التعريف
الجحيم موضع عذاب واعٍ وأبدي لجميع الذين لا يؤمنون بيسوع المسيح. وينطوي الجحيم على انفصال نهائي عن رحمة الله وعن شعب الله، واختبار لا نهائي للدينونة الإلهيَّة، وعقوبة عادلة على الخطايا.
الموجز
تكلم يسوع عن الجحيم أكثر من أي شخصية أخرى في الكتاب المقدَّس. وقد استند تعليم يسوع على أوصاف العهد القديم للدينونة الأخيرة (إشعياء 66: 22-24؛ إرميا 7: 32-8: 3). يصف الكتاب المقدَّس الجحيم بأنه موضع عذاب واعٍ وأبدي. وكان الموقف السائد للكنيسة المسيحيَّة طوال الألفي سنة من تاريخها بشأن الجحيم هو أنه عذاب واعٍ وأبدي. لكن في العصر الحديث، ظهرت وجهات نظر أخرى بين البروتستانتيين منافسة لتعليم الكنيسة التقليدي. من بين هذه البدائل مذهب الفناء ومذهب الخلاص الشمولي. لكن، يعلِّم الكتاب المقدَّس بأن الجحيم ينطوي على انفصال نهائي عن رحمة الله وعن شعب الله، واختبار لا نهائي للدينونة الإلهيَّة، وعقوبة عادلة على الخطايا. هذه السمات الثلاث للجحيم، بحُكم تعريفها، تستبعد الرأي المتعلق بالفناء (الذي يرفض أن تكون عذابات الجحيم أبدية)، والرأي المتعلق بالخلاص الشمولي (الذي يرى أن جميع البشر سيخلصون في النهاية)، وفكرة المطهر (التي ترى أن نيران الدينونة الأخيرة هي بوابة محتَمَلة إلى الحياة الأبديَّة).
كان يسوع نفسه هو أكثر من تكلم عن الجحيم في الكتاب المقدَّس. وفي حقيقة الأمر، باستثناء يعقوب 3: 6، الشخص الوحيد الذي استخدم كلمة الجحيم (“جهنم”) من الأساس في الكتاب المقدَّس هو يسوع.
- “وَمَنْ قَالَ: يا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ” (متى 5: 22)
- “لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلَا يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ” (متى 5: 29، 30)
- “وَلَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلَكِنَّ ٱلنَّفْسَ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ” (متى 10: 28)
- “خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ” (متى 18: 9)
- “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ٱبْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا” (متى 23: 15)
- “أَيُّهَا ٱلْحَيَّاتُ أَوْلَادَ ٱلْأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟” (متى 23: 33)
- “وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ” (مرقس 9: 43)
- “وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ” (مرقس 9: 45)
- “وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ” (مرقس 9: 47-48)
- “وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ ٱلَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هَذَا خَافُوا!” (لوقا 12: 4-5)
الموضع الوحيد الآخر الذي وردت فيه كلمة الجحيم (“جهنم”) في الكتاب المقدَّس هو يعقوب 3: 6، “فَٱللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ ٱلْإِثْمِ. هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا ٱللِّسَانُ، ٱلَّذِي يُدَنِّسُ ٱلْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ ٱلْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ“.
الجحيم في الكتاب المقدَّس
الكلمة التي تُترجَم إلى “جحيم” (وفي بعض الأحيان، تُترجَم إلى “جهنم” بحسب نطقها في اللغة الأصليَّة) هي الكلمة اليونانيَّة geenna، المشتقة من الكلمة العبريَّة gê hinnōm، ومعناها “وادي هنوم”. وعلى عكس سوء الفهم الشائع والقديم، ما من دليل قط على أن وادي هنوم كان يُستخدَم كمكب نفايات. فبين يهود القرن الأول، كان وادي هنوم يشتهر بأنه الموضع الذي قُدِّم فيه الأطفال ذبائح للوثن مولك خلال فترة ملوك إسرائيل (2ملوك 16: 3؛ 21: 6)، والذي ستقع فيه دينونة الله في النهاية على أعدائه. فإن تقديم الأطفال ذبائح أثار غيظ الرب وغضبه كثيرًا لدرجة أن إرميا تنبأ بأن الله سيُهلِك عبدة الأوثان هؤلاء في وادي هنوم، وسيترك جثثهم لتتعفن هناك. وستكون هناك العديد من الجثث، لدرجة أنه لن يوجد موضع يصلح لدفنها جميعها، وسيتغير اسم هذا الوادي إلى “وَادِي ٱلْقَتْلِ” (إرميا 7: 31-34).
وارتباط هذا الوادي بالنار والدينونة هو الخلفية التي تكمن وراء استخدام هذه الكلمة في الأناجيل، حيث وصف يسوع جهنم بأنه موضع الدينونة الأخيرة. ودعاه يسوع مرتين في إنجيل متى “نَارِ جَهَنَّمَ” أو “جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ” (متى 5: 22؛ 18: 9). وفي إنجيل مرقس أيضًا، وصف يسوع الجحيم بأنه موضع لا يموت فيه الدود البتة (مرقس 9: 48أ)، ولا تُطفَأ فيه النار (متى 9: 43، 48ب). وعندما تحدث يسوع عن الدود الذي لا يموت، والنار التي لا تُطفَأ، كان يشير بصورة مباشرة إلى النبوة التي جاءت في الأصحاح الأخير من سفر إشعياء، التي تقول:
“لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْجَدِيدَةَ وَٱلْأَرْضَ ٱلْجَدِيدَةَ ٱلَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، هَكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَٱسْمُكُمْ. وَيَكُونُ مِنْ هِلَالٍ إِلَى هِلَالٍ وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي، قَالَ ٱلرَّبُّ. وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لِأَنَّ دُودَهُمْ لَا يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لَا تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ” (إشعياء 66: 22-24)
تقول الآية 22 أعلاه إن “ٱلسَّمَاوَات ٱلْجَدِيدَة وَٱلْأَرْض ٱلْجَدِيدَة” هي سياق التصريح اللاحق عن الدينونة، وهو ما يبين أن إشعياء كان يشير إلى ما هو أبعد كثيرًا من الأحداث المباشرة التي كانت تقع في أيامه، بمعنى أنه كان يشير إلى التجديد الأخروي للسماء والأرض.[1] فقد وعد الله بأن يخلق “سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً” بعد الدينونة الأخيرة (إشعياء 65: 17). وفي هذا الموضع الجديد، “لَا يُسْمَعُ بَعْدُ … صَوْتُ بُكَاءٍ” (إشعياء 65: 19)، ولن يحدث موت لأحد في غير أوانه (إشعياء 65: 20)، ولن يقاسي أحد عوزًا (إشعياء 65: 21-22)، ولن توجد أي نزاعات دموية أو شر (إشعياء 65: 25). فإن هذا سيكون موضع حضور الله، ومصدر عزاء لكل شعب الله. فإن “كُلِّ ٱلْأُمَمِ وَٱلْأَلْسِنَةِ” سيرون في النهاية مجد الله ويخبرون به (إشعياء 66: 18-19).
لكن الأشرار لن يشتركوا في فرح هذه الخليقة الجديدة. وفي حقيقة الأمر، العابدون (الساجدون) الذين سيقطنون السماوات الجديدة والأرض الجديدة سيرون أن نصيب الذين “تمردوا” و”عصوا” على الله مختلف تمامًا عن نصيبهم. وفيما يغادر هؤلاء العابدون (الساجدون) الهيكل، سيرون جثث أعداء الرب متناثرة على الأرجح في كل أنحاء وادي هنوم (راجع إرميا 7: 32-8: 3). كذلك، إن وادي هنوم هو الموضع نفسه الذي قدَّم فيه آحاز ومنسى ذبائح بشرية محرقات لمولك (ملكوم)، الإله الزائف (2ملوك 16: 3؛ 21: 6)، وهذا من شأنه أن يفسر سبب ارتباط هذا الموضع بعد ذلك بالنار. وهؤلاء الأعداء سيُبعَدون عن أفراح “السماوات الجديدة والأرض الجديدة”، وفي المقابل سيقاسون دينونة النار والدود (إشعياء 66: 24). يعبِّر الدود عن العار الذي سيلحق بالأجساد المتحللة، التي ستُترَك في العراء بعد هزيمة هؤلاء الأعداء. يفترض جاري سميث (Gary Smith)، المفسر لسفر إشعياء، أن هذه الصورة ربما تكون قد نبعت من المشهد الذي نراه في إشعياء 37: 36، حيث “تُرِكت الجثث المتحللة لمِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا من جيش أشور لتتعفن في الحقول المحيطة بأورشليم، بعدما هزم الله جيش سنحاريب”. وفي موضع آخر، استخدم إشعياء صورة النار للتعبير حضور الله المقدَّس (على سبيل المثال، إشعياء 33: 14)، وربما تبدو النار هنا جزاءً عادلًا للذين تسببوا في اجتياز الأبرياء نيران مولك. على أي حال، كل من الدود والنار هما صورتان نابضتان بالحياة تعبِّران عن الرعب الذي سيأتي على الملعونين والمدانين.
إن تصريحات يسوع عن الجحيم مستمَدَّة بصورة مباشرة من رؤيا إشعياء الأخرويَّة للدينونة الأخيرة. فقد دعا يسوع موضع الدينونة الأخيرة “الجحيم” (أي “جهنم” أو “وادي هنوم”)، وذلك وفق الصورة المرسومة في إشعياء 66: 22-24 وفي إرميا 7: 31-34. فنظير وادي هنوم، سيكون الجحيم موضع عذاب، ونار، ودود، وموت. كذلك، استقى يوحنا المعمدان من لغة إشعياء 66: 24 ليصف الدينونة الأخيرة للملعونين بأنها “نار لا تُطفَأ” (متى 3: 12؛ لوقا 3: 17). في العهد القديم، كان لحضور الله الناري تأثير ثنائي. فهو يقدس ويرشد شعبه المختار (على سبيل المثال، خروج 3: 2؛ 13: 21؛ 24: 16-17؛ تثنية 4: 12؛ إشعياء 6: 6-7)، لكنه يعاقب الخطاة غير التائبين ويهلكهم (على سبيل المثال، لاويين 10: 2؛ العدد 11: 1؛ 16: 35). وكما يصف العهد القديم حضور الله وغضبه بالنار (إشعياء 33: 14)، هكذا يستخدم العهد الجديد النار لوصف غضب الله المشتعل في الدينونة الأخيرة، في موضع يسمى الجحيم.
طبيعة الجحيم بصفته الدينونة الأخيرة
طوال معظم تاريخ الكنيسة، في كل الطوائف المسيحيَّة، كان المسيحيُّون يفهمون تعليم الكتاب المقدَّس عن الدينونة الأخيرة، وتعليم يسوع عن الجحيم، بأنه وصف لموضعٍ من العذاب الواعي الذي لا ينتهي. لكن، صار هذا التعليم موضوع الكثير من الجدل في العصر الحديث في الغرب. وربما كان جون ستوت (John Stott) هو أكثر من نجح في وصف رد الفعل الغريزي للكثيرين تجاه فكرة أن الجحيم عبارة عن عذابٍ واعٍ وأبدي. فقد كتب يقول: “إنني أجد هذا المفهوم غير محتمَل، ولا أدري كيف يستطيع الناس أن يتعايشوا معه دون أن يلغوا مشاعرهم تمامًا، أو ينهاروا تحت الضغط”.[2] هذه الطريقة في التفكير قادت الكثيرين إلى أن يسألوا كيف يمكن للعذاب الأبدي الواعي أن يتوافق مع طرق ومعاملات إله بار ومحب.
يعارض البعض هذا الرأي التقليدي بناء على أسس تفسيرية، لكن آخرين يبدون اعتراضات لاهوتية في طبيعتها، أكثر من كونها تفسيرية. يقول هيرمان بافينك (Herman Bavinck): “إن الأسس التي يبني عليها الناس اعتراضهم على أبدية عقوبة الجحيم تظل دائمًا واحدة”. ومن الأسباب أو الأسس الخمسة التي ذكرها، لم تكن الأسس الثلاثة الأولى مبنية على نصوص كتابية محددة، بل على تكهُّنات بشرية بالطريقة التي يجب أن يتصرف بها الله. وهذه الأسس الثلاثة هي كالتالي: (1) العقوبة الأبديَّة تتعارض مع صلاح الله، ومحبته، ورأفته، وتجعل منه طاغيةً؛ (2) العقوبة الأبديَّة تتعارض مع عدل الله، لأنها ليست متناسبةً بأي حال مع الخطية التي ارتُكِبت؛ (3) العقوبة الأبديَّة التي هي عقابيَّة بحتة وليست علاجيَّة هي بلا قيمة واضحة. وفي حقيقة الأمر، كانت هذه هي الأفكار التي تناولها أوغسطينوس بصورة مكثفة في دفاعه عن العقوبة الواعية الأبديَّة منذ ما يزيد على 1500 سنة.[3] ولا تزال مثل هذه الاعتراضات باقية إلى اليوم. يسأل البعض: أيَّ إله هذا الذي قد يدير موضعًا من العذاب الواعي والأبدي؟ وهل يمكن للإله المحب الذي نراه في الكتاب المقدَّس أن يكون مسؤولًا عن معاقبة غير التائبين بهذه الطريقة؟
ظهرت مجموعة من التفسيرات البديلة في ضوء هذه التحفُّظات:
- مذهب الفناء (الذي يسمى أحيانًا “مذهب الخلود المشروط”) يرى أن الجحيم هو موضع عقاب لغير التائبين. فإن الملعونين لا بد أن يكفروا عن خطاياهم بتألمهم في الجحيم، لكن في النهاية سيفنيهم الجحيم، بحيث لا يوجَدون بعد. فإن جحيمًا أبديًّا لا يتناسب مع عدل الله، ومن ثم فالذين في الجحيم سيفنون تمامًا في النهاية.
- مذهب الخلاص الشمولي يرى أن جميع البشر في النهاية سيخلصون من العقوبة. يرى أتباع الخلاص الشمولي من المسيحيين أنه في حين ربما توجد عقوبة بعد الموت لغير التائبين، ستتاح فرص للإيمان والخلاص بعد الموت. وفي النهاية، سيصالح الله كل شيء لنفسه، لأن الجحيم الأبدي أمر لا يمكن توفيقه مع محبة الله. وبالتالي، فإن الجميع سيخلصون في النهاية، والجحيم نفسه لن يوجد بعد.
- عقيدة المطهر اعتُبِرت في المعتاد عقيدة كاثوليكيَّة رومانيَّة، لكنها حظيت مؤخرًا بتأييد بين بعض علماء اللاهوت البروتستانتيين (مثل جيري وولز Jerry Walls). وفعليًّا، ليس المطهر عقيدة عن الجحيم، بل عن التقديس بعد الموت. والذين يؤمنون بعقيدة المطهر يؤمنون أيضًا بالسماء والجحيم، لكنهم يرون أن بعض الخطاة الذين هم في طريقهم إلى السماء يجب أن يجتازوا في “نيران” لتقديسهم قبل دخولهم إلى السماء. وجميع الذين في المطهر سيصلون في النهاية إلى السماء.
عذاب واعٍ وأبدي
يقول الفهم المسيحي التقليدي عن الجحيم إنه موضع عذاب واعٍ وأبدي لغير التائبين. يعلِّم الكتاب المقدَّس بأن هذه الحالة الأخيرة للخطاة الملعونين لها على الأقل ثلاث سمات: انفصال نهائي، واختبار لا نهائي، وعقوبة عادلة.
الانفصال النهائي يحدث في الدينونة الأخيرة، ويتمثل في انفصالٍ بلا رجعة للأشرار عن الأبرار وعن حضور الله برحمته. علَّم يسوع نفسه بأن الدينونة الأخيرة ستنطوي على انفصالٍ بلا رجعة بين “الخراف” و”الجداء” (متى 25: 31-46). وقال الرسول بولس إن “الهلاك الأبدي” سيختبره الناس “مِنْ [بعيدًا عن] وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ” (2تسالونيكي 1: 9). فلن تتاح أي فرص بعد الموت للمصالحة مع الله من أجل معالجة هذا الانفصال (عبرانيين 9: 27).
الاختبار اللانهائي يدل على أن عقوبات الجحيم ستُختَبَر في وعي إلى الأبد، ولن تُخفَّف بالفناء، أو بخلاص المُدانين في النهاية. في إشعياء 66: 24، نقرأ أن الدود “لا يموت”، والنار الآكلة “لا تُطفَأ”. فإن التضرُّر الجسدي للأشرار لن ينتهي البتة، بل سيدوم بقدر دوام السماوات الجديدة والأرض الجديدة (راجع إشعياء 66: 22).
قال يسوع نفسه إن “الجداء” سوف “يُلعَنون”، وسوف يُرغَمون على دخول إلى “ٱلنَّارِ ٱلْأَبَدِيَّةِ” وإلى “عَذَابٍ أَبَدِيٍّ” (متى 25: 41، 46). وعندما “يلعن” الله أحدهم، يعني ذلك أنه يستدعي الضرر أو البليَّة عليه. وطبيعة البليَّة تُلخَّص في عبارات مثل “النار الأبديَّة” و”العذاب الأبدي”. والكلمة التي ترجمت إلى “أبدي” هي الكلمة اليونانية aiōnios، وهي صفة معناها “مرتبط بدهر”. وفي هذا السياق، الدهر المقصود هو الدهر الآتي، وذلك الدهر بلا نهاية. وبهذا، تشير النار إلى الاختبار المؤلم الذي ينبغي اجتيازه لفترة “لا نهائيَّة”.
وبالمثل، العقاب (العذاب) لا نهائي (aiōnios). يقول أتباع مذهب الفناء إن العقوبة أبديَّة فقط بمعنى أن نار الدينونة تظل مشتعلة، لكن الذين يُطرَحون فيها سوف يفنون في النهاية. فهي تظل مشتعلة فيها يُطرَح فيها المزيد من الأشخاص. لكن هذا التفسير يغفل عن القيامة المزدوجة المشار إليها قبل ذلك في متى 18: 8-9. فإن الأجساد التي ستُطرَح في النار ستحمل خصائص تجعلها ملائمةً لمصير أبدي. وبالتالي، فإن العقوبة هي في حقيقة الأمر أبديَّة على كل إنسان يدخل إلى هذه النار.
بخصوص 2تسالونيكي 1: 9، ينكر أتباع مذهب الفناء كون العذاب الواعي لا نهائي، ويقولون إن كلمة “هلاك” في هذا النص معناها أن الملعونين سيتلاشون من الوجود في مرحلة معينة. وبالتالي، فإن “الهلاك الأبدي” معناه فقط أن فناءهم سيكون دائمًا. فإن معاناتهم ستنتهي في النهاية. لكن هذا سوء فهم للغة بولس. فإن كلمة “هلاك” (oletheros) لا تعني “توقُّف عن الوجود”. فإذا قلتُ إن سيارتي “هلكت” (تلفت) في حادث اصطدام وقع الأسبوع الماضي، لن يفهم أحد ذلك بمعنى أن السيارة لم تَعُد موجودة، بل بمعنى أن السيارة صارت خربة وتالفةً تمامًا بالنسبة لي نتيجةً للحادث. هذا هو المعنى الذي استخدمت به كلمة oletheros هنا. وفي حقيقة الأمر، كان بولس هو الكاتب الوحيد في العهد الجديد الذي استخدم هذه الكلمة، ولم يأت أي من استخداماته الأخرى لها بمعنى “توقف عن الوجود” (راجع 1كورنثوس 5: 5؛ 1تسالونيكي 5: 3؛ 1تيموثاوس 6: 9). بل يتعلق معناها الرئيسي بالأكثر بنوع من الخراب أو الخسارة، وليس الفناء. فهي تشير إلى ما دعاه جوردون في (Gordon Fee) “الدمار الشامل” و”الخسارة التامة للمجد”. وبالتالي، يشير الهلاك الأبدي إلى خراب وخسارة أبديتين، وليس إلى فناء.
العقوبة العادلة تعني أن الأهوال التي ستواجه المدانين والملعونين هي نوع من التعويض عن الشر، وليس وسيلة فداء أو علاج أو تجديد. فهي دينونة عقابية الغرض منها هو إظهار وتعظيم عدل الله. لننظر، على سبيل المثال، إلى كلمات يسوع في متى 25: 46، “فَيَمْضِي هَؤُلَاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلْأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ”. الكلة التي تُرجِمت “عذاب” (kolasis، أو “عقاب”) في هذا النص وردت مرتين أخريين فحسب في كلِّ العهد الجديد (متى 25: 46؛ 1يوحنا 4: 18).
البعض شككوا في الترجمة التقليديَّة لهذه الكلمة إلى “عذاب” أو “عقاب”، وفضلوا ترجمتها إلى “تقويم”. وبهذا، أمكن لكلمات يسوع أن تتوافق مع مذهب الخلاص الشمولي، حيث يصير الجحيم موضعًا مؤقتًا من التقويم، إلى أن يصير الخاطئ مؤهلًا ولائقًا من جديد بالسماء. هذه الحُجة تُضعِفها تمامًا حقيقة أن كلمة kolasis لم تأتِ قط بمعنى “تقويم” أو “تشذيب” في أي موضع آخر سواء في العهد الجديد أو في أي كتابات أدبية متصلة به. استُخدِمت الكلمة مرة أخرى في العهد الجديد، في 1يوحنا 4: 18، حيث كان معناها الواضح هو عقوبة. كذلك، صيغة الفعل من هذه الكلمة، kolazō، وردت مرتين في العهد الجديد (أعمال الرسل 4: 21؛ 2بطرس 2: 9). ويشير كلا هذين الاستخدامين أيضًا إلى عقوبة. ولم يَذكُر معجم اللغة اليونانيَّة للعهد الجديد “التقويم” أو “التشذيب” على أنهما معنيان محتملان لهذه الكلمة (BDAG)، لكن معاني الكلمة قاصرة إما على عقوبة إلهيَّة وإما على عقوبة بشريَّة. ويعرِّف المعجم كلمة kolasis، كما جاءت في متى 25: 46، بأنها “جزاء فائق”. وهذا المعنى يتفق مع استخدام هذه الكلمة في كتابات فترة ما بين العهدين، حيث كانت الكلمة تشير في المعتاد إلى الغرامة التي تُفرَض بسبب ارتكاب خطأ ما (2المكابيين 4: 38؛ 3المكابيين 1: 3؛ 7: 10؛ 4 المكابيين 8: 9)، لكنها لم تأتِ قط بمعنى “تقويم”.
ومن الأسباب الأخرى التي تدفعنا إلى التيقن من أن الكلمة لا تعني “تقويم” هو أن “العقوبة الأبديَّة” في متى 25: 46 (“عذاب أبدي”) تتعلق بالموضع نفسه حيث توجد “ٱلنَّارِ ٱلْأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ” في متى 25: 41. يميل المفسرون إلى الاتفاق معًا على أن الجحيم هو موضع عقاب دائم للمخلوقات الشيطانيَّة. وفي حقيقة الأمر، يؤكد رؤيا 20: 10 أن إبليس وأتباعه سيُطرَحون في بحيرة النار، “وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ”. فهو ليس موضع تقويم لهم. وبالتالي، إذا كان غير المؤمنين سيُطرَحون في الموضع نفسه الذي سيًطرح فيه الشياطين، فإن هذا يفترض أن مدة العقوبة واحدة لكلا الفريقين. فما من أسس في هذا النص تدعونا إلى القول بأن الجحيم “تقويمي” لأحد الفريقين، و”عقابي” للفريق الآخر. فإذا كان الجحيم عقابيًّا للمخلوقات الشيطانيَّة، فإنه كذلك أيضًا لغير المؤمنين الذين يشتركون معهم في مصيرهم في الدينونة. لهذه الأسباب، نستطيع أن نتحلى بالثقة في أن كلمة kolasis تشير إلى عقوبة لا نهائيَّة على الخطية. فهي كلمة عقابيَّة في طبيعتها، ولا تتضمن أية أفكار عن إعادة تأهيل أو استرداد.
هذه السمات الثلاث للجحيم وللحالة الأخيرة نابعة من الكتاب المقدَّس. وهذه السمات الثلاث، بحكم تعريفها، تستبعد الرأي المتعلق بمذهب الفناء (الذي يرفض أن تكون عذابات الجحيم أبدية)، والرأي المتعلق بالخلاص الشمولي (الذي يرى أن جميع البشر سيخلصون في النهاية)، وفكرة المطهر (التي تنظر إلى نيران الدينونة الأخيرة على أنها بوابة محتملة إلى الحياة الأبديَّة).
[1] see Block in Hell Under Fire