إن قصة الميلاد تُعاد على مسامعنا عامًا بعد عام طوال فترة أعياد الميلاد بطرق عدة، من خلال القصص، والأفلام التليفزيونية، واللوحات. وحتى اعتقدنا أننا نعرف القصة بكافة تفاصيلها وأبعادها، لكن بعض التفاصيل التي نعتقد أننا نعرفها حول قصة الميلاد تبين أنها غير دقيقة.
إليك 5 مفاهيم خاطئة شائعة حول قصة ميلاد المسيح.
1. ظهر النجم في الليلة التي وُلد فيها يسوع
في بيوتنا وكنائسنا غالبًا ما يوضع النجم فوق مغارة الميلاد. ولكن تكمن المشكلة أنه لا يوجد دليل يُشير إلى وجود نجم في الليلة التي وُلد فيها يسوع. فعندما بشّرت الملائكة الرعاة بولادة المسيح، لم تكن العلامة التي أُعطيت لهم هي النجم. بل قيل لهم:
“وهذِهِ لكُمُ العَلامَةُ: تجِدونَ طِفلًا مُقَمَّطًا مُضجَعًا في مِذوَدٍ.” (لوقا 12:2)
النجم كان العلامة التي أُعطيت لاحقًا للمجوس وليس للرعاة (متى 2:2)، والذين في الأغلب قد أتوا لزيارة يسوع في فترة لاحقة بعد ولادته. ولا نعرف على وجه اليقين متى جاء المجوس، ولكن الإشارة الوحيدة التي لدينا هي أن هيرودس قد أمر بقتل أطفال بيت لحم مِن ابن سنتين فما دون، مما يُشير إلى أنه في الأغلب كان قد مر وقت على ولادة يسوع.
2. المجوس كانوا ثلاثة أشخاص
هناك اعتقاد شائع بأن المجوس كانوا ثلاثة أشخاص، وفي الأغلب يعود هذا الاعتقاد لعدد الهدايا التي قدموها ليسوع وهي: الذهب واللُبان والمُر. ولكن لا يُعقل أن في ذلك الزمان يقطع ثلاث أشخاص بمفردهم كل هذه المسافة حاملين هدايا نفيسة ومعرضين أنفسهم للصوص وقُطّاع الطريق.
ولكن البشير متى يخبرنا ببساطة عن المجوس بقوله:
“ولَمّا وُلِدَ يَسوعُ في بَيتِ لَحمِ اليَهوديَّةِ… إذا مَجوسٌ مِنَ المَشرِقِ قد جاءوا إلَى أورُشَليمَ.” (متى 1:2)
3. مشهد الطرد من الفندق
تُقدم بعض الأفلام التي تحكي قصة الميلاد مشاهد لأصحاب الفنادق وهم يرفضون استقبال يوسف ومريم والتي كانت قد أوشكت على أن تضع طفلها.
ولكن في الأغلب ما قصده البشير لوقا من استخدامه للكلمة اليونانية “καταλύματι” في قوله: “إذ لم يَكُنْ لهُما مَوْضِعٌ في المَنزِلِ” (لوقا 7:2)، أنه لم يكن هناك مكان لوضع الطفل يسوع في المكان الذي أقاموا فيه. وهذا المكان بحسب تقاليد ذلك الزمان، كان، في الأغلب، غرفة صغيرة للضيوف مُلحقة بمنزل عائلة يوسف في بيت لحم.
4. وُلد يسوع في حظيرة
أصبح من الشائع الاعتقاد أن يوسف قد أُجبر على أن يُقيم هو وعائلته في حظيرة، نظرًا لأنه لم يجد لهم موضع في منزل. ولكن النص الكتابيّ لا يقول إن يسوع ولد في حظيرة، ولكن فقط أن العذراء مريم “قَمَّطَتهُ وأضجَعَتهُ في المِذوَدِ” (لوقا 7:2).
وعلى الرغم من أن كلمات لوقا هنا تبدو وكأنه يُشير إلى إمكانية أن الولادة قد وقعت في حظيرة، ولكن كان من الشائع في بيوت ذلك الزمان إبقاء مَعلف الحيوانات (أو المذود) في الساحة الرئيسية لبيوت القرية.
ففي الغالب أنه بسبب ضيق الغرفة التي وضعت فيها مريم طفلها وعدم جاهزيتها، اضطرت لأن تضعه في المكان الذي تأكل منه الماشية.
5. 25 ديسمبر هو عيد وثني
هناك دليل ضمنيّ في النص الكتابيّ يُفيد بأن يسوع في الأغلب لم يُولد في فصل الشتاء. وذلك بسبب أنه كان من المستحيل أن يقوم الرعاة برعاية أغناهم في الطل في فصل الشتاء القارص.
فمن أين آتى الاحتفال بعيد الميلاد في 25 ديسمبر؟
يعتقد البعض أن المسيحيين قد استولوا على عيد “إله الشمس الذي لا يُقهر”، والذي كان يقع يوم 25 ديسمبر من كل عام، وحولوه للاحتفال بميلاد المسيح. ولكن الأدلة التي تُقدَّم في هذا الشأن ضعيفة للغاية.
فقد كان لدى المسيحيين الأوائل اعتقاد بأن يسوع صُلب في نفس اليوم الذي حَبلت فيه العذراء مريم، والذي اعتقدوا أنه كان في يوم 25 مارس.
فإذا حسبنا تسعة أشهر من هذا التاريخ، لفهمنا المنطق وراء اختيار المسيحيون الأوائل ليوم 25 ديسمبر لعيد الميلاد.
القصة الحقيقية
هذه المفاهيم الخاطئة تُذكّرنا بأنه في أحيان كثيرة نستقي معرفتنا عن القصص الكتابيّة، ليس من النص نفسه، وإنما من التصورات الشعبيّة. ولكن عندما نلقي نظرة فاحصة على النص الكتابيّ، ستظهر أمامنا صورة رائعة وأكثر دقة لما حدث في تلك الليلة.
فما حدث في تلك الليلة هو أحد أعظم الأحداث التي وقعت في كل التاريخ البشريّ. لحظة اختراق الله لعالمنا المظلم والبارد، حين صار إنسانًا ليفدي لنفسه شعبًا خاطئًا.