لكوني أم لأكثر من 13 عامًا، يمكنني القول بأنني أتفهم مشاعر الأمهات في مثل هذا اليوم من كل عام في ذكرى عيد الأم. فكأمهات نقضي كل أيام السنة نقوم بالمهام اليومية العادية والتي عادة ما تمر دون تقدير أو ملاحظة سواء من قِبَل الأبناء أو الزوج. لذا، فيوم إجازة من هذا الروتين يغشاه التقدير يبدو مثاليًا بشكل لا يُصدق. فمن ذا الذي يرفض أن يستيقظ في مثل هذا اليوم ليجد الإفطار قد جاءه على سريره، أو ليتفاجأ بهدية قيمة كتعبير عن التقدير والامتنان؟
ومع ذلك، ليس أهم شيء هو ما نفعله أو لا نفعله في عيد الأم بقدر اتجاه قلبنا في هذا العيد.
مكافأة أعظم
لقد سقطت العديد من الأمهات في فخ وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يعتقدون أن قيمتهم تتحدد بما يُكتب عنهم من إشادة وتقدير على إنستجرام أو الفيسبوك. في عالمٍ يسوقه زر الإعجاب والصور المُعدلة والمنتقاة بعناية، يمكن أن يُوّلد ذلك شعور بالاستياء، أو بالمرارة، أو ربما بالتفوّق على سائر الأمهات.
قد يقود ذلك إلى أن نتوقع كأمهات أمور غير واقعية من أزواجنا وأبنائنا. والتي لو لم تُسَدَد (لأننا في الغالب لن نُفصِح عنها) سنُصاب بخيبة أمل قد يستغلها إبليس لاختلاق المشاكل والاحتكاكات مع أحبائنا. فيخرج السخط المبرر عن كونه سخط على موقف ليُسيطر على تفكيرنا وانفعالاتنا.
بكل تأكيد يُشجعنا الكتاب المقدس على توقع المكافآت على الأعمال التي نقوم بها بشكلٍ يفوق جدًا ما يمكننا الحصول عليه هنا والآن (كولوسي 23:2). ولكن يمكن لثقافة الاستحقاق التي تهيمن على عائلاتنا أن تُحول نظرنا ليكون قاصر على توقع وانتظار المكافآت الأرضية والفرح الضئيل بالمقارنة بالمكافأة الأعظم التي تنتظرنا.
مصدر أعظم للقيمة
كانت أمنا حواء هي أول من أظهر حماقة الاعتقاد بأنها تستحق أكثر مما أعطاها الله. افتقرت حواء في محاولتها لتكون “كَاللهِ” (تكوين 5:3) إلى القناعة والامتنان والتمتع بما أخذته بالفعل، أي “جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ” (تكوين 16:2). ووجدت نفسها تحت تأثير خداع الحيّة تطلب المزيد بسبب اعتقادها بأنها تستحق المزيد (تكوين 3:1–5).
من السهل علينا في عيد الأم تبني عبارات استهلاكية مثل عبارة “لأنك تستحقينها” التي نُشاهدها في الحملات الإعلانية على المنتجات الخاصة بعيد الأم. ولكن عوضًا عن تصديق هذه الرسائل سواء عن قصد أو بغير قصد، نحتاج أن نسمع رسالة الله بفم إرميا النبيّ: “لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً” (إرميا 13:2).
عندما نعتمد على الهدايا ومنشورات الإطراء على وسائل التواصل الاجتماعي لتغذية إحساسنا بالقيمة، لن نجد سوى العطش، والفراغ، والاستنزاف. فكثيرًا ما ننسى أن مصدر قيمتنا وشبعنا الحقيقيّ هو ذاك الشخص الذي يخبرنا قائلًا: “لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ…. إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاسًا عِوَضَكَ وَشُعُوبًا عِوَضَ نَفْسِكَ” (إشعياء 3:43–4).
إن ما لنا في المسيح هو أعظم وأثمن بكثير من كل هدايا عيد الأم.
امتلاء أعظم
كأمهات مسيحيات هناك تعارض صارخ بين إصرارنا على الحصول على القيمة من خلال أعمالنا وما نؤمن به. فنحن لا نكتسب البركات التي يسكبها الله بغنى على حياتنا بسبب استحقاقنا. يقول الرسول يعقوب: “كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ” (يعقوب 17:1). فمن ملئ نعمته نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا نِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ، وليس من المكافآت التي نعتقد أننا نستحقها (يوحنا 16:1).
هذا لا يعني أن علينا ألا نحتفل بعيد الأم. فتقدير أمهاتنا لهو أمر جيّد وصحيح للغاية (خروج 20:12). ولكن ماذا لو قمنا بقلب فكرة “أنا استحق” رأسًا على عقب لندع الله يضع بصمته عميقًا في قلوبنا بأن كل هدية في حياتنا هي بالكامل من فيض نعمته؟
أن يكون لدينا ملابس لنغسلها، وطعام لنعده، وأسِرّة لنرتبها لهي نعمة من الله لا نستحقها. وأن يكون لدينا أطفالًا نربيهم، ونخدمهم، ونعلمهم كلمة الله لهي نعمة لا نستحقها. إن كوننا مؤهلين ولدينا العزيمة والنعمة لتتميم دعوتنا كأمهات لهي بركة لا نستحقها.
“برغم إني لا استحق”
عندما نُدرك عدم استحقاقنا وكم البركات التي نلناها كأمهات، سنمتلئ برهبة عميقة ومهابة مقدسة لله. ومن هذا الملء يمكننا أن نرفع أعيننا من على أنفسنا لنثبتها على يسوع وحده (عبرانيين 2:12).
لقد اعتقنا بسبب هذا الملء من كبرياء البر الذاتي وهياج السخط لنعيش دعوتنا كأمهات مؤمنات، حتى عندما لا يُلاحظ كم المجهود الذي نبذله. من هذا الملء لدينا القوة لنخدم بمياه الروح القدس الحيّة، لا أن نحاول أن نسكب على الآخرين من الآبار المشققة التي نحفرها لأنفسنا (يوحنا 38:7؛ إرميا 13:2).
لندع الله في هذا العيد يُغيّر تلك الفكرة في أذهاننا من “أنا استحق” إلى “برغم إني لا استحق”. وبينما يمر علينا عيد الأم مرة واحدة كل عام، فصلاتي أن نتمتع كبنات الملك بامتيازات نعمة الله الفائقة التي لا نستحقها كل يوم من أيام حياتنا وليس مرة في العام.