يسوع بِصفته المسيَّا

التعريف

يَتمحور اللاهوت المسيحي حول الاعتقاد بأن يسوع الناصري هو “المسيح” أو “المسيَّا،” وهما مترادفان يُسلِّطا الضوء على مكانته بصفته المَلك المُخلِّص المُعيَّن من الله.

الموجز

تفيض أسفار العهد الجديد بإشارات إلى يسوع بصفته المسيح. تعود كلمة المسيح في اللغة الإنجليزيَّة (Christ) اشتقاقيًا إلى كلمة “المَمسوح” في اليونانيَّة، مثل كلمة “المسيَّا” المرادفة لها، والتي تُشتَق من الآراميَّة أو العبريَّة. إن فكرة أن يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا تَتغلغل العهدَ الجديد، لكن نفس تلك الأسفار تَكشف عن أن لَقب المَمسوح/المسيح/المسيَّا كان يُستخدَم للإشارة إلى يسوع بطريقة ثابتة بعد موته، وقيامته، وصعوده فقط. لقد تجنَّب المسيحُ نفسه اللَقبَ بشكلٍ كبير بسبب ارتباط اللَقب بدلالات خادعة. في أثناء حياته، قام المسيح بتعليم أتباعه من جديد لكي يكون لهم تقدير أكثر دِقة بشأن كيف ينبغي فَهم مفهوم المَمسوح/المسيح/المسيَّا في ضوء تعاليم العهد القديم. بينما كان مُعاصروه يتطلَّعون إلى مَلكٍ يُمارس سُلطة سياسيَّة وعسكريَّة في أورشليم، علَّمَ يسوعُ أن مملكته لن تُعرَّف من حيث الحدود السياسيَّة بل ستَضُم أشخاصًا من كل أُمَّة. آمَنَ أتباعه أنه بعد قيامته وصعوده، جلسَ يسوع عن يمين الله في السماء بصفته مَلكًا، وكانوا يتوقَّعون أنه سيعود منها في المستقبل ليَدين كل البشريَّة. في إدراك سُلطانه الملوكي الممنوح من الله، يُعد كل إنسان مُلزمًا بأن يَعترف شخصيًا أن يسوع هو الرب.

في قلب الإيمان المسيحي، كما يُشير الاسم، يوجد الاعتقاد بأن يسوع هو المسيح أو المسيَّا. تُشتَّق الكلمة الإنجليزيَّة مِيساياه (Messiah) من الكلمة اليونانيَّة (messias)، التي تَرِد مرتين في العهد الجديد (يوحنا ١: ٤١؛ ٤: ٢٥)، حيث تُستخدَم باعتبارها ترجمةً حرفيَّة للكلمة الآراميَّة مِشيحا (mešîḥā’).[1] من أجل مُساعدة قُرائه الناطقين باليونانيَّة، شرحَ يوحنا معنى كلمة (messias) عن طريق ترجمتها إلى خريستوس (christos)، وهي الكلمة اليونانيَّة التي تَعني “الشخص المَمسوح.”

بما أن الكلمة كانت ستكون بلا معنى لغير الناطقين بالآراميَّة، نادرًا ما تُستخدَم كلمة (messias) في النص اليوناني للعهد الجديد. في تبايُن ملحوظ، تَرِد الكلمة اليونانيَّة “خريستوس” حوالي ٥٣٠ مرة، وتُشير مُعظمها مُباشرةً إلى يسوع الناصري.

بينما أصبح المسيحيون اليوم مُعتادين على التفكير في كلمة “المسيح” باعتبارها الجزء الثاني من اسم يسوع، كانت الكلمة في الأصل لَقبًا، وتعني “المَمسوح،”[2] يَظهر استخدامها باعتبارها لَقبًا في العهد الجديد حيث تَرِد عبارة إيسوس خريستوس (iēsous christos) ١٣٩ مرة، وعبارة خريستوس إيسوس (christos iēsous) ٨٨ مرة. بالنسبة للقُرَّاء الأوائل للنص اليوناني للعهد الجديد، تَعني هذه العبارات “يسوع المَمسوح” أو “المَمسوح يسوع.”[3] إن الاستخدام المُتكرر لكلمة “خريستوس” يُثبت أن المسحة هي واحدة من أهم المفاهيم التي تَرتبط بيسوع في العهد الجديد.

يسوع ولَقب المَمسوح/المسيح/المسيَّا

تَتغلغل العهدَ الجديد فكرةُ كون يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا، لكن لَقب المَمسوح/المسيح/المسيَّا لم يَكُن يُستخدَم عادةً للإشارة إليه قبل موته وقيامته. يَتضح ذلك بشدة عندما يُفحَص توزيعُ لَقب خريستوس. يَرِد سبع مرات فقط في سَرد مرقس لحياة يسوع، لكنه يَرِد ٦٥ مرة في رسالة بولس إلى الكنيسة في رومية.[4]

للأسباب التي سيتم شرحها أدناه، كان لَقب المَمسوح/المسيح/المسيَّا نادرًا ما يُستخدَم للإشارة إلى يسوع في أثناء حياته الأرضيَّة. مع ذلك، على الرغم من كل هذا، أكَّدتْ كل الأناجيل الأربعة بِثقةٍ على أن يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا. عندما لَخَّص الرسول يوحنا السبب الذي دَفعه إلى كتابة سَرده لحياة يسوع، قال:

وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ. (يوحنا ٢٠: ٣٠، ٣١).

كان يوحنا يُريد أن يَقتنع قُرَّاؤه بأن يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا. يوجد تركيز مُشابه في الأناجيل الإزائيَّة. يُسلِّط كلٌ من متى ومرقس ولوقا الضوءَ على تصريح سمعان بطرس: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ” (متى ١٦: ١٦؛ مرقس ٨: ٢٩؛ يَرِد في لوقا ٩: ٢٠ التصريحُ الأقصر، “مَسِيحُ اللهِ”). إن تأكيد بطرس على أن يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا لا يُحدد فحسب نُقطةَ تحوُّل هامة في إنجيلي متى ومرقس، لكن الكلمات الافتتاحيَّة في كلا الإنجيليْن تُقدِّم يسوع بصفته المسيح (متى ١: ١؛ مرقس ١: ١).

لا يُسجِّل إنجيل يوحنا اعترافَ بطرس، لكنه بدلًا من ذلك يَضُم قصةً موازية مُذهلة عندما خاطَب يسوعُ مرثا بعد موت لعازر. رَدَّتْ مرثا على يسوع قائلةً: “نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ” (يوحنا ١١: ٢٧). إن اعترافها يُمثِّل عن قُربٍ غرضَ يوحنا من كتابة إنجيله (راجع يوحنا ٢٠: ٣٠، ٣١). بالنسبة ليوحنا، تُعتبر قصة إقامة يسوع للِعازر إلى الحياة، والتي تَقع في قلب إنجيله، تلخيصًا لِكيف أتى يسوع لكي يُعطي حياةً أبديَّة للذين يؤمنون أنه هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا.[5]

الممسوح بصفته مَلكًا

في أسفار العهد الجديد، يَرتبط لَقب المَمسوح/المسيح/المسيَّا بقوةٍ بمفهوم المَلَكيَّة، وهو ارتباط له تاريخ طويل في التقاليد اليهوديَّة. يُسجَّل سفر صموئيل الأول في العهد القديم كيف مُسِحَ شاول ومِن بعده داود بالزيت بواسطة النبي صموئيل، للإشارة إلى التعيين الإلهي لهم لِحُكم شعب إسرائيل (مِثل، ١ صموئيل ٩: ١٦؛ ١٠: ١؛ ١٦: ٣، ٦، ١٢، ١٣). على الأغلب في العهد القديم، تُشير كلمة مَشيَّح (māšîaḥ) العبريَّة إلى مَلكٍ.

الأهم من ذلك، طوَّر العهدُ القديم التوقُّعُ بأن الله سيُرسِل مَلكًا مستقبليًا، مُرتبطًا بعائلة داود، لكي يُحقق مقاصده الفدائيَّة من أجل كل الأرض.[6] في اتفاق مع هذا التوقُّع، يَربُط إنجيل متى بين مفهوم المَمسوح/المسيح/المسيَّا وفكرة أن يسوع هو “ابن داود.” يَتَّضح هذا في الكلمات الافتتاحيَّة في إنجيل متى: “كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ” (متى ١: ١). يؤكِّد متى بعدها هذا التصريح المبدئي بكتابته لسلسلة نَسبٍ تَربط يسوع بِداود.[7] عبر باقي إنجيله، يَحكي متى عن كيف أن يسوع، بصفته “ابنَ داود،” جاء لكي يؤسِّس ملكوت السماوات. 

بطريقة مُشابهة، افتتحَ الرسول بولس رسالته إلى أهل رومية بالإشارة إلى أن يسوع هو الوريث لأسرة داود المَلَكيَّة.

بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ، الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ (رومية ١: ١-٣).

رُغم نشأته البعيدة عن الحياة الملوكيَّة، تَظهر فكرةُ كون يسوع “مَلكًا” بوضوحٍ في الأحداث المُحيطة بإعدامه، من استجواب بيلاطس له (متى ٢٧: ١١؛ مرقس ١٥: ٢، ٩، ١٢؛ لوقا ٢٣: ٣؛ يوحنا ١٨: ٣٣، ٣٩)، إلى استهزاء الجنود به (متى ٢٧: ٢٩؛ مرقس ١٥: ١٧-١٩؛ يوحنا ١٩: ٢، ٣؛ قارن مع مرقس ١٥: ٣١، ٣٢)، إلى العنوان الموضوع على الصليب (متى ٢٧: ٣٧؛ مرقس ١٥: ٢٦؛ لوقا ٢٣: ٣٨؛ يوحنا ١٩: ١٩، ٢١).[8]

المَلك بصفته ابنَ الله

إن فكرة كون يسوع المَلك المَمسوح، الذي مِن نَسل داود، ترتبط عن قُربٍ بالإشارة إليه بصفته “ابن الله.” يُركَّز إنجيل مرقس تحديدًا على موضوع كون يسوع ابن الله، مُشيرًا إلى كيف تحدَّثَ اللهُ نفسه عن يسوع بصفته ابنه عندما اعتمدَ يسوعُ (مرقس ١: ٩-١١؛ قارن مع متى ٣: ١٣-١٧؛ لوقا ٣: ٢١، ٢٢؛ يوحنا ١: ٣٢-٣٤) وفي التجلَّي (مرقس ٩: ٢-٨؛ قارن مع متى ١٧: ١-٨؛ لوقا ٩: ٢٨-٣٦). تحدَّثَ يسوع بشكلٍ مُتكرر عن الله بصفته أباه، خصوصًا في إنجيل يوحنا.[9] يُمكن فَهم علاقة البِنوَّة هذه بين الله ويسوع على أن لها أهميَّة مَلكيَّة عندما يُنظَر إليها في ضوء مقاطع العهد القديم التي تَصِف علاقة الله بالمَلك الداودي. في ٢ صموئيل ٧: ١٤، تحدَّثَ اللهُ عن كونه أبًا للمَلك الداودي، ويُعبَّر عن مشاعر مُماثلة في مزمور ٢: ٧ و٨٩: ٢٦، ٢٧.

عدم رغبة يسوع في استخدام لَقب المسيح للإشارة إلى نفسه

بينما أكَّدَ كُتَّاب العهد الجديد بالإجماع على أن يسوع هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا، استمرتْ الأناجيل الأربعة في مُلاحظة أن يسوع نفسه تجنَّبَ استخدام لَقب مَيشحا/خريستوس “المَمسوح” للإشارة إلى نفسه. لقد فضَّلَ استخدام لَقب “ابن الإنسان.” يَرد ذلك التعبير ٧٠ مرة في الأناجيل الإزائيَّة و١٢ مرة في إنجيل يوحنا. في كل مرة يظهر فيها لَقب “ابن الإنسان،” يَرِد وسط كلمات تُنسَب إلى يسوع.[10] في جميع الاحتمالات، لم يَنظُر الآخرين إلى لَقب “ابن الإنسان” على أن له نَبرة مسيانيَّة. لم يَعتبر مُعاصرو يسوع أنه لقب مسياني ومِن ثمَّ لم تتبناه الكنيسة الأولى على أنه كذلك.[11]

إن استخدام يسوع لِلَقب “ابن الإنسان،” وكذلك تجنُّبه بشكلٍ مُتعمد للألقاب التي تَحمل إشارات مسيانيَّة، هو أمرٌ جدير بالمُلاحظة في ضوء كيف نسبَ إليه أتباعه لاحقًا دون لَبْسٍ لَقبَ المَمسوح/المسيح/المسيَّا. إن أفضل تفسير لهذه الظاهرة هو عدم ارتياح يسوع للكيفيَّة التي فُهمَ بها مفهوم المَمسوح/المسيح/المسيَّا عامةً في أيامه. بينما لم يَكُن هناك أي إجماع في الآراء بخصوص مجيء مَلكٍ داودي، كان هناك توقُّع واسع بأن هذا المَلك سيُعيد الرخاء إلى شعب إسرائيل، مُحررًا إياهم من قيود الاحتلال الروماني. انعكستْ هذه الآمال، على سبيل المِثال، في مزامير سليمان، وهو نَص كُتب حوالي ٥٠ ق.م، كاشفًا عن وجهة نظر الفريسيين. في مُوجز مُفيد، لاحظ باور (Bauer) أنه، بحسب هذا النَص، “مَلكهم، ابن داود،” و”المَمسوح من الرَّب،” سوف:

(١) يَطرُد بِعنفٍ الأمم الغريبة المُحتلَّة لأورشليم (١٧: ١٥، ٢٤، ٢٥، ٣٣)؛ (٢) يَحكُم كلَ الشعوب على الأرض (١٧: ٤، ٣١، ٣٨، ٣٩، ٤٧) ويَجعل تلك الشعوب “تَخدمه تحت نيره” (١٧: ٣٢)؛ (٣) يَحكُم إسرائيل بِالحكمة (١٧: ٢٣، ٣١، ٤٢) والبِر (١٧: ٢٣، ٢٨، ٣١، ٣٥، ٤١؛ ١٨: ٨)، وهو ما يَتضمَّن إزالة كل الأجانب من أرض إسرائيل (١٧: ٣١) وتطهيرها من الإسرائيليين غير الأبرار (١٧: ٢٩، ٣٣، ٤١) من أجل التخلُّص من كل الظلم (١٧: ٤٦) ومن أجل أن يَجمع لِنفسه شعبًا مُقدَّسًا (١٧: ٢٨، ٣٦؛ ١٨: ٩).[12]

في ضوء هذه التوقُّعات، لا يُعتبر أمرًا مُفاجئًا أن بطرس، بعد اعترافه بالمسيح بصفته المَمسوح/المسيح/المسيَّا، رفضَ بشدةٍ تنبؤ يسوع بأنه سيتألَّم ويموت (متى ١٦: ٢٢؛ مرقس ٨: ٣٢). تلك الكلمات كانت تجديفًا بالنسبة لبُطرس، الذي آمن أن المَلك الداودي الموعود به لا يُمكن أن يتألَّم ويموت.[13]

في اتجاه مُشابه، بحسب متى ١١، ساورتْ يوحنا المعمدان أيضًا شكوك حول مؤهلات يسوع المسيانيَّة، بعدما تحدَّثَ عنه في السابق إيجابيًا بصفته المُرسَل من الله ليُعاقب الأشرار (متى ٣: ١٠-١٢). ظهرت تحفُّظات يوحنا على السطح بسبب سجنه، لأن مثل كثيرين، توقَّعَ يوحنا أن يؤسِّس المَلكُ الآتي زمنًا للعدل، فيه سيُفَك أَسْر الذين سُجنوا ظُلمًا. مع ذلك، لَفتَ يسوعُ انتباهَ يوحنا إلى معجزات الشفاء التي صَنَعَها باعتبارها دليلًا على مكانة يسوع الخاصة (متى ١١: ٤-٦).

أعاد يسوعُ تعريفَ مفهوم المَمسوح/المسيح/المسيَّا

ضمن ثقافة ربطتْ مجيء المَلك اليهودي، الآتي من نسل داود، بالسيطرة العسكريَّة والسياسيَّة، كان يسوع حذرًا بشكل استثنائي من أن يُساء فهمه. لِسببٍ قوي، قال لبيلاطس: “مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ” (يوحنا ١٨: ٣٦). لم يأتِ يسوع ليؤسَّس حُكمه بالقوة العسكريَّة، لكن بتقديمه حياته ذبيحةً كفاريَّة عن خطيَّة العالَم. لقد تحدَّى سامعيه أن يَتبنوا تعاليمه عن محبة الأعداء. حتى عندما حيَّاه الشعب بصفته “ابن داود” عند دخوله أورشليم، كان يسوع راكبًا على حمار، لا على فرسِ مُحاربٍ (متى ٢١: ١-١١؛ مرقس ١١: ١-١٠؛ لوقا ١٩: ٢٩-٣٨؛ يوحنا ١٢: ١٢-١٥).

في ضوء التوقُّعات المسيانيَّة المُحيِّرة،[14] أعادَ يسوعُ تعليم تلاميذه بخصوص فَهمهم لمفهوم الممسوح/المسيح/المسيَّا، مُوضِّحًا الرجاء المسياني المُعلَن في العهد القديم. تَظهر هذه العمليَّة في أمثال الملكوت في متى ١٣. يُشير مَثَل الحنطة والزوان إلى أن يسوع لم يأتِ هذه المرة بصفته قاضيًا مَلكيًا ليَقتلع الأشرار (متى ١٣: ٢٤-٣٠، ٣٧-٤٣). سيكون الخير والشر موجوديْن معًا إلى وقت الدينونة المستقبليَّة. في الوقت الحاضر، سينمو ملكوت الله مُحاطًا بالشَّرِ. تُشير أمثلة حبَّة الخردل والخميرة إلى أن ملكوت السماوات لن يَتأسَّس عن طريق أحداث مُدمِّرة للأرض (متى ١٣: ٣١-٣٣). سينمو الملكوت بِبطءٍ، وعلى الأغلب دون أن يُلاحَظ.

الخاتمة إن دليل العهد الجديد بخصوص يسوع بصفته المَمسوح/المسيح/المسيَّا يَكشف أنه فقط بعد موته، وقيامته وصعوده أن أتباعه أعلنوا عَلانيةً أنه هو المَلك الموعود. بعد أن وضعَ جانبًا التوقُّعات المُعاصرة بخصوص المَلك الداودي الذي سيُعيد الرخاء لإسرائيل، صَرَّح بطرس في يوم الخمسين أن يسوع جلسَ على العرش بصفته المَمسوح/المسيح/المسيَّا عن يمين الله (أعمال الرسل ٢: ٣٤-٣٦). بالاستناد إلى مزمور ١١٠: ١، الذي استخدمه يسوع نفسه ليُجادل بأن “ابن داود” سيكون أعظم من داود (متى ٢٢: ٤١-٤٥؛ مرقس ١٢: ٣٥-٣٧؛ لوقا ٢٠: ٤١-٤٤)، رأى بطرس أن يسوع جالسٌ عن يمين الله حتى يُخضَع كل أعدائه. بصفته المَلك الذي صعدَ، سيُخضع يسوع في النهاية كلَ الأرض تحت سيادته، مؤسِّسًا عصرًا جديدًا من التناغم الكوني تحقيقيًا لتوقُّعات العهد القديم (قارن مع أعمال الرسل ٣: ١٩-٢١). يتردَّد صدى شهادة بطرس بالتبعيَّة عبر سِفر أعمال الرسل، حيث أَعلنَ أتباع يسوع الأوائل أنه هو المَمسوح/المسيح/المسيَّا (على سبيل المِثال، أعمال الرسل ٥: ٤٢؛ ٩: ٢٢؛ ١٧: ٣؛ ١٨: ٥، ٢٨).[15]


[1] إن الكلمة الآراميَّة مِشيحا (mešîḥā’) تُقابل الكلمة العبريَّة مَشيَّح (māšîaḥ)؛ كلاهما تعنيان “المَمسوح.”

[2] كثيرًا ما يُصرَّح بأن كلمة “خريستوس” تُستخدم غالبًا في العهد الجديد باعتبارها اسمًا ليسوع دون توصيل معناه الأصلي. مع ذلك، يُعتبر ذلك مفتوحًا للنقاش؛ انظر J. W. Jipp, Christ is King: Paul’s Royal Ideology, (Minneapolis, MN: Fortress Press, 2015). من الصعب تَخيُّل أن الناطقين باليونانيَّة الذين سمعوا كلمة “خريستوس،” أو حتى باعتبارها اسمًا، لم يَربطوها بالمسحة.

[3] M. F. Bird, Jesus is the Christ: The Messianic Testimony of the Gospels, (Milton Keynes: Paternoster, 2012), 16,

يكتب بيرد قائلًا: “لم يُعكَس ترتيب الأسماء اليهوديَّة أو الرومانيَّة، ويُمكن فَهم إمكانيَّة تبديل إيسوس خريستوس إلى خريستوس إيسوس فقط إذا كانت كلمة خريستوس لها دلالة لَقبيَّة.

[4] مرقس ١: ١؛ ٨: ٢٩؛ ٩: ٤١؛ ١٢: ٣٥؛ ١٣: ٢١؛ ١٤: ٦١؛ ١٥: ٣٢؛ رومية ١: ١؛ ٤، ٦-٨؛ ٢: ١٦؛ ٣: ٢٢، ٢٤؛ ٥: ١، ٦، ٨، ١١، ١٥، ١٧، ٢١؛ ٦: ٣، ٤، ٨، ٩، ١١، ٢٣؛ ٧: ٤، ٢٥؛ ٨: ١، ٢ ٩-١١، ١٧، ٣٤، ٣٥، ٣٩؛ ٩: ١، ٣، ٥؛ ١٠: ٤، ٦، ٧، ١٧؛ ١٢: ٥؛ ١٣: ١٤؛ ١٤: ٩، ١٥، ١٨؛ ١٥: ٣، ٥-٨، ١٦-٢٠، ٢٩، ٣٠؛ ١٦: ٣، ٥، ٧، ٩، ١٠، ١٦، ١٨، ٢٥، ٢٧. يَتكرر هذا النَمط لتوزيع لَقب خريستوس عندما تُقارَن الأناجيل الأربعة مع رسائل العهد الجديد.

[5] Bird, Jesus is the Christ: The Messianic Testimony of the Gospels, 1,

يكتب بيرد قائلًا: “على الرغم من كل التنوع الموجود في الأناجيل بشأن يسوع، إلا أن كل واحد مِن البشيرين الثلاثة الآخرين، بطريقته الخاصة، يَتَّفق مع مرقس في أن قصة يسوع هي قصة مسيانيَّة.

[6] انظر مقال “The Messianic Hope” على موقع ائتلاف الإنجيل باللُغة الإنجليزيَّة.

[7] كان متى يرغب في أن يُوضَّح من خلال سلسلة النسب هذه أن يسوع هو الوريث لِعرش داود. مع ذلك، يُلاحِظ بوضوحٍ أن يوسف ليس أبا يسوع، بل زوج مريم فحسب (متى ١: ١٦). بالتبعية، تابَعَ متى سَردَه بأنه حكى كيف تبنى يوسفُ يسوعَ باعتباره ابنه (متى ١: ١٨-٢٥).

[8] انظر مقال “Kingdom of God” على موقع ائتلاف الإنجيل باللُغة الإنجليزيَّة.

[9] انظر مقال “Jesus as Son of God” على موقع ائتلاف الإنجيل باللُغة الإنجليزيَّة.

[10] يَرِد الاستثناء الوحيد في يوحنا ١٢: ٣٤ عندما استخدمَ الجَمع لَقبَ “ابن الإنسان” مرتين. مع ذلك، حتى في هذه المُناسَبة، كان الناس يُرددون صدى ما قاله يسوع. يُستخدَم لَقبُ “ابن الإنسان” مرة أخرى فقط في موضع آخر في العهد الجديد. بحسب أعمال الرسل ٧: ٥٦، قبل أن يُرجَم استفانوس حتى الموت، قال: “هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ.”

[11] راجع R. T. France, Jesus and the Old Testament: His Application of Old Testament Passages to Himself and His Mission, (London: Tyndale Press, 1971), 187–188.

[12] D. R. Bauer, ‘Son of David,’ in Dictionary of Jesus and the Gospels, ed. J. B. Green, I. H. Marshall, and S. McKnight, (Downers Grove, Ill: InterVarsity Press, 1992), 767. إن كاتب النَص غير الكتابي المُسمَّى مزامير سليمان يَسأل اللهَ أن يُقيم “مَلكهم، ابن داود” “لكي يَحكُم إسرائيل” (مزامير سليمان ١٧: ٢١) وأن “يَطرُد الخُطاة من الميراث” (١٧: ٢٣). يُشير الكاتب إلى المَلك المُستقبلي بِصفته “المَمسوح من الرَّب” (١٧: ٣٢؛ قارن مع لوقا ٢: ٢٦) ويتوقَّع أنه “لن يَسمح للظُلم أن يَسكُن في وَسطهم بعد الآن” (١٧: ٢٧).

[13] إن فكرة أن المسيَّا سيكون قويًا ويتغلَّب على كل المُقاومة تَنعكس في مزامير سليمان: وهو نفسه سيكون طاهرًا من الخطيَّة كي يَحكُم شعبًا عظيمًا، من أجل أن يُوبِّخ حُكّامًا ويُزيل الخُطاة بقوة كلمته. ولن يَضعُف في أيامه، مُستندًا على إلهه؛ لأن الله جعله قويًا في الروح القُدس وحكيمًا في مشورة الفهم بالقوة والبِر. وستكون معه بركة الرب بالقوة، ولن يَضعُف. سيكون رجاؤه في الرب، فمن سيقوى عليه؟ سيكون قويًا في أعماله وقديرًا في مخافة الله، راعيًا ـقطيع الرب بأمانةٍ وبِر، ولن يَدع أيًا منهم يصير ضعيفًا في مرعاه (مزامير سليمان ١٧: ٣٦-٤٠).

[14] انظر J. Neusner, W. S. Green and E. S. Frerichs, eds., Judaisms and Their Messiahs at the Turn of the Christian Era (Cambridge: CUP, 1987); J. J. Collins, The Scepter and the Star: The Messiahs of the Dead Sea Scrolls and Other Ancient Literature, 2nd ed., (Grand Rapids: Eerdmans, 2010); M. V. Novenson, Christ among the Messiahs: Christ Language in Paul and Messiah Language in Ancient Judaism, (New York: Oxford University Press, 2012).

[15] بخصوص أهميَّة كون يسوع مَلكًا من أصل بشري، انظر D. G. McCartney, ‘Ecce Homo: The Coming of the Kingdom as the Restoration of Human Vicegerency,’ WTJ, 56 (1994) 1-21.

شارك مع أصدقائك

أستاذ الدراسات الكتابيّة ومدير قسم الدراسات العُليا بكليّة يونيون للاهوتـ بمدينة بلفاست، بأيرلندا الشماليّة.