فريق التحرير: هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه فقط. يمكنك قراءة رأي آخر بالضغط هنا.
هل تدعونا كلمة الله لاستخدام الموسيقى الصاخبة في العبادة؟ هل تنجح الكنيسة إذا ما سعت لجذب الجموع بالأضواء البراقة في اجتماعاتها؟ ماذا عن استخدام الأنشطة الرياضيّة، والهدايا المختلفة لجذب الشباب للمؤتمرات والاجتماعات الروحيّة؟
منَّا من نشأ في كنيسة تستخدم كل هذه الأمور، ولم نتوقف للحظة للتفكير في صحتها. منَّا من رأي قادته في الكنيسة المحلية يعملون هذه الأمور، فصرنا في خدمتنا الشخصية نفعل ذات الأمور عينها دون أن نتوقّف ونسأل:
هل هذا حقًا ما يريده الله منَّا؟ هل هذا الاستراتيجيّات مبنيّة على أساس كتابّي راسخ؟ أم أنها مجرد تأثيرات ثقافية غير نافعة من الناحيّة الروحيّة؟ هل هذا ما يبني الشباب روحيًا على المدى البعيد؟
متى كانت البداية؟
لنتحدث أولاً عن الموسيقى الصاخبة والأضواء البراقة. وحتى يتسنى لنا فهم هذا الأمر، ربما علينا أن نسأل أنفسنا متى ظهرت هذه المظاهر التي نجدها في كنائسنا اليوم؟ إن مُعظم هذه الأمور قد أدخلها الواعظ تشارلز فيني في القرن التاسع عشر، عندما تحدث عن التأثيرات الحديثة: الأضواء والموسيقى وتكرار عبارات وألحان محددة للتأثير على الحاضرين في الكنائس، ليأخذوا قرارات لتبعيّة المسيح. كان فيني رافضًا لكل العقائد الكتابيّة الأصيّلة التي قامت عليه حركة الإصلاح الإنجيلي. وركّز بشكلٍ ملفت على “علم الأخلاق” بدلا من “قوة رسالة الإنجيل”.
لذلك، تحولت الكثير من الكنائس من وقت فيني من الوعظ بعقائد الإنجيل وعلى رأسها “المسيح وإياه مصلوبًا” و”التبرير بالإيمان” و”معجزة الولادة الثانية”، للوعظ المرتكز على “اتخاذ القرار” بالقوة البشرية لتبعية الرب، والاجتماعات المؤسسة على اثارة المشاعر أيًا كانت الوسائل. استنتج فيني ومعه تابعيه إلى اليوم أن لدى الموسيقى البديعة والأضواء قدرة للتأثير على القلوب فتجعلها ضعيفة ومستعدة في الاجتماع لاتخاذ قرارات شعورية أقل من واعية، فباتت معظم الاجتماعات (وخاصة الكرازية) مليئة بتلك التأثيرات الشعورية!
من المسرح إلى أرض الواقع
لكن علينا أن نتذكر أن بعد الاجتماع سيخرج الناس للحياة اليومية بدون الموسيقى وتأثيراتها، ودون الأضواء وبريقها. سيخرجون لمواجهة الحياة بتحدياتها، والخطيّة الساكنة فيهم بقوتها. وعندما يفشلون، سيظنون أن كل ما يحتاجونه هو “اجتماع حماسي رومانسي آخر يجددون فيه القرار والعهد، وينالوا فيه قوة خارقة!”.
نعم، إن تركتَهم بالموسيقى والأضواء فسيُتَركُونَ بعد الاجتماع. لكن إن تركتهم بكلمة الله الحية الفعَّالة (حتى وإن كانت الكلمة في وقت مؤلمة كالسيف) فستكون الكلمة سندهم في البريَّة. إن تركتهم بمسيح الإنجيل وبإنجيل المسيح، فسيكون هو قوتهم في الحرب ضد عدم الإيمان وضد كل خطية، ضد إبليس والعالم.
ماذا يقول الكتاب؟
ولكن، هل هذا يعني أن كلمة الله معارضة للموسيقى، وللأضواء البراقة؟
بالنسبة للموسيقى، أراها في العهد القديم مركزيّة في عبادة الهيكل؛ ولا أرى أي ذكر لها في كنيسة العهد الجديد، بل أسمع أننا يجب أن نكون مُرنمين بأصوات مسموعة بعضنا لبعض، بكلمة الله، لتمجيد الله وبناء بعضنا البعض (كولوسي ٣: ١٦؛ أفسس ٥: ١٩؛ كورنثوس الأولى ١٤: ٢٦).[1] لا أرى ذبائح موسيقيّة لله في العهد الجديد، بل أرى أن ذبيحة التسبيح هي ثمر شفاهنا، فالكلمة تُشجعنا: “فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ” (عبرانيين ١٣: ١٥).
لكن لأننا نؤمن أن العهد القديم لا يزال مُعطيًا مبادئ تعليمية تقود الكنيسة، فيمكننا أن نقبل الموسيقى التي تُساعد العابدين على التسبيح بانسجام، لا الموسيقى التي تؤثر عليهم أكثر من الكلمات، ولا الموسيقى التي تجذب المُستمعين فتجعلهم يتجاهلون صحة الكلمات كتابيًا! نقبل الموسيقى التي تشجع ارتفاع أصوات العابدين لا الموسيقى التي تغطي على أصوات العابدين. ولا نقبل الموسيقى في العبادة عندما تجعل العابدين متفرجين كمسرح أغاني، مستمتعين بإبداع العازفين، وبالكاد يفكرون في الكلمات بسبب الإبهار الموسيقيّ.
أمَّا بالنسبة للأضواء فلنفتش في كلمة الله فلن نجدها في العبادة، ولنفتش في حفلات المغنيين الشعبين فنجدها! فلنفتش في تاريخ الكنيسة في أوقات قوتها الروحية فلا نجدها، ولنفتش في كنيستنا المعاصرة الواهنة روحيًا فنجدها! لذلك، سيبقى الأفضل هو أضواء عادية لا تشتتني ولا تبهرني ولا تسبي عينيّ بغير الله الثالوث، ولا تجعلني اشتاق لغير نور المسيح في قلبي وقت العبادة.
لكن ماذا عن استخدام الرياضة والهدايا في الخدمات الروحية؟ هذا موضوع حديثنا في الأسبوع المقبِل.
[1] لا يوجد ذكر للموسيقى في كنيسة سفر الأعمال ولا في الرسائل بأكملها. الذكر الوحيد في العهد الجديد نجده في سفر الرؤيا في وصف التسبيح في السماء. لكن علينا أن نتذكر في كل الأحوال أن سفر الرؤيا رمزي حتى في وصفه للعبادة. على سبيل المثال، نحن لا نستخدم بخور اليوم في العبادة مثلما نجد في العبادة في سفر الرؤيا، لأننا نفهم البخور بطريقة رمزية يُشير للصلوات. فتطبيق هذا المعيار على الموسيقى يجعلنا نستنتج أن الموسيقى تُشير لأغاني القديسين. وفي كل الأحوال، نحن لا نسمع أن الموسيقى والآلات في السماء غطت على أصوات المرنمين، بل على العكس دائما نقرأ أن يوحنا سمع صوت المسبحين في السماء واستطاع تمييز ترانيمهم (ربما عكس بعض الاجتماعات التي لا تستطيع اليوم تمييز صوت الحضور بسبب صوت الموسيقى الصاخب!).