المنهج اللاهوتيّ

التعريف

المنهج اللاهوتيُّ هو الأسلوب الذي يقترب به المرءُ من تفسير الكتاب المُقدَّس وهو الكيفية التي يتوصَّل بها إلى الخُلاصات العقيديَّة المُترتِّبة على ذلك التفسير.

المُلخَّص

المنهج اللاهوتيُّ هو الأسلوب الذي يقترب به المرءُ من تفسير النصوص الكتابيَّة exegesis واللاهوت. وتُوجَد خمسةُ علومٍ لاهوتيَّة متَّصِلة فيما بينها: تفسير النصوص الكتابيَّة، واللاهوت الكتابيّ، واللاهوت التاريخيّ، واللاهوت النظاميّ، واللاهوت العمليّ.


تُوجَد خمسةُ علومٍ لاهوتيَّة

إنَّ العلومَ اللاهوتيَّة الرئيسيَّة الخمسة هي تفسيرُ النصوص الكتابيَّة، واللاهوت الكتابيّ، واللاهوت التاريخيّ، واللاهوت النظاميّ، واللاهوت العمليّ.

1. تفسير النصوص الكتابيَّة Exegesis

يفسِّر”عِلمُ تفسير النصوص الكتابيَّة“ أيَّ نصٍّ بتحليلِ ما قصَدَ الكاتِبُ أن يُوصِلَه. إنَّه يستخرج المعنى من النصِّ. فما التفسير إلَّا قراءةٌ مُتأنِّية. فعلى سبيل المثال، عندما تتسلَّم امرأةٌ شابَّة رسالةً من خطيبِها المُتيَّمة بحُبِّهِ، فإنَّها تقرأها برويَّةٍ وتأنٍّ؛ إذ تتوق إلى أن تفهمَ ما قصَدَهُ خطيبُها. فالنصُّ يعني ما قصَدَهُ كاتِبُ النصِّ. ويسعى التفسيرُ Exegesis إلى شرحِ النصِّ وتفسيره باكتشاف ما قصَدَهُ كاتِبُه. (راجِع مقالَ ”تفسير الكتاب المُقدَّس: مُقدِّمة عامة.“)

2. اللاهوت الكتابيّ

يدرُس علمُ اللاهوت الكِتابيِّ كيف أنَّ الكتابَ المُقدَّس كلَّه يتدرَّج نحو المسيح ويتَّحِد وينسجم معًا ويبلغ ذروته فيه. إنَّه أسلوبٌ لتحليل الكتاب المُقدَّس وتجميعه يخلُق روابط أصلية ومتعلِّقة بتاريخ الخلاص مع أسفار الكتاب كُلِّها وَفقًا لشروطها الخاصة، ولا سيَّما فيما يتعلَّق بكيف أنَّه في المسيح يتَّحِد العهدان القديم والجديد ويبلغان ذروتهما.

موضوعاتٌ كثيرة في الكتاب المُقدَّس مُرتَّبة ومُنظَّمة – فهي تنمو معًا بتوافُقٍ بانسجامٍ كجزءٍ من كلٍّ. فهي مثل شجرة تفَّاحٍ: قد يبدأ الموضوع كبذرةٍ تنبت وتنمو ببطءٍ لتصبح شجرةً ناضِجة تُثمر تفَّاحًا. تتكوَّن الشجرةُ من عدَّة أجزاءٍ: جذور، وجذع، وأغصان، وأوراق، وثمر التفَّاح. ومع ذلك فهي كلُّها شجرةٌ واحدة. علم اللاهوت الكتابيّ يدرُس ويجمع هذا النموَّ.

يشير تاريخُ الخلاص إلى قِصَّة الفداء في الكتاب المُقدَّس، والتي تنتقل من الخلق إلى السقوط إلى الفداء والاكتمال. يربط اللاهوت الكتابيُّ الأحداثَ الرئيسيَّة الموجودة في تلك القِصَّة. هناك عِدَّة طرقٍ مُتداخِلة للقيام بذلك: (1) تتبُّع تدرُّج موضوعٍ ما من جهة تاريخ الخلاص (مثال على ذلك، موضوع الهيكل). (2) ملاحظة استمرار العلاقة وتوقُّفها بين العهود covenants (على سبيل المثال، ما علاقة المسيحيِّين المؤمِنين بشريعة موسى؟). (3) تتبُّع الوعود وتتميمها (على سبيل المثال، دراسة لغة متَّى عن التتميم). (4) دراسة الرمز أو المِثال type والمرموز إليه antitype (على سبيل المثال، آدم والمسيح). (5) تحليل كيف يستخدم العهدُ الجديد العهدَ القديم. لماذا يقتبس كُتَّابُ العهدِ الجديد أو يشيرون إلى مقاطعَ معيَّنة من العهد القديم بطريقتِهم بعينِها؟

يشكِّل اللاهوت الكتابيُّ إطارًا مفيدًا لقراءة أيِّ جزءٍ من الكتاب المُقدَّس في ضوء الكُلِّ. يجب أن يقرأ المسيحيّون المؤمِنون في هذه المرحلة من تاريخ الخلاص أيَّ جزءٍ من الكتاب المُقدَّس – بما في ذلك العهد القديم – بعدسةٍ مسيحيَّة. فالكتاب المُقدَّس هو قِصَّةٌ واحدةٌ كبيرة كُلُّها عن يسوع. إليك إحدى الطرُق للتعبير عن الرسالة اللاهوتيَّة للكتاب المُقدَّس في جملةٍ واحدة: الله يملك، ويخلِّص، ويُشبِع بواسطة عهدٍ لمجدِه في المسيح. (اُنظُر مقال ”علم اللاهوت الكتابيّ“).

3. علم اللاهوت التاريخيّ

يُعاين اللاهوت التاريخيُّ ويقيِّم كيف فَهِمَ المُفسِّرون واللاهوتيّون الأجِلَّاء الكتابَ المُقدَّسَ واللاهوت. وكيف تطوَّرتِ العقيدةُ المسيحيَّة؟ ولا سيَّما كيف استجابت للتعاليم الكاذِبة المُضِلَّة؟ يركِّز هذا على فترات زمنيَّة سابِقة لوقتنا. إنَّه كِبرياءُ وكسلٌ أن يقدِّم شخصٌ ما وجهات نظره دون [أن يدرُس] في اللاهوت التاريخيِّ على الإطلاق. (راجِع مقالات ”اللاهوت التاريخيّ“ و”اللاهوت الآبائيّ“ و”لاهوت العصور الوسطى“ و”اللاهوت المُصلَح“ و”علم اللاهوت السكولاستي.“)

4. علم اللاهوت النظاميّ

يتبيَّن علمُ اللاهوت النظاميِّ كيف يتَّسق [يترابط منطقيًّا] مقطعٌ ما اتِّساقًا لاهوتيًّا مع الكتابِ المُقدَّس كُلِّه. ويجيب عن السؤال ”ماذا يقول الكتابُ المُقدَّس كلُّه عن _______؟“ إنَّه يفترض مُسبَقًا أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ كُلَّه مُترابِطٌ ومُتماسِكٌ، وأنَّه لا يُناقِض أو يعارِض نفسَه.

يُرابِط علمُ اللاهوت النظاميِّ ما يعلِّم به الكتابُ المُقدَّس كُلُّه وينظِّمه حسب الموضوعات أو الأفكار الرئيسيَّة. جرَتِ العادة، أن ينقسم علمُ اللاهوت النظاميِّ إلى عشرة أقسامٍ تقريبًا. هذه عقائد يؤكِّدها الكتابُ المُقدَّس واللاهوت التاريخيُّ.

  • دراسة طبيعة الله وصفاته (العقيدة عن الله)
  • البيبليوجرافي (عقيدة الكتاب المُقدَّس)
  • عقيدة الملائكة والشياطين
  • الأنثروبولوجيا (عقيدة الإنسان)
  • الهامَرتيولوجي (عقيدة الخطيَّة)
  • الكرستولوجي (العقيدة عن شخص المسيح وعمله)
  • السوتريولوجي (عقيدة الخلاص)
  • النوماتولوجي (العقيدة عن الروح القدس)
  • الإكليسيولوجي (العقيدة عن الكنيسة)
  • الإسخاتولوجي ”علم الأُخرويَّات“ (عقيدة الأيَّام الأخيرة)

يشتمل علمُ اللاهوت النظامي أيضًا على مجالاتٍ أُخرى تركِّز على الدفاعيَّات والفلسفة. إنه يستعمل أدواتِ المنطق والتاريخ والاختبار لتفسير ما يقوله الكتابُ المُقدَّس عن هذه الموضوعات وتنظيمه تنظيمًا مُترابِطًا. إنَّما العقيدة المبنيَّة على الكتاب المُقدَّس هي الركيزة الأساسيَّة لعلم اللاهوت النظاميِّ. هذه الأقسام العشرة هي العناوين الكبيرة التي يندرج تحتها معظمُ علم اللاهوت النظاميِّ. تتضمَّن الأنظمة اللاهوتيَّة واحدًا أو أكثر من هذه العناوين. على سبيل المثال، يتضمَّن الفِكرُ الكالفينيُّ والأرمينيُّ في المقام الأوَّل عقيدةَ الله، والأنثروبولوجيا ”عقيدة الإنسان“، ودراسة الخطية، وعلم الخلاص، ولاهوت العهد. أمَّا الفِكر التدبيريُّ dispensationalism فيتضمَّن في المقام الأوَّل الإكلزيولوجي ”علم الكنيسة“، والإسخاتولوجي ”دراسة الأمور الأخيرة“. ويتضمَّن نظامُ الإدارة في الكنيسة المعمدانيَّة والمشيخيَّة والأنجليكانيَّة علمَ الكنيسة. إنَّ علمَ اللاهوت النظاميِّ من شأنِه أن يُثري كيف تفسِّر نصًّا مُعيَّنًا، ولكن إذا كان إطارُك اللاهوتيّ النظاميّ غيرَ صحيحٍ، فيمكن أن يؤدِّي ذلك أيضًا إلى تشويه كيف تفسِّر نصًّا مُعيَّنًا. (راجع مقال “علم اللاهوت النظامي”.)

5. علم اللاهوت العمليّ

يطبِّق اللاهوت العمليُّ النصَّ على حياتِك وعلى الكنيسة وعلى العالَم. إذ يجيب عن السؤال، ”فكيف إذن يجب أن نحيا؟“

شتَّان ما بين طرْحِ السؤال “ماذا يعني نصُّ يوحنَّا 3: 16؟” و”ماذا يعني نصُّ يوحنَّا 3: 16 لي أو للكنيسة أو للعالم اليومَ؟“ فالسؤال الأوَّل يحتاج إلى التفسير exegesis، أمَّا الثاني فيتطلَّب التطبيقَ application.

يجب أن ينبُع اللاهوت العمليُّ طبيعيًّا من العلوم اللاهوتيَّة الأُخرى: التفسير، واللاهوت الكتابيّ، واللاهوت التاريخيّ، واللاهوت النظاميّ. يطبِّق علمُ اللاهوت العمليِّ هذه العلوم ليُعين الناسَ أن يمجِّدوا اللهَ بأن يعيشوا بحكمةٍ مُتبنِّين نظرةً كتابيَّة إلى الحياةِ.

يمكننا تقسيم العلوم اللاهوتيَّة الخمسة إلى اثني عشر مُكوِّنًا

المُكوِّنات الثمانية الأُولى هي جوانب من التفسير:

  1. النوع الأدبيّ: وضْع مبادئ توجيهيَّة لتفسير نوع الأسلوب الأدبيِّ لمقطعٍ ما.
  2. النقد النصِّيّ: تحديد الصياغة الأصليَّة للكلمات والجُمَل.
  3. الترجمة: مقارنة الترجمات.
  4. قواعد اللغة: فَهْم كيف تنقل الجُمَلُ المعنى بالكلمات والتعبيرات والعبارات (خصوصًا في اللغات الأصليَّة للكتاب المُقدَّس – العبريَّة والآراميَّة واليونانيَّة).
  5. رسْم مخطَّط للحُجَّة: تتبُّع الحُجَّة المنطقيَّة برسم الأقواس أو وضع النصّ بين قوسين أو تقسيم الجُمَل.
  6. السياق التاريخيّ الثقافيّ. فَهْم الظروف المُحيطة بكتابة الكاتِب للنصِّ وأيِّ تفاصيلَ تاريخيَّة ثقافيَّة يذكرها الكاتِبُ أو يظهر أنَّه يُسلِّم بصحَّتِها.
  7. السياق الأدبيّ: فَهْم الوظيفة التي يؤدِّيها هذا المقطعُ في السفر كلِّه.
  8. دراسة الكلمات: تحليل الكلمات الرئيسيَّة والعبارات والمفاهيم.
  9. اللاهوت الكتابيّ: دراسة كيف أنَّ الكتابَ المُقدَّس كلَّه يتدرَّج نحو المسيح ويتَّحِد وينسجم معًا ويبلغ ذروته فيه.
  10. اللاهوت التاريخيّ: يقوم اللاهوت التاريخيُّ بمسح وتقييم كيف فَهِمَ المُفسِّرون واللاهوتيّون الأجِلَّاء الكتابَ المُقدَّسَ واللاهوت.
  11. اللاهوت النظاميّ: يتبيَّن علمُ اللاهوت النظاميِّ كيف يتَّسق مقطعٌ ما اتِّساقًا لاهوتيًّا مع الكتابِ المُقدَّس كُلِّه.
  12. اللاهوت العمليّ: يطبِّق النصَّ على حياتِك وعلى الكنيسة وعلى العالَم.

ليسَتِ المُكوِّنات الاثني عشر خطواتٍ بالضبط بمعنى أنَّه يجب عليك أن تنتقل بدقَّةٍ من الخطوة الأُولى إلى الثانية عشرة في كلِّ مرَّةٍ تفسِّر فيها مقطعًا من الكتاب المُقدَّس. لكن من المفيد أكثر أن نفكِّر في هذه المُكوِّنات الاثني عشر باعتبارها جوانب من العملية الشامِلة للتفسير واللاهوت. ويمكنك التركيز على أيٍّ من المُكوِّنات الاثني عشر لكي ترفع من براعتِك [في التفسير] عامَّةً. وهكذا فإنَّ لاعبَ كرة القدم قد يتدرَّب بالتركيز على الجوانب الفرديَّة للعبة – المُراوغة، التمرير، التسديد، إلخ. لكنَّ هذه المُكوِّنات جميعها مُتداخِلة.

العلوم اللاهوتيَّة مُترابِطة

كيف ترتبط العلومُ اللاهوتيَّة الخمسة بعضُها ببعضٍ؟ قد يقترح البعضُ أنَّ الأمرَ كُلَّه هو أنَّنا نسير في خطٍّ مستقيم من التفسير إلى اللاهوت الكتابيِّ إلى اللاهوت التاريخيِّ إلى اللاهوت النظاميِّ إلى اللاهوت العمليِّ. لكن ذلك لا يفيد. فليس مُمكنًا أن تستعمل أيًّا من العلوم اللاهوتيَّة الخمسة دون أن تؤثِّر عليك العلومُ الأربعة الأُخرى بدرجةٍ ما – سواء بوعي أم بغير وعي. على سبيل المثال، قد تظنُّ أنَّه يمكنك تفسير الكتاب المُقدَّس بطريقة محايدة وموضوعيَّة، ومِن ثَمَّ تبني علمَ اللاهوت النظاميِّ الذي سوف تتبنَّاه على مثل هذه الاكتشافات. لكن في الحقيقة إطار اللاهوت النظاميِّ الذي تتبنَّاه بالفعل يؤثِّر بشدَّةٍ في تفسيرِك. وبينما ننضج في أيٍّ من العلوم اللاهوتيَّة الخمسة، فهذا من شأنِه أن يساعدنا على أن نصبح أكثر مهارةً في العلوم الأُخرى.

استنتاج

الجملة الوحيدة التي علقت في أذهانِ أُناسٍ كثيرين من كتاب ”لتفرح الأمم“ للكاتِب جون بايبر،  هي جملة رائعة: ”سبب وجود الإرساليات هو غياب العبادة.“ ينطبق هذا الأمر على العلوم اللاهوتيَّة الخمسة أيضًا. إنَّ سبب وجود التفسير واللاهوت هو لأنَّ العبادةَ غير موجودة.

إنَّ الهدفَ الأساسيَّ من التفسير واللاهوت هو أن نعرف اللهَ ونعبده. ليس الهدف أن نبرع في كلمة الله أو نتمكَّن في معرفتها بل أن تُخضِعنا كلمةُ الله. وعندما تفهم التفسيرَ واللاهوت فهمًا أفضل، يصبح التسبيح أكثر ثراءً.

شارك مع أصدقائك

أندي نسيلي

حاصل على درجتيّ الدكتوراة في اللاهوت، أحدهما من من جامعة بوب جونز والثانية من كليّة ترينتي الإنجيليّة للاهوت. ويعمل كأستاذ للاهوت النظامي ولاهوت العهد الجديد في كليّة بيت لحم.