لا يوجد سبب يجعلنا نفترض أن كل ما تعلمناه قديمًا عن الكتاب المقدّس مَعصُوم من الخطأ. أو أن مُعلمينا القُدامى للكتاب المقدّس كانوا مَعصُومين من الخطأ. أو أن الخدمة التي غيرتك وعرّفتك على المسيح كانت مَعصُومة من الخطأ! بينما يجب أن نَكِن لهم ولخدماتهم كل التقدير، ونشكر الله على وجودهم، إلا أن الله وحده هو المَعصُوم من الخطأ. وعلى الرغم من أن كلمة الله، أي الكتاب المقدّس مَعصُوم أيضًا من الخطأ، فإن تلك العِصمَة لا تُنقَل تلقائيًا إلى أولئك الذين يقرؤون أو يُعَلمون الكلمة، مهما كان مقدار إيمانهم أو صدقهم.
كانت إحدى مبادئ الإصلاح الأساسية هي مبدأ “Semper Reformanda” (أو مبدأ الكنيسة المُصلِحة تُصلَح دائمًا)، أي أننا بحاجة إلى إصلاح دائم من خلال كلمة الله، ولذا فتفسيرنا لكلمة الله دائمًا ما يحتاج إلى إصلاح. الكتاب المقدّس معصوم من الخطأ: ولكن فهمنا لما يُعَلّمه وتطبيقنا له لَيسَا كذلك.
ثقة راسخة، وتغيير في المفاهيم
عندما قَبِلت المسيح كمُخلص في عام 1963، تعلمت الوثوق بالكتاب المقدّس الذي هو كلمة الله. عندما التحقتُ بالجامعة عام 1964، كان أول صديق لي هناك طالبًا للاهوت اعتنق فكر اللاهوت الليبرالي بعد ما كان مُحافظًا. لقد اجتهد كثيرًا لتغيير معتقداتي بشأن سُلطة، ووحي، ومصداقية الكتاب المقدس. ولكن أشكر الله أن نتيجة كل اجتهادات صديقي جعلتني أكثر تمسكًا بمعتقداتي. ويمكنني أن أقول بصدق إن معتقداتي حول وحي، وسُلطة، ومصداقية، وكفاية الكتاب المقدّس لم تتغير منذ ذلك الوقت، وأنني الآن وبعد مرور 50 عامًا، أصبحت مُتمسكًا بها بثقة أكبر. بقيت بُنية معتقداتي اللاهوتية كما هي. فأنا أسقفيّ، إنجيليّ، وأنتمي للاهوت المُصلح.
ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين، غيّرت رأيي، أو الأدق، عمّقت فَهمي وتطبيقي للنصوص الكتابيّة بخصوص العديد من القضايا. فيما يلي سأعرض بعض الأمثلة بترتيب زمني تقريبًا.
- قرأت في بداية رحلة إيماني بالرب يسوع سيّر العديد من المُرسَلين–وهي عنصر أساسي في تنشئتنا كإنجيليين. واكتشفت من خلالها أن أولئك المسيحيّون الأتقياء يستيقظون باكرًا جدًا لقضاء أطول وقت ممكن في الصلاة. فكنت أستيقظ باكرًا، وما أن أركع للصلاة حتى أغفو ثانية! لقد كان اكتشافًا رائعًا بالنسبة لي أن الكتاب المقدّس قد دعاني لأصلي، لكنه في الواقع لم يدعوني لأتّبع مثال هؤلاء المُرسلين الرائعين! اكتشفت أن الاستيقاظ باكرًا هو أحد التطبيقات الممكنة لما يُعلّمه الكتاب المقدّس عن الصلاة، ولكنه ليس التطبيق الوحيد.
- في عام 1975 تقريبًا، أَدرَكتُ فجأة أنني كنت أعظ دائمًا بهدف تغيير الأفراد: اهتدائهم، ومساعدتهم لينمو في الإيمان، ونقلهم إلى مرحلة النُضج في المسيح. ثم أَدرَكت أن الكتاب المقدّس هو الأداة التي يُغَيِرُ بِها الله شَعبَهُ، وأن النُضج في المسيح يجب أن يكون نُضج جَمَاعيّ. اكتشفت أيضًا أن الله كان في أغلب الأوقات مهتم بالخطايا الشائعة لشعبه؛ أي أن معظم الكتاب المقدّس كان موجهًا لشعب الله كجماعة (انظر التثنية، وأسفار أنبياء العهد القديم ومعظم رسائل العهد الجديد) عندما نقرأ كلمة “أنت” في الكتاب المقدّس، يُظهِر لنا السياق أنه مِن المُرَجَّح أن يكون المعنى الأدق هو “أنتم جميعًا” وليس “أنت كفرد”. لقد غَيَّرَ هذا الإِدراك طريقة قراءتي للكتاب المقدّس، بل وطريقة وعظي أيضًا. صرت الآن أوجّه وعظي للكنيسة ككل، مع رسائل بين الحين والآخر للأفراد، وأُصلي أن تتغير الكنيسة ككل، وكذلك الأفراد. وأتحدى الأفراد ليهتموا بنضج إخوتهم، ونضج الكنيسة ككل، وكذلك أيضًا فيما يخص بنضوجهم الشخصيّ.
- أدركت بعد ذلك أن رسالة الإنجيل توصَف في الكتاب المقدّس بوضوح على أنها خطة الله لخلاص وتقديس شَعبَهُ. نُخطئ إذا وعظنا أن يوحَنا 3: 16 تتعلّق فقط بالأفراد، بينما هي تدور حول محبة الله للعالم! فقد مات المسيح عن قطيعه (يوحَنا 10)؛ ورفع حَمَلُ الله خطايا العالم (يوحَنا 1)؛ وبذل المسيح نفسه من أجل عروسته، الكنيسة (أفَسُسَ 5). في الواقع، تُعتبر الكرازة بإنجيل فرديّ أمرًا جذابًا لمجتمعاتنا التي تدعم الفردانية اليوم، ولكن له نتائج سيئة: فالكرازة بهذا المنطلق تؤكد على الفردانية المُتَمَحوِرَة حول الذات؛ وتجعل المؤمنين يعتقدون أن الانضمام لكنيسة أمرًا اختياريًا؛ وتجعلهم يعتقدون أن الكرازة اختيارية أيضًا. في الواقع، رسالة الإنجيل هي أن الله يُحب العالم، ويُخلص شعبه ويُقدسه، ويدعونا للانضمام إلى شعب وكنيسته.
- أتذكر اكتشافي أن مبدأ حق الشخص في قراءة الكتاب المقدّس بنفسه وتشكيل حكمه الخاص على معناه من خلال استنارة الروح القدس (أحد السمات الرئيسية للفكر البروتستانتي في القرن التاسع عشر) لم يكن سمة من سمات اللاهوت المُصلح أو ممارساته.
- عندما كنت أكتب كتابًا عن طبيعة الكتاب المقدّس، أدركت أن التقاليد التي أتبعها (المُصلحة، الإنجيلية، والأسقفية) كانت تُعَلم أن أهم شيء يجب معرفته عن الكتاب المقدّس هو سلطته. كانت سُلطة الكتاب المقدّس قضية رئيسية في زمن الإصلاح، كما كانت السبب الأساسي للحركة التقوية الإنجيلية. ولكن، كُلَّمَا قرأت الكتاب المقدّس وجدت أن أساس ما يذكره عن نفسه كان قوته (انظر إشَعياءَ 55؛ إرميا 1: 1؛ زَكَريّا 1: 1-16؛ مَرقُسَ 4: 1-34؛ يوحَنا 8: 31-38؛ 3: 15؛ 17: 17؛ العِبرانيّينَ 4: 12، 13؛ يعقوبَ 1: 21؛ بُطرُسَ الأولَى 1: 23، إلخ). فصحيح أن الكلمة المقدسة تؤّكد على مصداقيتها وسلطانها، ولكنها تؤكد أيضًا بنفس الأهمية (بل ويُمكن بقدرٍ أكبر) على قوتها. أصبح ذلك المفهوم مهمًا جدًا بالنسبة لي. لأنه إذا كانت هي حقًا كلمة الله وذات سلطان، ولكن ليست قوية، فستكون مهمتنا أن نُفَعِلها في حياتنا وخدماتنا. لكن في الواقع، إن كلمة الله قوية تمامًا كالله! وهو الذي يُفَعِل قوة كلمته في حياتنا وفي خدماتنا. صار ذلك المفهوم مصدر تشجيع كبير في حياتي الشخصية وفي خدمتي. لم تهتز ثقتي في حق وسُلطة الكتاب المقدس، لكنني اكتسبت ثقة هائلة بقوة الكتاب المقدس.
- لقد أدركت مؤخرًا أن أسلوب قيادتي للسيارة ينطبق عليه بشكل كبير مفهوم “عين بعين وسن بسن” الذي لا يتطلب انتقامًا، لكنه يهدف إلى الحد من ذلك! ولكن كان يجب عليّ أن أظهر “محبتي للقريب” بما في ذلك تلك الشاحنات الكبيرة والصغيرة والسيارات التي تقطع عليّ الطريق.
ستلاحظ في المواقف السابقة أنني تعلمت في بعض الحالات شيئًا جديدًا عن المعنى الأدق لنصٍ من الكتاب المقدّس. وفي بعض الحالات، تعلّمت تطبيق حق كتابيّ كنت أعرفه، لكنني كنت أرفضه أو أتجاهله. وفي حالات أخرى، اِكتَشَفت طرقًا جديدة لتطبيق الحق الكتابيّ.
عندما درست التقاليد الإنجيلية والمُصلحة، اكتشفت أن ما تعلمته عندما كنت في بداية حياتي كمؤمن مسيحي لم يكن دائمًا صحيحًا أو كاملًا. لذلك كانت حياة كالفن وخدمته وتعاليمه اللاهوتية أكثر ثراءً من بعض إصدارات القرن العشرين عن التقاليد المُصلحة!
التعلم مدى الحياة
بدأت مؤخرًا بدراسة موضوع الحكمة في الكتاب المقدس، وأحد جوانب هذا الموضوع الأساسية هو أن عملية التعلم عن حكمة الله تستمر مدى الحياة، ومن الحماقة أن نعتقد أننا صرنا حكماء بقدرٍ كافٍ وليس لدينا ما نتعلمه. إن التعلم مدى الحياة والتغيير المستمر طوال الحياة يشكلان مفتاح الحكمة الكتابية (أمثال 1: 1-7؛ 4: 1-9).
ما زلت أكن كل التقدير للتقاليد وممارسات اللاهوت الإنجيليّ، والأسقفيّ، والمُصلح. ولكن التقاليد تُعِد خُدام جيدين وسادة سيئين. يعد مبدأ الإصلاح الدائم جوهريًا، لأن الأفراد والكنائس ليسوا معصومين من الخطأ. اقرأ رسائل العهد الجديد وتأمل كم يجب على الكنائس أن تتوب عن الكثير من أفعالها وممارساتها!
الحُكم على التَقلِيد
لاحظ أن التقاليد الثلاثة التي أنتمي إليها هي تقليدية للغاية! ومن الأمثلة الواضحة لذلك هو تمسكهم بترجمة (King James) للكتاب المقدس لأكثر من 350 عامًا! رغم أن أحد مبادئ الإصلاح الأساسيّة هو توفير الكتاب المقدس بلغة يفهمها عامة الشعب. ولكن التمسُك الأعمى بالتقليد أدى إلى التردد في التغيير وتنفيذ هذا المبدأ الرائع.
هناك بالطبع خطر في رفض أو تجاهل قيم التقليد. فمن الحماقة تجاهل حكمة الماضي. ولكن هناك خطر أيضًا في التمسك بالتقليد وإسكات كلمة الله! فإن الاتجاه الكاثوليكي، وليس البروتستانتي، هو الذي يُقر أن الكتاب المقدّس والتقليد يُشكلان كلمة الله الواحدة، وأن التقليد يُفَسر الكتاب المقدّس بشكل صحيح!
أنا لا أدعو إلى نبذ التقاليد أو تجاهلها. فنحن يمكننا أن نتعلم من الآخرين، لكن لا ينبغي أن نُخضِع فكرنا بالكامل لهم. يجب ألا نستخدم أفكارهم لتفادي بذل المجهود لفهم ما يُعنيه الكتاب المقدّس بأنفسنا، أو تبني ما يقولونه بدلًا من قراءة الكتاب المقدّس!
بعض الأسئلة المهمة
- تعودت أن أسأل الخدام في اجتماعات الوعظ كم مر من الوقت منذ أن غيروا الطريقة التي عاشوا بها بسبب شيء قرأوه في الكتاب المقدس. إذا كانت الإجابة أكثر من ستة أشهر، إذًا يوجد خطأٌ ما!
- يجب علينا أن نسأل عن التغييرات التي يريد الله أن يُجريها في حياة كنيستنا وفقًا للكتاب المقدس.
- هل نحن، عمليًا، أكثر التزامًا بالتقليد اللاهوتيّ المُصلح، أو اللاهوت الإنجيلي وممارساته، أو أي تقليد آخر، أكثر من التزامنا بالكتاب المقدس؟ ألم يُحاول المُصلحون الأوائل إصلاح التقليد في زمنهم وفقًا للكتاب المقدس؟
- هل تعلمت شيئًا جديدًا من الكتاب المقدّس منذ بداية رحلتك كمؤمن بالمسيح؟
- هل غيرت تطبيقك لنصوص من الكتاب المقدّس منذ بداية رحلتك كمؤمن بالمسيح؟
- هل تساءلت يومًا إذا كان تمسُكَك بالتقليد يجعلك تَترُك، أو تَرفُض أو تُبطِل كلمة الله؟ (مَرقُسَ 7: 6-13).
- كان الإصلاح في الأساس إصلاحًا للصلاة، وللاهوت، وللخدمة، ولنمط الحياة اليوميّة بواسطة الكتاب المقدّس: هل قُمت مُؤخرًا بإصلاح صلواتك، ومعتقداتك اللاهوتية، وخدمتك، ونمط حياتك اليومية وفقًا للكتاب المقدّس؟
- كان الإصلاح في الأساس إصلاحًا للكرازة بواسطة الكتاب المقدّس: هل قُمت مُؤخرًا بإصلاح نهج كرازتك وفقًا للكتاب المقدّس؟
بعض النصائح العملية
- يجب ألا ننسى أن المسيح قال إنه يَحيَا بكل كلمة تخرج من فم الله في العهد القديم (مَتَّى 4: 4)؛ وأنه سيستحي متى جاء ثانيةً بكل مَن استحى به أو بكلامه (مَرقُسَ 8: 38)؛ وأننا يجب أن نقبل كلمات رسله على أنها كلمات الله وكلماته (لوقا 10: 16؛ متى 10: 40؛ غلاطيّة 1: 11، 12).
- لا تتخلى عن أفكارك القديمة أو تتبنى أفكارًا جديدة بسهولة واستخفاف! خذ وقتًا كافيًا للتفكير بعمق، اقرأ الكتاب المقدّس على نطاق واسع وبعناية، واِستَعِن ببعض التفسيرات، وتناقش مع أصدقائك، واطلب من مرشدك الروحي بعض القراءات المفيدة.
- لا تكوّن فكرك كرد فعل ضد خطأ ما، سواء كان خطأك أو أخطاء الآخرين. إن ردود أفعالنا ضد الخطأ ليست ضمانة كافية لاكتشاف الحق! واتخاذ رد فعل مُعاكسٍ عنيف ضد خطأ ما إنما يوحي أنك لا تزال في مرحلة التشكيل! وهذا واضح في سلوك الأطفال؛ فإن رفضهم لكل مبادئ والديهم، إنما يعني أن آباءهم لا يزالون مسيطرين عليهم!
- إذا وجدت تفسيرًا أو إعلانًا جديدًا تمامًا للكتاب المقدّس، فمن المرجح أنه ليس صحيحًا!
- ابذل بعض المجهود لتعرف بِمَاذا يُفَكِر المؤمنين الآخرين في الموضوع الذي تبحث فيه، واستفد من الحُجَج التي استخدموها لتوضيح الموضوع وحسمه.
- تفقد نمط الحياة وأسلوب الخدمة المرتبطة بفكرة أو مُعتَقَد.
- فكّر في كيفية تأثير شخصيتك، وطباعك، وميولك الطبيعية، واحتياجاتك وخطاياك على تقييمك لهذا المُعتَقَد.
- لا تتأثر بحاجتك لتكون محبوبًا، ولا تخشى من الرفض. أنت مسؤول أمام الله وحده عن مُعتَقَداتك وأفعالك: “فإذًا كُلُّ واحِدٍ مِنّا سيُعطي عن نَفسِهِ حِسابًا للهِ.” (روميَةَ 12 :14)
- فكر فيما قد يعنيه وضع مُعتَقَداتك موضع التنفيذ. هل سَتُكرِم الله؟ هل سَتُفِيد الآخرين؟ هل سَتُكرِم المسيح؟ هل سَتُزيد من محبتك للآخرين؟ هل سَتُشَجع على السلوك بتَقوى؟
- اطلب من الله أن يعطيك حكمته وانت تدرس الكتاب المقدّس وتبحث في الموضوع، لكي تستمر في النمو حتى تصل إلى النضج في المسيح، وألا تقع في الحماقة أو تكتسب حكمة زائفة.
- نصيحتي لكل واعظ ومؤمن أنه حين يقرأ نص معين من الكتاب المقدّس، ويجدون أنفس يُفكر قائلًا: “أنا أعرف ما يعنيه هذا المقطع جيدًا”، هي: أن يتضع أولًا، ثم يبدأ من جديد بتفسير المقطع بتدقيق. ستجد دائمًا أفكارًا ومفاهيم وتطبيقات جديدة! يحدث ذلك معي في كل مرة أقوم فيها بإعداد عظة، ويحدُث هذا لي أيضًا حتى إن وعظت نفس المقطع من الكتاب المقدّس مرات عديدة. فإن مبدأ التعلم طوال الحياة هو المفتاح!
المسيح وحده! النِّعمة وحدها! الإيمان وحده! الكتاب المقدّس وحده! المجد لله وحده! ولتُصلَح الكنيسة دائمًا!