الأيام القليلة الماضية، أضحت كما لو أن أحداث سفر أستير واقعًا بالنسبة لنا هنا في أوكرانيا. فالأمر بدا كما لو أن المرسوم قد خُتم، وأن هامان لديه الإذن بتدمير أمة بأكملها. الخشبة مُعَدّة، ولا شيء بيد أوكرانيا سوى الانتظار.
هل تتخيًل الحالة النفسيّة لمجتمع عندما يسمع يومًا بعد يوم ولشهور عديدة في كافة وسائل الإعلام أن الحرب وشيكة؟ وأنها ستكون شرسة ولا مفر منها؟
في الأسابيع الماضية وقبل بدء الحرب، طُلب من جميع الرعايا الأجانب بما في ذلك المُرسَلين إلى مغادرة أوكرانيا، كما قامت الدول الغربيّة بإجلاء مواطنيها وإخلاء سفاراتها. وتحولت العاصمة كييڤ لمدينة أشباح. أين ذهب الشعب؟ لقد غادرت البلادَ عائلاتُ رجال الأعمال والطبقة الحاكمة وكل من لديه القدرة المالية هربًا من ويلات الحرب. فكان السؤال الذي عليّ أنا وأسرتي أن نسأله: هل يجب أن نفعل مثلهم؟
سؤال ابنتي
لقد قررت أنا وزوجتي البقاء في مدينتنا بالقرب من كييڤ، وأن نظل نخدم الناس هنا مع كنيستنا التي أنا أحد رعاتها. وتحسبًا لوقوع الكارثة، اشترينا الكثير من المستلزمات الطبيّة والطعام والوقود، حتى يتسنى لنا مساعدة المحتاجين بدلًا من وضع المزيد من العبء عليهم.
لديّ أربع بنات، وأكثر ما يُقلقني هي ابنتي ذات السادسة عشر ربيعًا والتي عليها أن تستقل المواصلات العامة لأكثر من ثلاث ساعات يوميًا لتصل إلى جامعتها. كنت أخشى لو أن غزوًا شاملًا قد حدث، أو أن يُقطع الإنترنت ووسائل الاتصال وأن تُشَل حركة المواصلات العامة كما تقول وسائل الإعلام. ولكن شكرًا لله أن جميع محاضراتها الآن أصبحت متاحة عبر الإنترنت.
نظرًا لأن الحدود مع بيلاروسيا تبعد فقط 150 كيلومترًا عن كييڤ، فمن المحتمل أن يحدث الغزو من هناك. لذا، أخبرت بناتي أن يجهزوا حقائب الظهر بأشياء وأطعمة تكفي لثلاثة أيام.
في الماضي، مثل هذه التجهيزات لحقاب الظهر كانت تعني أننا ذاهبون إلى رحلة أو إجازة ممتعة. لذا، سألتني ابنتي الصغرى ذات الست سنوات: “أبي، إلى أين نحن ذاهبون؟” في البداية، لم أعرف بماذا أجيبها، فقلت لها أننا لن نذهب لأي مكان.
موقف الكنيسة
كيف يجب أن يكون رد الكنيسة وطبول الحرب تُقرع؟ ماذا عليها أن تفعل والرعب يجتاح المجتمع؟ أنا أؤمن أنه إن لم تكن الكنيسة جزء من واقعها في وقت الأزمات، فلن تكون كذلك في وقت السلام.
الحرب لأجل بلادنا
أنا لا أؤمن بلاهوت التحرير، ولكني أؤمن أن الكنيسة هي مكان للحرب الروحية. فمنذ تصاعد التوترات مع روسيا، نادت كنيستنا بأسبوع للصوم والصلاة، والاجتماع كل ليلة لنرفع تضرعاتنا أمام الله. ولثلاثة أيام متتالية، قُطعت الكهرباء عن المدينة، واضطررنا للاجتماع في الظلام، والذي أضفى جوًا مهيبًا على صلواتنا طالبين أن يعم السلام.
خلقت فينا هذه اللحظات قوة داخلية للمثابرة والاستمرار في التضرع لأجل بلادنا. من خلال اتحادنا وصلاتنا معًا امتلأنا بالثقة والسلام أن الله معنا وهذا يكفي!
خلال هذه اللحظة الحرجة، أجرينا ككنيسة العديد من التدريبات لأعضائنا على إجراء الإسعافات الأولية اللازمة، لمنحهم الثقة لرعاية إخوتهم وجيرانهم المُصابين إذا لزم الأمر.
في الحقيقة، عندما أعلنت لأول مرة عن تدريبات الإسعافات الأولية، اقترب مني أحد أعضاء الكنيسة قائلًا: “الآن عرفت لماذا عليّ البقاء في أوكرانيا.” كان يُخطط لترك البلاد، فهو لم يكن مطلوبًا للتجنيد وليس بقادرٍ على حمل السلاح والقتال. لكنه أدرك الآن أن عليه البقاء ومساعدة الجرحى وإنقاذ الأرواح.
وإذا لزم الأمر، يمكن تحويل مباني الكنيسة إلى مأوى، وتوفير محطة تدفئة ومكان لمستشفى ميداني للجنود. ولوضع ذلك في حيز التنفيذ، فإننا أنشأنا فِرق للاستجابة ورعاية المُصابين. وإذا ما اُعلنت الأحكام العُرفية في البلاد، فإننا جاهزون بإمداد استراتيجيّ من غذاء ووقود والمستلزمات اللازمة للإسعافات الأولية. كما قمنا بجمع معلومات عن المهن المختلفة لأعضاء الكنيسة، حتى يمكننا الاستفادة أحدنا من الآخر متى لزم الأمر.
البقاء والصلاة
لقد قررنا البقاء هنا كعائلة وككنيسة. وعندما تنجلي هذه الغُمّة، سيتذكر مواطنو كييڤ كيف تصرّفت الكنيسة في وقت الاحتياج.
وفي حين أنه لا يمكن للكنيسة أن تخوض حربًا أو أن تدخل معترك السياسة، لا يزال لدينا دورًا لنقوم به في ظل هذا الصراع. سنؤوي الضعيف، ونخدم المتألّم، ونُجبر الكسير، ونعصب الجريح. وبينما نفعل ذلك، سنظل نُقدم المسيح وإنجيله باعتباره الرجاء الوحيد الذي لا يتزعزع أبدًا. وبينما نشعر بالعجز في وجه هذه الكارثة، يمكننا أن نُصلي كأستير. صحيح أن أوكرانيا ليست شعب العهد، ولكن رجاؤنا وصلاتنا أن يُزيل الرب عنّا هذا الخطر كما فعل في الماضي مع شعبه القديم. وها نحن هنا في وسط هذه المأساة نُصلي لأجل الكنيسة في أوكرانيا أن تثق في أمانة الرب أكثر، وتخدم مجتمعها أكثر. ومن يعلم فربما لوقت مثل هذا قد خطط الرب أن نكون في أوكرانيا.