١- يزخر الكتاب المقدس بعدد هائل من المصطلحات والتعبيرات والصور التي تشهد على حقيقة إننا صرنا واحدًا مع المسيح يسوع:
نجد في العهد الجديد مئات الشواهد، فعليًا، على اتحاد المؤمن بالمسيح. على سبيل المثال لا الحصر، المؤمنين مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ (أفسس ٢: ١٠)، ومصلوبين معه (غلاطية ٢: ٢٠)، ومَدْفُونِينَ مَعَهُ (كولوسي ٢: ٢٠)، واعتمدوا ليسوع المسيح ولموته (رومية ٦: ٣)، ومتحدين معه في قيامته (رومية ٦: ٥)، وجلسوا معه في السماويات (أفسس ٢: ٦)، المسيح يتصور في المؤمنين (غلاطية ٤: ١٩)، ويحل في قلوبهم (أفسس ٣: ١٧)، والكنيسة جسد المسيح (١ كورنثوس ٦: ١٥؛ ١٢: ٢٧)، والمسيح فيهم (٢ كورنثوس ١٣: ٥)، وهم فيه (١ كورنثوس ١: ٣٠)، والكنيسة جسد واحد في المسيح (أفسس ٥: ٣١-٣٢)، ويربحون المسيح ويُوجدون فيه (فيلبي ٣: ٨-٩).
بالإضافة إلى إننا في المسيح مُبررين (رومية ٨: ١)، ومُمَجدين (رومية ٨: ٣٠)، ومُقدسين (١ كورنثوس ١: ٢)، ومدعوين (١ كورنثوس ١: ٩)، وأحياء (أفسس ٢: ٥)، وخلقة جديدة (٢ كورنثوس ٥: ١٧)، ومُتبنين (غلاطية ٣: ٢٦)، ومختارين (أفسس ١: ٤-٥). يا للروعة! جميع هذه الشواهد بدون أية استشهاد من إنجيل يوحنا أو رسائله! يكفي قول إن الاتحاد بالمسيح عقيدة أساسية عند الرسل بكل تأكيد — عزيزة على قلوبهم لأنها عزيزة على قلب سيدهم.
٢- حين نتحد بالرب يسوع، نصير جزءًا من السر العظيم للكون وهو تجسد الله:
يُطلق سي. إس. لويس على تجسد الله “المعجزة الجوهرية” للمسيحية. وهو مُحق في هذا. يعتمد فداء الخطاة —والخليقة جمعاء — واستردادهم وخلقهم ثانية ومصالحتهم كليًا على الحقيقة المُطلقة أن الله، الذي لم ينتقص كمال كينونته قط، صار كاملًا في إنسانيتنا كما في المسيح يسوع. لماذا صنع الله هذا؟ بصيغة أخرى، لماذا “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا”؟ يكمن السبب الرئيسي وراء جميع الأسباب المُذهلة الأخرى لاتحاد ابن الله بذاته بإنسانيتنا في هذا: إننا من خلال الروح القدس نتحد بالمسيح لنستمتع بشركته مع الآب إلى الأبد. وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ (يوحنا ١٧: ٣).
٣- اتحادنا بالمسيح حق واقعي، وشخصي للغاية:
اتحادنا بالمسيح ليس عاطفيًا أو مجازيًا أو صورة توضيحية أو مجرد “عقيدة” في الأساس. كما ليس أسلوبًا للتحدث عن أمر آخر — سواء كان التبرير أو التقديس أو أي من بركات المسيح الأخرى (حتى وإن كان ينطوي على كل هذه النعم وأكثر!). يعد اتحادنا بالمسيح الحي جوهر حق وجودنا الجديد والأبدي. على نحو يسمو مجدًا فوق إدراكنا المحدود، نتحد، حقًا وحقيقةً، روحيًا وجسديًا مع شخص المسيح المُتجسد والمصلوب والمُقام. ما من خبر أكثر مسرة من هذا.
٤- لمركزية الاتحاد بالمسيح في الإنجيل، حملت تعاليم الكنيسة وعظاتها أصداءه على مر العصور:
ليس بالعجيب، نظرًا لشيوع الموضوع في جميع الأسفار المقدسة، تأكيد مجموعات من الأصوات الكنسية على أهمية الاتحاد مع المسيح. تشمل هذه المجموعات التاريخية اللاهوتية أصواتًا على سبيل المثال لا الحصر: إيريناوس وأثناسيوس وأوغسطينوس وكيرلس السكندري وبرنارد راهب كليرفو ومارتن لوثر وجون كالفن وجون كوتون وجوناثان إدواردز.
ومثلما قال كالفن، اتحادنا المسيح ينبغي أن ينال “الأهمية القصوى على الإطلاق”. لماذا؟ لأن اتحادنا بالرب يسوع غرض الإنجيل الأسمى: “من أجل ذلك وُضِعَ الإنجيل، أن يصير المسيح لنا، لكي نُغرس في جسده”.
٥- التبرير إحدى بركات الاتحاد بالمسيح الرائعة:
لسنا متحدين مع المسيح لأننا تبررنا. بل الأمر على النقيض: نحن تبررنا لأننا اتحدنا بالمسيح، الذي هو برنا (١ كورنثوس ١: ٣٠). ننال بركات المسيح عينها كاملة لأننا نلنا المسيح ذاته. كان لوثر مدركًا لذلك جيدًا حين قال “لكن نظرًا لأهمية التبرير، لا بد أن يتحد المسيح وأنا معًا بأن يحيا هو فيَّا وأحيا أنا فيه. يا لها من عبارة مُذهلة! فلأنه يحيا فيَّ، نلت أنا في داخلي نعمة المسيح وبره وحياته وسلامه وخلاصه؛ وتغدو هي أيضًا لي، بالتمسك والارتباط اللذين بالإيمان الذي به صرنا جسدًا واحدًا بالروح”.
٦- التقديس إحدى بركات الاتحاد بالمسيح الرائعة:
المسيح هو برنا كما هو أيضًا قداستنا (١ كورنثوس ١: ٣٠). لذلك باتحادنا به، لا يُغفر لنا ونُحسب أبرارًا فحسب، بل نتغير إلى صورته المُقدسة. بمنح المسيح ذاته لنا، لن يتركنا مُدانين مُذنبين (غير مُبررين)، كما لن يتركنا ساقطين فاسدين (غير مُقدسين) بعد الآن. وهذا لأن، وبحسب التعبير القاطع لكالفن في قوله “استحالة تجزئة المسيح”. فالرب يسوع ليس بمُخلص جزئي لإنجيل مُتَقطع. حين نتحد بالمسيح، ننال كل ما له وفيه.
٧- التبني إحدى بركات الاتحاد بالمسيح الرائعة:
بذل المسيح لحياته عمل ثمين. فقد ربطنا كليًا بذاته لنتشارك في كل ما له بصفته المُخلص. إن عطية المشاركة في بنوته (التبني) تعد الأثمن من بين جميع ما نتشاركه. فحين نتحد بالمسيح بالروح نتشارك في المحبة المتبادلة بين الآب والابن — المحبة ذاتها التي من الآب نحو ابنه الحبيب (يوحنا ١٧: ٢٣). فهكذا، يحبنا الله الآب كما يحب ابنه السرمدي. وهي المحبة الجامعة لجميع المحبات الأخرى، محبة لا تنحل ولا تُقاوَم وتمنح حياة وفرحًا لا ينتهيان أبديان. في المسيح، نحن بالحقيقة وحقًا أبناء الله وبناته إلى الأبد.
٨- الكنيسة تأسست باتحادها بالمسيح:
حقيقة الخلاص وحقيقة الكنيسة هن في الواقع حقيقة واحدة. أن تتحد بالمسيح يعني أنك مُخلص. وفي الوقت ذاته، أن تتحد بالمسيح يعني أنك الكنيسة التي هي، في النهاية، جسد المسيح وعروسه. لذلك، فالتمييز بين عقيدة الخلاص وعقيدة الكنيسة ليس سوى تمييزًا مصطنعًا. لطالما أكد الإنجيليون العظام على ما من خلاص خارج الكنيسة لأنه في الحقيقة ما من خلاص خارج المسيح. فنحن مُخلصون في المسيح، ونحن الكنيسة في المسيح. هذا هو الإنجيل الرائع ذاته.
٩- المعمودية عهد الله لنا باتحادنا بالمسيح:
في ماء المعمودية، يختم الله أجسادنا بحق اشتراكنا في موت المسيح الحي ودفنه وقيامته وحقيقتهم. بتعبير آخر، المعمودية اختبار مرئي وملموس للخبر فائق المسرة (الإنجيل) بأننا صلبنا بموت المسيح وقُمنا إلى الحياة الجديدة بقيامته. فالمعمودية هي سر هويتنا الجديدة المصلوبة والمُقامة في المسيح يسوع. كما أنها “إنجيل الماء” الذي يمنح اجسادنا اختبار حقيقة غمرنا في الرب يسوع المسيح إلى الأبد.
١٠- عشاء الرب عهد الله لنا باتحادنا بالمسيح:
بخبز وخمر عشاء الرب، يختم الله أجسادنا بحق اشتراكنا الدائم في المُخلص الحي وحقيقته. بمعنى آخر، عشاء الرب تذوق مرئي للخبر فائق المسرة (الإنجيل) بأن المسيح فينا ونحن فيه. فقد منحنا السيد المسيح الحياة الأبدية بمنحنا ذاته، ويستمر في تغذيتنا وإعانتنا بحضوره الحي. لقد صرنا، بالحقيقة وحقًا، واحدًا في المسيح عبر إنجيله، ونستمر في تناول المسيح من خلال إنجيل الخبز والخمر الذي رسمه كتذكار على حضوره الدائم من أجل جسده وعروسه. “كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟” (١ كرونثوس ١٠: ١٦). نعم بالحقيقة؛ جسده ودمه خلاصنا.
تم ترجمة هذه المقالة بعد الحصول على الإذن من مؤسسة (Crossway).