على مدار التاريخ المسيحي أعتبر الصوم في كثير من الدوائر والكتب المسيحية تدريب روحي. كما افترض البعض أنه وسيلة يمكن من خلالها النمو في حياة القداسة. ويعتبر الصوم في كل نُظم الرهبنة المسيحية ركيزة أساسية في حياة الرهبان. وليس ذلك في المسيحية فقط بل في كثير من الحركات والديانات الأخرى. في هذا المقال سنحاول الإجابة باختصار على أسئلة:
١- ما معنى الصوم في الكتاب المقدس؟
٢- أين يمكن وضع الدراسة عن الصوم في إطار تعليم اللاهوت النظامي؟ كيف نظر المُصلح جون كالفن إلى الصوم، وما هو تعليمه عن المفاهيم الخاطئة للصوم؟هل نصوم على مثال صوم المسيح؟
٣- هل يمكن اعتبار الصوم ركيزة من ركائز التقوى العملية؟ ماذا عن التدريبات الروحية الأخرى وما مدى صحة اعتبار حركة التشكيل الروحي جزءًا من الإرث المُصلح؟ وما هي علاقة تلك التدريبات بوسائط النعمة؟
أولًا: الصوم في الكتاب المقدس:
لدراسة معنى الصوم الكتابي، علينا أولًا أن نمر على أسفار الكتاب المقدس لنرى ما هي أهم المواضع التي تشير إلى الصوم. ومن أولى تلك الإشارات، ما نقرأه في سفر اللاويين الأصحاح الثالث والعشرون، ففي حديث الرب عن يوم الكفارة يوصي الله الشعب: “أمّا العاشِرُ مِنْ هذا الشَّهرِ السّابِعِ، فهو يومُ الكَفّارَةِ. مَحفَلًا مُقَدَّسًا يكونُ لكُمْ. تُذَلِّلونَ نُفوسكُمْ وتُقَرِّبونَ وقودًا للرَّبِّ.”(لا ٢٣: ٢٧) وفي هذا العدد الوصية الوحيدة في الكتاب المقدس التي يطلب فيها الله من الشعب أن يصوموا. وقد جاء التعبير عن الصوم في صيغة التذلل: (تُذَلِّلونَ نُفوسكُمْ) وهو تعبير يعني الانسحاق أمام الله وطلب الرحمة منه من خلال الإنقطاع عن ملذات الحياة. وفي هذه الحالة يعتبر الصائم حالته أنها أقرب إلى الموت أن لم يرحمه الله.
كان قصد الله من الصوم في يوم الكفارة هو تقديس ذلك اليوم، واعتبار انتظار الشعب لرضا الله عنهم هو أعظم وأهم بما لا يقاس بطعامهم وشرابهم. فمن خلال هذه الوصيه علَّم الله شعبه كيف يفهمون أن رحمة الله هي بالحق أفضل من الحياة.
كذلك نجد أسباط اسرائيل المتحدين ضد أخوتهم من سبط بنيامين في سفر القضاة الأصحاح العشرون يصومون، بعد أن اندفعوا مرتين لمحاربتهم وانهزموا، وفي المرة الثالثة يقول الكتاب المقدس: “فصَعِدَ جميعُ بَني إسرائيلَ وكُلُّ الشَّعبِ وجاءوا إلَى بَيتِ إيلَ وبَكَوْا وجَلَسوا هناكَ أمامَ الرَّبِّ، وصاموا ذلكَ اليومَ إلَى المساءِ، وأصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائحَ سلامَةٍ أمامَ الرَّبِّ.” (قض ٢٠: ٢٦). وهنا الصوم هو علامة التذلل بدل من الاعتماد على النفس، الالتجاء الى الله وانتظار سماعه بتقوى بدلًا من السلوك بالجسد.
بعد ذلك نجد الشعب بعدما دفن شاول الملك في سفر صموئيل الأول صاموا سبعة أيام علامة الحداد على موت ملكهم. “وأخَذوا عِظامَهُمْ ودَفَنوها تحتَ الأثلَةِ في يابيشَ، وصاموا سبعَةَ أيّامٍ.” (١صم ٣١: ١٣).
كذلك نرى دانيال صائمًا نائحًا طالبًا تحقيق وعد الله بعودة شعبه من السبي عند مرور السبعون عامًا كقول إرميا النبي، وسمعت صلاته (دا ١٠: ٣). وفي هذا النوع من الصوم وهو الأكثر انتشارًا في صفحات الكتاب المقدس، يقترن الصوم بالصلاة كعلامة من الصائم على أن ما يطلبه من الله هو أهم عنده من أمور حياته اليومية. فهو يحمل في طياته معنى اللجاجة في الصلاة. يارب أعطني ذلك وإلا أموت! ولكن في نفس الوقت ينتظر المُصلي (فردًا أو جماعة) استجابة الرب أيًا كانت!
يمكن أيضًا ان نرى الرب يأمر شعبه من خلال أنبيائه بالصوم، ليس ذلك من أجل العبادة ولكن من أجل إظهار التوبة عن حالة يكون فيها الشعب مستوجبًا عقابًا أو تأديبًا من الله. فمثلًا يأمر يوئيل النبي شعبه بالروح القدس قائلًا: “«ولكن الآنَ، يقولُ الرَّبُّ، ارجِعوا إلَيَّ بكُلِّ قُلوبكُمْ، وبالصَّوْمِ والبُكاءِ والنَّوْحِ. ومَزِّقوا قُلوبَكُمْ لا ثيابَكُمْ». وارجِعوا إلَى الرَّبِّ إلهِكُمْ لأنَّهُ رَؤوفٌ رحيمٌ، بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرّأفَةِ ويَندَمُ علَى الشَّرِّ. لَعَلَّهُ يَرجِعُ ويَندَمُ، فيُبقيَ وراءَهُ بَرَكَةَ، تقدِمَةٍ وسَكيبًا للرَّبِّ إلهِكُمْ. اِضرِبوا بالبوقِ في صِهيَوْنَ. قَدِّسوا صَوْمًا. نادوا باعتِكافٍ.” (يؤ ٢: ١٢- ١٥). الصوم هنا هو تعبير على رفض الإنسان للحالة الآثمة التي هو بالفعل فيها الآن و المستوجبة غضب الله، فهو الآن يطلب أيضًا رحمة الله بتذلل، ليس ليعمل الله له شيئًا سوى ان يرحمه ويرفع عنه قضاؤه.
وفي الإصحاح الثامن والخمسون الشهير في سفر إشعياء الذي يتحدث عن الصوم الحقيقي، يقول الرب عن معنى الصوم الحقيقي آنه ليس هو مجرد التظاهر بإذلال النفس بل هو بالحق إذلالًا للنفس. يوبخ الرب شعبه قائلًا:
“يقولونَ: لماذا صُمنا ولَمْ تنظُرْ، ذَلَّلنا أنفُسَنا ولَمْ تُلاحِظ؟ ها إنَّكُمْ في يومِ صَوْمِكُمْ توجِدونَ مَسَرَّةً، وبكُلِّ أشغالِكُمْ تُسَخِّرونَ. ها إنَّكُمْ للخُصومَةِ والنِّزاعِ تصومونَ، ولِتَضرِبوا بلكمَةِ الشَّرِّ. لَستُمْ تصومونَ كما اليومَ لتَسميعِ صوتِكُمْ في العَلاءِ. أمِثلُ هذا يكونُ صَوْمٌ أختارُهُ؟ يومًا يُذَلِّلُ الإنسانُ فيهِ نَفسَهُ، يُحني كالأسَلَةِ رأسَهُ، ويفرُشُ تحتَهُ مِسحًا ورَمادًا. هل تُسَمّي هذا صَوْمًا ويومًا مَقبولًا للرَّبِّ؟ أليس هذا صَوْمًا أختارُهُ: حَلَّ قُيودِ الشَّرِّ. فكَّ عُقَدِ النّيرِ، وإطلاقَ المَسحوقينَ أحرارًا، وقَطعَ كُلِّ نيرٍ. أليس أنْ تكسِرَ للجائعِ خُبزَكَ، وأنْ تُدخِلَ المَساكينَ التّائهينَ إلَى بَيتِكَ؟ إذا رأيتَ عُريانًا أنْ تكسوهُ، وأنْ لا تتَغاضَى عن لَحمِكَ.” (إشعياء ٥٨: ٣- ٧)
وفي هذه الأعداد تعبير عن معنى التذلل الحقيقي في الصوم. فهو ليس مجرد إذلال لرغبة أو شهوة الطعام بينما القلب يسعى إلى مصلحته ومكسبه بنفسه.طلب الشعب من الله الرحمة في تحقيق وعوده بالعودة من السبي والازدهار من جديد. ولكنه أظهروا طلب الرحمة وامتنعوا عن الطعام وغيرها من التعبيرات عن الصوم والتذلل، بينما قلوبهم لا تتحلى بالرحمة تجاه الضعفاء والمسحوقين والجوعى والتائهين. هم يطلبون الرحمة ولكنهم لا يرحمون أحدهم، يطلبون الرحمة بينما يسعون لمصلحتهم وازدهارهم، فيدنسون السبت بعملهم فيه (ع ١٣). كان السبت يوم الراحة المقدس الذي يتذكر فيه الشعب تحرير الله لهم من العبودية لكي يريحهم في الأرض. لكنهم كسروا السبت إذ عملوا مسرتهم يوم السبت ناظرين إلى الراحة مع الرب وكأنها بلا أي شبع أو سرور، وفي نفس الوقت يطلبون رحمته. القلب لم يتغير ولذلك لن يفهم رحمة الله!
في العهد الجديد نجد أكبر الأمثلة عن الصوم هو صوم الرب يسوع نفسه في البرية مدة الأربعين يومًا. وهذا الصوم كان بقيادة من الروح القدس على مثال صوم موسى على الجبل مدة الأربعين يومًا لاستقبال الشريعة. فقد كان الرب يسوع كرأس عهدي يصوم في بداية خدمته الأرضية لبدء الإعلان عن بشارة إنجيل ملكوت الله. لذلك لا يصح التمثل بالمسيح في هذا الصوم لأنه صام نيابة عنا.
في صوم المسيح وفي تجربة الشيطان له ليصنع من الحجارة خبزًا، إجتاز الرب يسوع خبرة شعب اسرائيل في البرية حيث اقتادهم الرب فيها ليذلهم ويجربهم أي يضعهم تحت ضغط الاحتياج الشديد، ليظهر ما في قلبهم هل يحفظون وصاياه أم لا (تث ٨: ٢) فنطق الرب يسوع كلمات اجتياز الامتحان بنجاح، بنفس ما أراد الله شعبه أن يتعلمه: “فأذَلَّكَ وأجاعَكَ وأطعَمَكَ المَنَّ الّذي لم تكُنْ تعرِفُهُ ولا عَرَفَهُ آباؤُكَ، لكَيْ يُعَلِّمَكَ أنَّهُ ليس بالخُبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسانُ، بل بكُلِّ ما يَخرُجُ مِنْ فمِ الرَّبِّ يَحيا الإنسانُ.” (تث ٢: ٣).
ولذلك صوم المسيح في حد ذاته لم يكن مثالًا لاتباعه فيه ولكن توجه قلب المسيح هو ما يجب ان نتعلمه في برية الحياة!
كما أن هذه النوعية من الصوم يمكن اعتبارها انها صوم الاستعداد لبدء عمل خدمة محدد أو إرسالية أو غيرها من تكليفات الخدمة في الكنيسة. ومن الممكن ان نرى ممارسة الكنيسة الأولى لهذا النوع من الصوم في سفر أعمال الرسل، فمثلًا نقرأ: “وبَينَما هُم يَخدِمونَ الرَّبَّ ويَصومونَ، قالَ الرّوحُ القُدُسُ: «أفرِزوا لي بَرنابا وشاوُلَ للعَمَلِ الّذي دَعَوْتُهُما إليهِ». فصاموا حينَئذٍ وصَلّوا ووضَعوا علَيهِما الأياديَ، ثُمَّ أطلَقوهُما.” (اع ١٣: ٢و٣). وهنا نجد أن المؤمنون يصومون أثناء خدمتهم للرب، ربما ليفتح لهم الرب الأبواب للخدمة والكرازة، أو لإعطائهم إرشادًا وقوة لتتميم الخدمة. وبالفعل في هذه الأجواء تكلم إليهم الروح القدس لبدء إرسالية بولس وبرنابا. فصلوا وصاموا ووضعوا عليهم الأيادي و أطلقوهم. ومعنى الصوم هنا هو الاتكال على الله؛ أرسلوهم بصوم وصلاة. تطلب هذا الاِتِّكَالُ الكامل عَلَى اللَّهِ وعبرت الكنيسة عن هذا الإتكال بالصوم والصلاة.
ملخص لما سبق، الصوم الكتابي هو إعلان التذلل أمام الله، فيه يعلن الشخص أو الجماعة طلبهم الرحمة من الله. إما ليرفع قضاء محدد بسبب خطيتهم، أو لطلب معونة الله وتدخله في أمر صعب، أو لتجهيز النفس لبداية عمل محدد طالبًا القوة والإرشاد وإعلان الاتكال على الله. وفي كل الأحوال يعبر الصائم عن تذلل قلبه من خلال الإمتناع عن الطعام (والشراب) لفترة محددة، مبينًا توجه القلب ان ما يطلبه من الله هو أهم عنده من إحتياجات حياته اليومية.
ثانيًا: الصوم في إطار تعليم اللاهوت النظامي
من الممكن أن يكون هذا السؤال غريب بعض الشيء ومن الممكن أن بعض اللاهوتيون فكروا فيه ببساطة ووجدوا الإجابة: انه من الممكن وضع الدراسة عن الصوم في إطار دراسة اللاهوت العملي. وأنا حقًا لا أجد خطأً في ذلك. ولكن مع انتشار حركات التشكيل الروحي والتي تسعى لدمج علم النفس مع الكتاب المقدس لإيجاد وسائل عملية لتقديس المؤمن المسيحي وتشبهه بالمسيح (وهو ما سيتم الحديث عنه لاحقًا) وجدت أنه من الأهمية البحث عن إجابة لهذا السؤال. وذلك بسبب انتشار ما أراه يقترب مما أسميه خداعًا للبسطاء ما يروَّج عن الشعب الإنجيلي أنه على مدى السنين لم يهتم أي من الرعاة بالتعليم عن الصوم، فقام ما يسمون أنفسهم مصلحون هذا العصر بالترويج إلى بعض الحركات التي تجعل من الصوم فريضة أو وسيلة لا يمكن الوصول للتقوى العملية من دونها!
ولكن في دراستي لكتاب أسس الدين المسيحي لجون كالفن المصلح الإنجيلي الشهير، وجدت أن حديثه عن الصوم يندرج في الفصل الثاني عشر من الكتاب الرابع، ومحور حديث هذا الفصل هو التأديب الكنسي!
وهو ما زاد فضولي لدراسة بنية هذا المجلد الكبير وترتيب مواضيعه اللاهوتية.
يتكون كتاب أسس الدين المسيحي من أربعة كتب، كل منها يترتب على الآخر. ويعتبر المبدأ العام الذي يتبعه جون كالفن في ترتيب لاهوته النظامي هو كالآتي: يبدأ كالفن في الكتاب الأول بالحديث عن معرفة الله الخالق وكيف يمكن معرفته بشكل عام. ومن ثم ينتقل في الكتاب الثاني للحديث عن معرفة الله الفادي. ومن ثم في الكتاب الثالث بالحديث عن كيف نقبل المسيح وكيف نتمتع بالحياة في قداسة وتقوى بفضل عمل الروح القدس. وأخيرًا في الفصل الرابع يتكلم عن الأمور الخارجية التي من الممكن أن تعين المؤمن في ثباته في المسيح، ومحور هذه الأمور كلها هو الكنيسة. لذلك ففي دراسة هذه الأربعة كتب دراسة عن الله الثالوث الآب والابن والروح القدس وأخيرًا الكنيسة. وفي هذا الترتيب حكمة شديدة، فما يشكل لاهوت جون كالفن ليس هو السيادة الإلهية كما يُظن ولكن الثالوث الأقدس الذي ضم له شعبًا يتمتع بمجده.
ومن المثير أنه في حديثه عن حياة التقديس لم يذكر كالفن شيئًا عن الصوم، ربما فقط أشار في الكتاب الثالث والفصل العاشر منه عن خطورة التزمت الخاطئ واللين الخاطئ، مشجعًا المؤمن المسيحي على عدم الانغماس في ملذات الحياة لئلا ينزلق الإنسان في إطلاق العنان لشهوته. وفي هذا يحث قارئه على الاعتدال في استخدام الملذات بما فيها الطعام والشراب.
ولكن عندما تحدث عن الصوم وضعه في إطاره الكتابي، كتذلل أمام الله، وذلك في سياق توبة الكنيسة أو أحد أفرادها إثر وجوده تحت طائلة التأديب الكنسي. يبدأ كالفن الفصل الثاني عشر من الكتاب الرابع في مجلد أسس الدين المسيحي بالحديث عن ضرورة التأديب الكنسي وطبيعته، وكيفية تطبيقه. ومن ثم ينتقل في البند الرابع عشر للحديث عن ممارسة العمل الكفاري الجماعي والمتبادل. وهنا لا يقصد عمل كفاري كتكميل لعمل المسيح، ولكن باعتباره الجزء المتبقي من التأديب الكنسي عندما يقع حكم بالتأديب على فرد، أو حتى إدراك وجود تأديب من الرب على جماعة في شكل أوبئة أو حروب أو مجاعات. فعلى الرعاة أن يحثوا رعيتهم على الصلاة والصوم المصاحب بالتوسلات الجادة كي يرفع الله تأديبه عنهم. (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤ ،١٢، ١٤).
ومن ثم ينطلق كالفن للحديث عن الهدف من الصوم وطبيعته ومناقشة التعليم الخاطئ عنه. وهو ما سأحاول تلخيصه في النقاط الآتية:
1. الهدف من الصوم (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ١٥)
يضع كالفن ثلاثة أهداف للصوم وهي:
- لإخضاع الجسد ولقمعه كي لا ينغمس في الملذات، ويقصد هنا ليس الجسد المادي بل الطبيعة الإنسانية الخاطئة الساكنة فينا والتي نميتها بسلوكنا بخضوع للروح القدس) وفي هذا الهدف ينسبه للصوم الفردي وليس للجماعي ولا يضع له قاعدة، موضحًا انه لا تتساوى كل الأجسام في بنيتها او في أحوالها الصحية.
- لنصبح أكثر استعدادًا للصلوات والتأملات المقدسة، وهنا يقرنه بالصلاة وتركيز الاهتمام على الرب من دون النفس، ويحث الكنيسة كلها على ممارسته. ولكنه سيوضح بعض المخاطر عن هذه النقطة في البنود القادمة.
- ليكون إقرارًا منا باتضاعنا أمام الله عندما نريد أن نعترف بذنوبنا قدامه، وهنا يضعه في الإطار الفردي للخاطئ التائب في محكمة كنسية، أو للكنيسة كلها في حالة طلب الله لرفع وباء أو أو مجاعة عن البلاد. وفيه يعبر الصائم عن قلب منكسر و اعتراف علني بالخطية.
2. الصوم والصلاة (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ١٦)
يوضح كالفن ان الصوم في أغلب الأحيان يمارس جماعيًا أكثر من ممارسته فرديًا كعلامة تذلل. ولذلك فهو يقترن دائمًا بالصلاة، ويعبر هذا الصوم أن الشخص أو الجماعة يتفرغون للصلاة بلا هموم وبمزيد من الشغف. يشير كالفن ان الجميع يعرف أنه عندما تمتلئ البطون، تبلد الأذهان عن ان ترتفع إلى الله بالصلاة. وأنا أرى أنه هنا يشير كما قال سابقًا إلى عدم الإفراط في الملذات بشكل عام في الحياة مما يعطي فرصة للجسد أن ينزلق في الشر والابتعاد عن الله.
3. الصوم وممارسة العمل الكفاري (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ١٧)
في هذا البند يسرد كالفن بعض المواضع الكتابية كما ذكرناها في البداية عن صوم شعب الله للتوبة أو حتى صوم أهل نينوى تعبيرًا عن توبتهم. وفيها وقوف أمام عرش الله للتذلل وطلب الرحمة. ويشجع على ممارسة هذا الآن في العهد الجديد أيضًا مقتبسًا قول الرب: ” ولكن ستأتي أيّامٌ حينَ يُرفَعُ العَريسُ عنهُمْ، فحينَئذٍ يَصومونَ.” (مت ٩: ١٥).
4. طبيعة الصوم (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ١٨)
يتطرق كالفن في هذا البند للحديث عن جوهر الصوم، ويوضح أنه ليس مجرد الامتناع عن الطعام، بل شيئًا آخر. فينبغي أن يتحلى الأتقياء طوال حياتهم بالاقتصاد في الإنفاق والتيقظ، بحيث يتشبه سلوكهم بما يقارب الصوم. ولكن ثمة نوعًا آخر من الصوم، مؤقت في طبيعته، عندما نتراجع عن نمط العيش العادي، إما فترة يوم واحد أو مدة محددة، ونعاهد ذواتنا على تضييق أشد في الغذاء.
وفي هذه المدة نعتكف لأجل السبب الذي تعين لأجله الصوم، ولا يأكل أصناف متعددة تتزين بها المائدة ونقلل من الكميات التي نأكلها.
5. اعتقادات خاطئة في الصوم (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ١٩)
أعتبر هذا البند والبند التالي له من أهم البنود التي توضح مفهوم الصوم أكثر وأكثر من خلال توضيح تباينه مع ما هو ليس الصوم الكتابي. وهنا سأذكر أولًا مقدمة هامة لهذه المعتقدات الخاطئة.
يقول كالفن: “علينا أن نحتاط بشكل خاص لئلا يزحف إلى أذهاننا أي فكر خرافي، كما حدث في الماضي مسببًا ضررًا فادحًا للكنيسة. فإنه من الأفضل ألا يُمارس الصوم إطلاقًا، من أن يمارس بعناية شديدة ومرتبطًا بمعتقدات خاطئة وضارة يسقط العالم فيها تكرارًا، ما لم يواجهها الرعاة بأعلى درجة من الأمانة والحكمة.”
- أول ما يشير إليه كالفن هو: حث الرعاة أن ينصحوا الناس بأن الله لا يستحسن الصوم في حد ذاته، إن لم يرافقه شعور قلبي خفي، وكره حقيقي للخطية التي يصوم صاحبها بسببها، واتضاع صميم، وندامة مخلصة نابعة من مخافة الله. وبهذا يوضح كالفن أهمية التوجه القلبي المتواضع أمام الله وأن الصوم هو علامة التذلل والتواضع أمام الله.
- من الخطأ اعتبار الصوم عملًا يحسب رصيدًا للصائم، أو صيغة من العبادة المقدسة. وهنا ينقض كالفن الفكرة الخاطئة التي تقول أن الصوم هو فرض من الفروض التي أمر بها الرب.
- من الخطأ أيضًا الإصرار بصرامة على جعل الصوم إحدى الفرائض الرئيسة، وتبجيله بالمدح المفرط كما لو أن الصائمون فعلوا صنيعًا نبيلًا. وفي هذا الصدد ينقد الكتاب الأقدمين (بعض آباء الكنيسة) الذين وضعوا بذور الخرافة في وضع الصوم في مكانة أعلى مما هو عليه، وامتداح مميزاته امتداحًا يضعه في مصاف الفضائل الأساسية.
- انحطاط ممارسة الصوم عبر تاريخ الكنيسة (كالفن، أسس الدين المسيحي، ٤، ١٢، ٢٠): هنا ينقد كالفن ممارسة الكنيسة الكاثوليكية بممارسة الصوم في فصل الآلام (الصوم الأربعيني) وينقد المفهوم المنتشر آنذاك عن أن هذا الصوم هو بمثابة إبداء خدمة استثنائية لله. بل بنقد تأييد الرعاة لها نظير الإقتداء بالمسيح. رافضًا بذلك أن يكون صوم المسيح مثالًا يحتذى به، ولكن الرب قد صام عند بداية إعلان بشارة الإنجيل. باعتبارها رسالة من السماء وليست تعليمًا بشريًا على غرار استلام موسى للناموس من السماء وليس من البشر. مستعجبًا إلى أن هذا (ما يسميه كالفن: الهذيان المحض) استطاع أن يتسرب إلى أذهان أناس عقلاء يتسمون بالفطنة والتمييز الوافرين. موضحًا أن المسيح لم يصم بالتكرار، بالإضافة إلى أن صومه يناسب استطاعة الناس. وكذلك لم يتبعه أحد من القديسين والآباء الأولون. لذلك فهو يرى أنه حماسة مُضللة وخرافة متناهية لتبرير هذا النوع من الصوم المتكرر على اقتفاء مثل المسيح.
ثالثًا: الصوم والتقوى العملية
هل يمكن اعتبار الصوم ركيزة من ركائز التقوى العملية؟ ماذا عن التدريبات الروحية الأخرى وما مدى صحة اعتبار حركة التشكيل الروحي جزءًا من الإرث المُصلح؟وما هي علاقة تلك التدريبات بوسائط النعمة؟
انطلاقًا مما سبق في النقطتين السابقتين، سننتقل إلى هذا السؤال الصعب. لأن الصوم في كثير من الكتب والدراسات المنتشرة يوضع ضمن قائمة طويلة من التدريبات الروحية، التي يقدمها البعض على أنها الوسيلة أو “الجسر الذي ينقلنا من أرض الأماني والأحلام الروحية إلى أرض النمو الحقيقي.” (دالاس ويلارد، التدريبات الروحية، تعريب وتعقيب: أوسم وصفي (القاهرة: الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، ٢٠١٥) مقدمة المترجم).
انتشرت حركة التشكيل الروحي في العصر الحالي والتي من روادها: ريتشارد رور وريتشارد فوستر و دالاس ويلارد وغيرهم، وهي حركة تقوم على أن النمو الروحي السليم لا يكتفي بممارسة الإيمان ولكنه يحتاج إلى علم النفس أيضًا وبعض التدريبات الروحية التي يحتاجها المسيح للوصول إلى التشبه بالمسيح.
وعلى حسب تعبير دالاس ويلارد: ” إن عمل المتخصصين في علم النفس أعلن للمسيحيين كيف أن كل لاهوتهم وإيمانهم وأعمالهم لم تؤدِ بالضرورة إلى تحقيق السلام والصحة للنفس والجسد والذهن، ناهيك عن النمو والنضوج بشكل قوي نحو التشبه بشخصية المسيح في واقع حياتنا المعاشة” (ويلارد، التدريبات الروحية، ص ٥٣) وأيضًل قال: ” لا يقدم علم النفس قائمة واحدة متفق عليها تضم كل الرغبات الإنسانية والطبيعية والعلاقة بين هذه الرغبات.” (نفس المرجع السابق ص ٢٢٠) وبذلك فمن منطقه، هو ينطلق من علم النفس إلى الكتاب المقدس والمسيحية ويلبس تسديد تلك الاحتياجات مفاهيم روحية. وبغض النظر عن أن هذه النظرة تتناقض مع المفهوم المـُصلح الذي ينظر للكتاب المقدس أنه كافٍ لكل أمور الإيمان والأعمال بحسب (٢ تيمو ٣: ١٦-١٨). ولكنني سأحاول الرد فقط على موضوع الصوم بالأخص وعلاقته بقائمة التدريبات الروحية التي قد يضيف أو يحذف منها البعض.
1. هل يمكن اعتبار الصوم ركيزة من ركائز التقوى العملية؟
للإجابة على هذا السؤال نقول: نعم ولا. نعم، لأنه بحسب ما قلنا سابقًا، الصوم الحقيقي هو تعبير عن التذلل القلبي أمام الله فمن هذه الزاوية يعتبر الصوم ركيزة من ركائز التقوى العملية. ولكن، لا يمكن اعتبار الصوم معبرًا عن التقوى التي هي بحسب الكتاب المقدس مخافة الرب.
كثيرًا ما يستخدم رواد حركة التشكيل الروحي (وبعض الآخرين الذين يتأثرون بهم) قول الرسول بولس إلي تلميذه تيموثاوس: “ورَوِّضْ نَفسَكَ للتَّقوَى.” (١ تيم ٤: ٧) مستخدمين فعل “روض” الذي هو باليونانية: γυμνάζω للتعبير عن تدريب النفس في تدريبات مثل الصلاة و الصمت والتأمل والصوم والشركة وكتابة التأملات اليومية والاحتفال والدراسة وغيرها من التدريبات التي تؤدي بحسب مفهومهم لهذا العدد للتقوى.
لكن دعني أولًا أن أقدم دراسة مختصرة لهذا الفعل في العهد الجديد. تم استخدام هذا الفعل في العهد الجديد أربعة مرات، سأحاول بسرعة شديدة ذكرهم و تقديم شرح سريع عن كل مرة:
١- في (١تيمو ٤: ٧) وهو العدد محور حديثنا الآن. يقدم بولس الرسول النصيحة لابنه تيموثاوس أن يتجنب الخرافات الدنسة العجائزية ويروض أو يدرب نفسه للتقوي. ومعنى السياق المباشر لهذا المقطع عو رفض الأفكار الخاطئة ومقاومتها مثلما يمتنع الرياضي عن فعل ما يفعله غير الرياضيين في أسلوب حياتهم. ففي كل مرة يرفض فيها تيموثاوس الانسياق وراء الضلال وأن يسلك بحسب التعليم والسلوك الصحيح هو بذلك يدرب نفسه على التقوى. فالتقوى هي مخافة الله والتدريب عليها يأتي من طاعة الله اليومية في كل موقف بصبر وإيمان.
٢- في (عب ٥: ١٤) يتحدث كاتب العبرانيين عن البالغين في الإيمان الذين صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر. والحواس المدربة تأتي من كثرة تعلم كلمة الله وطاعتها في طول الأيام، ولا يوجد ذكر في هذه الأعداد عن تدريبات محددة يمكنها أن تصنع ذلك. (سيتم الحديث لاحقًا عن وسائط النعمة التي تساهم في ذلك).
٣- في (عب ١٢: ١١) يتحدث هنا كاتب العبرانيين عن تأديب الرب الذي يشمل المرور في آلام عديدة، فبالرغم من أنه لا يرى للفرح بل للحزن لكنه أخيرًا يعطي للمتدربين به ثمر بر للسلام. وما يقصده كاتب العبرانيين أن آلام وضيقات الحية يستخدمها الله لكي إذا ما خضعنا لها نشترك في قداسته. وهنا أيضًا لا يوجد أي ذكر لتدريب سوى الخضوع تحت يد الله في وسط الآلام والصبر فيها ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع.
٤- في (٢بط ٢: ١٤) وهنا يتحدث الرسول بطرس عن المعلمين الكذبة الذين يخدعون النفوس غير الثابتة. ويصفهم أن لهم قلب متدرب في الطمع. وهنا تعطي معنى التمرُّس في الشر.
الأعجب أنه في مقاطع تكلم فيها الكتاب المقدس بأكثر وضوح عن حياة التقديس مثل: (اف ٤و٥) ؛ (كو ٣و٤) ؛ (رو ١٢- ١٥) لا نرى حديث عن صمت أو صوم أو احتفال وغيرها من التدريبات التي يضعها رواد حركة التشكيل الروحي واصفين إياها أنها النير الخفيف للمسيح الذي نحمله لنتعلم منه (ويلارد، التدريبات الروحية، ص ٣١) وأنا لا أراها إلا نير عبودية جديدة قد حذرنا منها الكتاب المقدس إذ حررنا المسيح وعلينا ألا نرتبك أيضًا بنير عبودية (غلاطية ٥: ١).
ماذا عن التدريبات الروحية الأخرى وما مدى صحة اعتبار حركة التشكيل الروحي جزءًا من الإرث2. المُصلح؟
كما قلنا سابقًا، قد انتشرت ضلالة احتياج الشعب الإنجيلي إلى تلك التدريبات نظرًا لأنهم تربوا على النعمة الرخيصة التي تجعل من المؤمن شخصًا خاملًا قد نال الخلاص ولا يعمل على تقديسه!
ولكني أرى أنه، وإن كان صحيحًا على أرض الواقع احتياج الكثير من الكنائس للتعليم الصحيح والمشبع من منابرها، إلا إني أرى أن هذه المقولة تحمل في طياتها إنجيلًا آخر يُدس بين المؤمنين لا يقل ضررًا عن خطر بدعة التهود (أي الإحتياج للختان والخضوع للناموس لكي يصير المسيحي مسيحي بالحق) في القرن الأول. وذلك لأنها تضع على المؤمنين أحمال عسرة.
وليس ذلك لعدم أهمية الصلاة أو الصوم أو التأمل في كلمة الله أو غيرها، ولكن لأنها تضع هذه الأمور الجيدة في ذاتها في غير نصابها اللاهوتي الصحيح. فمع أهمية الصوم مثلًا إلا أنه تم توظيفه في إطار التقديس، على عكس ما ذكرنا كيف وظفه جون كالفن على سبيل المثال في إطار لاهوته النظامي.
فمثلًا اننا نتبرر بالإيمان وحده، بالرغم من أهمية أن ينعكس من هذا الإيمان أعمالًا صالحة تعبر أنه إيمان حي وليس ميت. ولذلك لا يمكن وضع قضية الأعمال تحت إطار الخلاص وإلا نصل للهرطقة، ولكن إذا وضعت في إطارها النظامي السليم تنتج تعليمًا متكاملًا وصحيحًا!
وهو ما يعطي أيضًا مفهومًا مشوهًا عن معنى اشتراك المؤمن بكل اجتهاد في العمل مع الله في عملية تقديسه. ولكن علينا الحذر بشدة في تلك النقطة. لأننا قد تبررنا بالفعل بدون أن نتدخل في ذلك، ولكن أثناء عملية تقديسنا نحن نعمل مع روح الله من خلال طاعته. يقول بولس الرسول: “تمموا خلاصكم بخوف ورعدة، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وتعملوا لأجل المسرة” (في ٢: ١٢ و ١٣) وهذا يعني الوصول بخلاصنا إلا غايته بتقديس نفوسنا من خلال طاعة الله ووصاياه. كذلك يقول بطرس الرسول: “كما أنَّ قُدرَتَهُ الإلهيَّةَ قد وهَبَتْ لنا كُلَّ ما هو للحياةِ والتَّقوَى… هارِبينَ مِنَ الفَسادِ الّذي في العالَمِ بالشَّهوَةِ. ولِهذا عَينِهِ -وأنتُمْ باذِلونَ كُلَّ اجتِهادٍ- قَدِّموا… ” (٢ بط ١: ٣- ٥) وهو ما يعني أن الله قد وهب لنا بقدرته ومجده وكماله أن نشابهه لذلك علينا أن نستخدم تلك القدرة ونبذل كل جهد بناءًا على أساسها أن نقدم في حياة الإيمان أفضل اختيار صالح يُبنى على مخافة الله ومحبته ومحبة الأخوة والصبر وغيرها.
لاحظ هنا عزيزي أن فعل الأمر “قدموا” في هذا العدد قد جاء في صيغة الأمر الذي يدل على فعل الشيء مرة واحدة أو باعتباره شيء مسلم به، ولم يستخدم بطرس صيغة الأمر المتكرر، لذلك فهو لا يقصد هنا تكرار عادات معينة كما يدعي رواد حركات التشكيل الروحي.
لذلك أنا أرى أنه يجب التمييز بين أهمية الصوم أو الصمت أو غيرها من الأمور الجيدة التي يُنصح بها، وبين وضع تلك الأمور كآليات عملية يستطيع بها الإنسان الوصول للنمو والتقوى العملية.
وهذا يقودنا للسؤال التالي والأخير الذي قد يضيف إلى الإجابة على الاستفهام بخصوص علاقة هذه الحركات بالإرث المُصلح:
3. ما هي علاقة تلك التدريبات بوسائط النعمة؟
قدم التعليم المصلح مفهوم وسائط النعمة أنها تتمثل في ثلاث: الصلاة وقراءة الكلمة والأسرار.
لذلك فمن الخلط وضع هذه الوسائط خارج إطارها الكنسي لتكون ضمن قائمة من التدريبات التي مع الأسف يجعلها بعض رواد تلك الحركة أيضًا وسائط للنعمة.
في الفكر المُصلح، تعد وسائط النعمة هي الأدوات التي تساعد النفس على النمو في حياة القداسة والتشبه بالمسيح. وهذه الوسائط هي:
- الصلاة: وهي تعبر عن الشركة الحقيقية مع الله والتي من الممكن أن يصاحبها في بعض الأحيان الصوم، لكنه في حد ذاته ليس وسيط للنعمة.
- قراءة الكلمة: سواء بشكل فردي أو جماعي، وكذلك الوعظ بها وشرحها ودراستها والتأمل فيها.
- الأسرار: وهي المعمودية وعشاء الرب، باعتبارها علامات العهد وتعلن عن اتحادنا بالمسيح.. إلخ.
ولكن خارج تلك الثلاث، لا يجب وضع نير إضافي كوسيلة من وسائل التقديس. أي شيء آخر يمكن أن يساعد هؤلاء الثلاث، لكنه لا يعمل منفردًا.
من الجيد أن يشجع رعاة الكنائس رعيتهم على الصوم، معلمين إياهم كيف ومعنى الصوم، محذرين من دخول التعاليم الخاطئة عنه. كذلك يجب علينا تحليل النظم التعليمية المختلفة وامتحانها في ضوء الهوية الإنجيلية، وامتحان تلك الحركات ومصدرها وإيمان مروجيها. فكما شجع بولس الرسول شيوخ أفسس قبل رحيله بأن يحترزوا لأنفسنا وللرعية (اع ٢٠: ٢٨) كذلك علينا ألا نتكاسل في ذلك، حتى وإن تأثرت العديد من كليات اللاهوت بتلك الحركات، وتم انتشارها كالنار بين الهشيم في وسط الشباب الذي يفتقر أن يقدم له تعليم مشبع وعملي عن ماهية التقديس والحياة الروحية.