعرفون الابن، مثلما يُعلنه الكتابُ المُقدَّس، لهم الحياة التي يَعِد بها باسمه. هذا هو ما يُعلِّم به العهد الجديد بوضوح، وما أدركته الكنيسة المُستقيمة ودافعتْ عنه دائمًا، وما يستمرُ التلاميذ الحقيقيون في الاعتراف به وتصديقه – يسوع هو ابن الله، مَن تقود إليه كل النصوص المُقدَّسة والذي هو الإله المُتجسِّد.


[1] Graeme Goldsworthy, The Son of God and the New Creation, Short Studies in Biblical Theology (ed. Dane Ortlund and Miles Van Pelt; Wheaton, IL: Crossway, 2015), 31–32.

[2] هذا هو العنوان الفرعي لِكتاب: D. A. Carson, Jesus the Son of God: A Christological Title Often Overlooked, Sometimes Misunderstood, and Currently Disputed (Wheaton, IL: Crossway, 2012).

[3] المرجع السابق، ١٧-٢٧.

[4] المرجع السابق، ٢٩، ٣٤. يختلف ترتيبي عن ترتيب المؤلف.

[5] يُفرِّق العهد الجديد بين بِنوَّة المسيح وبِنوَّة أتباعه (المرجع السابق، ٣٣، ٣٤). إن التبنِّي هو طريقة مُفتاحيَّة للتمييز بين بِنوَّة المسيح وبِنوَّة أتباعه: هو ابن الله بالطبيعة؛ أتباعه هم أبناء الله بالتبنِّي (انظر رومية ٨: ١٥، ٢٣؛ ٩: ٤؛ غلاطية ٤: ٥؛ أفسس ١: ٤، ٥). يشرح نيكولاس پيرين هذا الفَرق في البِنوَّة عن طريق الكهنوت: يسوع هو رئيس الكهنة؛ كل أتباعه، بصفتهم أبناءَ الله، هم كهنة ولاويون يَخدمون إلى جانب أخيهم البِكر. انظر Nicholas Perrin, Jesus the Priest (London: SPCK, 2018), 53–90.

[6] المرجع السابق، ٢٨.

[7] المرجع السابق، ٣٤-٤٢.

[8] لا تَتسع المساحة إلى ضَم الجانب الكهنوتي لبِنوَّته في هذا المقال. لكن الكهنوت يرتبط بقوة بِلَقب “ابن الله.” لِمناقشةٍ كاملة للبِنوَّة والكهنوت، انظر إلى كتابي: The Royal Priesthood and the Glory of God, Short Studies in Biblical Theology (ed. Dane Ortlund and Miles Van Pelt; Wheaton, IL: Crossway, forthcoming).

[9] Brandon Crowe, The Last Adam: A Theology of the Obedient Life of Jesus in the Gospels (Grand Rapids: Baker Academic, 2017), 29.

[10] انظر المرجع السابق، ٢٣-٥٣.

[11] G. K. Beale, The Temple and the Church’s Mission: A Biblical Theology of the Dwelling Place of God (NSBT 17; Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 2004), 120–21.

[12] G. K. Beale, A New Testament Biblical Theology: The Unfolding of the Old Testament in the New (Grand Rapids: Baker Academic, 2011), 406–12.

[13] في نفس السياق، جَرَّب الشيطان يسوع وشكَّكَ في التصريح المُتعلِّق بِبِنوَّته، قائلًا: “إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ…” (متى ٤: ٣، ٦).

[14] لا يُعتبر هذا تفسيرًا غير مُتنازَع عليه، لكن من أجل شرحٍ لِكَيف يُمكن قراءة مزمور ٢ في إطار خطة الفِداء المُنكشفة والإعلان التدريجي، انظر Wellum, God the Son Incarnate, 99–101.

[15] إن نصوصًا مِثل، إشعياء ٩: ٦، ٧؛ ١١: ١-١٠؛ إرميا ٢٣: ٥، ٦؛ حزقيال ٣٤: ٢٣، ٢٤؛ هوشع ٣: ٥؛ عاموس ٩: ١١، ١٢؛ ميخا ٥: ٢؛ زكريا ٦: ٩-١٥، تُشير كلها إلى الرجاء في مجيء داودٍ جديد.

[16] “إن لَقب ابن الله (huiou theou) في آية ٣ ليس إشارة إلى ألوهيَّة يسوع بل إلى مَلكيَّته المسيانيَّة بصفتها المُنحدر من نَسل داود (قارن مع ٢ صموئيل ٧: ١٤؛ مزمور ٢: ٧)،” وهي مَلكيَّة مسيانيَّة أُعطيتْ له “عند قيامته.” Thomas R. Schreiner, Romans (BECNT; Grand Rapids, MI: Baker Academic, 1998), 42.

[17] ينبغي ألا ننسى أن ابن داود كان ابن إسرائيل وابن آدم أيضًا. بخصوص العلاقة بين داود وآدم، انظر Peter J. Gentry and Stephen J. Wellum, God’s Kingdom through God’s Covenant: A Concise Biblical Theology (Wheaton, IL: Crossway, 2015), 194–95.

[18] للقراءة عن توجُّهيْن مُتباينيْن بخصوص كلمة مونوغينيس، انظر إلىAndreas J. Köstenberger and Scott R. Swain, Father,  Son, and Holy Spirit: The Trinity and John’s Gospel (NSBT 24; Downers Grove, IL: InterVarsity, 2008), 76–79,، لقراءة دفاع عن “الابن الواحد والوحيد،” وانظر إلى Charles Lee Irons, “A Lexical Defense of the Johannine ‘Only Begotten,’” in Retrieving Eternal Generation (ed. Fred Sanders and Scott R. Swain; Grand Rapids: Zondervan, 2017), 98–116,  ومقاله: “Let’s Go Back to ‘Only Begotten’” لقراءة دفاع عن “الابن الوحيد المولود.

[19] “إن اليهود، بعد كل شيء، نظروا إلى أنفسهم باعتبارهم “أبناء الله” بمعنى ما، لكنهم بشكلٍ صحيح أدركوا أن يسوع كان يُصرِّح بشيء أكثر من ذلك بإشاراته إلى الله بصفته أبوه.” Carson, Jesus the Son of God, 65.

[20] قارن مع Richard Bauckham, Jesus and the God of Israel: God Crucified and Other Studies on the New Testament’s Christology of Divine Identity (Grand Rapids: Eerdmans, 2008), 37–40, 219.

[21] Wellum, God the Son Incarnate, 162.

[22] يُمكننا النظر أيضًا إلى يوحنا ٢٠: ٣١، حيث يشرح يوحنا السبب الذي لأجله كتبَ إنجيله (“وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ”). مثلما يُلاحظ توماس شراينر، “في هذا الجملة السببيَّة، لا تُعتبر كلمتي “المسيح” و”ابن الله” مجرد بدل. تُشير كلمة “المسيح” إلى كون يسوع المسيا، لكن كلمة “ابن الله” تُشير أيضًا إلى علاقة يسوع الخاصة بالله – ألوهيته.” بالتأكيد، من هذا السِّفر نرى بوضوح كيف أن يسوع، الذي يُتمِّم وعود العهد القديم، هو أعظم من أي “ابن لله” في العهد القديم، Thomas Schreiner, New Testament Theology: Magnifying God in Christ (Grand Rapids: Baker Academic, 2008), 241.

[23] المرجع السابق، ٢٤٠.

[24] Bauckham, Jesus and the God of Israel, 152–81.

[25] Larry W. Hurtado, “Son of God” in Dictionary of Paul and His Letters (ed. Gerald F. Hawthorne, Ralph P. Martin, Daniel G. Reid; Downers Grove, IL: InterVarsity, 1993), 903.

شارك مع أصدقائك

أستاذ زائر للاهوت النظامي في كلية أنديانابوليس للاهوت.