رواية الكتاب المقدس الثرية:
ربما لديك صديقًا أو أحد أفراد أسرتك اعتاد أن يروي عليك قصة بعينها عشرات المرات، لكنك في كل مرة، لسبب أو لآخر، ما زلت متحمسًا لسماعها. إن القصص التي تمتلك قوة الجاذبية ليست مُسلية فحسب؛ بل إنها قصص تعليمية إرشادية تتحدث عن الماضي لكنها تؤثر في الحاضر وربما تُنير الطريق إلى المُستقبل.
هذا ما نود أن نتعامل به مع الكتاب المقدس. نطلب المقدرة على سرد الرواية مرارًا وتكرارًا لتُشكلنا، مما سيُعيننا على تذكرها ونلتجأ إليها بمجرد أن تأتينا تحديات الحياة.
تعد رسالة أفسس ١: ٣-١٤ نصًا غنيًا على نحو خاص يسرد رواية الكتاب المقدس، والمُثير عند بولس أنها في النص الأصلي جملة واحدة طويلة بدون فواصل أو وقفات. ينساب فكر بولس فيها منطلقًا من الماضي إلى الحاضر حتى المُستقبل.
الماضي:
ماضينا خليط من الأحداث الجيدة والمروعة. تختلف طريقة روايتنا له في العشرينات عن أسلوبنا في الستينات. يفترض بولس أن لكل مِنَّا قصصه الخاصة، لكنه يسرد لنا الرواية الجوهرية التي نحن جميعا جزأً منها:
كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلَا لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ. (أفسس ١: ٤-٥)
وماذا تنفع رواية اختيارنا وتَعييننا للتبني هذه ماضي الظُلم والرفض والفقدان؟ بكل تأكيد لا تقلل منهم. إلا إنها تظهر فداحتهم بكل وضوح لأنهم ضد الله ومشيئته الأصلية. ما تفعله الرواية هو تعويض ماضينا برواية المحبة والنعمة والانتماء التي تقول “الشر والبؤس لن ينتصرا” و”الأمور ليست هي على ما تبدو عليه”. مع كل إعادة سرد للرواية، لاستزادتها بتفاصيل إضافية عن البركات التي لنا في الرب يسوع، تُضيف ثقلًا وأصالة للقصة الأصلية.
هذا واقع لمن يتبع الرب يسوع. فهو يطلبنا. لقد أحبنا وتبنانا. هذا يعني أن الحياة في المسيح ليست فترة اختبار مُمتدة. نظرًا لأن محبته لا تعتمد على ولاءتنا المتقلقلة، بل على اختياراته التي قام بها قديمًا، فنحن نتكل على الرب يسوع حاملين قصد أُعيد إحيائه الآن بعد انضمامنا للعائلة الملكية.
الحاضر:
تنتقل محبة الله المتدفقة عبر الأزمان إلى الفداء وغفران الخطايا في الحاضر. يتوقف كل شيء على ذلك. إذا تُركنا في خطايانا، فنحن منفصلين عن الله. وحدها ذبيحة المسيح المفاجئة من أجلنا تستطيع تقريب الله القدوس دون مفارقته لنا أبدًا.
ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، ٱلَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ. (أفسس ١: ٧-٩)
لما عناء تكرار سرد ذلك؟ قد يبدو الغفران بعيدًا بعض الشيء عن المؤمنين إما أن خطاياهم ليست بهذا الجُرم أو أن الغفران أسمى من أن يكون حقيقيًا. في كلتا الحالتين، يهمشون الرب يسوع من حياتهم اليومية، ويقتصر الامتنان والشكر على ما يجيء به اليوم، لا على بركات الرب الثابتة.
يشدو هذا الجزء من الرواية حين نتذكر أننا حقًا خطاة زُغنا بعيدًا عن الله. حتى حين نعتني بالآخرين، لا نستطيع اقتلاع أنانيتنا تمامًا، وكثيرًا ما تكون طاعتنا مجرد توافق سار بين ما نرغب في فعله وما يقوله الله. لذا تنجح هذه الرواية الجوهرية حين نعتاد عادة الاعتراف بالخطايا — “وَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا” (متى ٦: ١٢).
النعمة الغنية، محور رواية حاضرنا.
المستقبل:
الرواية الجيدة خاتمتها مِسك. الرجاء عنصر جوهري في الحياة البشرية؛ بدونه نحاول الانشغال بقدر الإمكان تلاهيًا عن حقائق المستقبل القاتمة. لكن رواية الله الفريدة، رواية رجاء.
وُضِعَت خطة مُسبقًا لتتحقق في المسيح يسوع في ملء الزمان، ليجمع كل شيء فيه، ما في السماوات وما على الأرض. فيه، حين آمنتم به، خُتمتم بوعد الروح القدس، عربون ميراثنا لفداء المقتنى، لمدح مجده. (مقاطع مُجمعة بتصرف من أفسس ١: ٩-١٤)
ما المقصود من “لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلْأَرْضِ”؟ خطط الله هي استردادنا نحن — والخليقة ذاتها. ستُجمع كل الأشياء، الفاسدة والملعونة الآن، تحت سُلطان الرب يسوع الملك وحكمه. سيُسترد كل شيء إلى حالته الصحيحة. بل الآن في طور تحقيق ذلك. لا نختبر غفران الخطايا فحسب، بل نشترك في خطة الله لاسترداد العدل، والجمال، والمُصالحة، والرحمة. حين نأتي إلى الرب يسوع، تزدحم الحياة فجأة بالمقاصد.
نشترك بطرق ما في هذه المقاصد الآن. لقد أُدخلنا على مشروع الله للاسترداد والإصلاح، فأفعال بسيطة مثل المحبة، والتي يُرى صداها في عدل الله وجماله ومصالحته ورحمته، أُضيفت إلى خطط ملكوته. وقد تحقق كل شيء لأن الرب يسوع ساهم في هذه المقاصد النهائية. ولا ينقص منها أو يضعفها الموت.
يقوينا هذا الرجاء على مصاعب الحياة اليومية ومشقاتها. بمعرفتنا أين سيُجمع كل ما في السماء وما على الأرض، نستطيع الانتظار والمثابرة (١ تسالونيكي ١: ٢)، عالمين أن التحمل أو المثابرة هذه هي مفتاح الحياة الحسنة. بدون الرجاء نحيا في تذمر، أو استعباد لعادات، أو يأس. لكن في الرجاء، ننظر إلى الأمام ونسرد رواية مختلفة عما يحاول إحباط الحاضر أن يفرضه. أثناء ما يرسخ الألم المزمن أن ما من تغيير سيحدث، يعرف الرجاء أن مخلصنا على عاتقه خيرنا وسلامنا. كما يعرف الرجاء محبة الرب يسوع، وينمو بالإيمان في أن جميع مواعيد الله التي وضعها، قد تحققت بالفعل في الرب يسوع.
تم ترجمة هذه المقالة بعد الحصول على الإذن من مؤسسة (Crossway).