تبدو محاربة الخطايا وكأنها معركة أبدية لا تنتهي إلى شيء… فهي معركة مستمرة دائمًا بلا توقف، وغالبًا ما تكون مُحبطة، ونادرًا ما ننتصر. نعم، نحن نؤمن بعمل الروح القدس الفاعل في تقديسنا، لكننا لا نرى دائمًا دليلًا مباشرًا على التغيير وعلى ثمر الروح القدس. صراعنا مع الخطيئة مستمر – وغالبًا ما تكون نفس المعاناة التي واجهتنا العام الماضي، والعام قبل الماضي، هي ما نواجه هذا العام أيضًا.
كلُما يعمل فينا الله لكي ننضج روحيًا، نصبح أكثر وعيًا بنقاط ضعفنا. كذلك نبدأ في رؤية ارتباط عيوبنا ارتباطًا وثيقًا بشخصيتنا. قد يصارع شخص مسيحي دائمًا مع عناده، وأخرى مع تفكيرها الدائم والقاتم في ذاتها، وآخر مع اندفاعه الذي يميل فيه إلى إهانة الناس. الكفاح ضد هذه الخطايا والميول الرديئة مستمر، لكن التقدم مطلوب.
هذه الخطايا المرتبطة بطباع شخصيتي يصعب إماتتها بشكل خاص – فجذورها عميقة للغاية.
فهل يمكن أن يكون هذا طبعي وحسب؟ إذا كان هذا هو الحال، فما هو الحل مع ضعف الشخصية في الحياة المسيحية؟ هل يمكننا التغلب على طباعنا من خلال بذل مزيد من الجهد؟ هل يمكن لطباعي أن تتغير؟
الخطية المحيطة بنا (عبرانيين١:١٢)
اسمحوا لي أن أذكر مقدمًا أنني لست عالم نفس، بل قس وراعي. فدرايتي بأنواع وتصنيفات الشخصية في علم النفس أقل من درايتي بالكتاب المقدس وترجماته.
ومن خلال قيامي بافتقاد الشعب في زياراتي الراعوية. أتاحت لي سنوات هذه الخبرة الراعوية رؤية طيفًا واسعًا من الشخصيات والطباع المختلفة بين شعب الله. يمكن أن يكون هذا التنوع شيئًا رائعًا ومُلهمًا؛ يعمل الروح من خلال منح مواهب متنوعة جميلة وكثيرة لتقوية وبناء جسد المسيح. ويعني هذا أيضًا أنه لا توجد زيارتان رعويتان متماثلتان على الإطلاق.
لكنني رأيت أيضًا كيف يمكن أن تكون شخصية عضو ما في الكنيسة موطنًا لنقاط ضعف معينة مُعيقة ومُحبطة. أعرف بالتأكيد كيف كان هذا الأمر صحيحًا بالنسبة لي! “فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا” (يعقوب 3: 2)، لكننا نفشل أيضًا بطرق فريدة مرتبطة بطباعنا الشخصية وبسبب جوانب ضعيفة في شخصيتنا.
فالانطوائي المٌلتزم قد يكافح ضد خطية الابتعاد والانسحاب عن الأشخاص الذين يجب أن ينخرط بعلاقة وثيقة معهم ويُحبهم. وقد تجد شخصية قوية، لكنها لديها صعوبة في التحلي بالصبر والتعاطف. أحيانًا يتسم بعض الناس بالفشل الأخلاقي: فيصرح بعضهم عن الآخر: “إنها شخصية عنيدة جدًا”. أو ربما اعترفنا بأنفسنا: “لدي شخصية تميل للإدمان” أو “أنا بطبعي شديد القلق”. النقطة المهمة هي أن للخطيئة جذور عميقة في كياننا.
في عبرانيين 12: 1 يحثنا الروح القدس على “أن لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ” جنبًا إلى جنب مع “ٱلْخَطِيَّةَ ٱلْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ”. الخطية المحيطة بنا بسهولة هي خطايانا الساكنة. تلك الأنماط الخاطئة التي لا تُمحى من قلوبنا وحياتنا. لحسن الحظ، نحن أكثر بكثير من مجموع إخفاقات شخصيتنا. لكن في بعض الأحيان لا نكون متأكدين من أين تبدأ الخطيئة وأين تنتهي طباعنا الشخصية.
يلاحظ سنكلير فيرجسون، “للخطية طريقة لربط نفسها بنسيج كياننا، في شخصيتنا وطباعنا، في ميولنا وضعفنا، نعم، وحتى تلتصق بنقاط قوتنا – حتى في نقاط قوتنا تلتصق الخطية بشكل خاص، حتى تصبح تلك الخطية هي خطيئتي المميزة”… هنا مكمن نضالنا المستمر.[1]”
خليقة جديدة
إذا كانت خطيتي مربوطة بهويتي، فكيف لي أن أتمنى أن أكون حراً؟ نظرًا لأن طرقنا الفردية في التفكير والتصرف قد تم ترسيخها بعمق في شخصيتنا – أنماط الكبرياء، والحساسية المفرطة، وانعدام الأمن، والحسد، وما إلى ذلك – يبدو احتمال بناء طرق جديدة أمرًا غير محتمل. سنكون بلا أمل تمامًا بدون تدخل نعمة الله.
لكن الله يستطيع أن يغيرك: “حَيْثُ كَثُرَتِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱزْدَادَتِ ٱلنِّعْمَةُ جِدّاً” (رومية 5 :20). إن مزاجنا لا يحدد هويتنا، ليس عندما يعيد الله تشكيلنا ويعطينا هوية جديدة في المسيح. إن الله قادر على أن يحول قلبًا من حجر إلى قلب لحم! (حز 36 :26).
وهكذا يعلن المسيحي، دون ذرة من المبالغة، “أنا خليقة جديدة” (رسالة كورنثوس الثانية 5 :17). من خلال عمل الروح القدس الخارق للطبيعة، لا يوجد شيء في حياتنا أو شخصيتنا أو شخصيتنا يمكن أن يظل كما هو – ولا حتى في أعمق أجزاء هويتنا وأحلكها. من العدم يخلقه الله جديدًا.
نحن نتغير، حتى لو حدث التغيير بطرق غير محسوسة في البداية. إن لحظة الاهتداء ما هي إلا لحظة واحدة معجزية، بينما يستمر مشروع تقديس الله لحياتنا مدى الحياة. أحب كيف يتحدث بولس عن المؤمنين الذين يتغيرون “من مجد إلى مجد” (رسالة كورنثوس الثانية 3: 18). شيئا فشيئا، هناك تغيير في شخصيتنا. عندما نموت عن الخطيئة، نشهد أيضًا نمو سمات جديدة وبدايات اتجاهات أفضل. الانتصارات صغيرة في البداية، ولكن عندما يعمل الله في حياة أبناءه الأحباء، فإن الانتصارات تصير مؤكدة.
إعادة تشكيل شخصيتنا
تذكرنا خبرة بولس في رومية 7 أن صراعنا مع الخطيئة سوف يستمر. سيصارع أحد المؤمنين طوال حياته متحديًا الرغبة في إرضاء الناس. وستجد مؤمنة أخرى نفسها متخلفة عن طريق كسل عميق الجذور. سوف تلاحق الآخرين روح الجشع، أو الميل للقلق المَرضي. ولكن من خلال التعرف على هذه الميول في شخصيتنا، يمكننا أن نكون أكثر استعدادًا لخوض معركة حاسمة. يجب أن تجعلنا خطايانا المحيطة بنا بسهولة أكثر تشبثًا وتعلقًا بنعمة الله يومًا فيومًا في الغفران والتجديد. لأن النعمة هي ما وعد الله أن يعطينا إياه إلى النهاية: “ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.” (فيلبي 1: 6).
هل يعني وعد الله أنه في يوم من الأيام سيتم القضاء على شخصياتنا الفريدة أو إغراقها كليًا في التقديس؟ أنا لا أعتقد ذلك. من المؤكد أن الله يحب تنوع جسد المسيح أكثر من أن يحولنا إلى نسخ مكررة متشابهة.
ومع ذلك، نظرًا لأنه يغير كل واحد منا إلى صورة ابنه، فإن الله سيعيد توظيف بعض سمات شخصيتنا في نقاط قوة فريدة ومقدسة. يصبح الشخص العنيد عازمًا على العيش من أجل المسيح. يتعلم المنفتح أنه قادر على مشاركة الإنجيل بسهولة مع غير المؤمنين. كما أن الروح الهادئة توجه تفكيرها نحو فهم الآخرين والصلاة من أجلهم بتعاطف.
فالخبر السار هو أن المسيح قادر على فعل أشياء عظيمة مع كل واحد منا، بغض النظر عن هويتنا أو من أين أتينا. نحمد الله “وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْئٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ ٱلْقُوَّةِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ فِينَا” (رسالة أفسس 3: 20).
هل يمكنني حتى التغيير؟ لا، لكن الله يمكن أن يغيرني.
[1] Sinclair Ferguson, Devoted to God: Blueprints for Sanctification (Edinburgh: Banner of Truth, 2016), 198, emphasis original.