لا تُصدق أي شخص يُلقب نفسه بالمُلحد.
إذا كان ما يقوله بولس الرسول في رسالة رومية الأصحاح ١ صحيحًا، فلا يوجد على الإطلاق شخص يُعتبر مُلحدًا. فأي شخص يُلقب نفسه بالملحد مُخطئ على الأقل في ثلاثة محاور.
أولًا، إن من يدعي بأنه ملحد يحجز الحق الذي يعلمه ويطمسه؛ فبحسب رومية ١ “مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ” (أية ١٩)، وإنكارهم هو بمثابة تعبير عن حقيقة كونهم من “الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالْإِثْمِ” (أية ١٨). لذا، وبغض النظر عما يعتقدونه عن أنفسهم، فالله خالقهم يقول نقيضه، فعلينا الإيمان بالله لا بما يقوله الإنسان.
ثانيًا، كل من يدعي الإلحاد يُعارض إله الحق. فأن يكون المرء مخطئًا بشأن ذاته أمر، وأن يخالف ما يقوله الله عنه أمر مختلف تمامًا. يقول الله إن كل إنسان يعرف، لذا أي إنسان يقول إنه لا يعرف، يجعل من الله كاذبًا. يشبه هذا الأمر جدال الابن مع والدته حول أي يوم وُلِدَ فيه. لكن في حالتنا هذه، ليست والدته، بل خالقه المعصوم غير القابل للخطأ.
ثالثًا، كل من يدعي الإلحاد يتجاهل احتياجه الأكثر إلحاحًا، ورجائه الوحيد لتلبية هذا الاحتياج. فالله هو ألح وأعظم احتياج للإنسان. بدون الله، الإنسان ناقص. بالإضافة لذلك، يكون الإنسان عاجزًا تمامًا عن تحقيق أو بلوغ ما ينقصه. هذا ما دفع سُليمان الملك ليكتب “ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلَا مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ” (الجامعة ٢: ١١). هذه هي حالة أي إنسان بعيدًا عن الله.
١- البشر يعلمون بوجود الله:
كما رأينا، أوضح بولس أن البشر يعلمون أن الله موجود. مع ذلك، يحجزون الحق ببُطل أفعالهم. لكن، معرفته داخلهم.
نراها بطرق متعددة حتى داخل أعتى مُنكري الألوهية. (١) نراها في أوقات الأزمات، مثل الأيام اللاحقة لمأساة ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، و٧ ديسمبر عام ١٩٤١. (٢) ونراها في أوقات الفرح البهيج، مثل ميلاد طفل أو فوز فريقنا بالمسابقة الكبرى. (٣) ونراها في أوقات الخوف، مثلما حاق الخطر بطاقم رواد فضاء أبوللو ١٣ وأثناء أزمة الصواريخ الكوبية.
في مثل هذه الأوقات، يدرك البشر جيدًا أن الله موجود.
٢- البشر يعلمون بوجود الحق:
كُتب الكثير عن فلسفة ما بعد الحداثة وإنكارها للحق المُطلق. مع ذلك، يؤمن أعتى منكري الحق بوجوب تصديق كلامه. المثال الأكثر استهلاكًا هو قول الشخص: “ما من حق مُطلق”، ثم يُرد عليه بالقول: “هل أنت تقول إن الحق موجود، ويسوع المسيح رب؟” السؤال الذي يجيب عنه بقوله “لا، ليس هذا ما قصدته”.
بالطبع، هذا المثال البسيط يفشل باعتراف الجميع في توضيح تعقيد فلسفة ما بعد الحداثة. مع ذلك، الفكرة واضحة: يؤمن الجميع بالحق. ويبرهنون على ذلك في كل مرة يدلون فيها ببيان يتوقعون أن يفهمه الآخرون.
3- البشر يعلمون بوجود الصواب والخطأ:
من أولى العبارات التي يتعلم الأطفال أن يقولوها بثقة واقتناع هي “هذا ليس عدلًا!” جميعنا على يقين أن بعض الأمور خاطئة. فأحداث مثل ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ و٧ ديسمبر عام ١٩٤١، تقف كتذكار دائم بوجود وعي عام عن الصواب والخطأ.
أثناء هذه الأيام، لم يجتمع الناس يتناظرون حول ما إذا أدان الكتاب المقدس القتل أم لا؛ لم يقولوا شيئًا سوى أن صرخوا “هذا ليس عدلًا!” من المثير للسخرية أن العديد منهم صرخ مناقضين منظورهم الذي اعتنقوه عن العالم. مع ذلك، في أوقات مثل هذه حتى الحمقى يصيرون حكماء، على الأقل في هذه اللحظة.
٤- البشر يعلمون أنهم ليسوا أبرارًا:
عقب تعلمنا أن نقول “هذا ليس عدلًا”، نتعلم أن نقول “ما من إنسان كاملًا”. بهذا نعترف بافتقارنا للبر دون أن ننافق أنفسنا. انظر، إذا كان يوجد شخصًا كاملًا، فأنا ببساطة أحد الخطاة. مع ذلك، إذا لم يوجد أي إنسان كاملًا، فأنا لست أسوأ من أي إنسان آخر، وعليه فأنا بالمقارنة بار.
بالطبع يوجد من كان وما زال كاملًا. لذلك فيتحتم علينا تقديم مَن يملؤون أذهانهم بهذا الزيف إلى مُخلصنا الكامل.
٥- البشر يعلمون أن الدينونة ضرورية:
في ٢ مايو عام ٢٠١١، عرفنا أن فريق النُخبة في البحرية الأمريكية شن غارة قبل الفجر على أبوت أباد في باكستان حيث أسروا أسامة بن لادن وقتلوه. كانت ردة الفعل على هذا الخبر عالمية بتنفس جميع الناس في مختلف المناصب الصعداء عالمين أن أحد أشرس الإرهابيين في تاريخ العالم واجه عدالة ناجزة.
لماذا كانت ردة فعل الناس هكذا؟ لماذا كانت ردة الفعل الوجدانية الطبيعية واحدة بموافقة شبه عالمية على العدالة الجزائية؟ لأن الناس يعلمون أن الدينونة ضرورية. يعلمون أن الخطأ لا بد أن يُصَوَب. فإذا كانوا يعلمون هذا، فبالتالي يعلمون في مكان ما داخل أعماق نفوسهم أنهم أيضًا يستحقون العدل جزاء خطاياهم التي ارتكبوها. بالطبع، يطمس البشر هذه المعرفة ويحجزونها بطرق مختلفة بدايةً من الاحتكام إلى السلوكيات الأسوأ للآخرين إلى إدانة أنفسنا عبر نياتنا عوضًا عن أفعالنا. لكن تظل الحقيقة أننا أذكى من ذلك.
٦- البشر يعلمون أنهم في حاجة إلى مخلص:
حقيقة أن البشر يعلمون أنهم مذنبون تقود بكل تأكيد إلى حقيقة أنهم يعلمون أنهم في حاجة إلى مُخلص. مجددًا، لا يعترف الناس بهذه الحقيقة. في الواقع، هم يطمسونها ويحجزونها. على الرغم من إنهم يدركونها. وعن غير قصد يُقر البشر بهذه المعرفة بطرق مختلفة. أولًا، يعترفون باحتياجهم إلى مخلص اثناء ادعائهم بمقدرتهم على القيام بهذا الدور بأنفسهم.
على سبيل المثال، إن الإنسان الذي يؤمن أنه “في الأساس شخص صالح”، يدعي فعليًا أنه قادر على الكفارة عن خطاياه. الأمر ذاته لدى من يؤمن أنه قام بأعمال صالحة تُكفر عن خطاياه. في كلتا الحالتين، يربط الإنسان ذنبه (١) بمعرفته بعدل الله والحاجة إلى كفارة في حين (٢) يرفع ذاته إلى قامة الله ذاته ومكانته “الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ” (١ تيموثاوس ٤: ١٠).
الجزء الأصعب في الدفاعيات:
حقيقة أن البشر يؤمنون بهذه الأمور لا تسهل بالضرورة عملنا. في الواقع، إن الجزء الأصعب في الدفاعيات التفسيرية هو إقناع الآخرين بما يعلمونه حقًا. لا يجب الاستهانة بميل البشر إلى “حجز الحق بالإثم” أو التعامل مع هذا الأمر بعدم جديَّة. سيحارب البشر بضراوة ضد الحقائق المذكورة أعلاه.
ومع ذلك، تكمن قوة أعظم من الإنسان، وهي تلك التي نتكل عليها. لهذا السبب يجب أن يردد مَن يدافع عن الحق بشكل تفسيري مع بولس الرسول “لِأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لِأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلَاصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ” (رومية ١: ١٦).
تم ترجمة هذه المقالة بعد الحصول على الإذن من مؤسسة (Crossway).