عادةً ما يكون طريق الله مختلفًا عن طريقنا. فإنَّ طريقه الكامل ليس هو المسار الذي نتوقَّعه لأنفسنا، ولكن طريقه أعلى وأحكم وأفضل.
بعد إنقاذ شعب إسرائيل من مصر، قاد الربُّ شعبه في اتِّجاه أرض المَوْعد بعمود سحاب نهارًا، وليلاً بعمود نار (خروج ١٣: ٢١). هو قاد شعبه، خَطوا خطواتهم بسهولة وفي راحة، لأن الربُّ كان معهم.
لكن بعدها أخذ الربُّ أولاده بمحبَّة إلى مُنعطف ليمتحنهم ويُعلِّمهم. دعاهم إلى أن يُخيِّموا عند الشاطئ أمام البحر الأحمر (خروج ١٤: ١-٢). لقد رتَّب الله لهذا المُخيَّم الغريب لأنَّه عرِف أنَّ الفرعون صاحب القلب القاسي سيراه كفُرصة لينْقضَّ على شعبه من جديد (خروج ١٤: ٣). أمر الربُّ شعب إسرائيل أن يُخيِّم هناك لكي يتعرَّضوا للضغط بسبب ظروف غير مؤكَّدة.
أيُّ محبَّة غريبة تلك، أن يَضع الله شعبه في موقف خطير وفي محنة –عن عمد؟
طريق غير مُتوقَّع
ولكن كما تنبَّأ الربُّ، جمع فرعون جيشه وسعى وراءهم في أثناء تخييمهم في هذا الموقع غير الآمن. بينما اتَّجهت عجلات المركبات نحو المكان الذي استقرَّ فيه الشعب، حُصِر شعب إسرائيل بين جيش فرعون وبين شاطئ البحر الأحمر. ما الذي سيفعله الله؟ كلُّ ما استطاع الشعب تخيُّله هو أنَّ الله أخرجهم من مصر ليموتوا على شاطئ مُقفر مثل الأطفال المنبوذين (خروج ١٤: ١٠-١٢).
لم يكُن لديهم طريقٌ للهروب. لكن كان لدى الله طريق في الماضي، وهو دائمًا لديه طريق.
بينما كان فرعون وجيشه المُتعطِّش للدماء يكسبون أرضًا، صرخ موسى إلى الشعب قائلاً: “لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ” (خروج ١٤: ١٣). كان الله على وَشك أن يُحوِّل مُعسكرهم المُعرَّض للموت المؤكَّد إلى مَسرح يُظهر عليه محبَّته المُخلصة.
كانت لديه خطَّة لإنقاذ شعبه.
أين كان طريقه؟ يُخبرنا مزمور ٧٧: ١٩: “فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ”.
كان طريق الله هو الطريق غير المُتوقَّع. كان هو السبيل الذي لا يُمكن تصوُّره. لم يكُن بإمكان إسرائيل أبدًا أن يُفكِّروا في الخطَّة التي كان يعرفها هو منذ الأزل. لم يكن بإمكان موسى أبدًا أن يشمل في مسار رحلته طريقًا مُختصرًا خلال البحر لأولاد الله المُتَّجهين إلى كنعان.
كان طريق الله عبْر البحر.
أمين لكنه غير مُتوقَّع
إنَّ طُرقه ليست كطُرقنا، أليس كذلك؟ إنَّ طُرقه أعلى من طُرقنا. وهي أحكم من طُرقنا. وهي أفضل من طُرقنا. (إشعياء ٥٥: ٨، ٩).
تَذكَّروا هذا يا أولاد الله: يعمل أبونا عادةً بشكل غير تقليديٍّ. إنَّه يُحبُّ أن يختار الطريق غير المنظور لكي يسير فيه شعبه. لكنَّ دائمًا لديه طريقًا للخلاص. أحيانًا يكون ذلك عبْر البحر. سيُدبِّر الله دائمًا، لكن عادةً من خلال مصادر لن نتوقَّعها (ملوك الأوَّل ١٧: ٨-١٦؛ متَّى ٦: ٢٥-٣٤).
إنَّ الله أمينٌ، لكنه نادرًا ما يكون مُتوقَّع.
إنَّ الله جديرٌ بالثقة، وهو مُبدع بشكل عجيب في الطرق التي بها يعتني بنا. يفرح الله بإحضارنا إلى البيت من خلال طريق في البحر، لكي يكون الأمر الوحيد الذي نستطيع أن نقوله بعد ما تدوس أقدامنا على اليابسة في وجهتنا هو إنَّ “الله هو من فعل ذلك”. في النهاية، يرسم الله طريقه عبْر البحر لكي “يتمجَّد وَيَعْرِفُ [الجميع] أَنِّي أَنَا الرَّبُّ” (خروج ١٤: ٤).
لا يوجد ما يُجسِّد هذه الحقيقة أكثر من تدبير الله للخلاص من خلال يسوع المسيح. من كان يتخيَّل أن يُخلِّص اللهُ العُصاة عن طريق أن يُصبح إنسانًا مثلهم، ويموت لأجلهم، ويقوم من الأموات ليُخلّصهم؟
مثلما يتعجَّب الرسول بولس قائلاً: “يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!” (رومية ١١: ٣٣).
ليُشدِّدك، لا ليهدمك
لا أعرف ما هو الاحتياج، أو الحماية، أو الإرشاد الذي تحتاجه من الله اليوم، لكن تذكَّر هذا: إنَّ طريق الله عادةً ما يكون عبْر البحر.
يضع اللهُ أولادَه عمدًا في مواقف غير مُستقرَّة. يفعل هذا لا ليهدم إيماننا؛ يفعل ذلك ليُشدِّد إيماننا. وبمُجرَّد أن يُساعدنا على تخطِّي عَتبة ظروفنا المُجهِدة، سنرى أنَّه هو الفادي الحكيم والجدير بالثقة.
يَرسم طريقه عبْر البحر لكي يتذكَّر أولاده حياتهم ويروا طوال الأبديَّة أنَّ طُرقه صالحة وأنَّ محبَّته مُخلِصة.
ثِقوا به اليوم، يا أولاد الله. اتبعوا طريقه؛ حتَّى لو كان يقودكم عبْر البحر.